منذ اليوم الأول لعودته إلى البيت الأبيض، تعهد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بأن يعيد الولايات المتحدة إلى «عصرها الذهبي»، واعتبر أن العناية الإلهية تدخلت لإنقاذ حياته من محاولات الاغتيال التي تعرض لها، حتى يجعل من أمريكا «دولة عظيمة» مرة أخرى، إلا أنه في الوقت نفسه أصدر عدداً كبيراً من القرارات والأوامر التنفيذية التي أثارت كثيراً من الجدل على الصعيد الداخلي، كما أطلق سلسلة من التهديدات، وضعت العديد من دول العالم في حالة تأهب.

تنوعت أوامر الرئيس الجمهوري، التي بدأ بها ولايته الثانية، ما بين إصدار قرارات بالعفو عن المتهمين في قضية اقتحام مبنى الكونجرس «الكابيتول» في عام 2021، وإقالة عدد من المحامين بوزارة العدل، ممن شاركوا في تحريك دعاوى قضائية ضده في سلسلة المحاكمات الجنائية التي تعرض لها، قبل إعادة انتخابه رئيساً للولايات المتحدة، وكذلك قراره الانسحاب من منظمة الصحة العالمية، والانسحاب من اتفاق باريس للمناخ، بالإضافة إلى منع منح الجنسية الأمريكية لأطفال الأجانب المولودين في الولايات المتحدة، فضلاً عن شن حملة ضخمة ضد المهاجرين غير الشرعيين، الذين بدأ بالفعل في ترحيل المئات منهم بالقوة خارج الولايات المتحدة إلى عدد من الدول.

كما أطلق «رجل البيت الأبيض» سيلاً من التهديدات الصريحة والمبطنة، منها إعادة السيادة الأمريكية على قناة بنما، في مواجهة ما اعتبره تنامي نفوذ الصين على الممر المائي الذي يربط بين المحيطين الأطلسي والهادئ، ودعوته إلى اعتبار كندا إحدى الولايات الأمريكية، وكذلك دعوته للاستيلاء على جرينلاند بالقوة، والإعلان عن فرض رسوم جمركية على عدد من الدول، التي ترى الولايات المتحدة أنها تشكل منافساً قوياً لها في الأسواق العالمية، بما فيها دول أوروبية، ودول أخرى أعلنت رفضها استقبال طائرات عسكرية محملة بالمهاجرين الذين يتم ترحيلهم من الولايات المتحدة، والتهديد بشن إجراءات عقابية ضد دول تجمع «بريكس»، في حالة اعتماد عملة نقدية موحدة، أو أي عملات أخرى غير الدولار الأمريكي.

وعلى مدار أقل من أسبوعين من عودته إلى البيت الأبيض، بدأت تتضح ملامح الولاية الثانية للرئيس الـ47 للولايات المتحدة، بعدما تعهد بإنهاء الليبرالية الاجتماعية، وبدء عصر جديد من الازدهار الأمريكي، ووفقاً لتقرير نشرته مجلة «نيوزويك»، فإن مشروع ترامب لجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى أصبح أكثر وضوحاً، خلال أول 10 أيام من بداية ولايته الثانية، حيث تشير العلامات الأولية إلى أن الأمور واعدة بالنسبة للرئيس الجمهوري، بدءاً من أن البيئة السياسية التي تعتبر «أكثر ودية»، مقارنةً بما كانت عليه عندما تولى منصبه لأول مرة في عام 2017، ففي ذلك الوقت، كان الحزب الجمهوري يسيطر على مجلسي الكونجرس، النواب والشيوخ، ولكنه واجه معارضة داخلية قوية من جانب الجمهوريين المعتدلين، بالإضافة إلى مقاومة شديدة من جانب الديمقراطيين.

إلا أن الوضع يختلف اليوم، إذا يهيمن مؤيدو ترامب على القيادة والأعضاء في مجلس النواب والشيوخ، الذي يسيطر عليه الحزب الجمهوري، كما أن المحاكم الفيدرالية أصبحت الآن مليئة بتعيينات موالية للرئيس الجمهوري، بما في ذلك القضاة الثلاثة الذين عينهم في المحكمة العليا، بينما لم يستقر الديمقراطيون، الذين تكبدوا خسائر كبيرة، سواء في الانتخابات الرئاسية أو التشريعية، على استراتيجية للمضي قدماً في مواجهة الأغلبية الجمهورية، بعدما قضوا معظم العام الماضي وهم يجادلون بأن محاكمات ترامب، وإدانته بجريمة، ومشاكله القانونية الأخرى، وفشله في قلب نتيجة انتخابات 2020 جعلته تهديداً وجودياً للديمقراطية في الولايات المتحدة، وعبر توري جافيتو، أحد قيادات الحزب الديمقراطي، عن الموقف القوي لفريق ترامب بقوله: «الناس يفكرون في المؤسسات، حيث يمكنهم سحب أذرع السلطة، وليس فقط التواجد في الشوارع في موقف المقاومة، الذي اعتمده الديمقراطيون عندما تولى ترامب منصبه لأول مرة»، وتابع بقوله: «لن يبدو الأمر كما كان من قبل».

وأشار تقرير «نيوزويك» إلى أن الجمهوريين يعتمدون على «الفوضى»، التي أصبحت إحدى السمات السائدة في الفريق الآخر، كما أن فريق ترامب، الذي شكله كدليل على أن فترته الثانية ستكون أكثر إنتاجية من الأولى، أثار كثيراً من الغضب في الداخل الأمريكي، خاصةً بعد اختياراته لقيادة وزارتي الدفاع والعدل، والتي تمثلت في النائب السابق عن ولاية فلوريدا، مات جايتس، الذي كان أول اختياره ليشغل منصب المدعي العام، ولكنه سحب ترشيحه وسط اتهامات بالاعتداء الجنسي، كما أحاط ترامب نفسه بدائرة داخلية موثوقة من المساعدين، بقيادة مستشار السياسة الداخلية، ستيفن ميلر، ورئيس موظفي البيت الأبيض، سوزي وايلز، مديرة الحملة المشتركة لترامب في 2024، وتحظى بقبول كبير بين أوساط الجمهوريين.

غير أن نجاح ترامب في قيادة الولايات المتحدة إلى «عصر ذهبي جديد» ليس مضموناً بأي حال من الأحوال، حيث أكد التقرير أن الإدارة الجمهورية تواجه «عقبات كبيرة»، من بينها إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، وتجنب إغلاق الحكومة في مارس، وتأمين الموارد اللازمة لتمديد خفض الضرائب، الذي أقره ترامب في ولايته الأولى، ويدرك الفريق الرئاسي وقادة الحزب الجمهوري أن أمامهم «وقت محدود» لتقديم نتائج إيجابية يشعر بها الناخب الأمريكي، قبل العودة إلى صناديق الاقتراع مرة أخرى، في انتخابات الكونغرس النصفية عام 2026، وقال مات ماكويك، قيادي بالحزب الجمهوري: «يدرك ترامب أن الانتخابات النصفية أقرب مما تبدو، وأن الفوارق في مجلس النواب والشيوخ ضيقة جداً»، وأضاف أنه لديه حوالي 18 شهراً لتأكيد جدارته بفترة ولايته الثانية، وترسيخ شعبية الجمهوريين لدى الناخبين.

وبعد فترة وجيزة من فوزه في الانتخابات، وفي أحد أولى تعييناته الرئيسية، أصدر ترامب قراراً بتعيين توماس هومان ليكون «القيصر الحدودي» لإدارته، وهو المسؤول عن وقف الهجرة غير القانونية، وتصدر هومان، الذي شغل منصب المدير المؤقت لخدمة الهجرة والجمارك في فترة ترامب الأولى، عناوين الأخبار بشكل متكرر خلال فترة الانتقال، محذراً من أن خطة ترامب للطرد الجماعي، ستكلف 86 مليار دولار، وتتطلب 100 ألف سرير احتجاز، تابع لخدمة الهجرة والجمارك، وبينما كان هومان يشغل دور الشخص المسؤول عن الحملة القادمة ضد الهجرة غير القانونية، كان فريق من مستشاري الهجرة يعمل في الخفاء لإعداد الأوامر التنفيذية، حتى يتمكن ترامب من البدء في العمل على هذه القضية فور أدائه اليمين الدستورية. وفقاً لمصادر متعددة شاركت في العمل، كانت الأوامر التنفيذية التي وقعها ترامب مصممة لتجنب العقبات القانونية التي أعاقت العديد من خطط الهجرة في بداية ولايته الأولى.

وتضمنت الأوامر التنفيذية في اليوم الأول لترامب، إعلان حالة الطوارئ الوطنية على الحدود، وتعليق برنامج قبول اللاجئين، وإنهاء تطبيق (CBP One) لطالبي اللجوء، وتحديد الجنسية بالميلاد، مما أدى إلى رفع دعوى قضائية بقيادة الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية، وعبر المدير التنفيذي للاتحاد الأمريكي للحريات المدنية، أنتوني دي روميرو، عن انتقاده لقرار ترامب في هذا الشأن بقوله إن «رفض منح الجنسية للأطفال المولودين في الولايات المتحدة، ليس غير دستوري فحسب، بل أيضاً رفض متهور وقاس للقيم الأمريكية»، فيما حذر آخرون من أن هذا القرار يضع «المواطنة في خطر»، من ضمنهم ستيفن ييل-لور، خبير الهجرة في كلية الحقوق بجامعة «كورنيل»، الذي أكد أنه «بفضل الأوامر التنفيذية المصممة بشكل أفضل، قد يكون من الأقل احتمالاً أن تصدر المحاكم أوامر منع»، وأضاف أنه «من منظور قانوني، قد يكون من الأسهل أن تجتاز الأوامر التنفيذية تدقيق المحكمة».

ومع ذلك، تعتبر «نيوزويك» أن إنشاء برنامج للطرد الجماعي قد يكون أكثر صعوبة، حيث تمتلك إدارة الهجرة والجنسية الأمريكية حالياً، مساحة لإيواء حوالي 40 ألف معتقل، وهو أقل من نصف السعة التي قال هومان إنها ضرورية، كما أن هناك الكثير من التحديات المالية، ولفتت في هذا الصدد إلى أن ترامب واجه صعوبات بالغة، خلال ولايته الأولى، في تأمين تمويل الحدود من الكونجرس، وأضافت أنه من غير الواضح كيف سيتمكن ترامب وحلفاؤه في الكونجرس من تدبير عشرات المليارات من الدولارات لبرنامج الطرد الجماعي، في خضم معركة الميزانية حول أولويات الإنفاق الأخرى، وخصومات الضرائب التي ستسيطر على الإنفاق الحكومي خلال الأشهر المقبلة.

وبحسب بيانات فيدرالية، فقد سجلت إدارة الرئيس الديمقراطي الأسبق، باراك أوباما، رقماً قياسياً في عمليات الطرد الجماعي للمهاجرين في عام 2023، بلغ 432 ألف عملية، وبالتالي يتعين على ترامب تجاوز هذا الرقم في كل عام من سنوات ولايته، وأكد ييل-لور أنه «حتى إذا وافق الكونجرس على تخصيص المزيد من الأموال، فإن ذلك لن يكون كافياً أبداً لطرد ملايين المهاجرين خلال فترة ولاية رئاسية واحدة، ويعتقد الجمهوريون أن النقاشات المبكرة حول سيناريوهات الطرد، تحت قيادة ترامب، تغفل حقيقة أنه نجح في تحويل البلاد إلى اليمين في مسألة الهجرة بشكل عام، وقال براين سيتشيك، مسئول سابق في حملة ترامب: «لقد غير تماماً المحادثة حول الهجرة، لقد فاز ترامب بالفعل في هذه القضية».

أما بالنسبة لقضية الطاقة، وهي الأخرى تحتل أولوية كبيرة على أجندة ترامب، فإن الوضع قد يكون صعباً على إدارة الرئيس الجمهوري، الذي وقع أمراً تنفيذياً بإعلان حالة طوارئ وطنية للطاقة، في خطوة الهدف منها تعزيز صناعة الوقود الأحفوري، وصولاً إلى إلغاء سياسات الرئيس السابق، جو بايدن، بشأن المناخ، وتنفيذ الوعد الذي أطلقه ترامب، خلال خطاب التنصيب، بحفر المزيد من آبار النفط، ولكن تقرير «نيوزويك» أكد أن وعد ترامب بجعل البلاد رائدة في مجال الطاقة، يتناقض مع حقيقة أن الولايات المتحدة هي بالفعل قوة طاقة رائدة، فالولايات المتحدة هي الآن أكبر منتج للنفط الخام، وأكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم، وفقًا لبيانات إدارة معلومات الطاقة الفيدرالية.

في الوقت نفسه، فإن ادعاءات ترامب المستمرة بأن تغير المناخ هو «خدعة»، تتعارض بشكل متزايد مع العديد من المشرعين في الحزب الجمهوري، حصل ترامب على بعض الإشادة من اليمين، لسحب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ، لكن عدداً متزايداً من الجمهوريين قبلوا بشكل هادئ العلم المرتبط بالاحتباس الحراري، واعتنقوا استراتيجية «الكل يشمل»، التي تضم الطاقة النظيفة، ومع ذلك، فإن إعلان ترامب للطوارئ قد استبعد بشكل ملحوظ طاقتي الرياح والطاقة الشمسية، اللتين تمثلان معاً 14% من إنتاج الكهرباء في الولايات المتحدة، كما اتخذ ترامب إجراءات منفصلة لوقف تطوير طاقة الرياح البحرية، وعلى عكس بعض الأوامر التنفيذية المدروسة بعناية المتعلقة بالهجرة، يُنظر إلى حظر طاقة الرياح بين المعنيين بملف الصناعة، على أنه واسع جداً، ومعرض للطعن القضائي، وأن أي محاولات لتقليص برامج الطاقة النظيفة، بموجب قانون تخفيض التضخم الذي أصدرته إدارة بايدن، ستواجه أيضاً بمعارضة من المشرعين الجمهوريين، الذين يمكن أن تستفيد ولاياتهم ومناطقهم من الاستثمار في المشاريع المتجددة.

وفي هذا الصدد، قالت جينيفر جرانهولم، وزيرة الطاقة في إدارة بايدن والحاكمة السابقة لولاية ميشيجان، في مقابلة سابقة مع «نيوزويك»، قبل فترة وجيزة من تنصيب الرئيس الجمهوري، إن «إدارة ترامب هي التي ستكون في المنصب عندما تحدث كل هذه التوظيفات، لذا سيكون من الخطأ السياسي إلغاء كل هذه الاستثمارات»، كما أشار التقرير إلى أن المناقشات التي تجري بشأن السيارات الكهربائية أصبحت أكثر تعقيداً، حيث أصدر ترامب أمراً تنفيذياً في يومه الأول، ينهي هدف إدارة بايدن بأن تشكل السيارات الكهربائية 50% من إجمالي مبيعات السيارات في الولايات المتحدة بحلول عام 2030، إلا أن وكالة حماية البيئة قد تحتاج إلى قواعد جديدة ترافق قرار ترامب، لكي يصمد، وبينما أعرب حليف ترامب المقرب ومؤسس شركة «تسلا»، إيلون ماسك، عن دعمه لإنهاء إعانات السيارات الكهربائية في عصر بايدن، فإن القيام بذلك قد يثير معارضة من بعض المشرعين الجمهوريين، وقال فرانك ميسانو، كبير المسؤولين في مجموعة «براسويل» لحل السياسات: «أعتقد أنه لن يتغلب أبداً» على معارضته لأشياء مثل السيارات الكهربائية وطاقة الرياح، وأضاف: «لقد اتخذ الرئيس، من خلال أوامره التنفيذية، نهجاً رمزياً يحدد الأجندة بالنسبة للطاقة، لكن الكثير من ذلك سيتعين تنفيذه من قبل الكونجرس».

ووفقاً للتقرير، فإن ترامب لا يحتاج إلى الاعتماد على الكونجرس لفرض القوة الأمريكية على الساحة الدولية في الخارج، حيث دخل ترامب منصبه وهو يتمتع ببعض الزخم، بعد أن لعب مبعوثه إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، دوراً في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، خلال الأيام الأخيرة من إدارة بايدن، وأخذ ترامب جزءاً من الفضل في هذا الاتفاق، واستخدمه للقول إنه كان علامة على ما سيحدث في فترة رئاسته كقائد قوي.

وبالنسبة للصراع الاقتصادي والتجاري مع الصين، أبدت بكين استعدادها للتعاون مع الإدارة الجديدة في واشنطن، فيما يتعلق بالقضايا الاقتصادية، مما يشير إلى أن الصين قد ترغب في تجنب حرب تجارية أخرى، وأثناء فترة ترشحه للانتخابات الرئاسية، توعد ترامب بفرض رسوم جمركية مرتفعة على الواردات من الصين ودول أخرى، لكنه تأجل عن متابعة الخطة في أولى تحركاته بعد عودته إلى البيت الأبيض، وجاء هذا القرار عندما وجه ترامب وزارة العدل لوقف حظر تطبيق «تيك توك»، بينما كان يحاول استكشاف طرق أخرى للحفاظ على شركة الأم الصينية للتيك توك، تعمل في الولايات المتحدة، ومن المحتمل أن أكبر التحديات في السياسة الخارجية لترامب، هو القضية التي وعد بحلها فوراً، والتي تتعلق بإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، ففي حملته الانتخابية العام الماضي، قال ترامب إنه سينهي الحرب في أول 24 ساعة من رئاسته، والآن بعد أن عاد إلى منصبه، بدأ الواقع يتضح.

ورغم أن وزير الخارجية، ماركو روبيو، ونائب الرئيس، جي دي فانس، ومسؤولين آخرين في محيط ترامب، يشاركونه الرغبة في إنهاء أكبر حرب برية في أوروبا، منذ الحرب العالمية الثانية، فإن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ونظيره الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، هما من سيقرران في النهاية تسوية النزاع، ومع اقتراب الحرب من ذكرى ثلاث سنوات «مظلمة»، لا يزال من غير الواضح ما هي الشروط التي ستلبي تطلعات بوتين، ورغبة زيلينسكي في ضمانات أمنية من الغرب لحماية أوكرانيا من أي هجوم روسي في المستقبل.

وفي ولايته الأولى، كانت عقيدة «أمريكا أولاً» تعني الصدام مع الحلفاء، والتقرب من بعض الحكام الذين تصفهم واشنطن بالاستبداديين، مثل الرئيس الروسي بوتين، ورئيس كوريا الشمالية، كيم جونغ أون، إلا أنه في ولايته الثانية، أضاف ترامب دافعاً توسعياً خاصاً به، حيث دعا إلى إعادة قناة بنما للسيادة الأمريكية، وشراء جرينلاند لأغراض الأمن القومي، وعبر جون بولتون، الذي شغل منصب مستشار الأمن القومي لترامب، عن انتقاده لهذه الدعوات قائلاً: «نحن الآن في فترة الفقاعة»، وأضاف: «بالتأكيد هو يعرف أكثر مما كان يعرف من قبل، وهو يشعر بثقة أكبر»، لكنه تابع قائلاً: «دليل الواقع يشير إلى أن الولاية الثانية ستشبه الولاية الأولى فيما يتعلق بالفوضى وغياب الفلسفة والاستراتيجية الفعالة».

وخلصت «نيوزويك» في تقريرها إلى أن تصريحات الرئيس الأمريكي بشأن الكثير من القضايا العالمية، خلال الأيام الأولى له في منصبه، تظهر أن ترامب في ولايته الثانية لن يختلف كثيراً عن فترته الأولى، كما أن العفو الذي أصدره لعدد من مثيري الشغب في أحداث الكونجرس، يظهر أيضاً أنه لا يخطط للتخلي عن الماضي، وهو الأمر الذي يثير قلقاً لدى بعض الجمهوريين من أن ترامب قد يشتت انتباهه عن أجندته، من خلال الانتقام من خصومه السياسيين، أو التركيز كثيراً على قضايا الحرب الثقافية، ونقلت عن مصدر جمهوري، عمل مع ترامب في السابق، قوله: «أكبر عقبة أمام نجاح ترامب، هو ترامب نفسه، كما هو الحال دائماً، أحيانًا لا يستطيع أن يتجاوز نفسه، هذا بالتأكيد ممكن الآن».

 

 

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: دونالد ترامب امريكا الولايات المتحدة الكونجرس قناة بنما الصين روسيا

إقرأ أيضاً:

هل يرسم انطباع باراك ملامح دور أمريكي في مستقبل العراق؟

أثارت تصريحات المبعوث الأمريكي إلى سوريا توم باراك، جدلا واسعا في العراق، بسبب انطباعاته حول الوضع العراقي، وذلك بعد أسبوع واحد من زيارته المفاجئة إلى بغداد ولقائه برئيس الوزراء محمد شياع السوداني.

وتأتي تصريحات المبعوث الأمريكي في وقت يشهد فيه العراق مشاورات مستمرة بين القوى السياسية لاختيار رئيس جديد للحكومة المقبلة، الأمر الذي أثار تساؤلا ملحا عن مدى أخذ الإدارة الأمريكية بانطباعات توم باراك، وترجمتها إلى إجراءات واقعية.

"نموذج فاشل"
ومن جملة ما أدلى به توم باراك، هو انتقاده الشديد للسياسات التي انتهجتها الإدارات الأمريكية السابقة في العراق، معتبرا أنها "قوّت إيران وجعلتها تملأ الفراغ" الذي خلفه الاحتلال الأمريكي للبلاد عام 2003.

وقال باراك خلال مقابلة مصورة مع "ذا ناشيونال"، الجمعة، إن الإدارات الأمريكية السابقة انتهجت استراتيجيات "مكّنت من صعود إيران في المنطقة"، مشيرا تحديدا إلى ما أسماه "فراغ السلطة" في العراق الذي ملأته طهران بسرعة.

وتابع: "لقد ارتكبنا خطأً فادحا أدى في النهاية إلى توسيع نفوذ وامتيازات المليشيات المدعومة من إيران داخل البرلمان العراقي"، مضيفا أن "النظام السياسي في بغداد يعاني من الآثار طويلة المدى لتلك القرارات"، واصفا الحكومة العراقية الحالية بأنها "نموذج فاشل" ينبغي أن يكون درسا لواشنطن.

وفي تعليقه على رئيس الوزراء العراقي، قال إنه "السوداني رجل كفؤ، لكنه لا يملك أي سلطة فعلية"، عازيا ذلك إلى "هيمنة قوات الحشد الشعبي وممثليها السياسيين في البرلمان، وأن هذه الجماعات "تعيق العملية السياسية وتمنع الرئيس الوزراء من تشكيل أي تحالفات جادة".



وأعرب المبعوث الأمريكي عن إحباطه من أن " السياسة الأمريكية، رغم إنفاق تريليونات الدولارات في العراق على مدى العقدين الماضيين، لم تُحقق النتائج المرجوة".

وقال: "بعد 20 عاما، لا تزال واشنطن تُكافح لإصلاح المشاكل التي ساهمت في خلقها"، معتبرا أن "العراق يشكل مثالا واضحا على الأخطاء التي لا يجب أن تكررها الولايات المتحدة".

وكان توم باراك قد زار بغداد بشكل مفاجئ في 30 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، حيث التقى رئيس الوزراء. ولم يصدر عنه بيانا يوضح تفاصيل الزيارة.

لكن المبعوث الأمريكي، أعاد نشر بيان صادر عن مكتب السوداني، أشار إلى أن الطرفين ناقشا السبل العملية التي يمكن للعراق من خلالها الاستمرار في دعم استقرار سوريا وأمنها وازدهارها وتعافيها الاقتصادي، بما ينعكس إيجابًا على استقرار العراق نفسه.

وأوضح بيان مكتب السوداني أن اللقاء استعرض وجهات النظر المتبادلة بشأن منع أي تصعيد إضافي في المنطقة، ودعم المسار الدبلوماسي لحل الخلافات، وتوجيه المنطقة نحو مسار من التعاون والنمو الاقتصادي والاستقرار طويل الأمد.



غير أن وسائل إعلام عراقية، كشفت أن باراك أبلغ القيادة العراقية بأن إسرائيل ماضية في عملياتها حتى نزع سلاح حزب الله اللبناني، وأنه في حال دخول الفصائل الموالية لإيران، في المواجهة، فإن تل أبيب ستستهدفها دون اعتراض من الولايات المتحدة.

وأفادت التقارير المحلية بأن المبعوث الأمريكي شدد خلال لقائه مع رئيس الوزراء العراقي على "ضرورة ضبط الفصائل ووقف أي دعم قد يصب في مصلحة حزب الله في لبنان"، مؤكدا أن "الحياد ليس طلبا، بل شرطا".

وكان مارك سافايا مبعوث الرئيس الأمريكي للعراق، قد كتب تدوينة عبر منصة "أكس" في 29 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، قال فيها إن العراق يقف على مفترق طرق حاسم، بين خيارين: إما حصر السلاح خارج المؤسسات الرسمية، أو العودة إلى "دوامة التعقيد".

وفي الأول من كانون الأول/ ديسمبر الجاري، وصل نائب وزير الخارجية الأميركي مايكل ريغاس إلى بغداد، والتقى في اليوم التالي نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، وجرى الحديث عن تشكيل الحكومة العراقية المقبلة.

رسالة تحذيرية
تعليقا على ذلك، قال المحلل السياسي العراقي، أياد العنبر، إن "الإدارة الأمريكية لن تتدخل في كيفية اختيار رئيس الوزراء العراقي، وأن باراك كان واصفا لكيفية اختيار شخصية لهذا المنصب، ولم يأت بشيء جديد لا نعرفه نحن العراقيين، لكن تصريحاته تعبر عن اهتمام أمريكي بالموضوع".

واستبعد العنبر في حديث لـ"عربي21" أن "تكون ثمة انعكاسات للانطباعات التي أبداها توم باراك على أرض الواقع، وإنما يدل على أن هناك ملامح بأن الأمريكيين يدركون طبيعة التعقيدات في المشهد العراقي".

وتابع: "بدأ الأمريكيون مؤخرا يتخذون منحا بعيدا عن الرسائل المشفرة، وإنما يتحدثون بشكل واضح وعلني، وأن القضية الأهم هو التدخل في قضية تشكيل الحكومة العراقية يجري من خلال الضغط".

وأوضح العنبر أن "هناك إدراك تماما بأن الحكومة المقبلة يجب ألا يمثلها من يكون لديه قرب من التوجه الإيراني وليس إيران، وهذه هي القضية الأساسية، لأن أمريكا لا تعترض على العلاقة الطبيعية مع طهران".

وأردف: "واشنطن تعترض بالدرجة الأولى على النفوذ الإيراني والارتباط والتشابك بين الاقتصاد العراقي وإيران، إضافة إلى نفوذ السلاح أو ما يسمى بالأذرع الإيرانية، وهنا تمكن المشكلة في كيفية تعامل رئيس الحكومة المقبلة مع هذا الملف".

من جهته، رأى أستاذ العلوم السياسية في الجامعة المستنصرية، عصام الفيلي، أن "حديث توم باراك قد يكون الأول من نوعه لمسؤول أمريكي يدلي بتصريحات تمتاز بالواقعية السياسية، فهو أكد أن رئيس الوزراء ناجح جدا، لكنه لا يستطيع مواجهة الفصائل".

وقال الفيلي لـ"عربي21" أن "الفصائل ربما هي في وضع أقوى خلال الدورة البرلمانية الجديدة، كونها حصلت على أكثر من 80 مقعدا- والبعض يتحدث عن مقاربة العدد إلى 100 مقعد- بالتالي هي تستحوذ على القرار التشريعي الذي يوازي قوتها في امتلاك السلاح".

وشدد الخبير على أن "هذا الأمر بحد ذاته يعطي مبررا للولايات المتحدة الأمريكية للتدخل أكثر في الشأن العراقي، ولكن ليس عبر القنوات الدبلوماسية المعروفة، وإنما عن طريق حليفتها إسرائيل التي قد تذهب إلى استخدام قدراتها وتكرار التجربة اللبنانية في العراق".

وتابع: "ربما تلجأ الولايات المتحدة بعد تشكيل الحكومة الجديدة إلى إجراءات تلقي بظلالها على الواقع العراقي وتساهم في تحريك الشارع، لكنها اليوم تبدأ بالخطاب الهادئ الذي يسبق العاصمة".

وفي هذه النقطة، أشار الفيلي إلى أن "الولايات المتحدة أبلغت وزير الخارجية العراقية أنها لا تريد وجود فصائل مسلحة في الحكومة المقبلة، لذلك فإن حديث باراك هو صرخة غير مألوفة من الإدارة الأمريكية تحمل رسالة تحذيرية للقوى السياسية ولكل الفصائل وحتى لإيران".



ونوه الخبير العراقي إلى أن "إيران في الوقت ذاته ما زالت تؤمن أن آخر جدار صدر لها هو في بغداد، وبالتالي لا يمكن أن تضحي به خلال المرحلة المقبلة لصالح الولايات المتحدة".

"خارطة جديدة"
على الصعيد ذاته، رأى رئيس "مركز بغداد" للدراسات الاستراتيجية مناف الموسوي، أن "تصريحات باراك خطير، وهي بمثابة خارطة جديدة للعراق، كونها حملت الكثير من الانتقاد، وجلد للذات، فهو أكد أن بلاده تخلت عن العراق وتركت فراغا استطاعت إيران أن تملأه".

وأضاف الموسوي لـ"عربي21" أن "تصريحات بارات تشير إلى أن الولاية الثانية للسوداني ربما تكون غير متاحة على اعتبار أن الأطراف الأخرى داخل البرلمان تمتلك القوة الأكبر، وأنه أكد ضرورة أن تكون الحكومة المقبلة علاقتها قوية مع الولايات المتحدة لكن وفق شروط".

وبحسب الخبير، فإن "تصريحات باراك إذا قاطعناها مع حديث المبعوث الأمريكي للعراق مارك سافايا، عندما أكد بشكل واضح أن مهمته الأساسية هو تفكيك السلاح، نجد أن الأول أعطى إنذارات للخارطة الجيوسياسية العراقية، خصوصا عندما تحدث عن إمكانية تشكيل دولة كردية".

ولفت الموسوي إلى أن "اختيار رئيس وزراء يتوقف على عوامل عدة، أولها المصادقة على نتائج الانتخابات البرلمانية، خصوصا أن الرئيس الأمريكي أو المؤسسات الأمريكية الرسمية لم تباركها بعد، ولا حتى الاتحاد الأوروبي، وهذا يشير إلى عدم رضا المجتمع الدولي عن نتائجها".

وشدد على أن "التصريح الأخطر الذي جاء على لسان المبعوث الأمريكي توم باراك، أن نتائج الانتخابات خيار الشعب العراقي، وبالتالي عليه أن يتحمل خياراته".

ورجح الموسوي أن "ولادة حكومة العراق المقبلة ربما ستكون هي الأصعب منذ عام 2003 وحتى اليوم، وذلك بسبب تعقيد المشهد الإقليمي والعراقي أيضا بشكل خاص، بالتالي كل المتفائلين يرون أنها قد لا تتشكل قبل الشهر الخامس أو السادس من السنة المقبلة".

وقرأ الموسوي تصريحات الجانب الأمريكي بأنها "تؤكد أنهم يريدون العودة الحقيقية للمشهد العراقي وإعادة قوى التوازن إلى ما قبل عام 2014، وكذلك خلق حالة جديدة تتلاءم مع الوضع الجديد بالمنطقة ومشروع الشرق الأوسط الجديد الذي يتحدثون عنه".

وخلص إلى أن "هناك قوى سياسية فائزة وبعد المصادقة عليها ستكتسب الصفة الشرعية والقانونية، وبالتالي قد تكون هذه عامل معرقل أو داعم في عملية حلحلة العقدة السياسية الحالية، إضافة إلى أن إيران لن تكون غابة عن المشهد العراقي، أو متفرجة عما يطرحه حلفاؤها".

مقالات مشابهة

  • “أوب-أوب-أوب، مثل رشاش صغير” .. ترامب يتغزل بشفتي المتحدثة باسم البيت الأبيض – فيديو
  • بعد نقل المصري المريض من الكويت.. رعاية الوطن تمتد لأبنائه في الداخل والخارج
  • فنزويلا.. تحركات سرية في البيت الأبيض لوضع تصور لمرحلة ما بعد مادورو
  • البيت الأبيض: مادورو "خائف للغاية" من إجراءات إدارة ترامب تجاه فنزويلا
  • تقرير: ليبيا تصدّر 87 ألف برميل يوميًا من الخام إلى الولايات المتحدة
  • ترامب يحذر الدول التي تغرق الولايات المتحدة بالأرز الرخيص
  • هل يرسم انطباع باراك ملامح دور أمريكي في مستقبل العراق؟
  • بيوت تحقق ثورة في التخمين العقاري: أكثر من نصف مليون تقرير تروإستميت يرسم ملامح حقبة جديدة في سوق العقارات الإماراتية
  • البيت الأبيض يثير غضب ريهانا بعد إدراجها في حملة انتخابية مثيرة للجدل
  • الداخل اللبناني لا يملك ترف الوقت والخارج يرسم فصول المستقبل