11 فبراير، 2025

بغداد/المسلة: أعادت المحكمة الاتحادية العليا في العراق التوازن بين السلطات بعد أزمة قانونية وسياسية غير مسبوقة، حين قررت رد الطعون المقدمة ضد ثلاثة قوانين خلافية، وألغت أمرها السابق بتجميدها، ما أفسح المجال أمام تطبيقها بشكل رسمي.

وأنهى القرار،  مواجهة غير مألوفة بين المحكمة ومجلس القضاء الأعلى، وأعاد الحياة إلى قانون العفو العام، وقانون الأحوال الشخصية، وقانون إعادة العقارات المصادرة.

و أثارت القوانين الثلاثة جدلاً واسعاً منذ إقرارها داخل البرلمان العراقي في يناير الماضي، إذ جاءت ضمن حزمة تشريعية واحدة، وهو إجراء اعتبره البعض غير دستوري.

ومع ذلك، قررت المحكمة الاتحادية في البداية تجميد تنفيذها، ما فجر خلافاً حاداً داخل المشهد السياسي والقضائي، خاصة بعد أن رفض مجلس القضاء الأعلى ذلك، وأصر على تطبيق القوانين.

وجاء تدخل المجلس كرسالة واضحة مفادها أن السلطة التشريعية لا يمكن تعطيل قراراتها بهذه السهولة، وأن المحكمة تجاوزت صلاحياتها بقرارها السابق.

وأكد رئيس المحكمة الاتحادية القاضي جاسم محمد عبود العميري، خلال جلسة البت بشرعية القوانين، أن الدستور هو السلطة الأعلى في البلاد، وأن البرلمان يمتلك صلاحيات تشريعية لا يمكن إلغاؤها بقرارات إدارية.

و أشار هذا التصريح بشكل غير مباشر إلى أن المحكمة ربما كانت قد تجاوزت حدود سلطتها عندما قررت سابقاً إيقاف العمل بالقوانين. ورغم الجدل الذي دار حول طريقة تمرير القوانين، فإن المحكمة اختارت هذه المرة الانحياز إلى استقرار العملية التشريعية بدلاً من تعقيد المشهد القانوني.

و سلطت المواجهة بين المحكمة الاتحادية ومجلس القضاء الأعلى الضوء على التوترات المستمرة بين المؤسسات الدستورية في العراق. ففي الوقت الذي اعتبرت فيه المحكمة أن لديها صلاحية إيقاف القوانين مؤقتاً لحين النظر في دستوريتها، رفض مجلس القضاء الأعلى هذا التوجه واعتبره سابقة خطيرة قد تؤدي إلى شلّ عمل البرلمان مستقبلاً. هذا التصادم بين المؤسستين كشف عن صراع على النفوذ داخل منظومة القضاء العراقي، وهو ما أثار قلقاً واسعاً حول مدى استقلالية السلطة القضائية وتأثيرها على العملية التشريعية.

أما على المستوى السياسي، فقد بدا واضحاً أن المستفيدين من هذه القوانين ينقسمون تبعاً للولاءات الطائفية والقومية. قانون الأحوال الشخصية، مثلاً، يصب في مصلحة فئات “شيعية”، إذ يتضمن تعديلات تتماشى مع فقه الطائفة، بينما سيستفيد من قانون العفو العام آلاف السجناء من المكون السني، ممن يعتقد أن قضاياهم شابها التعسف أو الأخطاء القانونية. أما قانون إعادة العقارات المصادرة، فقد اعتبره الأكراد انتصاراً لهم، خاصة أنه يمكّنهم من استعادة أراضٍ زراعية واسعة في كركوك كانت قد صودرت خلال حكم النظام السابق.

و أكدت تصريحات رئيس البرلمان محمود المشهداني أن تمرير القوانين جاء بعد توافق سياسي واسع، خاصة فيما يتعلق بقانون العفو، الذي وصفه بأنه انتصار للعدالة وإنصاف للأبرياء في السجون.

هذه التصريحات، وإن بدت تصالحية، تعكس في جوهرها طبيعة المشهد السياسي العراقي القائم على التسويات والتوازنات الدقيقة، حيث لا يمكن تمرير أي قانون دون تحقيق مكاسب متوازنة لمختلف الأطراف السياسية والطائفية.

المحكمة الاتحادية، بقرارها الأخير، لم تتراجع فقط عن أمرها السابق، بل قدمت نفسها كجهة تسعى للحفاظ على الاستقرار القانوني والسياسي، وهو ما قد يُفسَّر بأنه محاولة لتفادي تصعيد أكبر مع مجلس القضاء الأعلى، الذي بدا مستعداً للدفاع عن صلاحيات البرلمان.

 

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author moh moh

See author's posts

المصدر: المسلة

كلمات دلالية: المحکمة الاتحادیة القضاء الأعلى

إقرأ أيضاً:

عُمان.. بوابة التوازن والتكامل في قلب العالم القديم والجديد

 

 

إسماعيل بن شهاب البلوشي

 

تقف سلطنة عُمان على ضفاف التاريخ والجغرافيا، موغلة في القدم، ومتجذرة في الحاضر، ومتطلعة لمستقبل استثنائي؛ فموقعها الجغرافي ليس محض صدفة؛ بل هو قدر من الجغرافيا والتاريخ والسياسة وبأمرٍ من الله أولًا وأخيرًا.

في الجنوب الشرقي لشبه الجزيرة العربية، تطل عُمان على واجهتين بحريتين شاسعتين: بحر العرب والمحيط الهندي، وتمتد حدودها البرية لتلامس أربع دول ذات ثقل سكاني واقتصادي واستراتيجي: اليمن، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، وجمهورية إيران الإسلامية عبر مضيق هرمز. وإذا أضفنا إلى ذلك القرب الجغرافي من الهند وباكستان وسواحل شرق أفريقيا، فإننا أمام لوحة من التنوع والتأثير المُتبادل، لا نظير لها في المنطقة.

عُمان واليمن: عمق بشري وفرصة استراتيجية

وتمتلك اليمن الشقيق كثافة سكانية كبيرة تفوق 30 مليون نسمة، موزعة على تضاريس نعم معقدة لكنها غنية بالفرص. أن الشعب اليمني الشقيق مستهلكًا ومنتجًا، وليس فقط من خلال الفكر التجاري المباشر إلا أن نتاج التكامل التجاري يمكن أن يسهم وبقوة في استقرار اليمن وأن تكون عُمان بوابته الطبيعية إلى العالم. الفكرة الاستراتيجية تبدأ بطريق مباشر يبدأ من المزيونة إلى العمق اليمني ليشكل شريان حياة اقتصادي، يربط أسواق اليمن بميناء صلالة ويخلق فرصة لتجارة برية مستدامة، بعيدًا عن تعقيدات موانئ البحر الأحمر. وهذا الطريق يمكن أن يتحول إلى ممر خدمات ولوجستيات وسياحة واستثمار، إذا ما صيغ بتخطيط دقيق وشراكات استراتيجية.

الإمارات: تكامل لا تنافس

التبادل التجاري والسياحي مع الأشقاء في دولة الإمارات لا ينبغي أن يُقرأ كمعادلة تنافسية، بل كفرصة تكامل ذهبي. السياحة يمكن أن تكون محورًا لهذا التكامل، حيث تتميز الإمارات بالحداثة والخدمات السياحية الناجحة، فيما تقدم عُمان الطبيعة البكر والثقافة الأصيلة والإرث الذي لا تضاهيه دولة في العالم والهدوء الذي ينشده السائح الباحث عن تجربة حقيقية. وإنشاء منطقة حرة بين البريمي والعين، أو على طول المناطق الحدودية مثل خط وادي الجزي أو محضة، يمكن أن يعزز من التبادل التجاري والسياحي، ويخلق آلاف الوظائف، ويزيد من الجاذبية الاستثمارية لكلا البلدين.

السعودية: الامتداد نحو الفرص الكبرى

المملكة العربية السعودية الشقيقة، بما تمثله من اقتصاد متحول ومتوسع في ظل رؤية 2030، هي شريك محتمل من الطراز الرفيع. الحدود الطويلة بين عُمان والسعودية، وافتتاح طريق الربع الخالي، خلقا جسرًا جديدًا للتبادل. منطقة الظاهرة في عُمان يمكن أن تتحول إلى عقدة لوجستية، ومركز تجميع وتوزيع للبضائع القادمة من موانئ السلطنة نحو المملكة. والمقابل واضح: فتح الأسواق السعودية أمام المنتجات والخدمات العُمانية، وجذب الاستثمارات السعودية إلى القطاعات السياحية والتعدينية والبيئية.

المحيط المقابل: الهند، باكستان، إيران، وشرق أفريقيا

في الجهة الأخرى، تقف سلطنة عُمان على مرمى حجر من موانئ الهند وباكستان، وتتقابل عبر البحر مع إيران وشرق أفريقيا. ميناء الدقم، بموقعه الفريد، لا يطل فقط على ممرات بحرية عالمية، بل يمكنه أن يصبح مركزًا استراتيجيًا لتحويل حركة التجارة من الخليج إلى الجنوب. الربط مع الموانئ الهندية والباكستانية، وتطوير اتفاقيات تجارة حرة أو مسارات ملاحة سريعة، سيمكن عُمان من أن تلعب دور الجسر التجاري بين الشرق والغرب.

أما سواحل أفريقيا، من الصومال إلى تنزانيا وكينيا، فهي إرث تاريخي ومجال استثماري واعد، سواء في الزراعة أو النقل البحري أو الخدمات الطبية والتعليمية. كما إن العلاقات الهادئة والمقبولة دوليًا التي تحظى بها عُمان تؤهلها لأن تكون واجهة دبلوماسية وتجارية ناعمة في هذه المنطقة.

أمن الداخل: أساس الاستدامة

ولا يمكن لأي طموح اقتصادي أن يتحقق دون بيئة أمنية مستقرة ومتطورة. وعُمان، بحكمتها السياسية، حافظت لعقود على استقرار داخلي فريد، لكنه اليوم بحاجة إلى أدوات عصرية: أمن رقمي، منظومات مراقبة ذكية، استباق الكتروني هادئ وفاعل ومرونة قانونية لضبط التوازن بين الانفتاح والسيادة. إن الحفاظ على هذا الاستقرار، وتحديث أدواته، هو الركيزة التي يجب أن يقوم عليها أي مشروع استراتيجي.

الجغرافيا نعمة تحتاج إلى إرادة

موقع عُمان ليس مجرد خريطة؛ بل كنز استراتيجي، شريطة أن يتم تحويله من معطى طبيعي إلى رؤية اقتصادية متكاملة. ورسم خطوط الطرق والموانئ، وتحفيز التكامل الإقليمي، والانفتاح الذكي على الأسواق العالمية، وتحديث البنية الأمنية والإدارية، يمكن أن ينقل السلطنة من دور "المراقب الحيادي" إلى "الفاعل المحوري" في معادلات الاقتصاد العالمي. الجغرافيا أعطتنا المفتاح، لكن لا بُد أن نمتلك الشجاعة والخيال لنفتح الأبواب. وكذلك من إطلاق العنان برفع سقف الطموح الى أبعد مما نحن عليه اليوم.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • جنبلاط استقبل وفداً من نادي قضاة لبنان: الإصلاح يبدأ من استقلالية القضاء
  • نائب:القوانين المهمة سترحل إلى الدورة البرلمانية المقبلة
  • بعد إقرار البرلمان.. القانون الجديد يلزم بإعادة نظر الدعوى حال صدور حكم غيابي
  • عُمان.. بوابة التوازن والتكامل في قلب العالم القديم والجديد
  • لتأجيل تصويت حل الكنيست - حكومة نتنياهو تطرح عشرات مشاريع القوانين
  • الاقتصاد العراقي يعانق الرقمنة: حظر النقد يعيد تشكيل المستقبل المالي
  • حزب السادات الديمقراطي يستعد للبرلمان بـ 19 مرشحًا فرديًا.. والقوائم قيد التقييم
  • الإيجار القديم.. البرلمان يحسم المواد الخلافية في القانون بعد العيد
  • عن أحداث لوس أنجلوس… ونحن
  • حاخامات إسرائيل ينقسمون على قانون التجنيد ويدعون لحل البرلمان