جناح الأزهر بمعرض الكتاب يقدم لزوَّاره "فنّ الرسائل عند مصطفى صادق الرافعي"
تاريخ النشر: 2nd, February 2025 GMT
يقدِّم جناح الأزهر الشريف بمعرض القاهرة الدولي للكتاب، في دورته الـ 56 لزوَّاره كتاب "فن الرسائل عند مصطفى صادق الرافعي.. دراسة تحليليَّة فنية"، بقلم د. خليفة محمد إبراهيم محمد، من إصدارات مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، يتناول رسائل الرافعي بالدراسة والتَّحليل وكيف وظَّفها لخدمة أغراض متعدِّدة في الأدب والدين والمجتمع.
وينقسم الكتاب إلى مقدمة، وتمهيد، وثلاثة أبواب، وخاتمة، يتناول التَّمهيد جوانب ذات أثر فعال من حياة الرافعي من حيث النشأة، والتَّربية، والثقافة، التي تميَّز بها؛ لأن تفوقه في فنِّه، وعبقريته في الكتابة لا بدَّ أن تكون مسبوقةً بعلامات في بداية نشأته، تشير إلى أن هذا الفتى النحيل، الضَّاوي الجسد، سيكون له موضع بين أدباء العربية في غد. ولم يغفل التمهيد الإشارة إلى آثار الرافعي مرتبة حسب تاريخ إنشائها.
وكان الباب الأوَّل من هذا البحث عن رسائل الرافعي الوجدانيَّة، وفيه فصلان؛ أمَّا الفصل الأول فقد اختصَّ بالحديث عن (رسائل الأحزان)، وقد أوضح الصورة العامة لهذه الرسائل، وسبب تسميتها بهذا الاسم، ودوافع الرافعي لكتابتها، وهدفه منها وموقف القرَّاء منها، ثم توقَّف الفصل عند دراسة مضامين هذه الرسائل، من خلال عرض أمثلة منها بأكبر قدرٍ ممكنٍ، وقد كشفت لنا هذه الأمثلة الكثير من الحقائق الأدبيَّة، التي يجب أن توضع في الحسبان بالنسبة لدارسي الأدب، وهي في جملتها تعد محاولة بارعة، يضيف بها الرافعي جديدًا في فن الرسائل، وقد أرَّخ فيها لعهدٍ من شبابه، فأعطى بذلك الأدب العربي روحًا من البيان، وآيات من الفن.
ويتناول الفصل الثاني من الباب الأول رسائل: (أوراق الورد) بالبحث والتحليل، فبدأ بتوضيح صورتها العامة، وحقيقتها، وسببها، وحالة الرافعي النفسيَّة في أثناء كتابتها، فهي رسائل عاطفيَّة متدفقة تصور لواعج قلبه، وتباريح هواه، وجملة آرائه في فلسفة الحب والجمال، وخلاصة ثقافته ومقروءاته لعلوم العربية قديمها وحديثها. ثم يعرض الفصل أغراض الرافعي من هذه الرسائل، فهي أغراض منها ما هو واضح من خلال الرسائل، ومنها ما أشار إليه هو في مقدمة الرسائل، ومنها ما هو مستتر وراء الكلمات والعبارات، ومنها ما تنمُّ عنه نفس الرافعي من خلال رسائل شخصية أرسلها إلى بعض أصدقائه المقربين إليه الذين أطلعهم على عواطفه وأشجانه ولوعته وآلامه. ويقف الفصل عند مجموعةٍ من هذه الرسائل، يتضح من خلالها أسلوبه الأدبي الذي لم يُنسج على منواله ولم يُكتب مِثْلُه مِمَّا أنشأ الكتاب في معاني الحب.
أما الباب الثاني، فقد تحدَّث عن رسائل الرافعي الأخويَّة، وفيه ثلاثة فصول أيضًا: اختص الأول بالحديث عن رسائل النصح والإرشاد التي كان يرسلها إلى أصدقائه وتلامذته الذين كانوا يرجعون إليه في كل أمر يتصل بالأدب ويستفتونه في أمور كثيرة، وقد كان يسأله بعضهم عن الشيء وهو يعرفه، وذلك ليستحث همتَه، ويبتعث عزيمته، فينهمر ودق قريحته، ويجود سحاب طبعه، فجاءت الرسائل محملة بالفوائد.
ويعرض الفصل الثاني من الباب الثاني رسائل الرافعي النقدية؛ وذلك بدراسة استنبطت من خلالها رأيه في عشرات من الأدباء، دون مجاملة، أو حجب، وخلاصة مذهبه النقدي، ورأيه في أدب العصر بصفة عامة، وأسلوبه في الجدال، والكثير من الآراء النقدية الصريحة التي سيكون لها أثر واضح على الساحة الأدبية، خاصة أنه لم يُبدِ هذه الآراء في كتبه التي كتبها للنشر، ومقالاته التي تناثرت في مجلة «الرسالة».
أما الفصل الثالث من الباب الثاني، كان دراسة تحليليَّة فنية لرسائل الرافعي الخاصة، التي تحدَّث فيها عن موضوعات دينية، ومعان إسلامية، وقد تناولت الدراسة في هذا الفصل الكثير من رسائله في هذا الاتجاه، ظهر من خلالها موقف الرافعي في كثير من الأمور الفقهيَّة، والقضايا الإسلامية وتفسير بعض آيات القرآن الكريم بأسلوب فيه من الدين جيشان العاطفة الإسلامية، التي تتخلَّل عباراته، يقف فيها موقف المصلح الديني، الذي يفهم الإسلام فهمًا حقيقيًّا، ويغوص في أعماق الشريعة مستكشفًا نورانيتها، وأسرار أركانها. كما نجد في هذه الرسائل آراءه في التصوف، ووجوه قراءة القرآن الكريم وإيمانه بالروحية واعتقاده في الكرامات، وغير ذلك من خصائص الرافعي ومعتقداته الخاصة.
أما الباب الثالث، فقد تناول رسائل الرافعي في ميزان النقد، وينقسم إلى ثلاثة فصول: تحدث الأوَّل منها عن أسلوب الرافعي من خلال الرسائل، فذكر ملكتَه النادرة في البلاغة، وذوقه البياني الدَّقيق، جعله يبتدع أسلوبًا في الكتابة لم يُنسب لسواه، ولا نجد له ضريعًا في الأدب، حتى ليُعدَّ آية من آيات ثبات العربية وقوتها على الحياة والنماء. ثم يتناول الفصل أهم السمات الفنية لهذه الرسائل مثل التبحر في اللغة، وعمق الأفكار والتصوير البياني الأخاذ، والاقتصاد في استخدام ألوان البديع، وتزيين الرسائل بالأشعار، وغير ذلك من ظواهر أسلوبه وخصائصه. وكان الفصل الثَّاني من هذا الباب حول رسائل الرافعي بين التأثر والتأثير. وأوجز الفصل الثالث من هذا الباب آراء النقاد في رسائل الرافعي، ما له وما عليه من خلال وضع هذه الرسائل في ميزان النقد.
ويشارك الأزهر الشريف -للعام التاسع على التوالي- بجناحٍ خاص في معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ 56 وذلك انطلاقًا من مسؤولية الأزهر التعليمية والدعوية في نشر الفكر الإسلامي الوسطي المستنير الذي تبنَّاه طيلة أكثر من ألف عام.
ويقع جناح الأزهر بالمعرض في قاعة التراث رقم "4"، ويمتد على مساحة نحو ألف متر، تشمل عدة أركان، مثل قاعة الندوات، وركن للفتوى، وركن الخط العربي، فضلًا عن ركن للأطفال والمخطوطات.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الأزهر جناح الأزهر معرض الكتاب القاهرة هذه الرسائل الرافعی من من خلال منها ما
إقرأ أيضاً:
الحدود وإشكاليّة دخول الكتاب
نعيش اليوم في عالم رقميّ متداخل على بعضه، وبضغطة زر يمكن أن تحصل على أيّ كتاب تريده، وبأيّ لغة شئت، وممكن أن تترجمه بسهولة؛ فلم يعد الكتاب ولا الحصول عليه ولا التّعامل مع لغته حاجزا عن المشتغل بالثّقافة والمعرفة، أو حتّى على مستوى العاشق الهاوي لها، أو لجمع الكتاب. ومع هذا الانفتاح العالميّ والرّقميّ إلّا أنّ التّفكير الوظيفيّ في الحدود يتعامل مع حامل الكتب وكأنّه قبل ثلاثين أو أربعين سنة خلت، ولا أتحدّث هنا عن التّاجر أو الموزع، لكنّي أتحدّث عن الفرد الّذي يخرج من بلده بصفة شخصيّة، ويرجع محمّلا بمجموعة من الكتب لأغراض شخصيّة وليست تجاريّة، والثّانية فيها لائحة منظمة قديما وحديثا، والّذي يدخل ضمن قانون المطبوعات والنّشر الّذي صدر قديما برقم (49) لعام 1984م، وعدّل حديثا برقم (95) لعام 2011م، ووفق المادّة (16) «لا يجوز لأحد أن يزاول مهنة استيراد أو بيع أو توزيع أو نشر مطبوعات أو إنشاء دار نشر أو دار توزيع أو مكتبة قبل الحصول على ترخيص بذلك من الجهة المختصّة بوزارة الإعلام متضمّنا البيانات اللّازمة الّتي تحدّدها اللّائحة التّنفيذيّة لهذا القانون».
ورغم ما نشرته أثير في موقعها الإلكتروني عن وزارة الإعلام بتأريخ 18 فبراير 2021م «بأنّ استيراد الكتب للاستخدام الشّخصيّ لا يحتاج إلى موافقات مُسبقة أو تصريح من الوزارة»، «وأكدت الوزارة في تنبيه لها رصدته أثير بأنّ التصريح المُسبق يسري فقط على استيراد الكتب لغرض النّشر والتّوزيع»؛ ففي الواقع اليوم نجد عكس ذلك تماما، فلي مثلا سفرات خمس أخيرة إحداها جوّا، وأربع منها برّا، ففي الجو رفضوا إدخالها، وكانت لا تصل عشرين كتابا في الأديان، وأخبرتهم أن هذه الكتب لا تصل إلى عُمان، وأحتاج إليها في اهتمامي بفلسفة الأديان، وكانت غير مكرّرة، وللاستعمال الفرديّ، لكنّهم يحتجّون بتوجيهات تمنع دخول الكتب بدون تصريح عن طريق وزارة الإعلام. وأمّا برّا فمعاناتها أشدّ؛ فقد تحتاج الانتظار لساعات في أماكن غير مهيأة للانتظار، وصلت إحداها أربع ساعات لأجل بضعة كتب، وهم يستخدمون ذات الحجّة.
الإشكاليّة أنه لا يوجد قانون منظّم - حسب علمي-، ولمّا تناقش أدنى حججهم «هناك توجيهات بعدم إدخال الكتب بدون ترخيص مسبق من جهة الإعلام»، وبعضهم يقول: إذا جاوزت خمسة عشر كتابا، وأحيانا من يعمل هناك من الجهات الشّرطيّة لا علاقة له بالكتب، لا قراءة ولا هواية، ولا يوجد مسؤول مختصّ من الإعلام يمكن أن يعالج الموضوع في حينه، وأحيانا تضطر إلى تغيير معبر الدّخول، وتجد الوضع أسهل من غيره، وقد يكون بنفس التّشديد أو أشدّ. هذا الوضع يحتاج إلى معالجة من قبل الجهات المختصّة؛ فهذا التّشديد لم أكن أعهده سابقا، وإن كان لابدّ من إفصاح عن الكتب فالمسألة ليست صعبة اليوم إذا نظّمت في الأماكن الحدوديّة وبشكل سريع، مع توفر الأجهزة الرّقميّة، ووجود عاملين مختصّين من جهة الإعلام.
وبعض حججهم - كما أسلفت - كثرة الكتب، مع أني في إحداها كنت حاملا مع أحد الإخوة أقلّ من خمسة كتب، واشتريتها من عُمان مسبقا، وحملتها معي، لكنّي تأخرت لسببها، ثمّ لا يمكن مثلا عند الذّهاب لمعارض مجاورة برّا كمعرض الشّارقة، أو أبو ظبيّ، أو الرّياض، أو الدّوحة مثلا أن تقطع هذا الطّريق وترجع بكتاب أو كتابين، وإذا كان معك من يرافقك؛ فإن قلنا كلّ واحد يشتري عشرين كتابا، ونحن أربعة فجميع ما نحمله ثمانون كتابا على الأقل. كذلك إذا ذهبت إلى معارض دوليّة كالقاهرة وتونس والرّباط وغيرها، فلا يمكن عقلا أن ترجع بكتاب أو كتابين، وأنت قطعت وقتك وجهدك للوصول إليها. كذلك من الطّبيعيّ أن تزور كتّابا ومؤلفين، فتكون حاملا من تأليفاتك لإهدائهم، ويبادلونك بإهداء كتبهم، فترجع محمّلا بالكتب؛ لهذا اضطررنا في بعض الفترات الأخيرة أن نرجعها شحنا جوّا أو بحرا أو برّا، ليس لعدم وجود مكان، بل لمنع دخولها، فهناك مشقّة لإدخالها عند الحدود -وهي كتب شخصيّة- ليست للبيع أو التّوزيع.
في السّابق كان الوضع أسهل بكثير، وكنّا نفخر بتيسير الأمر في منافذنا مقارنة بغيرها، لكن اشتدّ هذا الأمر في السّنوات الأخيرة، وليس منضبطا أو مقننا، فأحيانا تحمل كتبا عديدة، وتدخل بسهولة، ولا تسأل عنها، ولماذا حملتها، وعن ماذا تتحدّث، وأحيانا تحمل أقلّ منها بكثير، فتنظر لساعتين أو أكثر حتى يأتيك ردّ بدخولها أو عدمه، فإن كان هناك توجيه مانع فلا أقل من أن ينظّم في تطبيقه في وقت سهل التّنظيم، فلا يحتاج معرفة الكتاب المسموح به من غيره لهذا الوقت، وممكن فتح نافذة رقميّة تشعرهم مسبقا بذلك، ويكون الرّدّ سريعا. كما ينبغي أن يكون هناك تعاون خليجيّ على مستوى الأمن أو الإعلام لعلاج هذا الوضع وتقنينه.
على أنّ الحصول على الكتاب اليوم أسهل بكثير، والمعرفة أصبحت متاحة، ولا أحد يستطيع حدّها، وممكن أن تشتريه رقميّا، وتخرجه ورقيّا وأنت لا تفارق منزلك، فلا معنى من الخوف من الكتاب، وكأنّه سوف يغيّر فكر المجتمع، فلأفكار المجتمعات اقتضاءات تغيّرها وتطوّرها؛ فإن كانت معرفيّة فالمعرفة مشاعة اليوم للجميع، والتّفكير بلغة المنع دلالة ضعف، لكن التّفكير بلغة التّفاعل والتّنظيم والتّدافع عنصر قوّة، وما يطرح معرفيّا اليوم كان مرئيّا أو مسموعا أشدّ تأثيرا ممّا تبطنه هذه الكتب من معارف.