تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

قبل قليل، رحل عن عالمنا الكاتب والناقد والمثقف والصحفي مصطفى بيومي، لكنه ترك سيرته كواحد من أهم مؤرخي الأدب المصري في نصف القرن الأخير، عبر تفرده بنظرة شاملة، كان يتلمس بها تاريخ النقد، ويتتبع تاريخ الأدب، ويفحص أيام الأدباء وسيرهم، بداية من الكبار، نجيب محفوظ، ويحي حقي، وبهاء طاهر، وعلاء الديب، وصنع الله إبراهيم، وفتحي غانم؛ وحتى غيرهم من مختلف الأجيال، بما فيها أبناء أيامنا هذه، ومنهم كاتب هذه السطور.


في رحلته، شرّح بيومي، ابن محافظة المنيا، الذي جاء إلى القاهرة ليدرس الإعلام ويتخرج من الجامعة في أوائل الثمانينات من القرن الماضي، كل ما وقعت عليه عيناه من قصص وروايات، وضع معاجم للشخصيات التي حفلت أعمال الكبار، وكتب عن كثيرين غيرهم، مقالات ودراسات وكتبًا، وشارك في نقاشات عدة، ليس هؤلاء فقط، بل طالما اهتم بالموهوبين الذين لم يكونوا في أي يوم من نجوم الشباك، في الأدب أو الفن، فهناك الكثير من الشخصيات السينمائية البديعة الذين كتب عنهم بمحبة وإخلاص، بجوار كل هذا، أبدع العديد من الأعمال الروائية والقصصية.
يزيدك في هذا أن الرجل "لم يقتصر على نقد وتسجيل وحصر وتفكيك وبعثرة وترتيب وتنظيم وهندسة كثير من إنتاج أعلام الأدب وقضاياهم، إنما نفذ من هذا كله إلى نقد نصوصهم، وهو فى هذا متميز، من زاوية ربط النص بسياقه، وأخذه إلى آفاق أرحب في التفسير والتأويل" كما قال عنه الكاتب عمار علي حسن في مقاله "رجل أضناه التعبد في محراب الأدب".
يرد بيومى على المقولة الشائعة بأن «المُحِب لا يصلح ناقداً» فى مقدمة دراسته عن علاء الديب بأن «المحب الجيد لابد وأن يكون ناقدا جيدا»، وأن الناقد يجب أن يكون محبا حتى لو كان مختلفا، علاقة الحب هى بين القارئ والنص نفسه وليس الكاتب، «فأنا يُمكن أن أحب كاتبا من خلال نصوصه دون أن نلتقى، كما أحببت نصوص المتنبى وبابلو نيرودا وتشيخوف وغيرهم دون أن تكون لى علاقة بالكاتب نفسه، وصبرى موسى أنا لا أعرفه، ولكن أتمنى أن يكون مشروعي القادم عنه، فهو كاتب عظيم»، مُعرباً عن رغبته فى إعادة تقديم كُتّاب عِظام إلى القارئ مثل عبد الحكيم قاسم ومحمود دياب «فهؤلاء كُتّاب عظام أثروا الأدب المصرى، ولكنهم لم يبرعوا في العلاقات العامة، كما قال قبل بضع سنوات في حوار لـ "البوابة نيوز".
عشق بيومي نجيب محفوظ ونصّبه شيخا وأستاذا، وتناول ما كتبه بدقة، ليصير صاحب أكبر عدد من المؤلفات عن أديب نوبل وعالمه الحافل بالشخصيات والأحداث واللقاءات، ضمت أكثر من - 18 كتابًا صدرت منذ عام 1989 إلى اليوم.
وقال عنه: «فى رأيى أن الكتابة عن رجل أحبه مثل نجيب محفوظ كأننى أكتب رواية بقلمى، فأنا من أهوى ومن أهوى أنا»، مؤكداً أن للكتابة الإبداعية وقتا والنقدية وقت، ولغيرهما من صنوف الإبداع وقت، وأن النقد فى حد ذاته إبداع «وأن تنزل إلى النص فى حد ذاته متعة، بدون قواعد مسبقة، فأنت تتعمق فى النص وتبارزه وتستمتع به، لأن النص هو صانع قوانينه النقدية»؛ وأشار إلى أنه يرى أن نجيب محفوظ بعالمه الروائى قام بوصف مصر كما فعل علماء الحملة الفرنسية «وأتحدى أى أحد عن أى حادثة فى القرن العشرين لم يتطرق إليها نجيب محفوظ بعمق»، وأن أديب نوبل قد تحدث فى كل المجالات، وكانت كتاباته ضد أى محاولة لمحو تاريخ هذه الأمة دون أن يتخذ قراراً بهذا، كما فعل سيد درويش بألحانه وأغانيه ومحمود سعيد بلوحاته فهى «جينات» بداخل المرء تجعله يتمسك بالهوية، ولو تعمد أحد أن يفعل هذا فلن يكون بالشكل الحقيقى وسيبدو مفتعلاً.

وعن يحيى حقي، قال إن القصة القصيرة كانت حبه الأول، وأنه توهج في تجربته الروائية الوحيدة الفريدة: "صح النوم"، وقال: "يكتب عن السينما مثل ناقد محترف، ومعالجاته التاريخية عميقة طازجة مبتكرة تفوق الأكاديمي المتمرس. 

ولعه بالشعر ينم عن ذائقة خبير، واستيعابه للموسيقى يناطح الأفذاذ من المتخصصين، وكذلك الأمر في المسرح والأوبرا والعمارة والفن التشكيلي، أما رؤاه الاجتماعية في عشرات القضايا فتبرهن على أنه الصديق الصدوق للفقراء، وتكشف عن شخصية عالم قادر على التبسيط العميق لما يتصدى له: من أطفال الشوارع وشيوع الأمية وإدمان اليانصيب، إلى جرائم الشرف والثأر، مرورا بلعنة الروتين الحكومي والسمات المصاحبة للتحول الاجتماعي في الحقبة الناصرية".
وأضاف بيومي عن يحيى حقي: "كتاباته الإبداعية الخالصة لا تمثل إلا ما دون الربع من جملة إنتاجه، ولو أنه تفرغ للإبداع وحده دون المقالات الصحفية لأنجز مشروعا هائلا غير مسبوق، لكنه يأبى إلا الاشتباك بشكل مباشر مع تحديات الواقع ومعطياته".
في "معجم شخصيات بهاء طاهر" قد بيومي دراسة تحليلية للعالم الروائي للكاتب الكبير، عبر ثلاثمائة شخصية، تضمنتها ستة روايات وخمس مجموعات قصصية، هي ما أنتجته قريحته في الفترة بين عامي 1972 و2009.
يصف بيومي في معجمه -الذي تخطت صفحاته الستمائة- أدب طاهر بأنه "تجربة إبداعية بالغة العمق والنضج والصدق، ولغته أقرب إلى عصير الشعر. رؤيته الإنسانية هادئة تخلو من الضجيج والافتعال"، مُشيرًا إلى أنه انتصر للناس العاديين البسطاء "الذين يتعذبون ويكابدون في صمت ينجون به من داء الابتذال"؛ وقدّم في دراسته قراءة تحليلية موضوعية للشخصيات الثلاثمائة، ليقوم بإعادة إنتاج لعالم الكاتب الكبير؛ واستعاض عن عدم وجود أسماء لبعض الشخصيات بالحديث عن سماتها الأبرز لتعريفها، مثلما أشار إلى الراوي في ثلاث روايات وعشر قصص، وهو ما قام به أيضًا في تحليله للآباء والأمهات وذوي القربى، كما قام بتعريف شخصيات أخرى عبر أدوات تغنيهم عن الاسم مثل اللقب الشائع والمهنة.
قدّم المعجم كذلك -والذي قام بترتيبه أبجديًا- عبر تحليله للعالم الروائي القضايا الرئيسية التي انشغل بها الروائي الكبير، مثل الموقف من السلطة، القضية الفلسطينية، العلاقة بين المسلمين والمسيحيين، الصراع بين الشرق والغرب، التصوف والدين الشعبي، خصوصية الصحراء، إضافة إلى البيئة الصعيدية ومكوناتها، ى والتي برزت ملامحها في روايته الأشهر "خالتي صفية والدير"، كذلك تناول القضايا الإنسانية الذاتية التي يجد القارئ جانبًا من نفسه فيها، مثل الزمن، الموت، الوحدة والغربة؛ ليجد القارئ "ما قد يُعينه على الاقتراب والتواصل، قبل وأثناء وبعد عملية القراءة"، كما ذكر بيومي في مقدمته القصيرة.
وفي "عباقرة الظل"، مارس بيومي نوعا من الكتابة يجمع بين الأدب والصحافة، مذيبا الحدود بين الاثنين حتى تكاد تتلاشى، يحكي عن بشر ذوي مواهب فائقة، لكن انتهت حياتهم إلى الانزواء ثم التجاهل، فلم ينل ما تستحق من اهتمام وتكريم. لم يهتم كثيرا بسيرة حياة الشخصية التي يتناولها، بل ركز في كلماته على أدوارها السينمائية، ويرسم بورتريهات للشخصيات من خلال أدوار قامت بها، فيصنع قصة أصلية استوحى أحداثها وشخصياتها من أفلام برع فيها هؤلاء الذين حكى عنهم في كتابه، في محاولة للتدليل على استحقاقهم لوصفه لهم بالعباقرة.
وعندما قام بـ "النبش في الذاكرة، قدّم لنا "سيرة شبه ذاتية" حول تسعين شخصية حسب الترتيب الأبجدي -وهي عادة لديه- وحكى عنهم راسما صورة بانورامية نابضة بالفن والكتابة والسياسة والمسرح والرواية. وكما أنه لا يقدم سيرة ذاتية بالمعنى المألوف -تبدأ من مرحلة الطفولة ثم الشباب فالكهولة وحتى الشيخوخة- لم يقدم شخصياته بذواتهم من مولد وحياة، بقدر ما تتعلق بمنجزاتهم وأعمالهم، وبصماتهم في الحياة ويضيئها، حسب فلسفته الخاصة، هكذاـ أفسح الطريق ليقدم ذوات أخرى يتعاطى ويشتبك مع منجزاتهم ويضعهم تحت منظاره الخاص، ومراياه الناقدة النافذة.

الآن، رحل بيومي، الذي كان يبشّر أحباءه برحيله عبر أحاديث الروائي المتقاعد إلى شيخه، أما الآن، فهو كما يقول أستاذه عندما اختتم حكاية الحرافيش "فغاصَت قبضتُه في أمواج الظلام الجليل، وانتفض ناهضًا ثمِلًا بالإلهام والقدرة، فقال له قلبُه لا تجزعْ فقد ينفتح البابُ ذاتَ يومٍ تحيةً لمَن يخوضون الحياة ببراءة الأطفال وطُموح الملائكة".

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: مصطفى بيومي النقد تاريخ الأدب نجیب محفوظ

إقرأ أيضاً:

وزير الثقافة يعلن موعد انطلاق فعاليات المؤتمر العام لأدباء مصر في دورته الـ37 بمدينة العريش 26 ديسمبر جاري

أعلن الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة، انطلاق فعاليات المؤتمر العام لأدباء مصر في دورته السابعة والثلاثين، دورة الأديب الكبير الراحل محمد جبريل، والمقرر إقامتها خلال الفترة من 26 إلى 29 ديسمبر الجاري بمدينة العريش بمحافظة شمال سيناء.

وكان وزير الثقافة قد أعلن اختيار محافظة شمال سيناء عاصمة للثقافة المصرية لعام 2026، وذلك عقب موافقة اللواء خالد مجاور، محافظ شمال سيناء، على مقترح استضافة مدينة العريش للدورة الحالية من المؤتمر، تقديرًا للمكانة الرمزية والثقافية للمحافظة.

القبض علي ابنة فنانة تركية شهيرة وصديقتها بتهمة قتل والدتهامحمد رمضان في ظهور لافت مع كأس أمم أفريقيا

وينظم المؤتمر الهيئة العامة لقصور الثقافة برئاسة اللواء خالد اللبان، تحت عنوان:
“الأدب والدراما.. الخصوصية الثقافية والمستقبل”،ويُعقد برئاسة الشاعر والسيناريست الدكتور مدحت العدل.

ويشارك في فعاليات المؤتمر نخبة من الأدباء والباحثين والأكاديميين من مختلف المحافظات، بهدف رصد وتوثيق المشهد الأدبي في ربوع الوطن، وتقديم رؤى نقدية وفكرية تسهم في مناقشة قضايا الثقافة المصرية المعاصرة، ودورها في تعزيز الوعي والإبداع.

ويتضمن المؤتمر ستة محاور رئيسية تشمل جلسات بحثية وحلقات نقاشية متنوعة؛
فالمحور الأول يستعرض النص الشعري ومفردات الخصوصية الثقافية، من خلال قراءة تطور الشعر المصري فصيحًا وعاميًا عبر مراحله المختلفة.

أما المحور الثاني فيضم دراسات حول “الرواية وصراع الهويات في المجتمع المصري”، عبر تحليل كيفية تناول الرواية المصرية لقضايا المجتمع وتنوعاته والقيم الوافدة إليه.

ويضم المحور الثالث أبحاثًا حول “تحولات القصة القصيرة المصرية”، ويركز على آفاق التجريب وتطور هذا الفن منذ بداياته وحتى أشكاله الجديدة المرتبطة بالوسائط الحديثة.

ويتناول المحور الرابع “المعالجات الدرامية للنص الأدبي”، من خلال مناقشة العلاقة بين النصوص الأدبية والسينما والدراما والعروض المسرحية والفنون البصرية.

ويبحث المحور الخامس “الصناعات الثقافية المصرية والقوى الناعمة”، متناولًا دور المؤسسات الثقافية والمجتمع المدني والمبادرات الفردية في دعم الإنتاج الثقافي وتعزيز الخصوصية المصرية.

أما المحور السادس والأخير فيتناول حضور الأدب الشعبي في المشهد الراهن، مسلطًا الضوء على استلهام التراث الشعبي في الأدب والدراما ودوره في تعزيز الهوية الوطنية.

ويُعقد المؤتمر بأمانة الشاعر عزت ابراهيم وبإشراف الإدارة المركزية للشئون الثقافية برئاسة الشاعر الدكتور مسعود شومان، ومن خلال الإدارة العامة للثقافة العامة وإدارة المؤتمرات وأندية الأدب، بوصفه أحد أبرز الفعاليات الثقافية التي تنظمها وزارة الثقافة ممثلة في الهيئة العامة لقصور الثقافة، لرصد تطورات المشهد الأدبي المصري وطرح رؤى جديدة تعكس ثراء الإبداع في مختلف أنحاء الجمهورية.

طباعة شارك الدكتور أحمد فؤاد هنو أحمد فؤاد هنو وزير الثقافة فعاليات المؤتمر العام لأدباء مصر

مقالات مشابهة

  • وزير الثقافة يعلن موعد انطلاق فعاليات المؤتمر العام لأدباء مصر في دورته الـ37
  • وزير الثقافة يعلن موعد انطلاق فعاليات المؤتمر العام لأدباء مصر في دورته الـ37 بمدينة العريش 26 ديسمبر جاري
  • خالد بيومي: سالم الدوسري أفضل لاعب في آسيا والوطن العربي
  • “كتاب جدة” يستهل ندواته الحوارية بـ”الفلسفة للجميع”
  • مصطفى: ما تعانيه طوباس جزء من مخططات الاحتلال لقضم الأرض
  • هيئة الأدب والنشر والترجمة تُطلِق معرض جدة للكتاب 2025
  • تحت شعار “جدة تقرأ”.. هيئة الأدب والنشر والترجمة تُطلِق معرض جدة للكتاب 2025
  • غراهام: لا مستقبل للبنان طالما انه يتسامح مع حزب الله
  • لجنة تراث مطروح تقيم مسابقة للشعر الشعبي بمناسبة ذكرى معركة وادي ماجد
  • مسئول بحماس: لا مرحلة ثانية من التهدئة في ظل استمرار انتهاكات إسرائيل