بعد قرابة شهر من الهدوء النسبي، لا تزال المنطقة تتأرجح على شفا انفجار كبير قد يغيّر مجريات الأحداث، وذلك بسبب عدم حسم كثير من الملفات، والسقوف العالية والضغوط الأمريكية والإسرائيلية التي تهدف إلى فرض حلول أحادية لصالح العدو الإسرائيلي، على حساب سيادة الدول العربية وحقوق الشعوب وتطلعاتها، وفي المقدمة الشعب الفلسطيني.


وفي هذا السياق، يهدد ترامب مجدداً باتخاذ “موقف صارم بشأن قطاع غزة السبت”، ويقول إنه “غير متأكد مما ستفعله إسرائيل”. ويأتي هذا التهديد بعد تعهد الوسطاء لوفد حماس إلى القاهرة بتجاوز العقبات، والضغط على العدو لتنفيذ التزاماته بموجب اتفاق وقف إطلاق النار، وما ترتب عليه من إعلان المقاومة تراجعها عن قرار تأجيل الإفراج عن الأسرى الصهاينة.
تصريحات ترامب الأخيرة تأتي في سياق التهديدات المتكررة، خصوصاً من الرئيس ترامب، بتوسيع نطاق الصراع، وفرض خطط الضم والتهجير القسري على الشعب الفلسطيني، وهو ما يهدد بنسف كل الاتفاقات الموقعة، ونسف جهود ومساعي الدول العربية الوسيطة (إذا افترضنا حسن النية) لمحاولة احتواء الموقف. لكن ما سرب عن الخطة المصرية المدعومة سعودياً وإماراتياً ليس مبشراً، وإن تضمّنت تلك الخطة إعادة إعمار غزة وعدم تهجير أهلها، لكن فكرة إلغاء حماس من المشهد في غزة مرفوضة وغير منطقية ولا واقعية، كما لا يجوز أن تتبنى دول عربية مثل هذه الطروحات.
أمام الوضع والتحديات الراهنة، تبرز التظاهرات والتصريحات اليمنية من مختلف المستويات، لتعكس موقفاً حازماً في التصدي لمخططات التهجير والضم والإلغاء والشطب لأي من حركات المقاومة، وترفض بشكل قاطع أي انتهاك لحقوق الفلسطينيين ووجودهم.
في إطار التصعيد الأخير، قررت المقاومة الفلسطينية الإفراج عن الأسرى الصهاينة، بعد أن قدم الوسطاء تعهدات بتجاوز العقبات الصهيونية، ومهددات الاتفاق من دون تلكؤ ولا مماطلة. لا يبدو العدو جاداً في تنفيذ الاتفاق بشكل كامل وسلس، كما أن الموقف الأمريكي متناقض بشكل صارخ، ففيما كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يدّعي أنه هو الوسيط الذي يعمل من أجل تحقيق السلام في المنطقة، ويعطي لنفسه الفضل في وقف إطلاق النار في غزة وتبادل الأسرى، فإن تصريحاته الأخيرة بخصوص تهجير سكان غزة لا تهدد الاتفاق فحسب، بل تهدد بإشعال حرب جديدة وواسعة في المنطقة، خصوصاً أنه لم يُظهِر تراجعاً عن خطته المرفوضة فلسطينياً وعربياً وإسلامياً ودولياً، تلك الخطة التي تشمل تهجير سكان غزة وضم الضفة الغربية إلى كيان العدو الإسرائيلي، وتهدف إلى تمرير خطة أحادية الجانب تتجاهل الحقوق الفلسطينية، وتدعم النبوءات التلمودية في توسيع المغتصبات وضم الأراضي الفلسطينية بالقوة. وإن قرر تأجيل خطة التهجير أو حصل على مكاسب مرحلية للعدو، كما تسرب عن الخطة (المصرية _ العربية)، ذات النكهة الأمريكية، فإن مخطط ضم الضفة وما تشهده من أكبر عملية تهجير، يمثل عامل تفجير إضافياً، فالمقاومة الفلسطينية لن تسكت كما أن جبهات الإسناد، وخصوصاً اليمن، لن ترضى بتمرير ذلك، ما قد يدفع نحو تفجير الوضع من جديد.
وعلى المقلب الآخر، لا يزال المشهد في جنوب لبنان ضبابياً بخصوص استحقاق الثامن عشر من شباط/فبراير وانسحاب قوات العدو الإسرائيلي المحتل، رغم الرفض اللبناني الرسمي والشعبي المعلن لأي تمديد إضافي، ورغم تقديم الفرنسي سلماً للنزول الإسرائيلي من على الشجرة، وتسريع انسحابه من النقاط المتبقية جنوب لبنان.
الموقف الأمريكي يمثّل الوجه الآخر للصهيونية، رغم ادعاء ترامب “الحرص على السلام”، فإن الواقع يفضح هذا الادعاء الزائف ويكشف خطواته المتناقضة تماماً، إذ يقدم الدعم العسكري والسياسي والمالي للمجرمين الصهاينة، ويتبنى طروحاتهم ومشاريعهم التلمودية ويضغط على الدول العربية، مثل مصر والأردن، لتكون جزءاً من هذه المخططات تحت طائلة التهديد بقطع الدعم المالي عنها إذا رفضت إملاءاته وخططه الرعناء. وهذا يكشف نية عدوانية استعلائية حقيقية لتوسيع نطاق الهيمنة الإسرائيلية في المنطقة.
الموقف اليمني: موقف حازم ورؤية استراتيجية
في ظل هذا التصعيد، يأتي الموقف اليمني بقيادة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي ليشكل رداً قوياً ضد تلك المخططات، إذ أعلن السيد عبد الملك، قبل أيام، بوضوح استعداد اليمن للتدخل العسكري، إذا ما تم تنفيذ خطط تهجير الفلسطينيين بالقوة، أو نكث العدو بالاتفاق وعاد إلى التصعيد مجدداً في غزة أو لبنان. المواقف التي يعلنها السيد عبد الملك ليست مجرد حرب نفسية وتهديدات جوفاء، بل تأتي في إطار التنسيق المستمر مع فصائل المقاومة الفلسطينية ومحور المقاومة، والتشديد على موقف ثابت لا يتغير في مواجهة أي محاولات لفرض حلول أحادية تتجاهل حقوق الشعوب.
في هذا السياق، يمكن فهم الموقف اليمني أنه موجّه ليس فقط ضد العدو الإسرائيلي، بل ضد المنظومة السياسية الأمريكية التي تدير اللعبة بشكل أحادي. ويدرك السيد عبد الملك تماماً أن الاستمرار في تجاهل حقوق الفلسطينيين سيؤدي إلى مزيد من التصعيد، وهذا ما يسعى اليمن إلى تفاديه عبر تأكيد جاهزية اليمن للمشاركة في أي مواجهة عسكرية مقبلة، إذا تطلب الأمر.
التحديات أمام الحلول السياسية
في الوقت الذي تزداد فيه التهديدات من الولايات المتحدة و”إسرائيل”، تظل القضية الفلسطينية في دائرة الضوء. وقد أثبتت المقاومة الفلسطينية في غزة موقفها الثابت في عدم التنازل عن أي من حقوقها، فعلى الرغم من الضغوط والتهديدات الأمريكية، لا يزال الموقف الفلسطيني راسخاً في رفض التنازل عن أي من عناصر القوة، وهو ما يعكس روح التحدي والصمود في مواجهة التهديدات. فيما يظل السؤال الأهم: هل سيصمد الموقف العربي، هل سيعلن (لا) عريضة في وجه ترامب؟ وهل ستنجح الجهود الدولية في إلزام العدو الإسرائيلي بتنفيذ تعهداته في اتفاقات وقف إطلاق النار في غزة وجنوب لبنان؟ الأيام والليالي والميدان كفيلة بالإجابة عن كل هذه التساؤلات.
وإلى ذلكم الحين، يبقى الموقف اليمن على قدر كبير من الأهمية والمسؤولية في آن معاً، فهو يمثل صوتاً قوياً ونقطة فاصلة، في وجه مخططات الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية، ويؤكد ضرورة وحدة الموقف العربي الإسلامي والتمسك بحقوق الشعوب في مواجهة الاعتداءات والتجاوزات، وإلا ستكون المنطقة أمام مشكلة لا تهدد فلسطين وحدها، بل تشكل تهديداً وجودياً للجميع.

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

الساعات الحاسمة | سيناريوهات الرد الإيراني والموقف الأمريكي ومستقبل الشرق الأوسط .. خبير يعلق

في تصعيد غير مسبوق على الساحة الإقليمية، شهدت العاصمة الإيرانية طهران فجر الجمعة انفجارات عنيفة هزّت غرب المدينة، في أعقاب غارات جوية إسرائيلية وُصفت بأنها من أضخم الضربات العسكرية داخل العمق الإيراني منذ سنوات طويلة. وحتى الآن، لا تزال أسباب الانفجارات الإضافية غير واضحة بشكل كامل.

حصيلة أولية ثقيلة للضحايا

بحسب ما نقلته وكالة "فارس" الإيرانية، فإن الهجوم الإسرائيلي خلف 78 قتيلاً و329 جريحاً حتى اللحظة، في حصيلة مرشحة للارتفاع مع استمرار أعمال البحث والإنقاذ في المناطق المتضررة. ولم تعلن السلطات الإيرانية بعد عن تفاصيل دقيقة حول المواقع المستهدفة أو طبيعة الأهداف التي أصيبت في الهجمات.

خيارات الرد الإيراني.. بين التهدئة والتصعيد

وحول تداعيات هذه العملية العسكرية، أكد اللواء نبيل السيد، الخبير الاستراتيجي، أن الساعات القادمة ستكون شديدة الحساسية، حيث يترقب الجميع شكل الرد الإيراني على هذه الضربة غير المسبوقة.


وأوضح السيد أن طهران أمامها عدة سيناريوهات، أولها رد محدود يحفظ ماء الوجه ويحافظ على توازن القوى القائم، وثانيها تصعيد أوسع قد يجر المنطقة بأكملها إلى صراع مفتوح يصعب احتوائه لاحقاً.

وأضاف أن إيران قد تلجأ في البداية إلى توجيه ضربات دقيقة لمواقع عسكرية إسرائيلية أو مصالح حليفة لها في المنطقة دون المساس بالمراكز السكانية الكبرى أو البنية التحتية الحيوية داخل إسرائيل، في محاولة لتجنب اندلاع حرب شاملة لا تستطيع طهران تحمل تكلفتها على المدى الطويل.

الموقف الأمريكي المعقد

في المقابل، أشار اللواء السيد إلى أن الولايات المتحدة تواجه معضلة صعبة في ظل هذا التصعيد. فهي من جهة تظل ملتزمة بدعم إسرائيل كحليف استراتيجي لا غنى عنه في الشرق الأوسط، ومن جهة أخرى تخشى من أن يؤدي تصعيد المواجهة إلى حرب إقليمية واسعة قد تتداخل فيها أطراف دولية كبرى مثل روسيا والصين.

ورجّح الخبير الاستراتيجي أن تقدم واشنطن في المرحلة المقبلة دعماً عسكرياً واستخباراتياً متزايداً لإسرائيل، بالتوازي مع مساعٍ دبلوماسية مكثفة لاحتواء التصعيد ومنع انفجار الوضع إلى صراع شامل يصعب السيطرة عليه.

تداعيات اقتصادية وأمنية على مستقبل المنطقة

وفي ختام حديثه، حذّر اللواء السيد من أن التصعيد الحالي قد يكون بداية لفترة طويلة من عدم الاستقرار الأمني والسياسي في المنطقة، مع ما يحمله ذلك من آثار مباشرة على الاقتصاد وأسواق الطاقة العالمية، التي قد تشهد اضطرابات حادة بسبب حساسية المنطقة كمصدر رئيسي للطاقة.

مع اشتداد هذا التصعيد العسكري بين إيران وإسرائيل، تقف المنطقة والعالم بأسره أمام مفترق طرق خطير، حيث سيحدد الرد الإيراني وشكل التعاطي الدولي مع الأزمة مستقبل الاستقرار في الشرق الأوسط خلال الفترة المقبلة.

طباعة شارك طهران الولايات المتحدة إسرائيل واشنطن

مقالات مشابهة

  • لليوم الثاني على التوالي.. المقاومة الفلسطينية تنفذ كمينا مركبا للاحتلال في غزة
  • عاجل | «إيران» تطلب تهجير الإسرائيليين من الأراضي الفلسطينية المحتلة «لإنقاذ حياتهم »
  • فعلها ترامب وليس نتنياهو… ونجحت إيران بالرد
  • العدوان الصهيوني على إيران والتحوّل الاستراتيجي في مسار المقاومة
  • اليمن تدين العدوان الصهيوني السافر على إيران .. وتحمِّل العدو وشركاءه مسؤولية التداعيات الخطيرة
  • الساعات الحاسمة | سيناريوهات الرد الإيراني والموقف الأمريكي ومستقبل الشرق الأوسط .. خبير يعلق
  • تنظيم التصحيح: العدوان الصهيوني على إيران محاولة لثنيها عن دعم المقاومة الفلسطينية
  • في يوم الغضب المليوني .. اليمن يحذر الأنظمة العربية من العقوبة الإلهية ويتوعد الطغيان الصهيو أمريكي
  • حزب الله يدين العدوان الإسرائيلي على إيران
  • الفصائل الفلسطينية تدين العدوان الإسرائيلي على إيران وتعتبره تطورا خطيرا يدخل المنطقة في مواجهة مفتوحة