فيلم الفتاة حاملة الإبرة : صورة أطفال ونساء الحرب في دراما بالأبيض والأسود
تاريخ النشر: 23rd, February 2025 GMT
في السينما الواقعية شاهدنا استمرارية ملفتة للنظر في تقديم قصص وشخصيات تحمل الكثير من عناصر الجذب والتأثير في جمهور المشاهدين، استمرارية قائمة على سرد هو اقرب الى المعاناة الإنسانية وحيث تحتشد عوامل موضوعية شتى لتقدم لنا شخصيات محاصرة بأزماتها او بواقعها الذي لا يخلو من صعوبات وتعقيدات.
هذه الخلاصة درجت عليها أفلام غادرت الى حد كبير كثيرا من مرويات الفانطازيا والقصص الغرائبية او الخيالية او الميلودرامية واتجهت الى ما هو اقرب الى الواقع واكثر تعبيرا عنه وتكاملا معه ومن ذلك وقائع الحروب والصراعات والتحولات الجذرية التي تشهدها المجتمعات.
هذه المقدمات نجدها تنطبق الى حد كبير على هذا الفيلم للمخرج السويدي ماغنوس فون هورن الذي يقدم لنا فيلما حديثا مشبعا بكثير من العناصر الأكثر واقعية والشخصيات المحاطة بقوى وتوازنات اجتماعية خانقة ولا فكاك منها.
ها نحن في العام 1921 وتكون الحرب العالمية الأولى قد نشبت وبدت انعكاساتها واضحة على حياة المجتمعات الأوروبية ومنها الدنمارك حيث يسيطر الفقر على عامة الناس وتعيس طبقة هشة من العاملين على الهامش ومن بينهم كارولين – الممثلة فيك كارمن سون، التي تعمل في أحد مصانع الخياطة وسط حشد من النسوة الفقيرات، وهناك تحظى بعطف مالك المصنع لتتطور العلاقة بينهما الى الزواج الذي سرعان ما ترفضه الام المتغطرسة لأسباب تتعلق بالفوارق الطبقية التي كانت سائدة آنذاك بين الفقراء والاغنياء.
ها نحن مع اليوميات الأكثر واقعية التي تعيشها كارولين سواء يومياتها في العمل في مصنع الخياطة او سكنها البائس في غرفة لا تتمكن من دفع ثم استئجارها وصولا الى طردها من العمل ولقائها بالصدفة مع داغمار – الممثلة تريني دايرهولم التي تبدو اكثر إنسانية وتعاطفا مع ازمة كارولين ومساندة لها لاسيما في اشد الأوقات حراجة وقتامة في حياتها عندما تكون في مرحلة الوضع ثم فجأة ظهور الزوج الذي كانت الحرب قد ابتلعته واختفى ليظهر فجأة وهو مشوه الوجه.
يستخدم المخرج ببراعة جماليات الأبيض والأسود ليقدم لنا صورة ذلك الواقع القاتم، وهنا يحسد حركات الكاميرا والاضاءة والمونتاج لكي يمضي قدما في استكشاف ذلك العالم المغلق والحزين الذي تعيشه كارولين قليلة الكلام ولكن كثيرة التعبير والايحاء.
وفي هذا الصدد تقول الناقدة السينمائية هانا والش في موقع مس فليكس، " إن هذا الفيلم هو ليس فيلم رعب بالمعنى السائد؛ إنه دراسة شخصية مقنعة تغازل نوع الرعب حتى النهاية، لا ترى أيًا من عمليات القتل بالتفصيل ولكن هنالك ما يكفي لتشعر بالصدمة والاضطراب. القصة قاتمة ومرعبة وتصاحبها موسيقى تصويرية متقنة وذات دلالة في كثير من الأحيان".
اما الناقد روري ويلدينغ في موقع ايبتي كوميكس فيقول" ان العالم الذي يقدمه فيلم الفتاة ذات الإبرة هو عالم قاسٍ، وحيث بقي عنصر الرعب متسيدا وربما ساهم في ترك بعض المشاهدين في حالة من الصدمة، مع مشاهد العنف المنزلي والأسوأ من ذلك، إساءة معاملة الأطفال.
على الرغم من مدى قتامة الفيلم، الا أن ما يلفت النظر هو اداء كارولين، التي قدمت أداءً متعدد الأوجه بشكل غير عادي ، من خلال مرورها بمراحل مختلفة من الإرادة القوية والضعف والقلق المدمر للذات".
يتميز الفيلم بمسارات سردية متداخلة تبدو للوهلة الأولى وفي القسم الأول من الفيلم على انها شديدة البساطة واقرب الى اليوميات المعتادة التي لا جديد فيها الا النمو المتصاعد للدراما الذي سوف يفتح امامنا مسارات سردية متعددة لعل من ابرزها هو ذلك المرتبط بشخصية داغمار، المرأة الإيجابية التي لا تتردد في تقديم يد المساعدة لكارولين، لكن ما هو غير متوقع ان ينقلب البناء الدرامي جذريا ويتحول من كارولين الى داغمار او الى جعلهما ركنا تلك الدراما الفيلمية.
داغمار التي تستقبل النسوة المأزومات من حوامل او مرضعات وتساعدهن من خلال المقهى الذي تديره تلفت نظر كارولين فتتساءل يا ترى اين ذهبت بطفلتها وباقي الأطفال المنحدرين من عائلات فقيرة لا تستطيع اطعامهم ورعايتهم، بينما دغمار هي التي تسهل الحاق أولئك الأطفال بعائلات ثرية تقوم بعملية التبني.
لكن لم يخطر على البال قط ان داغمار هي ليست الا قاتلة متسلسلة معروفة تاريخيا في الدنمارك في تلك الحقبة وبذلك سوف ننتقل في تسليط الضوء على ازمة كاترين والى ما تفعله داغمار وما تخبؤه وما تقترفه من جرائم مغطاة بخديعة المساعدة لأشد الفئات والشرائح فقرا وهشاشة.
يحفل الفيلم بجانب وجداني وحسي وهو الذي يرتبط بمسألة الاحساس بالامومة ذلك الذي يؤطر حياة اغلب الشخصيات النسائية التي ظهرت في الفيلم سواء الشخصيات الرئيسية او الثانوية، فمن يتخلصن من اطفالهن يؤلمهن ذلك القرار القاسي ويعشن لحظات تسليم الأطفال واستلامهم بما تحمله من قسوة وكل ذلك في اطار دائرة نسائية ركناها الثنائي داغمار / كارولين.
واذا امعنا البحث والتحليل في تلكما الشخصيتين فسوف نجد ان لقاءهما وتواصلهما يحما في ثناياه طباعا مختلفة كليا ونزعات اكثر ذاتية ترتبط بكل منهما وذلك من خلال مسارين سرديين لم تظهر نتائجهما الا بعد افتضاح جرائم داغمار ومن ثم عودة كارولين الى زوجها الجندي العائد من الحرب بوجه مشوّه وذات محطمة.
في المقابل وفيما يتعلق بشخصية داغمار، فإن الملاحظ هو عدم منحها وقتًا كافيًا على الشاشة حتى نتمكن من فهم دوافعها الحقيقية، لأن القصة تُروى غالبا من وجهة نظر كارولين، لهذا سوف لا نعرف الكثير عن فكرة وشخصية القاتل المتسلسل الذي تجسده داغمار باستثناء مشهد المحاكمة القصير الذي ظهر في قرب نهاية الفيلم.
واما اذا انتقلنا الى الجانب الموازي، وهو المتعلق بالنسوة اللائي يحتشدن في مصنع الخياطة او هنّ أمهات عاجزات عن اطعام ورعاية اطفالهن فإننا امام مجتمع كامل يعيش تداعيات وازمات لا حدود لها وليس الثنائي داغمار / كارولين وحتى والدة جوركن صاحبة المصنع، لسن الا عينات ونماذج من ازمة مستحكمة جرى تجسيدها دراميا على وقع الحرمان وشظف العيش والمستقبل المجهول فضلا عن إحساس بالضياع واللاجدوى وانعدام الامل في المستقبل مع ان كل ذلك بدا مختلفا بالنسبة لكارولين الصابرة والصامتة والمصممة على المضي الى النهايات كيفما كانت.
....
سيناريو إخراج / ماغنوس فون هورن
تمثيل/ فيك كارمن سون – كارولين، تريني دايرهولم – داغمار، يواكيم فيلستراب – جوركن، بيسر زيكيري – بيتر
مدير التصوير/ مايكل ديميك
موسيقى / فريدريك هوفميير
انتاج/ الدنمارك، السويد، بولونيا
التقييم/ آي أم دي بي 8 من 10، روتين توماتو 93 من 100، ميتاكريتيك 82 من 100
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
«حاملة اللقب» تودّع ويمبلدون بـ «البكاء»!
لندن (أ ف ب)
خرجت التشيكية باربورا كرايتشيكوفا، حاملة لقب بطولة ويمبلدون، ثالثة البطولات الأربع الكبرى في التنس، من الدور الثالث بخسارتها أمام الأميركية إيما نافارو 6-2 و3-6 و4-6.
ورغم تقدمها بالمجموعة الأولى، انهارت كرايتشيكوفا المصنفة 16 عالمياً والمتوجة أيضاً بلقب رولان جاروس عام 2021، أمام نافارو العاشرة، ضربت الأخيرة موعداً مع الشابة الروسية ميرا أندرييفا السابعة لمقعد في ربع النهائي.
بدا أن كرايتشيكوفا تعاني من إصابة في المراحل الأخيرة من المباراة وبكت في الملعب، في حين استغلت نافارو الفرصة لتحقق مفاجأة جديدة، بعد خروج خمس من المصنفات الست الأوليات.
اضطرت التشيكية البالغة 29 عاماً إلى قلب تأخرها بمجموعة للتغلب على النجمة الصاعدة الفيليبينية ألكسندرا إيالا في الدور الأول، قبل أن تفوز مجدداً بثلاث مجموعات على الأميركية كارولاين داليهايد في الثاني.
وصلت إلى ويمبلدون بعدما خاضت 6 مباريات فقط هذا العام حيث عانت من إصابات متكررة.
مرت كرايتشيكوفا المتوجة ببطولتين في الجراند سلام بوقت عصيب منذ فوزها على الإيطالية جازمين باوليني في نهائي ويمبلدون العام الماضي، قبل العودة إلى نادي عموم إجكلترا هذا الأسبوع.
غابت عن الملاعب حتى مايو بعد تعرضها لإصابة في الظهر وخسرت في الدور الثاني من بطولة فرنسا المفتوحة، كما انسحبت من دورة إيستبورن قبل ربع النهائي بسبب مشكلة في الفخذ.
استمتعت بالعودة إلى ويمبلدون ووصفت مباراتها في الدور الأول على الملعب الرئيس بأنها «أشبه بلعبة في معبد التنس».
حسمت كرايتشيكوفا المجموعة الأولى بسهولة، لكنها فقدت إيقاعها في الثانية، ما شرّع الباب أمام نافارو لفرض التعادل 1-1.
واستغرقت كرايتشيكوفا فترة طويلة لاستعادة توازنها قبل المجموعة الفاصلة، لكنها سرعان ما أهدرت خمس نقاط لكسر إرسال منافستها، ثم خسرت إرسالها في الشوط الثالث.
متكئة على مضربها بابتسامة مقلقة بعد خطأ غير مباشر، بدا واضحاً تراجع مستوى اللياقة البدنية عند التشيكية.
تمكنت من كسر إرسال نافارو في الشوط التالي، لكن الأخيرة استعادت التقدم فورا بكسر آخر، ما دفعها إلى طلب وقت مستقطع طبي تضمن فحص ضغط دمها.
انحنت بشكل متكرر من شدة الانزعاج، في حين اقتربت مغامرتها في ويمبلدون من النهاية.
وحتى كسر إرسال جديد لم يصب في مصلحتها، إذ ردت نافارو سريعاً بكسر آخر قبل أن تُحسم الفوز لصالحها، بينما غادرت كرايتشيكوفا الملعب وهي تُكافح لكبح دموعها.