إيران قد تعود لسوريا إذا لم يستعجل العرب!..
تاريخ النشر: 6th, February 2025 GMT
عبدالله غانم القحطاني*
الموقف السعودي التاريخي الحاسم ضد التهديدات الإيرانية والبعثية والإخوانية كان هو الأساس الذي منع على التوالي: هزيمة العراق أمام جيش الخميني خلال حرب الثمانية أعوام، وهو من أحبط تواجد ألوية الحرس الثوري في عدن وصنعاء وعموم الشمال والجنوب، وهو حائط الصد الذي منع تدبير الإنقلابات الثورية الإيرانية في بعض دول الخليج العربيGCC، وهو الموقف الذي أفشل احتلال عبدالكريم قاسم ثم صدام حسين للكويت، وهو الذي وقف مع استقلال لبنان بالحد الممكن ومنع حافظ الأسد من تغييب الهوية الوطنية اللبنانية – مات حافظ وهو لم يفتتح سفارة له في بيروت – وهو الموقف السعودي التاريخي الذي وقف مع الجيش والشعب المصري وقيادته ضد انقلاب الإخوان وضد المواقف المشينة لأوروبا تجاه مصر، وهناك مواقف أكثر في مواقع أخرى، وهو اليوم الموقف العربي الأول الذي يسعى لمساعدة سوريا الجديدة وشعبها ورفع العقوبات عنهم.
حسناً.. اليوم سوريا تحررت بإرادة شعبها، وكعادته جاء الموقف السعودي على الموعد، والمسألة برأيي البسيط ليست هيئة تحرير الشام ولا البعث ولا الإخوان، فالأمر جلي وواضح وأصبح من الماضي، بل الأمر هو إنقاذ سوريا الأرض والشعب والدولة، والسير بها ومعها نحو أفق جديد يقرره السوريون.
أخبار قد تهمك أول مزاد عالمي لـ«سوذبيز» في السعودية: تسليط الضوء على أعمال الفنانين السعوديين 6 فبراير 2025 - 3:26 صباحًا موجة غبار واسعة تضرب شمال السعودية غدًا الخميس وتمتد لمناطق أخرى 5 فبراير 2025 - 11:33 صباحًاوالغريب أن الكثير من العرب عادتهم التباطؤ لإتخاذ المواقف التاريخية اللازمة في الأوقات المناسبة قبل فوات الأوان ووقوع الكوارث وضياع الفُرص.
في الماضي دروس وعِبر، فقد حارب جمال عبدالناصر السعودية وقصفها بالطيران وحرض العرب ضدها سعياً لإسقاط الملك والدولة، وعندما انكسر عبدالناصر لعدة مرات كانت السعودية ومليكها أول من يصل للقاهرة للوقوف مع نفس الرئيس والدولة، تاركين الماضي وأحداثه للتاريخ ليكتب ما يشاء!.
وبعد هزيمة 67 وموقف السعودية، قال ناصر “رحمه الله” لعبد الحكيم عامر عن السعوديين (الله!.. إزاي ياحكيم!.. واضح إحنا مش فاهمين الناس دول.. معقول ياحكيم)؛ ولم ولن تتغير مواقف السعودية من مصر العظيمة.. ووصية جلالة المؤسس الملك عبدالعزيز “يرحمه الله” لأبناءه تجاه مصر بمثابة قانون سعودي ثابت.
ومثال آخر، نظام الأسد، بعثاً وفكراً وسياسة ومؤسسات، كاره ومعاد في حقيقته للسعودية ومبغض لأدوارها وتأثيرها وهذا معروف، لكن الصبر السعودي وبعد النظر طيلة 62 عام، كان لأجل مصالح الشعب السوري فقط ولا أكثر.
صحيح أن الجميع اليوم يعيش فرحة تحرُر سوريا وشعبها من المجرمين والإرهابيين الغزاة، وفرحة طرد نظام الرئيس الغبي بشار الأسد، لكن العمل أهم من الفرح، ومخطىء من يظن أن إيران الصديقة سلَّمت بالأمر الواقع وطوت الصفحة، أو أنها اقتنعت من داخلها بأن سوريا خرجت من هيمنتها وأصبحت سورية وعربية ومستقلة ضمن الفلك العربي والإقليمي والدولي.
أبداً هذا يستحيل في الذهنية والعقلية الإيرانية المعقدة التي قليل من يفهمها من العرب، ولو فُهِمَت هذه العقلية عربياً كما يجب وعُلِمَت أبعادها ومخاطر سياساتها، لما تجاهلت دول إفريقية لثلاثة عقود من الزمن التهديدات الإيرانية الواضحة ضد أمن ومضائق البحر الأحمر.
كيف يرى البعض من العرب السلطة السورية الوطنية الانتقالية في دمشق بقائدها ”أحمد الشرع” وكأنها سلطة أجنبية أخطر من النظام الدموي السابق، أو أسوأ من الوجود السابق للحرس الثوري وميليشياته ، حزب الله وبقية الطوائف الإرهابية المتصالحة مع داعش داخل سوريا.!. عجيب هذا العقل العربي.!.
ضابط برتبة رائد، لو طُلب منه إعداد تقدير موقف عن التهديد القائم ضد سوريا الجديدة، لرسم على الخارطة، أسماء ومواقع القوات الطائفية الإيرانية والعراقية شرق حدود سوريا، وضمنها الآف المرتزقة المقاتلين من الباكستان والأفغان الذين طُردوا من سوريا، وسيفترض أنهم يُهَيَّؤُوْنَ بشكل مختلف لتخريب الساحة السورية من الخارج ومن الداخل بالتعاون مع بقايا فلول نظام الأسد ومع داعش.
ولشرح هذا الضابط الشاب على نفس الخارطة خيار جد خطير يفكر به عدو السوريين الذي فقد الهيمنة على بلادهم، وهو السعي لإحراق دمشق بمن فيها من خلال عمليات إرهابية كبيرة متزامنة، وتفجيرات دموية مرعبة للشعب السوري لإحباطه وزعزعة ثقته بأنه أستقل وتحرر من الظلم، وكل ذلك سعياً لخلط أوراق الوضع الداخلي وتغيير مواقف الدول الغربية من حكومة الرئيس الشرع، وعرقلة الانتقال لبناء الدولة، ولحدد الرائد على خارطته حجم ومواقع وتأثير القوات الروسية والأمريكية في سوريا ومواقفها المتغيرة.
ولكتب هذا الضابط بأسفل الخريطة ” إن مصدر هذا التهديد المحتمل شديد الخطورة، هو الحرس بالتعاون مع: “داعش وخلاياه”، ومع “القاعدة”، ومع تاجر المخدرات ”ماهر الأسد”، ومع بقايا حزب الله لبنان، ومع الذيول الولائية بالعراق واليمن، ومع بعض العملاء المسلحين من الكُرد والعرب في سوريا والعراق”.
وسيقول أيضاً كملاحظة مهمة: وقد يرافق ذلك عمليات إرهابية مدبرة ضد بعض دول مجلس التعاون الخليجي يتبناها داعش، وقد لا يكون هو الفاعل وليس له علاقة!.
التاريخ العربي يقول، أغلب مصائب العرب كانت بسبب غفوتهم وتفكيرهم وأحقادهم ضد بعضهم.
*كاتب ومحلل استراتيجي سعودي.
gen_abdullah1@
المصدر: صحيفة المناطق السعودية
إقرأ أيضاً:
كيف تعيد السعودية رسم التوازنات في سوريا؟.. تحولت لحلبة اقتصادية
نشر موقع "ليه ديبلوماتيه" تقريرًا سلّط فيه الضوء على تحوّل الساحة السورية من ميدان للصراع المسلح إلى حلبة للاستثمار الاقتصادي، مع عودة لافتة للسعودية عبر وفد ضخم زار دمشق وأبرم اتفاقات شراكة بقيمة 5.6 مليار دولار، ما يكرّس دور الرياض كلاعب محوري في إعادة إعمار سوريا.
وقال الموقع، في التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إنه بعد أربعة عشر عامًا من الحرب الأهلية، تجد سوريا نفسها في قلب دينامية جديدة: لم تعد دينامية السلاح، بل دينامية الاستثمارات، فقد زارها وفد سعودي مكوّن من أكثر من 150 ممثلًا عن القطاعين العام والخاص دمشق، تحت قيادة وزير الاستثمار خالد الفالح.
وأوضح الموقع أن العنصر الأساسي يتألف من اتفاقيات شراكة بمجموع 5.6 مليارات دولار، وهو ليس بالأمر الهيّن، بل يمثل عودة الرياض إلى الساحة السورية، هذه المرة عبر بوابة إعادة الإعمار.
الدعم السعودي
فبعد الإطاحة ببشار الأسد في ديسمبر/كانون الاول 2024 وصعود أحمد الشرع إلى السلطة بدعم من الرياض، برزت السعودية كالدعامة الرئيسية للحكومة السورية الجديدة، وتستهدف الاستثمارات قطاعات حيوية: البنية التحتية، والطاقة، والطيران، وتقنيات الاتصالات، والصناعة الثقيلة، والسياحة والعقارات. ومن بين المشاريع البارزة: مصنع إسمنت في عدرا بقيمة 20 مليون دولار، ومشروع تجاري بقيمة تقارب 100 مليون دولار.
وقد عُقد منتدى دمشق للاستثمار رغم أعمال العنف الطائفية الأخيرة في السويداء، التي أسفرت عن مئات الضحايا. والهدف المعلن للسلطات السورية والسعودية واضح: جعل الاقتصاد الرافعة الرئيسية للاستقرار، حتى في سياق لا يزال هشًا، كما كانت لرفع العقوبات الأميركية دور حاسم. فقد قام دونالد ترامب، بعد لقائه مع الشرع في السعودية، بإضفاء الطابع الرسمي على إنهاء العقوبات ضد سوريا في شهر يوليو، استجابةً لطلبات الرياض وأنقرة. وقد أتاح ذلك تسديد الديون السورية للبنك الدولي، وجذب الشركات الأميركية، خصوصًا في قطاع الطاقة.
لفت الموقع إلى أنه يشارك كل من قطر والإمارات العربية المتحدة في هذه المبادرة، فقد وقّعت الدوحة اتفاقًا في مجال الطاقة بقيمة 7 مليارات دولار، بينما تعمل شركة "دي بي وورلد" ومقرها دبي، على تطوير البنى التحتية للموانئ. وهكذا بدأت تتبلور عملية إعادة اصطفاف إقليمي: إبعاد سوريا عن المدار الإيراني وربطها بنظام سني جديد تقوده الممالك الخليجية.
واختتم الموقع تقريره بالتأكيد على أنه حاليًا يجري تشكيل مجلس تجاري مشترك بين دمشق والرياض، بهدف تنظيم الاختراق الاقتصادي السعودي من خلال نهج مستدام ومؤسسي. لقد أصبحت عملية إعادة الإعمار ساحة معركة جيو-اقتصادية، وساحة تنافس بين القوى الإقليمية لتحديد المستقبل السياسي والاقتصادي والدبلوماسي لسوريا. إنها مرحلة انتقالية مهمة: من القنابل إلى الاستثمارات، ومن التحالفات العسكرية إلى الاتفاقيات الاقتصادية. فالشرق الأوسط يدخل مرحلة جديدة يُبنى فيها النفوذ من خلال المليارات، ومشاريع البناء، والاتفاقات الاستراتيجية.