حين عملت محررا صحفيا بدءا من عام 1995، أي قبل ثلاثة عقود، لفت نظري أمران، الأول وهو ما يتعلق بما كانت تبعثه وكالات الأنباء من صور من قطاع غزة، إضافة لمواد صحفية متنوعة، كانت تقصد بعث ما يظهر غزة وشقيقاتها بمظهر الخراب والعشوائية ومناظر الفقراء والمعوزين، ما يعني إننا إزاء ظاهرة التركيز بسوء نية على جوانب مختارة من حياة غزة، وكوني محررا ثقافيا أيضا، فقد صرت أقترح مواد تتعلق بالتراث المعماري في القطاع، وجوانب تتعلق بالجوانب المدينية بما يلائم عراقة غزة، أخت يافا، ولعلني في قادم الأيام أكتب شيئا يتعلق بكيفية ظهور غزة بالذات في الصحافة الفلسطينية التي تأسس جزء منها بعد عام 1994، مع تأسيس السلطة الوطنية.
أما الأمر الثاني، فكان ما اعتاد شاعرنا الكبير الراحل هارون هاشم رشيد على بعثه لصحيفة الحياة الجديدة، والذي كان يقرنه مع أجمل القصائد، ألا وهو كتاباته النثرية عن قطاع غزة الحبيب؛ فأراني مدينة غزة كأعرق ما تكون المدن العربية، رأيت غزة الأربعينيات حتى هزيمة عام 1967، قبل أن يضطر شاعر الثورة للبقاء في مصر، ليعود بعد ثلاثة عقود.
وهكذا فقد كانت فرصة لنا لنرى غزة، من خلال مناظير متنوعة؛ فكل بما يرى، وما يبعث من مواد حسب توقعه من موافقة وكالات الأنباء، التي للأسف راحت «تنمط» غزة والغزيين/ات، إضافة للأقلام والكاميرات الواعية والموضوعية التي أرتنا غزة من جوانب متنوعة.
أما المواد التي تحفظنا على معظمها فكانت لصحفيين عشرينيين، في حين كانت المواد الإيجابية لكتاب وصحفيين أربعينيين وخمسينيين وما فوق.
كنا نرى عن بعد كوننا نقيم في الضفة الغربية التي لم يكن من السهل علينا زيارة غزة إلا بتصاريح الاحتلال التي ظلت تقل حتى صارت محدودة.
تعرفت من خلال هارون هاشم رشيد ومن خلال العشرات إن لم تكن مئات المقالات عن غزة، ما لم نتعلمه من مصادر أخرى، ثم ما كان بعدها بقراءة ما تيسر من تاريخ غزة، كمدينة عريقة ضمن شقيقاتها على البحر يافا وحيفا وعكا، وفي الجبال كالقدس ونابلس والخليل، حيث كان من السهل تعميق المعرفة بمكانة غزة ودورها في النهضة الثقافية التي انطلقت في فلسطين أواخر الحكم العثماني، وخلال الاحتلال البريطاني لفلسطين، فالحالة العلمية والثقافية لم تبدأ بالاحتلال البريطاني، بل كانت موجودة في الدولة العثمانية، وقد ارتبطت موضوعيا مع التطور الذي حدث في العالم، من خلال كثافة السكان والمنتوجات وانتشار التعليم والثقافة بل والفنون.
وقعت غزة والساحل الفلسطيني بين مصر ولبنان، وهذا ما أشار إليه الدكتور عادل منّاع، حين ذكر «أن الساحل الفلسطيني تأثّر في النصف الأول من القرن العشرين بنموذجين للحداثة في كل من مصر ولبنان»، علما أن غزة ومدن الساحل وحواضر فلسطين في الجبل، كانت مشاركة في الحداثة التي ظهرت.
ولعل القوة الكامنة في غزة، المدينة الوحيدة التي بقيت من فلسطين على الساحل ما بين نكبة عام 1948 وهزيمة عام 1967، قد تجلت بشكل مهم عند تحليل الوطنية الفلسطينية، حيث أمكن، وأسباب أخرى، الحفاظ على الهُوية الفلسطينية.
قبل فترة، استمعنا لعالم الاجتماع الشاب البروفيسور أباهر السقا، عاشق غزة، وأكثر من يضيء عليها وعلى دورها، فذكرنا بكون غزة من أكبر المدن الفلسطينية، واستعرض سياقات حداثة غزة آخر القرن التاسع عشر، مع تأسيس البلدية، حيث عرفنا من خلال محاضرته كيف تجلى وعي مصطفى العلمي وفهمي الحسيني في التفكير بتخطيط مدينة غزة كمدينة حديثة لها شوارعها وساحاتها وأسواقها، في ظل معيقات سلطات الاحتلال البريطاني، التي سطت على تاريخ غزة حين هدمت جزءا من التراث المعماري العريق في البلدة القديمة، والذي شمل للأسف هدم المسجد الكبير.
كان رئيس البلدية فهمي الحسيني بعيد النظر، حين فكر بالاستفادة من العلم الحديث، حيث استقدم عام 1921 مهندس تخطيط مدن من إيطاليا.
ومن الجميل أن السقا كان موضوعيا حين قارن بين الحكم العثماني والاحتلال البريطاني، حيث إنه حين ذكر عن نوايا الدولة العثمانية بالتطوير، فقد أوضح أن الاحتلال البريطاني فيما بعد رفض التطوير مبررا ذلك بالتكلفة العالية، وربما يفسّر ذلك تسارع التحديث في حواضر الساحل أكثر منها.
وانطلاقا من منظوره التحليلي حلل الدكتور السقا، أستاذ علم الاجتماع في جامعة بيرزيت توسعة مدينة غزة بعد الاحتلال البريطاني حتى نكبة فلسطين عام 1948، وما تم من حراك اقتصادي-اجتماعي؛ مثال ذلك حيّ الرمال، كذلك كحال السكان شرق سكة الحديد وغربها.
من ميزات المدينة الساحات والشوارع العامة، والمتنزهات، ما يعني أن التحديث في بداية العشرينيات، كان يهدف إلى إيجاد مدينة كبيرة فعلا، تكون البنية الأساسية قد تهيأت لها، ولعل الحديث عن وجود 7 دور سينما ناشطة في غزة، له دلالة اجتماعية حول الجمهور الغزيّ.
وبينما كان حديث الدكتور أباهر السقا عن حداثة غزة، تحدث دكتور جوني منصور المؤرخ الحيفاوي المعروف عن حداثة حيفا، ضمن ندوة غنية في مركز خليل السكاكيني في رام الله، حملت عنوان حداثة الساحل، ذكرتنا بما كتبه عالم الاجتماع الفلسطيني المعروف البروفيسور سليم تماري، في كتابه الجيل ضد البحر: دراسات في إشكاليات الحداثة الفلسطينية، الذي صدر قبل عقدين.
إن استمرار دراسة حداثة فلسطين، في سياق النهضة العربية الحديثة، شرط لحيوية الحديث عن الشعب الفلسطيني، الذي كان حاضرا بقوة في وطنه، ما يعني الوقوف ضد أكاذيب الاحتلال التي أشاعت أن فلسطين وطن بلا شعب، لشعب بلا وطن.
ونختتم، بأنه في ظل ذبح غزة، من خلال حرب الإبادة، فإن غزة تزداد حضورا، بتاريخها العريق، حتى لو تعرضت المباني للتدمير، فهناك شعب نشيط محب للحياة، قادر على البناء ثانية، كما فعل دوما بعد كل الزلازل التي ضربت المكان، لكن لم تضرب روحه.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الاحتلال البریطانی من خلال
إقرأ أيضاً:
رشيد جابر وجمال سلامي يحددان غدًا قائمتهما للقمة المرتقبة يوم الخميس
اقتربت ساعة الحقيقة وباتت تفصل منتخبنا الوطني 24 ساعة قبل النزال المرتقب يوم الخميس أمام شقيقه الأردني الذي يستضيفه مجمع السلطان قابوس الرياضي ببوشر الساعة الثامنة مساءً بالجولة قبل الأخيرة من المرحلة الثالثة للتصفيات المؤهلة لنهائيات كأس العالم 2026 حيث تُحدد هذه المواجهة مسار المنتخبين نحو التأهل بشكل مباشر أو الانتظار لتحديد مصيره بالملحق مع تبقي جولة عشرة ستقام يوم الثلاثاء القـادم.
وسيُجري المنتخبان غدًا الأربعاء حصة رئيسية أخيرة في ملعب المباراة وفقا للوائح الاتحاد الدولي لكرة القـدم حيث سيُجري منتخبنا تدريبه عند الساعة 18:45 دقيقة ولمدة ساعة كاملة بينما يجري المنتخب الأردني تدريبه الأخير عند الساعة الثامنة ولمدة ساعة أيضا، مع فتح التدريبات بأول ربع ساعة للإعلام من أجل التصوير مع التحفظ على إجراء المقابلات الصحفية، وستتضح غدًا الصورة النهائية للمنتخبين في تحديد خياراتهما الفنية واعتماد القائمة النهائية للمباراة والتي يجب أن تتضمن 23 لاعبا فقط بحسب لائحة التصفيات، حيث يتوجب تسجيل القائمة قبل أقل من 90 دقيقة من المباراة بشرط أن تكون جميع الأسماء مُدرجة في القائمة الأولية التي تم إرسالها للاتحاد الآسيوي قبل 7 أيام من المباراة، وكما هو معلوم سيفتقد منتخبنا للاعب محسن الغساني بداعي الإيقاف ويجب عليه أيضا استبعاد 4 لاعبين آخرين بجانب الغساني من القائمة الحالية والتي تضم كلا من: فايز الرشيدي (صحار) وعبدالملك البادري (الشباب) وأحمد الرواحي (السيب)، ولخط الدفاع: خالد البريكي وماجد السعدي (الشباب) وأحمد الخميسي وعلي البوسعيدي (السيب) وثاني الرشيدي وغانم الحبشي وأحمد الكعبي (النهضة) وملهم السنيدي (النصر)، ولخط المنتصف حارب السعدي وعبدالله فواز عرفة وحسين الشحري (النهضة) وأرشد العلوي وزاهر الأغبري وجميل اليحمدي (السيب) وحمد الحبسي وسلطان المرزوق (ظفار) وطارق السعدي (سانت أندرو الإسباني) ومصعب الشقصي (الرستاق) وحاتم الروشدي (الشباب) وصلاح اليحيائي (الخالدية البحريني)، ولخط الهجوم عبدالرحمن المشيفري (السيب) ومحسن الغساني (بانكوك يونايتد التايلاندي) والمنذر العلوي (الزوراء العراقي) وعصام الصبحي (القوة الجوية العراقي) ومحمد حميد الغافري (الشباب).
والأمر كذلك بالنسبة للمنتخب الأردني والذي جاء لمسقط بـ29 لاعبا من ضمنهم محمود المرضي ونزار الرشدان اللذان يغيبان عن مباراة منتخبنا للإيقاف، وبالتالي عليه أيضا التخلي عن 4 لاعبين قبل المباراة، وتضم القائمة كاملة كلا من: يزيد أبو ليلى وعبد الله الفاخوري ونور الدين بني عطية ومحمد العمواسي وعبد الله نصيب ويوسف أبو الجزر ويزن العرب وهادي الحوراني وسليم عبيد وحسام أبو الذهب ومحمد أبو النادي وأدهم القريشي وأحمد عساف وإبراهيم سعادة ونور الدين الروابدة ورجائي عايد وعامر جاموس ومحمد الداوود ومحمد أبو حشيش ومهند أبو طه وعلي علوان ومهند سمرين ومحمد أبو زريق “شرارة” وعلي العزايزة وموسى التعمري وإبراهيم صبرة ويزن النعيمات، بجانب محمود المرضي ونزار الرشدان.
رشيد وسلّامي يواجهان الإعلام
وفي السياق ذاته يقام غدًا الأربعاء الاجتماع الفني الخاص بالمباراة عند الساعة الحادية عشرة صباحا في فندق "جي دبليو ماريوت" بمدينة العرفان مقر إقامة منتخبنا الوطني، وسيحضر الاجتماع مراقب المباراة الياباني تاكيوكي أويا ومراقب الحكام خالد جاسم السناني والمسؤول عن تقنية الفيديو "الفار" السعودي سلطان عبدالرحمن النمر، ومديرو المنتخبين وممثلون عن الجهات المنظمة للمباراة لمناقشة كافة الأمور التنظيمية للمباراة وتحديد ألوان المنتخبين واعتماد أهلية اللاعبين.
كما سيقام غدًا أيضا المؤتمر الصحفي للمدربين مع رشيد جابر الساعة 13:10 بحضور أحد اللاعبين، ويسبقه المغربي جمال سلامي مع أحد لاعبي منتخب الأردن الساعة 12:30 للإجابة على أسئلة الصحفيين والحديث عن أهمية المباراة، وأكمل ملعب المباراة كل جاهزيته التنظيمية للقاء، حيث ستكون هذه المواجهة رقم 44 التي يحتضنها الملعب للأحمر في تصفيات كأس العالم، حيث كانت الأولى كانت أمام العراق بتصفيات مونديال 1990 وانتهت 1-1 وأول من سجل للأحمر في بوشر هو القائد أحمد خميس بينما آخر من سجل هو محسن الغساني في شباك فلسطين 14 نوفمبر الماضي في مرمى منتخب فلسطين.
تفاصيل المباريات الـ43 السابقة هي 3 مباريات في تصفيات مونديال 1990 ومثلها في تصفيات فرنسا 1998 بينما كان النصيب الأكبر للمباريات في بوشر بتصفيات كأس العالم 2002 حيث خاض 9 مباريات، ولعب ثلاث مباريات في تصفيات ألمانيا 2006 ومواجهتين فقط في تصفيات جنوب إفريقيا 2010 أمام نيبال والبحرين في حين لعب مواجهتي اليابان وتايلاند في استاد الشرطة بالوطية، بينما لعب 6 مباريات بتصفيات كأس العالم البرازيل 2014 وثلاث في روسيا 2018 بينما لعب في التصفيات الماضي 7 مباريات خمس منها في المرحلة النهائية أمام السعودية وأستراليا واليابان والصين وفيتنام، وثلاث مباريات في هذه المرحلة المزدوجة من هذه التصفيات أمام الصين تايبيه وماليزيا وقرغيزستان، و4 مواجهات أمام كوريا الجنوبية والكويت وفلسطين والعراق بالمرحلة الحالية من التصفيات، وأكبر فوز كان أمام لاوس 12 - صفر بتصفيات مونديال 2002 تحت قيادة ماتشالا، وسجل الملعب في آخر مباراة لعبها أمام العراق 19 نوفمبر الماضي 26377 متفرجا بينما احتشد في لقاء فلسطين قبلها بخمس أيام 21754 متفرجا وأمام الكويت في 10 أكتوبر 25891 متفرجا وحضرها أمام كوريا الجنوبية في بداية التصفيات 27144 متفرجا وفقا للإحصائيات الرسمية التي نشرها الاتحاد الآسيوي لكرة القدم.