بين قرّرت وأجّلت: الخاوة على أصولها!
تاريخ النشر: 24th, February 2025 GMT
منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، قلبت المقاومة الفلسطينية الطاولة على الاحتلال الإسرائيلي عدة مرات وفي مراحل عديدة، ليس فقط عسكريا، بل في واحدة من أكثر الملفات حساسية وتعقيدا: ملف تبادل الأسرى، فالسؤال المركزي كيف تحوّلت المقاومة إلى لاعب رئيسي في معادلة الأسرى؟ وكيف أدارت الملف بحنكة ودهاء وذكاء، وكيف أجبرت الاحتلال على الرضوخ لقواعدها؟
قرار حاسم منذ اللحظة الأولى
في اللحظات الأولى من عملية "طوفان الأقصى"، أدركت المقاومة أن ملف الأسرى سيكون أحد أعمدة الضغط على الاحتلال الإسرائيلي، فلم يكن احتجاز الجنود والمدنيين مجرد تحصيل حاصل، بل خطوة محسوبة بعناية، وملف الأسرى الإسرائيليين حرب معلنة تديرها المقاومة بحذر، ورسالة بأن من يتحكم بهذا الملف هي المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وليس تل أبيب.
منذ اللحظة الأولى وضعت المقاومة قواعد اللعبة:
المقايضة مقابل الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين: لا حديث منذُ بداية الحرب عن إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين إلا بإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين؛ بصفقة تحمل في طياتها إمكانية تغيير وجه السجون والإفراج عن الغالبية العظمى من المعتقلين، بمن فيهم أصحاب المحكوميات العالية، وهذا ما كان مؤخرا على لسان مسؤولين إسرائيليين يؤيدون الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة في إطار مبدأ "الكل مقابل الكل"، فقد تسلحت المقاومة بأن قوتها لا تكمن فقط في قدراتها العسكرية أو السياسية، بل في عقيدتها الراسخة التي تجعلها تخوض مفاوضات متدرجة وبطيئة، باعتبار قضية الأسرى عقائدية وأخلاقية، وهو ما منحها دعما شعبيا واسعا.
إدارة تفاوضية ذكية: لم تقع المقاومة في فخ المفاوضات السريعة والمجزأة، بل أدارت العملية بـ"التقسيط" وفق رؤية مدروسة، فقد استخدمت الإعلام بمهارة فائقة، فتارة من بوابة التسريبات حول ظروف الأسرى الاسرائيليين، وتارة أخرى عبر الفيديوهات التي تنشرها المقاومة، وصولا الى التحكم بطريقة إخراج الأسرى الإسرائيليين، وكلها أوراق ضغط أبقت الاحتلال في حالة إرباك دائم والتي بدورها صعدت من وتيرة الاحتجاجات في الشارع الإسرائيلي.
"أجّلت" بذكاء فزاد الثمن!
مع كل جولة تفاوض، كانت المقاومة تقول للاحتلال: لسنا في عجلة من أمرنا! التباطؤ لم يكن ضعفا، بل كان تكتيكا مدروسا لرفع سقف المطالب، متزامنا مع ثباتها في الميدان رغم الضغوطات وقدرتها على التغيير المستمر في الاستراتيجيات العسكرية والسياسية لمواجهة المستجدات، هذه الاستراتيجية جعلت الاحتلال يرضخ لمطالب لم يكن ليقبل بها في بداية الحرب، والسبب؟ الزمن لم يكن في صالحه، ففي كل جولة مفاوضات كان يزداد الضغط الشعبي في إسرائيل مع استمرار احتجاز الأسرى، فتحولت عائلات المحتجزين إلى قوة ضغط داخلية على حكومة نتنياهو، خاصة مع القلق المتصاعد بأن المقاومة قد تُقدم على تصفية بعض المحتجزين إذا استمر التعنت الإسرائيلي، كل هذا جعل الاحتلال يرضخ تدريجيا، فيما حافظت المقاومة على زمام المبادرة.
"الخاوة" على أصولها!
يمكن هزيمة جيش، يمكن تدمير مبانٍ، ويمكن فرض حصار اقتصادي، لكن لا يمكن القضاء على فكرة متجذرة في وجدان شعب بأكمله بأن لن يترك أسراه، ما فعلته المقاومة يمكن وصفه ببساطة بأنه "الخاوة على أصولها"، لكن بأسلوب ذكي واحترافي، فالاحتلال الذي اعتاد أن يكون الطرف الذي يفرض شروطه، وجد نفسه في موقف "الدافع" لا المتحكم، فدفع مقابل كل يوم تأخير حياة بعض الأسرى الإسرائيليين، والنتيجة الحتمية كانت بإطلاق سراح أسرى كان يرفض الإفراج عنهم لعقود طويلة، عبر إذلاله سياسيا أمام جمهوره وأمام العالم بأن المقاومة لم تمنح الاحتلال هدايا مجانية، بل جعلته يدفع الثمن غاليا، وبالتقسيط المريح، ولكن بشروط المقاومة!
فما فعلته المقاومة في ملف الأسرى بعد 7 أكتوبر يعتبر درسا في فن التفاوض وإدارة الصراعات، وقد أثبتت المقاومة أن من يملك الورقة الأقوى، ويُحسن استخدامها، يستطيع فرض معادلات جديدة، فالاحتلال الذي حاول كسر إرادة غزة، خرج مكسورا في الجولة الأولى من المفاوضات ليس سياسيا وعسكريا فحسب، وإنما على طاولة المفاوضات، فما عجز عنه في الميدان كان من الاستحالة تحقيقه من المفاوضات.
في النهاية، من قرر متى وأين وكيف تتم الصفقات، ليست تل أبيب، بل المقاومة في غزة، هذه الحقيقة هي أكبر انتصار في حد ذاتها!
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مدونات مدونات المقاومة الاحتلال الإسرائيلي غزة إسرائيل اسرى احتلال مقاومة غزة مدونات سياسة سياسة سياسة سياسة رياضة اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الأسرى الإسرائیلیین المقاومة فی لم یکن
إقرأ أيضاً:
الصفقة قادمة وقريبة
بعد أن أعلن المفاوض الأميركي آدم بولر عن قرب التوصل إلى اتفاق منوّهاً بمرونة حركة «حماس»، فوجئ الكل بإعلان ستيف ويتكوف انسحاب الوفد الأميركي من الدوحة.
واستكمالاً للمناورة المكشوفة والمنسّقة يعلن بنيامين نتنياهو سحب الوفد الإسرائيلي، والترحيب بالموقف الأميركي الذي أطلق تهديدات صعبة لـ»حماس»، وأشار إلى نتنياهو أن يفعل ما يجب فعله.
المناورة المكشوفة ترتقي إلى مستوى الفضيحة حين تعلن مصادر إسرائيلية أن المفاوضات لم تنهر، ثم يعود ويتكوف، أمس، فقط بعد ثلاثة أيام من إعلان الانسحاب، أن المفاوضات مع «حماس» التي تعثّرت بدأت تعود إلى مسارها.
واستكمالاً للفضيحة نقلت شبكة «فوكس نيوز»، أمس عن وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، أن ثمة تقدماً كبيراً في مفاوضات غزّة.
وبالتزامن، أيضاً، مع هذه التصريحات تعلن دولة الاحتلال أنها ستشرع في إسقاط المساعدات الإنسانية لسكّان القطاع، عَبر الجوّ.
بين إعلان انسحاب الوفدين الأميركي والإسرائيلي، وعودة المفاوضات إلى مسارها حسب ويتكوف، لم يطرأ أي جديد على مواقف المقاومة الفلسطينية من ملف المفاوضات، فما الذي جعل الإدارة الأميركية، وستتبعها نظيرتها الإسرائيلية، حتى تعود سريعاً إلى طاولة المفاوضات؟
في الواقع فإن التصعيد الأميركي الإسرائيلي، الذي أوحى بأن المفاوضات على وشك الانهيار، بسبب تعنّت «حماس» قد استهدف تصعيد الضغط عليها بأمل الحصول على تنازلات لكن الوقت لم يسعفهم لتحقيق ذلك.
من حيث المبدأ، فإن كل الأطراف غارقة في أزماتها وتحتاج إلى التوصل لاتفاق. دونالد ترامب بحاجة إلى إنجاز بعد فشله في تحقيق السلام في أوكرانيا، وحاجته للانتقال إلى «اليوم التالي»، لتوسيع «اتفاقات أبراهام»، حيث تأمل أميركا أن تشمل عشر دول عربية وإسلامية.
وفي خلفية الموقف الأميركي، أيضاً، أن دولة الاحتلال قامت بكل ما يمكنها القيام به من احتلال وتدمير وقتل وتجويع، ولكنها لم تنجح في تحقيق أهدافها، وأنها لا تملك خيارات أخرى سوى مواصلة ما تقوم به.
وفي خلفية الموقف الأميركي، أيضاً، أن العالم كله بمن في ذلك حلفاء الدولة العبرية «الغربيون»، قد أعلى الصوت، ورفع مستوى الانتقادات لحرب الإبادة والتجويع، التي تندفع نحو تحفيز العديد من الدول للاعتراف بدولة فلسطين على غرار ما أعلنه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
وبالإضافة، تزايدت الانتقادات في الداخل الأميركي لسياسة ترامب بسبب استمرار دعمه لدولة الاحتلال.
التفاعلات الداخلية في أميركا، تقترب من أن تشكل أزمة لترامب، الذي لا يملك أي خيارات أو بدائل كما يدّعي، سوى التوصل إلى اتفاق.
نتنياهو هو الآخر، لم يعد لديه المزيد من الوقت، ذلك أن ائتلافه الحكومي يتفكك، وهو بحاجة إلى إعادة ترميم شعبيته خلال فترة الأشهر الثلاثة لخروج «الكنيست» إلى العطلة الصيفية.
خروج «الكنيست» سيعطي نتنياهو الفرصة للبقاء بحكومة أقليّة، إلى أن تجري انتخابات مبكرة في أوائل 2026.
الجيش والأجهزة الأمنية يضغطون لتحقيق اتفاق بسبب فقد الخيارات، وفقد الأهداف، وبسبب الخسائر التي يتكبّدها جيش الاحتلال في غزّة، وما يعتريه من نقص في الكوادر البشرية، وضعف في الثقة، وتزايد حالات الانتحار والتمرّد عن الخدمة.
اللافت للنظر، تصريح نتنياهو، الذي قال فيه إنه لن يسمح بصفقة تؤدي إلى الاستسلام لشروط «حماس»، إذ إن ذلك يشير إلى حالة ضعف وفشل ومحاولة للتغطية على الفشل.
وبغض النظر عن الأبعاد السياسية والشخصية التي تقف خلف إصرار نتنياهو على مواصلة الحرب الهمجية، إلّا أنه لا يستطيع تجاهل الاتهامات الداخلية المتزايدة، بأنه يخسر المزيد من الحلفاء ويدفع دولة الاحتلال نحو أن تكون دولة منبوذة.
إسقاط المساعدات عَبر الطائرات، تجربة ثبت فشلها
صحيح أن الفلسطينيين يتعرضون لخسائر باهظة، ولكن دولة الاحتلال هي الأخرى تتعرض لخسائر ذات أبعاد إستراتيجية داخلياً، وعلى المستوى الدولي، حيث لم يبق معها تقريباً سوى أميركا، التي قد تفقد صبرها، انطلاقاً من رؤيتها لمصالحها.
المقاومة هي الأخرى، تعيش تحت ضغط أزمة إنسانية كارثية بسبب الحصار، واستمرار حرب الإبادة والتجويع، وهي لا تستطيع تحمّل تبعات ذلك، على أكثر من مليوني فلسطيني، مهدّدة حياتهم بالجملة.
وفق ذلك أعتقد أن الصفقة باتت قريبة جداً، وربما لا يتجاوز التوصل إليها أكثر من أسبوع.
إلى ذلك الحين، فإن المحاولات الإسرائيلية الأميركية للتنصّل من المسؤولية عن حرب التجويع، لن تنجح في إبراء ذمّة الطرفين أمام العالم.
إسقاط المساعدات عَبر الطائرات، تجربة ثبت فشلها، وهي ليست أكثر من ذر للرماد في عيون مفتوحة سواء من حيث الكمّ والنوع، أو الآثار المترتّبة على ذلك.
الحاجة في غزة تتعدّى توفير الدقيق، وبعض المعلّبات، ماذا عن الأدوية، ماذا عن الوقود، ماذا عن الحليب، وماذا عن احتياجات كثيرة؟
لا يمكن أن تتوفر من خلال هذه الآلية التي تعمّق الفوضى، ولا تسدّ رمق القليل من العائلات؟ هذا الملفّ بدأ يثير قلق الكثير من حلفاء أميركا في المنطقة، ويتسبّب بصداع لأنظمة عديدة ما يجبر الإدارة الأميركية على تغيير كل طريقة تعاملها مع هذه الكارثة.
الأيام الفلسطينية