بقلم: كمال فتاح حيدر ..

ما لا يعلمه العراقيون حتى الآن: ان مجلس التعاون الخليجي منح الكويت صلاحية فتح آفاق النقل العابر للحدود فوق الأراضي السعودية وبالتوافق مع الحكومتين الأردنية والسورية، وسوف تنحصر أهمية ميناء مبارك بلعب دور حلقة الوصل المباشرة بين حوض الخليج العربي والمنافذ البحرية والبرية في سوريا، ومنها تتفرع محاور النقل إلى تركيا أو الى البحر عن طريق مينائي طرطوس او اللاذقية.

بمعنى آخر: ان طريق الحرير الخليجي سوف ينتهي بميناء مبارك، ومنه إلى اوربا برا وبحرا، وقد تم التوقيع منذ الان على اتفاقية النقل العابر بنظام مسيطر عليه الكترونياً. اي ان الشاحنات والحاويات سوف تكون معلمة ومشفرة رقميا وسوف تكون تحركاتها مرصودة من الباب إلى الباب. .
وما لا يعلمه الرافضون للربط السككي في العراق ان ميناء مبارك ارتبط سككيا بشبكة قطار الخليج. وهذا يعني ان ميناء مبارك سوف يصبح هو الميناء المحوري الاول في المنطقة (على الصعيدين الدولي والإقليمي). .
وبالتالي فان ميناء الفاو سوف يولد ميتا. ولن تتاح له اي فرصة للتمدد محليا او اقليميا بسبب الحصار الذي فرضته وزارة النقل على نفسها. وسوف لن يختلف كثيرا عن بقية الموانئ العراقية القريبة منه. .
وهكذا خسر العراق والى الأبد موقعه الاستراتيجي باعتباره كان يمثل صلة الوصل بين القارات، وخسر أيضاً تعرفة النقل العابر، وتحوّل إلى دولة مغلقة منطوية على نفسها. .
والمضحك المبكي في هذه المعطيات الخاسرة سوف يكون منفذ (عرعر) هو النافذة البديلة التي تتدفق منها البضائع القادمة من ميناء مبارك إلى العراق. اخذين بعين الاعتبار ان المستورد العراقي هو الذي يقرر اختيار الطريق الذي تسلكه بضاعته في ضوء ما يترتب عليها من رسوم مخفضة وتسهيلات سخية وتوقيتات مختزلة. .
عندئذ تجد الوزارات العراقية نفسها ملزمة بالتعامل مع جغرافية الأمر الواقع باختيار الأفضل والأسرع والأقل تكلفة. .
ويتعين على العراقيين التوجه منذ الآن لأداء صلاة الجنازة على ميناء الفاو. .

د. كمال فتاح حيدر

المصدر: شبكة انباء العراق

كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات میناء مبارک

إقرأ أيضاً:

حلّ العمال الكردستاني يفتح نقاشا تونسيا.. هل يجب أن تحل النهضة نفسها؟

ربط عدد من المثقفين والمهتمين بالشأن السياسي في تونس بين القرار التاريخي الذي اتخذه حزب العمال الكردستاني بحلّ نفسه طوعًا، والتحولات التي يشهدها المشهد السياسي التونسي، متسائلين عمّا إذا كان هذا القرار يمكن أن يشكّل نموذجًا يُحتذى به في تونس، وتحديدًا في ما يتعلّق بمستقبل حركة النهضة، التي باتت في نظر البعض عبئًا على المرحلة الانتقالية وتعطّلًا لمسار ديمقراطي مأزوم منذ 25 تموز / يوليو 2021، بينما يرى آخرون في هذا الربط إسقاطًا مجحفًا لا يراعي خصوصية السياقين.

هذا الحدث، الذي قرأه البعض في بعده التركي فقط، أثار جدلاً فكرياً وسياسياً في تونس، لا سيما بعد أن دعا الأكاديمي عبد الرزاق حاج مسعود حركة النهضة إلى أن تحذو نفس الخطوة. وتفاعل مع دعوته مثقفون وقياديون من داخل الحركة وخارجها، بين من وجد في الدعوة نقداً بنّاءً، ومن رآها إسقاطاً غير منصف.

حزب العمال الكردستاني.. من البندقية إلى الأمة الديمقراطية

في نهاية سبعينيات القرن الماضي، انطلق حزب العمال الكردستاني (PKK) من معركة وجود مسلح في وجه الدولة التركية، منادياً بدولة قومية كردية. لكن وبعد عقود من الصراع و40 ألف قتيل، لم يُنجز الحزب مشروعه القومي، بل وجد نفسه أمام واقع جديد فرضه تحوّل الدولة التركية، وصعود خطاب "الأمة الديمقراطية" الذي تبناه عبد الله أوجلان. لقد تخلّى الحزب عن حلم الدولة، ليطرح نفسه كمكوّن ديمقراطي يتفاعل مع متغيرات محلية ودولية. لم يكن هذا "انتحاراً سياسياً"، بل تطوراً في فهم المرحلة وسلوكاً نقدياً تجاه الذات.




إسقاط النموذج على تونس.. نهضة بلا نهوض؟

رأى حاج مسعود في هذا التحول مرآةً يمكن أن ترى فيها حركة النهضة مصيرها. الحركة التي تشكّلت في رحم صراع مع الدولة القومية البورقيبية، حملت طيلة عقود مشروعاً إسلامياً إصلاحياً لم ينجُ من الانغلاق الأيديولوجي ولا من براغماتية مفرطة في ما بعد الثورة. ويذهب حاج مسعود إلى أن "البلوكاج التاريخي" الذي تسببت فيه النهضة لا يقل كارثية عن تجربة الـPKK، رغم اختلاف الوسائل والمرجعيات.

تونس، وفق حجته، لم تعد بحاجة إلى "إعادة تدوير" حركات نشأت في حقب الاستبداد، بل إلى الدخول في المستقبل عبر أدوات جديدة. دعوته لحل النهضة هي نداء فلسفي لتجاوز زمن الجماعة والقبيلة السياسية، لا مجرد تصفية حسابات أيديولوجية.



أصوات من الداخل بين الدفاع والتأمل

القيادي في النهضة رياض الشعيبي، وفي ردّ متزن، لم ينفِ الطرح بل أعاد تأطيره. أشار إلى أن تاريخ النهضة نفسه عرف لحظات دعا فيها بعض أعضائها إلى الحل أو التغيير الجذري، لكنها صمدت لأن وظيفتها السياسية لم تنتهِ بعد. يعترف الشعيبي بأن الرمزية التي تمثلها النهضة اليوم قد تكون عائقاً، لكنه يرى أن الدعوة إلى تفكيك المقولات الأيديولوجية تحتاج إلى حوار عميق لا إلى قرارات فوقية.



في المقابل، قدّم الأمين البوعزيزي مرافعة فكرية تنتقد التشبيه بين النهضة وPKK. رأى أن حزب العمال لم يُهزم بل تطور، وأن حركة النهضة لا تحمل مشروع دولة قومية أصلاً، بل تسعى إلى تفكيك "الاستعمار المعرفي" الذي تجلى في نموذج الدولة الحديثة الموروثة. لذلك، فإن حلّ النهضة لن يحرر تونس، بل سيعزز الردة السياسية التي جسدها انقلاب 25 يوليو 2021، على حد وصفه.



الحبيب بوعجيلة: المقارنة متعسفة والسياق مغاير تمامًا

يرى الكاتب والباحث السياسي الحبيب بوعجيلة أن دعوة حلّ النهضة تعاني من خللين كبيرين، الأول أخلاقي، والثاني تحليلي: "لا يُطرح هذا الموضوع والحزب محاصر، بقياداته وجماهيره، مما يفقد النقاش قيمته الأخلاقية والعقلانية. كما أن السياقات مختلفة جذريًا؛ فحلّ الكردستاني جاء ضمن ترتيبات إقليمية ودولية لإعادة هيكلة النفوذ في الشرق الأوسط، بينما الوضع في شمال أفريقيا مختلف كليًا".

يضيف بوعجيلة أن: "الحزب الكردي كان ذا نزعة انفصالية عرقية، أما النهضة فهي مكوّن وطني مدني وضروري لتوازن الحياة السياسية في تونس. وجودها ـ بصيغتها الحالية أو بعد التحيين ـ ضرورة ضمن ترتيبات الاستقرار في تونس والمنطقة".



هند الغرسلي: النهضة حزب ديمقراطي سلمي.. والتشبيه فاسد ومتحامل

من جهتها، وصفت الناشطة والمدونة هند الغرسلي الطرح بكونه متحاملاً ومنتقى بعناية لاستهداف النهضة دون غيرها من المكونات السياسية: "الأصل في المقارنة أن تكون بين أشياء متجانسة. لا وجه شبه بين حزب كردي يساري مسلح وتاريخه دموي، وحركة النهضة المسالمة التي تؤمن بالديمقراطية والحقوق والحريات".

وأضافت بلهجة نقدية لاذعة: "لم يُطلب من عبير موسي أو حزب العمال أو غيرهم حل أحزابهم، فقط النهضة. هذا انتقائي ومفضوح. وإذا أردوغان حلّ حزبه، عندها فقط نناقش الفكرة!".

وأكدت الغرسلي أن النهضة رغم كل ما واجهته، "ظلّت تمارس السياسة بسلمية، وتصبر على معاداة ظاهرية ومبطّنة، وتُعد اليوم رصيداً في مواجهة الانفراد بالسلطة".



في ظل استمرار الانسداد السياسي وتعطّل مؤسسات الدولة، يبقى السؤال مفتوحاً حول مدى واقعية الدعوات لحلّ الأحزاب الكبرى، وعلى رأسها النهضة، باعتبارها إرثًا تاريخيًا في الحياة السياسية التونسية. وبين من يراها عائقًا، ومن يعتبرها ضرورة وطنية، يبدو أن الأزمة أعمق من مجرد وجود حزب، بل هي أزمة مشروع ديمقراطي لا يزال في مرحلة المخاض.


مقالات مشابهة

  • الجهاز الأسود الذي أثار فضول المتابعين العرب .. ما قصة الجهاز الأسود في لقاء ترامب والشرع وفي ماذا يستخدم؟
  • زيلكو كالاتش.. “العنكبوت” الذي صعد مع ميلان إلى قمة أوروبا يقود حراس العراق
  • علاء مبارك يعلق على صورة تاريخية تجمع ترامب والشرع وبن سلمان.. ماذا قال؟
  • قطر وسيط جديد بين العراق وترامب… ما الذي يدور في الكواليس؟
  • الأمين العام للأمم المتحدة: يسعدنا التطور الإيجابي الذي يحصل في العراق
  • حلّ العمال الكردستاني يفتح نقاشا تونسيا.. هل يجب أن تحل النهضة نفسها؟
  • الجميّل: هذا هو المرشّح الشيعي الذي تحالفنا معه في زحلة
  • جبهة جديدة في المواجهة بين الهند وباكستان: خطوات تصعيدية من نيودلهي حول مياه نهر السند
  • على ظهر آيلة.. انطلاق أول أفواج الحج البري من ميناء نويبع
  • قمة بغداد ودعم مشاريع النقل واللوجستيات ركيزة استراتيجية لتنويع الاقتصاد الوطني