الحرب الناعمة وإلهاء العرب عن المطالبة بتحرير فلسطين
تاريخ النشر: 6th, February 2025 GMT
يمانيون../
في السنوات الأخيرة، شهدت المنطقة العربية تأثيرات عميقة نتيجة ما يُعرف بـ “حرب أمريكا الناعمة”، التي تمثلت في استراتيجيات تستخدم القوة الناعمة لفرض السيطرة والتأثير على المجتمعات. هذه الحرب لم تكن مجرد صراع عسكري، بل استهدفت العقول والقلوب، مستفيدة من أدوات الإعلام والثقافة والتعليم لإلهاء الشعوب عن القضايا الجوهرية، وأبرزها القضية الفلسطينية.
تظهر آثار هذه الحرب بوضوح في كيفية تشتيت الانتباه عن المطالبات بتحرير فلسطين. استخدمت الولايات المتحدة وسائل الإعلام لترويج سرديات معينة، حيث تركزت القصص والأخبار على القضايا الاجتماعية والاقتصادية اليومية، مما ساهم في تهميش القضية الفلسطينية. هذا التهميش لم يكن مجرد صدفة بل كان جزءًا من استراتيجية مدروسة تهدف إلى تفتيت الوحدة العربية وزرع الفتنة بين الشعوب، مما أضعف من الحراك الشعبي الذي قد يدعم القضية الفلسطينية.
علاوة على ذلك، ساهمت الثقافة الغربية في تعزيز نمط استهلاكي لا يعير اهتمامًا للقضايا السياسية. من خلال الأفلام والموسيقى والبرامج التلفزيونية، تم تقديم نمط حياة يجسد الرفاهية والحرية، مما جعل العديد من الشباب ينشغلون في البحث عن حياة مريحة بدلاً من الانخراط في القضايا السياسية الكبرى. هذه الظاهرة تسببت في تآكل الوعي العام حول أهمية القضية الفلسطينية، حيث أصبحت الأجيال الجديدة أقل اهتمامًا بالموضوع، معتقدةً أن الأمور قد تُحل بطريقة سلبية أو بعيدة عن الانخراط الفعّال.
كما أن الدعم الغربي للأنظمة العربية لم يكن مجرد دعم سياسي واقتصادي، بل شمل أيضًا أدوات القوة الناعمة. تم استخدام التعليم والتدريب لخلق نخبة محلية تتبنى السياسات الغربية وتتجاهل قضايا مثل فلسطين. هذه النخبة التي تم تشكيلها في بيئات تعليمية مشبوهة، قد تخلت عن مسؤولياتها تجاه شعوبها، مما جعلها تؤيد سياسات تقود إلى مزيد من التهميش للقضية الفلسطينية.
وقد هيمنت وسائل الإعلام والسيطرة على السرد -المدعومة من الغرب- في العديد من الدول العربية على النقاشات العامة. على سبيل المثال تركزت التغطيات الإخبارية على أحداث مثل الربيع العربي، مما جعل القضايا الكبرى مثل فلسطين تحتل مساحة ضئيلة من النقاش العام. هذا التوجه ساهم في تهميش القضية الفلسطينية في عقول الكثيرين.
كما أن انتشار الثقافة الاستهلاكية من خلال الأفلام والبرامج التلفزيونية الغربية التي تروج لنمط حياة يتجاهل القضايا السياسية، أدى إلى تراجع الوعي بالقضية الفلسطينية. على سبيل المثال أفلام هوليوود التي تركز على قصص شخصية لا تتعلق بالقضايا السياسية ساهمت في إلهاء الشباب عن الانخراط في العمل السياسي.
إضافة إلى ذلك فإن أغلب الجامعات والمدارس في العالم العربي تتبع مناهج تعليمية تأثرت بشكل كبير بالثقافة الأمريكية، مما أدى إلى نشوء جيل يُفضل البحث عن وظائف مريحة بدلاً من الانخراط في القضايا الاجتماعية والسياسية. هذه النخبة المتعلمة غالبًا ما تكون بعيدة عن القضايا الوطنية بما في ذلك القضية الفلسطينية، وقد ساهم استخدام منصات التواصل الاجتماعي في نشر المعلومات المضللة أو السرديات التي تروج للسلام دون عدالة.
ولا ننسى أن النظام العالمي بقيادة واشنطن، عزز من قبضة الأنظمة القمعية في العالم العربي، وهي بدورها تعمل على قمع أي حركات تدعو للتحرر، بما في ذلك دعم حقوق الفلسطينيين. هذا الدعم أضعف من الحراك الشعبي وخلق بيئة من الخوف والرقابة، كما أن الترويج للسلام الاقتصادي عبر بعض الاتفاقيات مثل “صفقة القرن” التي تم الترويج لها كحل للصراع العربي الإسرائيلي، كانت تهدف إلى إبعاد النظر عن الحقوق الفلسطينية الأساسية. هذا التوجه ألهى العديد من الدول العربية عن المطالبة بتحرير فلسطين، حيث تم تقديم الحلول الاقتصادية كبديل.
تلك الشواهد تعكس كيف أن حرب أمريكا الناعمة لم تقتصر على التأثير السياسي فقط، بل امتدت إلى الثقافة والتعليم والوعي الجماهيري، مما أدى إلى تراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية في العديد من الأوساط العربية.
ويُظهر تأثير حرب أمريكا الناعمة على العالم العربي كيف يمكن للأدوات الثقافية والإعلامية أن تكون أكثر فاعلية من الحروب التقليدية في تحقيق الأهداف السياسية. هذا التأثير ساهم في تخدير الشعوب، مما جعلها تبتعد عن المطالبة بتحرير فلسطين، بينما تواصل القوى الغربية استراتيجياتها لضمان السيطرة على المنطقة. من المهم أن تستعيد المجتمعات العربية وعيها وتفهم أهمية القضية الفلسطينية، وأن تتجاوز الانشغالات اليومية لتعيد التركيز على ما يُعتبر حقًا أساسيًا.
السياسية محمد الجوهري
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: القضیة الفلسطینیة بتحریر فلسطین ا السیاسیة العدید من
إقرأ أيضاً:
برلماني: مصر لن تتخلى عن دورها التاريخي في دعم القضية الفلسطينية والتصدي لمحاولات تصفيتها
أكد الدكتور أيمن محسب، وكيل لجنة الشئون العربية بمجلس النواب، أن الاتصال الهاتفي الذي جرى بين الرئيس عبد الفتاح السيسي والرئيس الفلسطيني محمود عباس، يعكس متانة العلاقات التاريخية بين مصر وفلسطين، ويؤكد في الوقت نفسه ثبات الموقف المصري الراسخ في دعم الشعب الفلسطيني في مواجهة السياسات الإسرائيلية العدوانية، خاصة في ظل التطورات الإقليمية المتسارعة وقرار الحكومة الإسرائيلية إعادة احتلال قطاع غزة بالكامل.
وقال محسب إن إشادة الرئيس محمود عباس بالدور المصري والمساعدات الإنسانية المستمرة، وتأكيده رفض تهجير الشعب الفلسطيني، هي شهادة مهمة على ريادة مصر الإقليمية في نصرة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ودليل على أن القاهرة تتحرك وفق رؤية استراتيجية متكاملة تجمع بين الجهد الدبلوماسي والإنساني والسياسي.
وأضاف أن القرار الإسرائيلي الأخير باحتلال قطاع غزة وتهجير سكانه، يمثل تصعيدا خطيرا ومحاولة مكشوفة لتصفية القضية الفلسطينية، وفرض أمر واقع يتعارض مع جميع قرارات الشرعية الدولية، وهو ما استدعى الموقف المصري الحازم برفض هذه الخطط والدعوة لوقف فوري ودائم لإطلاق النار، وإدخال المساعدات، وتمكين دولة فلسطين من تولي مسئولياتها كاملة في القطاع.
وأوضح أن الاتصال حمل عدة رسائل إقليمية ودولية، أبرزها أن أي محاولات لتقويض استقرار المنطقة أو العبث بحقوق الفلسطينيين لن تمر، وأن الحل الوحيد لضمان الأمن والسلام هو تمكين الشعب الفلسطيني من إقامة دولته المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
وأشار عضو مجلس النواب، إلى أن التحرك السياسي الذي أعلنه الرئيس محمود عباس، سواء في مجلس الأمن أو جامعة الدول العربية أو منظمة التعاون الإسلامي، يتكامل مع الجهد المصري في جميع المحافل الدولية، وهو ما يعزز الموقف العربي الموحد في مواجهة الانتهاكات الإسرائيلية، ويضع المجتمع الدولي أمام مسئولياته القانونية والأخلاقية.
وشدد على أن مصر تدرك تماما أن التطورات الراهنة في غزة هي معركة وجود للشعب الفلسطيني، وأن استمرار الاحتلال وسياسات التهجير والتجويع لن تؤدي إلا إلى إشعال الصراع وتوسيع رقعة التطرف، بما يهدد الأمن الإقليمي والدولي.
كما شدد النائب أيمن محسب على أن القاهرة ستظل السند الدائم للقضية الفلسطينية، والمدافع الأول عن الحقوق العربية في كل المحافل الدولية، مؤكدا أن موقف مصر في هذه المرحلة الحرجة لا يقتصر على الرفض الدبلوماسي لسياسات الاحتلال، وإنما يمتد ليشمل تحركا نشطا على المستويات السياسية والإنسانية والأمنية، بهدف حماية الشعب الفلسطيني من مخاطر الإبادة والتطهير العرقي.
وقال: “السياسة المصرية تقوم على مبدأ أن السلام العادل والشامل هو الضمانة الوحيدة لاستقرار المنطقة، ومصر رغم التحديات الإقليمية والدولية، لن تتخلى عن دورها التاريخي في دعم القضية الفلسطينية، وستواصل العمل بلا كلل لمنع فرض الأمر الواقع بالقوة، وإعادة التأكيد على أن إرادة الشعوب، والحقوق التاريخية، والمبادئ الراسخة للقانون الدولي، أقوى من محاولات الاحتلال لطمس الهوية الفلسطينية أو تصفية قضيتها”.