جريدة الرؤية العمانية:
2025-05-11@14:24:57 GMT

الهُوِيَّة الوطنية.. رسوخ وثبات

تاريخ النشر: 15th, February 2025 GMT

الهُوِيَّة الوطنية.. رسوخ وثبات

 

 

د. محمد بن خلفان العاصمي

 

تُمثِّل الهُوِيَّة الوطنية بمفهومها البسيط السمات والخصائص التي تميز كل أمة عن غيرها، وتترجم هذه الهُوِيَّة بالانتماء، وهو ما يُمثِّل أهمية بالغة في تقدم الأمم وازدهارها وتطورها، وبدون هذه الهُوِيَّة المميزة تفقد كل أُمَّة معنى وجودها واستقرارها ويصبح حالها والعدم سيان، وترتكز الهُوِيَّة الوطنية لأي أمة على ثوابت تقوم عليها وتستمد منها عوامل الاستمرارية والقوة والاستقرار، وبفقدان هذه العوامل تذوب الأمة وتنصر وتختفي، وفي التاريخ شواهد كثيرة لأمم كانت حضارات عريقة ولكنها انتهت عندما فقدت هُوِيَّتها والتي هي مصدر قوتها.

والهُوِيَّة الوطنية تتشكل من خلال العديد من العناصر مجتمعة، وينبغي الحرص على تقوية هذه العناصر وجعلها غير قابلة للمساس، ويجب ألّا يتم التعامل معها كحالات ومكونات عادية، بل يلزم وضعها في مكانتها الخاصة الحقيقية، وهذه العناصر عندما يتم التعامل معها وفق المنظور السابق فهي تشكل قوة الأمم وهُوِيَّتها ومصدر وجودها واستمراريتها، وهي عناصر مشتركة في أي أمة على مر التاريخ، فلا تقوم الأمم إلا بوجودها ولا تنتهي إلّا بزوالها وفقدان قوتها ورمزيتها ومعناها الأساسي.

يقول الفيلسوف وعالم الرياضيات الألماني غوتفريد لايبنتز "لا يوجد شيئان مختلفان ومنفصلان، يشتركان مع بعضهما بالخصائص والصفات نفسها"؛ فالهُوِيَّة بعواملها وعناصرها هي تمييز شيء عن شيء وأمة عن غيرها رغم تشابه المقارنات، وعندما نذهب بالحديث عن هذه العناصر سوف نرى معنى هذا القول؛ حيث تمثل اللغة والتاريخ أحد أهم عناصر الهُوِيَّة الوطنية، ويشكلان معًا البعد الثقافي في هُوِيَّة كل أمة، ومع الدين تشكل هذه العناصر حجر الأساس لهُوِيَّة المجتمع والإنسان، فلا انتماء موحد لأمة إلّا إذا كان لها تاريخ عميق ترتكز عليه وتستمد إرثها منه ولا هُوِيَّة دون لغة واحدة ترسخ الانتماء الوطني ودين يجمع مكونات الأمة.

ويأتي العنصر السياسي والاقتصادي كأحد مكونات الهُوِيَّة الوطنية؛ حيث تقوم هذه العناصر بمثابة المحرك الأساسي لتحقيق التنمية المستدامة وخلق الاستقرار والازدهار الذي يرسخ الانتماء ويعزز عناصر الأمن ومبادئه والأمان بكل مجالاته، والأمم التي تنجح في خلق استقرار سياسي واقتصادي تنجح في ترسيخ مفهوم الانتماء والولاء للوطن وتعزز من الشعور بالوحدة الوطنية والمصير المشترك والشراكة الفعلية في رسم هذا المصير والتفاعل مع التغييرات المستقبلية والتخطيط الاستراتيجي الذي يجعل من المستقبل مصدر قوة للأجيال وضمان استمرارية التنمية وتحقيق الأهداف المرسومة.

ويأتي الموقع الجغرافي كأحد عناصر الهُوِيَّة الوطنية لما له من أهمية في نواح متعددة، فالموقع الجغرافي يؤدي دورًا مهمًا في نوع وشكل التحالفات الإقليمية والدولية، وهو عامل أساسي في نوع النشاط الاقتصادي الممارس والدور السياسي الذي تلعبه الدول، ومن خلاله تتشكل العلاقات وتتنوع. ومن خلاله يمكن الاستفادة من عناصر القوة التي يوفرها وعن طريقها تتبلور عوامل القوة الناعمة التي تجعل من الفرد والمجتمع أكثر قدرة على استشعار قيمة الوطن وما يوفره له من قدرات وإمكانات وفرص، وهو ما يعزز جوانب الانتماء والارتباط، فالأرض التي يولد بها الإنسان تظل راسخة في ذاته مهما ابتعد عنها، وهي عنصر من عناصر تشكيل شخصيته وسماته.

وتمثل الحقوق والواجبات أحد عناصر الهُوِيَّة الوطنية المهمة، فالإنسان اجتماعي بطبعه كما قال ابن خلدون، وهو متفاعل مع غيره من البشر ومع مكونات بيئته، وحتى يكون هذا التفاعل وفق إطار وسياق متناغم لا بد من حفظ الحقوق والواجبات والتي من خلالها تتشكل حدود الحريات، فإدراك الفرد لواجباته هو الأساس في بناء مجتمعات حضارية متطورة، ومن مبادئ حفظ الحقوق والإقرار بالواجبات يكون الانتماء ويتعزز الولاء، فالدول التي يكون فيها المجتمع حافظًا لحقوق الفرد ويكون الفرد عالمًا بواجباته وحدود حريته الخاصة وتقاطعها مع الحرية العامة لا تتنازع أفراده تيارات الفتنة والشقاق والصراعات التي تعصف بالمجتمعات والدول التي تغيب عنها قيم العدالة والمساواة والحرية.

وفي مجتمعنا والحمد لله تتكامل هذه العناصر جميعها لتشكل هُوِيَّتنا الوطنية التي ميزتنا عبر الزمان، هذه الهُوِيَّة التي جعلت من سلطنة عُمان دولة حضارية يشهد لها القاصي والداني، هذه الهُوِيَّة التي ترتكز على تاريخ عريق وتراث ثقافي وتمكن سياسي ومقومات اقتصادية ومنظومة رصينة من القوانين والتشريعات التي حفظت الحقوق والواجبات، ولذلك لا بد من الحفاظ عليها وترسيخها لدى الأجيال لتتوارثها وتنقلها إلى الأجيال القادمة، ولهذا فمسؤولية غرس قيم الهُوِيَّة الوطنية، واجبة على المؤسسات المعنية وخاصة مؤسسات المجتمع المدني، ومؤسسات التعليم بكل أنواعها.

ولأن هذه الهُوِيَّة بُنِيَت على أساس الاحترام والتقدير والتوقير، فإن احترام الكبير جزء رئيسي من الهُوِيَّة الوطنية، والكبير هنا كل من يمثل قمة الهرم في البناء الاجتماعي وبناء الدولة من أب وشيخ كبير وعالم وحاكم. وإذا كان احترام كل كبير هو جزء من هُوِيَّتنا فكيف إذا كان هذا الكبير هو رأس الدولة، فهُنا يكون هذا الاحترام أوجب الواجبات وأول الأولويات، وما نشاهده من بعض المُغرَّر بهم لا يمُت إلى هُوِيَّتنا الوطنية بصلة، ولا إلى أخلاق مجتمعنا، الذي يرفض كل ذلك وينبُذ من يتجاوز هذه الحدود ولا يقبله، وهذا أمر طبيعي في مجتمع عُرف عنه رسوخ المبادئ والقيم والأخلاق الحميدة.

لا ريب أن ذات الحاكم مُصانة لأنه يمثل هرم هذا البناء، وهو من يحفظ وحدة الوطن وأمنه، وهو الرمز الذي تسير على نهجه الأمة، وهو العنصر الرئيس في تشكيل هُوِيَّة وطنية تتكامل معها باقي العناصر.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

أبو السمن: الاعتداءات على عناصر الطرق تكلف الدولة أكثر من 4.5 مليون دينار سنوياً

صراحة نيوز ـ حذر وزير الأشغال العامة والإسكان المهندس ماهر أبو السمن من تزايد الاعتداءات المتكررة على عناصر الطرق العامة، والتي تسبب خسائر سنوية تتجاوز 3 ملايين دينار، بالإضافة إلى كلف وقائية تقدر بنحو 1.5 مليون دينار، مؤكداً أن هذه الظاهرة باتت تشكل تهديداً خطيراً للبنية التحتية والسلامة العامة على الطرق.

وقال أبو السمن في تصريح صحفي اليوم الأحد، إن أكثر من 300 حالة اعتداء تُسجل سنوياً وتشمل سرقة كوابل الإنارة، وفك حواجز الحماية المعدنية، وإزالة الشواخص المرورية، موضحاً أن بعض المعتدين يعمدون إلى بيع هذه المواد كخردة أو استخدامها في عمليات استجرار غير قانونية للطاقة الكهربائية.

وأكد أن الوزارة، إلى جانب الخسائر المالية، تواجه استنزافاً لجهود كوادرها ومواردها بسبب أعمال الصيانة المتكررة، لافتاً إلى أن غياب عناصر السلامة، كالإضاءة والحواجز والشواخص، يؤدي إلى تدني مستوى الأمان على الطرق، ويزيد من فرص وقوع الحوادث، خصوصاً ليلاً وعلى الطرق السريعة والمناطق الإنشائية.

وأشار إلى أن حواجز الأمان التي تتعرض للسرقة أو التخريب صُممت لمنع المركبات من الانزلاق أو الخروج عن المسار، وغيابها يرفع من خطر الإصابات والوفيات، فيما تسهم إزالة الشواخص المرورية في إرباك السائقين وتضعف قدرتهم على اتخاذ قرارات آمنة.

وكشف أبو السمن أن الوزارة تعد دراسة فنية وقانونية شاملة بالتعاون مع الجهات الأمنية المختصة، تتضمن مقترحات لتعديل التشريعات وتشديد العقوبات على المعتدين، مشيراً إلى أن الوزارة باشرت بتنفيذ إجراءات وقائية منها إنشاء غرف لحماية المحولات الكهربائية، وتركيب كاميرات مراقبة في النقاط الحساسة، وتكثيف دوريات الصيانة والتفقد.

ودعا الوزير إلى ضرورة تفعيل دور المجتمع في حماية البنية التحتية، من خلال الإبلاغ عن أي نشاطات مشبوهة، مؤكداً أن حماية الممتلكات العامة مسؤولية وطنية مشتركة.

يُذكر أن مجلس الوزراء تبنى مؤخراً توصيات لمواجهة هذه الظاهرة، من بينها تطبيق صارم لقانون الطرق رقم (24) لسنة 1986، وتشديد الرقابة على الطرق من قبل الحكام الإداريين والأجهزة المختصة، والبحث عن حلول تنفيذية لوقف الاعتداءات وملاحقة مرتكبيها.

مقالات مشابهة

  • أبو السمن: الاعتداءات على عناصر الطرق تكلف الدولة أكثر من 4.5 مليون دينار سنوياً
  • ‏نتنياهو: استعدنا رفات جندي إسرائيلي قتل في اجتياح لبنان عام 1982
  • هرّبوا العناصر الإرهابية للخارج.. مرافعة النيابة في محاكمة 64 متهمًا بخلية القاهرة الجديدة
  • اللجنة الوطنية للطوارئ تطمئن المواطنين بشأن الهزة الأرضية التي شعر بها سكان طرابلس
  • الهويات الخليجية والأسئلة الحائرة
  • قهوجي يشيد بنجاح الأهلي: التجانس وثبات التشكيل سر التتويج باللقب.. فيديو
  • باريس سان جيرمان يواجه مونبلييه في الدوري الفرنسي اليوم
  • في عملية نوعية للجيش السوداني.. مقتل 76 من عناصر الميليشيا المتمردة
  • بالصور.. عناصر المنتخب المحلي في جولة استرخائية قبل مواجهة غامبيا
  • ضبط عناصر إجرامية بحوزتهم مخدرات بقيمة 3.5 مليون جنيه