الرئيس الأمريكي يسجل هدفا في مرمى الصين بمجال «الطاقة الخضراء»
تاريخ النشر: 17th, February 2025 GMT
تتلاحق الأحداث بسرعة كبيرة فى العاصمة الأمريكية واشنطن هذه الأيام، لدرجة أن حرب دونالد ترامب على أجندة المناخ الخضراء مرت دون أن يلاحظها أحد تقريباً، كانت خطوات مثل الانسحاب من اتفاق باريس، وإسقاط تفويضات المركبات الكهربائية، وإنهاء التأجير البحرى لمشاريع الرياح، وتسريع البنية الأساسية للوقود الأحفورى، لتسيطر على الأخبار فى أوقات أكثر هدوءاً.
إلا أن الكاتب والسياسى الأمريكى «والتر راسيل ميد» كتب فى مقالة نشرتها صحيفة «وول ستريت جورنال» أن سياسة المناخ التى ينتهجها ترامب مهمة لأسباب تتجاوز المناقشة حول المناخ، بعدما دفعت الصين سياسة المناخ الغربية إلى أن تصبح محوراً رئيسياً لاستراتيجيتها الاقتصادية، ومن خلال سحب البساط من تحت أجندة المناخ العالمية، تضيف إدارة ترامب بشكل كبير إلى الضغوط الاقتصادية على بكين.
وأضاف الكاتب الأمريكى، فى مقالته، التى تنشر «الوطن» مقتطفات مترجمة منها، أنه يمكن أن نطلق على هذا «التخطيط الصينى العبقرى» أو «الكفاءة الغربية الفظة»، ولكن الفائز الوحيد الحقيقى من الأجندة الخضراء التى حاولت الحكومات الغربية فرضها على العالم هو الصين، فقد نجحت بكين فى ترسيخ هيمنتها بسرعة فى صناعات حيوية، مثل خلايا الطاقة الشمسية، وتوربينات الرياح، والمركبات الكهربائية، والبطاريات التى تُشغل هذه التقنيات.
وكان هذا متوقعاً إلى حد بعيد، فعلى الرغم من أن المخططين الاقتصاديين للحزب الشيوعى الصينى فى بكين يُعتبرون من أكثر التكنوقراط فاعلية فى العالم، فهم يتفوقون على أولئك الذين عانوا من الفشل، مثل التكنوقراط السوفييت، فى عهد خروشوف وبريجنيف، فبمجرد أن يتلقوا مجموعة من الأهداف، وجدولاً زمنياً، وقائمة بالتقنيات التى يجب الترويج لها، يعمل هؤلاء المخططون على تنسيق السياسات الحكومية، والإعانات المصرفية، وقوى السوق لتحقيق صناعات عالمية فى وقت قياسى، فى المقابل، كان المهندسون الأوروبيون والأمريكيون للتحول الأخضر يخلقون، دون قصد، ساحة لعب مثالية، تتناسب تماماً مع نقاط القوة الصينية، وقد استغلت بكين هذه الفرصة بأقصى قدر من الكفاءة.
لكن حتى أكثر المخططين ذكاءً يرتكبون أخطاء، فالصين اليوم هى مزيج من النجاح الاقتصادى والصناعى الاستثنائى والفشل الهائل، فالعواقب الديموغرافية المدمرة الناتجة عن سياسة الطفل الواحد، والضغوط المالية والاجتماعية المترتبة على فقاعة العقارات، والقدرة الصناعية الزائدة الناتجة عن عقود من التخطيط الحكومى العدوانى، كلها تشكل تحديات كبيرة للمستقبل. ومع ذلك فإن الانقلاب الذى يقترحه ترامب على سياسة المناخ العالمية قد يحول مساعى الصين للهيمنة على انتقال الطاقة من فوز كبير إلى فشل باهظ التكلفة بالنسبة لها.
إن أجندة الصفر الصافى، وهى مجموعة من الأهداف والاستراتيجيات التى تتبناها الحكومات الغربية ودبلوماسيو المناخ لوقف الاحتباس الحرارى العالمى من خلال الحد من الانبعاثات، تمثل الجهد الدولى الأكثر طموحاً فى تاريخ الدبلوماسية، تهدف هذه الأجندة إلى إقناع أو إجبار كل دولة على التحول إلى إنتاج الطاقة دون إضافة ثانى أكسيد الكربون إلى الغلاف الجوى.
مثل هذا المشروع الطموح يتطلب دعماً سياسياً مستمراً، ومع مرور الوقت تزداد تكاليف التحول إلى الطاقة النظيفة بشكل لا هوادة فيه، مما يزيد من معارضة المشروع مع تأثر المزيد من المصالح. ولضمان استمرار التقدم نحو «صفر انبعاثات»، اعتمد المؤيدون على ثلاثة عوامل رئيسية:
أولاً: تزايد التكاليف الاقتصادية المرتبطة بتغير المناخ (مثل ارتفاع تكاليف التأمين فى المناطق المعرضة للكوارث الطبيعية)، مما يدفع المزيد من الناخبين لدعم سياسات صفر الانبعاثات.
ثانياً: ضغط الصناعات التى استثمرت فى التقنيات الصديقة للمناخ (مثل صناعة السيارات الكهربائية) على الساسة للحفاظ على اللوائح والإعانات التى تجعل هذه الاستثمارات مربحة.
ثالثاً: ازدياد العمالة فى الصناعات الصديقة للبيئة، مما يعزز دعم سياسات صفر الانبعاثات.
لكن، فى ظل الأضرار المتزايدة الناتجة عن الكوارث الجوية غير الاعتيادية، أدى نجاح الصين فى الاستحواذ على قطاع الطاقة النظيفة، إلى تقليص الدعم العالمى لتحقيق «صفر انبعاثات»، وبالرغم من استثمار الحكومات الغربية فى إنتاج السيارات الكهربائية، فإن العديد من شركات السيارات الغربية تخشى المنافسة الصينية أكثر مما تأمل فى تحقيق أرباح كبيرة فى هذا القطاع، كما أن الهيمنة الصينية فى صناعات مثل خلايا الطاقة الشمسية وتوربينات الرياح، جعلت «الوظائف الخضراء» فى الغرب أقل جذباً للناخبين، مما يقلل من الزخم نحو تحقيق «صفر انبعاثات».
ويرى الكاتب أن السياسات المناخية ستشهد تحولاً فى صفوفها، لكن فى الوقت الحالى، فإن هجمات ترامب على أجندة «صفر انبعاثات» بدأت تؤتى ثمارها، حيث يعيد الأوروبيون النظر فى أجندتهم الخضراء، بينما تواجه الصين فائضاً هائلاً فى الصناعات المرتبطة بهذه الأجندة، ويواجه منتجو الألواح الشمسية والبطاريات والمركبات الكهربائية أسواقاً مشبعة، مما يؤدى إلى انخفاض الأسعار وزيادة المخزونات، وفى الأفق تلوح التعريفات الجمركية، حيث يسعى المنافسون الأوروبيون والأمريكيون إلى الحد من المنافسة المدعومة من الدولة، من الشركات الصينية.
ويختتم «راسيل» مقالته بقوله إن التخطيط الاقتصادى يفترض وجود عالم عقلانى وقابل للتنبؤ به، لكن عودة دونالد ترامب إلى السلطة، وما يترتب على ذلك من تغييرات فوضوية، تُذكِّرنا بأن عالمنا مكان فوضوى وغير قابل للتنبؤ، وفى أوقات مثل هذه، حيث تشهد الثورة فى كل مناحى الحياة، يصبح المستقبل أكثر غموضاً من أى وقت مضى.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: ترامب أمريكا الدولة العميقة صفر انبعاثات
إقرأ أيضاً:
واشنطن تهدد الأونروا والمحكمة الدولية
كشف مصدران مطلعان أن مسئولى إدارة ترامب أجروا محادثات متقدمة بشأن فرض عقوبات مرتبطة بالارهاب على وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأونروا ما أثار قلقا قانونيا وإنسانيا كبيرا داخل وزارة الخارجية. تعمل الأونروا فى غزة والضفة الغربية ولبنان والاردن وسوريا وتقدم المساعدات والتعليم والرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية والمأوى لملايين الفلسطينيين.واتهمت إدارة ترامب الوكالة بوجود صلات مع حماس وهى اتهامات نفتها الأونروا بالكامل.
لم يكن واضحا ما إذا كانت المناقشات الجارية تركز على معاقبة الوكالة ككل أو مسئولين محددين أو أجزاء من عملياتها كما لم يستقر المسئولون بعد على نوع العقوبات المحتملة. ومن بين الخيارات التى نوقشت إعلان الأونروا منظمة ارهابية أجنبية وهو إجراء قد يعزل الوكالة ماليا لكنه غير مؤكد ما إذا كان لا يزال مطروحا بجدية.
أى استهداف شامل للوكالة قد يؤدى إلى عرقلة جهود اغاثة اللاجئين وشل قدراتها بينما تواجه أصلا أزمة مالية. ووصف ويليام دير مدير مكتب الأونروا فى واشنطن الخطوة بأنها غير مسبوقة وغير مبررة مؤكدا أن أربع جهات مستقلة بينها مجلس الاستخبارات الوطنى الأمريكى حققت فى حياد الوكالة وخلصت جميعها إلى أنها جهة انسانية محايدة لا غنى عنها.
فى المقابل وصف مسئول فى وزارة الخارجية الأونروا بأنها منظمة فاسدة ذات سجل فى مساعدة الارهابيين وقال إن كل الخيارات مطروحة دون قرارات نهائية. ولم يصدر تعليق من البيت الأبيض.
يمتلك صانعو السياسة الأمريكيون أدوات عقابية متنوعة تشمل تجميد الأصول وحظر السفر ضد أفراد وكيانات محددة بينما يعتبر تصنيف منظمة ارهابية أجنبية من أشد الأدوات وعادة ما يطبق على جماعات تقتل المدنيين مثل تنظيم الدولة والقاعدة. ويثير هذا خيارا آخر وهو احتمال تعرض مسئولين أجانب للعقوبات بسبب دعمهم لوكالة تمولها عشرات الدول الحليفة لواشنطن.
المصادر التى تابعت النقاشات من الداخل أعربت عن مخاوف انسانية وقانونية بسبب الدور الحساس للأونروا. وأفادت أن المسئولين السياسيين الذين عيّنهم ترامب يقودون التوجه نحو فرض العقوبات بينما يعترض عدد من مسئولى الخارجية المحترفين ومن بينهم محامون معنيون بصياغة لغة التعيينات. كما تمت مناقشة الخطوة بين مسئولى مكتب مكافحة الارهاب وتخطيط السياسات بينما تنحى غريغورى لوغيرفو المرشح لموقع مكافحة الارهاب عن المشاركة لحين مصادقة مجلس الشيوخ.
وفى سياق متصل قالت مصادر أمريكية إن إدارة ترامب تمارس ضغوطا على المحكمة الجنائية الدولية مطالبة إياها بتعديل وثيقتها التأسيسية لمنع أى تحقيق مستقبلى مع ترامب أو كبار مسئولى إدارته مهددة بفرض عقوبات جديدة إذا لم تُلبّ المطالب. تشمل الطلبات أيضا إسقاط التحقيقات مع القادة الاسرائيليين بشأن حرب غزة وإنهاء تحقيق سلوك القوات الأمريكية فى أفغانستان.
أبلغت واشنطن أعضاء المحكمة وبعضهم حلفاء لها بهذه المطالب كما أبلغت المحكمة نفسها. وقال مسئول أمريكى إن العقوبات قد تطال مزيدا من مسئولى المحكمة وربما تطال المحكمة ككيان وهو ما سيعطل قدرتها على صرف الرواتب والوصول إلى حساباتها المصرفية والتشغيل الإدارى الأساسى.
يأتى هذا فى ظل مخاوف داخل الإدارة من أن المحكمة قد تستهدف ترامب ونائبه ووزير الحرب ومسئولين آخرين فى عام 2029 عند انتهاء ولايته مشيرا إلى أحاديث فى الدوائر القانونية الدولية حول ذلك. وقال إن الحل يكمن فى تعديل نظام روما الأساسى لتوضيح عدم امتلاك المحكمة اختصاصا عليهم.
وفى وقت سابق فرضت واشنطن عقوبات على تسعة مسئولين بالمحكمة لكنها لم تستهدف المحكمة ككيان بعد. بينما أعلنت المحكمة أن تعديل النظام الأساسى من صلاحيات الدول الأطراف ولم تؤكد ما إذا كانت تلقت الطلب الأمريكى.
أى محاولة لتغيير نظام روما تتطلب موافقة ثلثى الأعضاء أما التعديلات الجوهرية على الاختصاص فتحتاج نسبة أكبر. وفى خلفية المشهد تواصل الولايات المتحدة عمليات عسكرية مثيرة للجدل بينها حملة ضربات ضد سفن يشتبه بتهريب المخدرات فى الكاريبى والمحيط الهادئ أسفرت عن مقتل أكثر من ثمانين شخصا ما دفع نوابا فى الكونغرس إلى فتح تحقيق بشأن قانونية إحدى الغارات التى قتل فيها ناجيان اثنان بينما دافع البيت الأبيض عن العملية.