كيف غيرت السياسة مسار العملات الرقمية؟.. من البيتكوين إلى ترامب كوين
تاريخ النشر: 27th, February 2025 GMT
ينظر إلى العملات الرقمية بوصفها ثورة أعادت تعريف معنى المال في عصرنا الحالي، فهي نوع من المال الإلكتروني، ولكنها لا توجد في شكل مادي مثل النقود التي نستخدمها في حياتنا اليومية.
وبدلا من أن تكون لديك أوراق نقدية أو قطع معدنية في محفظتك، ويتم تخزين العملات الرقمية بشكل رقمي بالكامل على الإنترنت، وهذه العملات تستخدم تقنيات حديثة لتبادل الأموال عبر الإنترنت، وهي تختلف تماما عن النقود التقليدية التي تطبعها البنوك المركزية.
وأشهر هذه العملات هي البيتكوين، ولا يمكن إغفال مجموعة متنوعة من العملات الأخرى مثل الإيثيريوم، إذ تسعى العملات الرقمية جميعها إلى تغيير قواعد اللعبة المالية العالمية.
لكن، أين تكمن أهمية العملات الرقمية؟ ببساطة، العملات الرقمية تستبدل النظام المالي التقليدي الذي يعتمد على البنوك المركزية، ففي العملات الرقمية لا نحتاج إلى أي طرف ثالث مثل البنوك أو المؤسسات المالية لتمرير الأموال بيننا، ويمكننا تحويل المال مباشرة إلى شخص آخر حول العالم، وهذا يتم عبر الإنترنت بطريقة سريعة وأقل تكلفة.
كيف نفهم العملات الرقمية؟ موجة تكنولوجية جديدة.. العملات الرقمية تدخل العالم الماليمع تطور التكنولوجيا في نهايات القرن الـ20 شهدنا العديد من الموجات التكنولوجية التي غيرت كيفية تفاعلنا مع العالم، دعونا نستعرض هذه الموجات التي غيرت كيفية تعاملنا مع المال والاقتصاد.
إعلانالموجة الأولى: الإنترنت (1982)
بدأت الموجة الأولى مع اكتشاف الإنترنت الذي غيّر بشكل جذري طريقة التواصل بين الأفراد، إذ جعل من الممكن الاتصال بين الناس حول العالم بسهولة، وأصبح البريد الإلكتروني والمنتديات والمواقع الإلكترونية أدوات أساسية للتفاعل، وهذا العصر التكنولوجي مهّد الطريق للكثير من الابتكارات التي أتت بعده.
الموجة الثانية: التفاعل المباشر (بعد عام 2000)بعد ظهور الإنترنت أصبح من الممكن التفاعل بشكل مباشر وفوري عبر الإنترنت، وظهرت الشبكات الاجتماعية التي غيرت بشكل جذري كيفية تواصل الأفراد مع بعضهم البعض.
الموجة الثالثة: التجارة الإلكترونية وإنترنت الأشياء (بعد 2010)مع تطور الإنترنت بدأنا نشهد طفرة في مجال التجارة الإلكترونية جعلت من السهل شراء السلع والخدمات عبر الإنترنت، كما ظهر إنترنت الأشياء (آي أو تي)، إذ بدأت الأجهزة الذكية مثل الهواتف والسيارات والمنازل بالتفاعل مع بعضها البعض عبر الإنترنت.
هذه الموجة مثلت تحولا آخر في عالم التجارة والاقتصاد، إذ أصبحت التقنيات أكثر ترابطا وانتشارا، وأصبح من الممكن التعامل مع المال والأعمال بكافة صورها عن طريق التطبيقات الإلكترونية.
ومع تقدم هذه الموجات التكنولوجية بدأت العملات الرقمية في الظهور لتشكل تحولا جديدا في عالم المال والاقتصاد.
وفي عام 2008 عقب الأزمة المالية العالمية نُشرت ورقة بحثية على الإنترنت من قبل شخص تحت اسم "ساتوشي ناكاموتو" تحمل رسالة أن تكون هناك حرية مالية واجتماعية وسياسية، وكان مكتوبا في هذه الورقة "بيتكوين- إلكترونك كاش- من طرف إلى طرف دون وسيط"، وكان ساتوشي يهدف إلى التحرر المالي من سيطرة البنوك المركزية وقيودها ومراقبتها والتخلي عن الوسيط التقليدي في رسالته.
وكتب ناكاموتو "السياسيون ينقذون البنوك مرة أخرى"، مشيرا إلى تدخل الحكومات لإنقاذ البنوك في الأزمات الاقتصادية، مما يؤدي إلى تفاقم الفساد المالي، إذ يكون الثمن عادة مدفوعا من قبل الأفراد العاديين.
إعلانوقدّمت هذه الورقة البيتكوين باعتبارها أول عملة رقمية مشفرة، وتم التعامل عليها في يناير/كانون الثاني 2009، والتي تعتمد على تكنولوجيا البلوكتشين، وهذه التكنولوجيا ساعدت في تخزين المعاملات المالية بشكل سريع دون الحاجة إلى وسيط مثل البنوك ومركزية الأموال.
والهدف من هذه العملات تبعا لمبتكر فكرتها هو التخلص من الوسيط الذي هو رقيب في الوقت نفسه ويستطيع أن يفرض شروطه المتغيرة تبعا لسياسته والتخلص أيضا من عبء التكلفة وعدم الخضوع لسياسته الاقتصادية والسياسية التي تؤثر على أسعار العملة سلبا.
ما هو البلوكتشين؟البلوكتشين هو نوع من الدفتر الإلكتروني الذي تسجل فيه جميع المعاملات بطريقة آمنة وشفافة، بحيث لا يمكن التلاعب بها.
تخيل أن هناك دفترا في كل مكان، وكل مرة يحدث فيه تبادل للمال بين شخصين (مثل إرسال أو استقبال بيتكوين)، وتتم كتابة هذا التبادل في الصفحة الخاصة به داخل هذا الدفتر.
والجميل في البلوكتشين أنه لا يتم حفظه في مكان واحد، بل يتم نسخه عبر مئات أو آلاف أجهزة الحاسوب حول العالم، مما يعني أنه مستحيل التلاعب به.
البلوكتشين هو عبارة عن حل لمعادلات رياضية، وبناء على حل الشخص لهذه المعادلات تتم مكافأتك لأنك قمت بالحل وتُمنح البيتكوين.
كيفية عمل البلوكتشين المعاملات: كل عملية (مثل إرسال أو استقبال بيتكوين) تُسجل في "كتلة" مثل صفحة جديدة في الدفتر. التحقق: قبل أن تضاف الكتلة إلى الدفتر الكبير (البلوكتشين) يجب أن يتم التحقق من صحتها، وهذا يتم عن طريق حل معادلات رياضية معقدة. التسجيل: بعد التحقق تضاف الكتلة إلى السلسلة، وبالتالي لا يمكن تغييرها. ما معنى كلمة "كتلة"؟الـ"كتلة" هي ببساطة مجموعة من المعاملات (مثل تحويلات المال) التي تم تجميعها معا، وكلما حدثت معاملات جديدة تُجمع في كتلة (مثل صفحة) وتضاف إلى السلسلة بعد التحقق.
إعلان النموذج البسيط لتوضيح الفكرة تخيل أنك في مدرسة وتحتاج إلى تسجيل درجات الطلاب في "دفتر" كل طالب. كل مرة يتم تسجيل درجة جديدة تضاف في "صفحة" جديدة من الدفتر. المدرس لا يمكنه تغيير أو مسح أي درجة بمجرد تسجيلها في هذا الدفتر، لأنه موزع على العديد من الأشخاص في المدرسة، وكل شخص لديه نسخة منه. خصائص عمل البلوكتشين اللامركزيةفي النظام التقليدي، عند إرسال المال إلى شخص آخر يجب أن تمر العملية عبر البنك أو المؤسسة المالية التي تتحقق من صحتها وتسجلها في دفتر حساباتها الخاص.
لكن في البلوكتشين لا يوجد طرف ثالث مثل البنك، ويتم التحقق من صحة المعاملات من خلال الأشخاص الذين يشاركون في النظام، والذين يتأكدون من أن المعاملة صحيحة، كل جهاز يشارك في النظام يعمل على التأكد من ذلك.
التشفير وحماية البياناتفي البلوكتشين تتم حماية البيانات باستخدام تقنيات التشفير المتطورة، وهذا يعني أنه من الصعب لأي شخص أن يغير أو يخترق المعاملات بعد إضافتها، فالمعلومات تكون مشفرة.
إضافة المعاملاتعند إجراء معاملة مثل إرسال عملة رقمية من شخص إلى آخر تضاف كتلة جديدة إلى سلسلة الكتل (البلوكتشين)، وهذه الكتلة تحتوي على تفاصيل المعاملة -مثل المرسل والمستلم والمبلغ- بعد إضافتها، وتصبح المعاملة دائمة ولا يمكن تغييرها.
الشفافية والخصوصيةالجميع يمكنهم رؤية المعاملات التي تحدث في النظام، فبينما المعاملات تظهر فإن تفاصيل هويات الأشخاص المشاركين في المعاملات تبقى مخفية.
أمثلة لتوضيح البلوكتشين مثال: غوغل درايفتخيل أن لديك ملفا مهما على "غوغل درايف"، هذا الملف يمكن أن يكون مشتركا بينك وبين العديد من الأشخاص.
كل شخص يمكنه عرض الملف والإضافة إليه وتعديله، ولكن لا يمكن لأي شخص تعديل الملف إلا إذا كان لديه إذن، فإذا أجرى أي شخص تغييرا على الملف يتم تسجيل التغييرات بشكل دقيق، ولا يمكن التلاعب بها أو تعديلها لاحقا.
إعلانوبعد استعراض الجزء الخاص بفلسفة العملات الرقمية والبلوكتشين وتوضيحها سنتطرق في الجزء المقبل غلى توضيح نقاط مختلفة يتم تداولها من قبل الفرد العادي البسيط عن هذا النظام المالي الجديد ومزاياه وعيوبه وآثاره.
من يتحكم في البيتكوين المتداول حول العالم؟تم التطرق إلى البيتكوين لأنها العملة الأكثر رواجا عالميا، وهي التي تعتمد على النظام اللامركزي في التعاملات المالية، بالإضافة إلى تخطي قيمتها السوقية أكثر من1.7 تريليون دولار، لذلك كان لا بد من تسليط الضوء على أهم مالكي هذه العملة من دول ومؤسسات ومستثمرين.
الاستغلال السياسي للعملات المشفرة تأثير ترامب على العملات المشفرة.. من التعيينات السياسية إلى فشل "ترامب كوين"واحدة من النقاط الرئيسية التي تثير الجدل في صناعة العملات المشفرة هي التدخلات السياسية، فبعد قدوم الرئيس الأميركي دونالد ترامب -الذي تلقى دعما بشكل كبير أثناء حملته الانتخابية من "لوبي العملات المشفرة"- أصبح هناك تركيز من قبل الإدارة الأميركية الحالية على العملات المشفرة، مقارنة بما كانت تتعرض له الصناعة من رقابة شديدة أثناء ولاية الرئيس السابق جو بايدن.
تعيين حليف لصناعة العملات المشفرةعندما تولى ترامب منصبه بدأ بتغيير السياسة تجاه العملات المشفرة بشكل كبير، وكان له تأثير مباشر في صناعة العملات المشفرة من خلال تعيين بول أتكينز، وهو محامٍ يعتبر حليفا قويا لهذا القطاع، ليترأس هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية (إس إي سي).
هذا التعيين أدى إلى تخفيف الضغوط الرقابية على الشركات العاملة في مجال العملات المشفرة، مما سمح لها بالتوسع بدون الالتزام الصارم بالقوانين التنظيمية التي كان يدعمها المشرعون في إدارة بايدن.
"ترامب كوين".. انهيار وخسائر فادحة للمستثمرينالتدخل السياسي لم يقتصر على التعيينات فقط، ترامب شخصيا أطلق عملته المشفرة الخاصة تحت اسم "ورلد فايننشال ليبرتي"، مما منحه حصة شخصية في نجاح هذا القطاع.
هذا الانتقال إلى دعم العملات المشفرة ليس مجرد دعم سياسي، بل كان أيضا دافعا لمصالحه الخاصة، إذ كانت هناك قيمة مضافة له شخصيا في استمرار هذا القطاع.
إعلانوالأمر الذي شكّل ضربة كبيرة لمستثمري العملات المشفرة هو فشل "ترامب كوين"، فبعد أن بدأ ترامب حملته الترويجية للعملة المشفرة الخاصة به ارتفعت قيمتها بشكل مؤقت، مما جذب العديد من المستثمرين العاديين.
ومع مرور الوقت تعرضت هذه العملة لانخفاض حاد في قيمتها، مما تسبب في خسارة ضخمة للمستثمرين الذين كانوا يراهنون على نجاح المشروع.
ترامب كان قد دافع عن هذه العملة المشفرة على منصاته الإعلامية، لكن عندما انهارت قيمتها كان هذا بمثابة صدمة للمستثمرين، إذ تعرض أكثر من 800 ألف حساب إلى خسائر تزيد على 100 مليون دولار بسبب استثمارهم في تلك العملة.
وللمتابع، فإن وجود شخصيات مثل ديفيد ساكس "قيصر الذكاء الاصطناعي والعملات المشفرة" يشير إلى أن ترامب كان يسعى إلى الاستفادة من تكنولوجيا العملات المشفرة والابتكار التكنولوجي في تعزيز الاقتصاد الأميركي.
كما أن ترشيح شخصيات لها علاقة مباشرة بالعملات المشفرة -مثل هوارد لوتنيك- يعكس رغبة في دفع هذه الصناعة نحو المزيد من الاعتراف الرسمي والمشاركة في السياسة الوطنية.
لكن رغم ذلك فإنه يبقى من الصعب تحديد مدى التزام ترامب الكامل بالعملات المشفرة، خاصة أن مواقفه في الماضي بشأن القضايا الاقتصادية تتسم بالتقلب وتغليب الرؤية الشخصية.
التأثير السلبي للسياسيين في السوق.. الرئيس الأرجنتيني نموذجاإلى جانب ترامب كان هناك أيضا الرئيس الأرجنتيني خافيير ميلي الذي أثار ضجة كبيرة في عالم العملات المشفرة، ففي خطوة مفاجئة أطلق ميلي عملة ميميكوين جديدة كان يروج لها في الأرجنتين، وهي عملة مشفرة لا تتمتع بوظيفة عملية حقيقية، بل تعتمد بشكل رئيسي على النكتة أو تميمة مشهورة.
هذه العملات التي أُطلقت لأغراض تسويقية أو رمزية عُرفت بمخاطرها العالية، لكن ميلي جذب العديد من المستثمرين الأرجنتينيين، مما دفعهم إلى الرهانات عليها.
لكن، كما هو الحال مع العملات المشفرة التي أُطلقت تحت رعاية السياسيين فإن عملة ميلي شهدت انخفاضا حادا في قيمتها خلال وقت قصير جدا، وانهارت الأسعار فجأة، مما أدى إلى خسائر فادحة للمستثمرين الأرجنتينين الذين قرروا الانخراط في هذا الاستثمار المليء بالمخاطر.
إعلانهذا التراجع المفاجئ في قيمة العملة أثار أزمة سياسية داخل البلاد، إذ تكبد المستثمرون خسائر مالية تجاوزت 250 مليون دولار.
سياسيون آخرون وتأثيرهم في سوق العملات المشفرةتدخلات السياسيين الأخرى لم تقتصر فقط على ترامب وميلي، فعلى سبيل المثال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كان له دور في التأثير على سوق العملات المشفرة عبر سياساته الاقتصادية، خصوصا مع التصريحات التي أدلى بها عن تبني روسيا تقنيات البلوكتشين والبحث عن أسواق بديلة للمبادلات الاقتصادية بعيدا عن الهيمنة الغربية، وهذا التصريح كان له تأثير في توجيه الاستثمارات نحو أسواق مشفرة في دول أخرى.
وفي الصين أيضا، لعبت السياسات الحكومية دورا في تقلبات السوق، فعلى الرغم من أن الصين قد حظرت تعدين العملات المشفرة في عام 2021 فإن تصريحات الحكومة بشأن العملات الرقمية ساهمت في خلق نوع من الضبابية.
وفي النهاية، يتضح أن العملات الرقمية لم تعد مجرد ابتكار مالي، بل أصبحت ساحة تتداخل فيها التكنولوجيا مع السياسة والاقتصاد، ومن البيتكوين إلى العملات المشفرة المرتبطة بالسياسيين أثرت القرارات السياسية بشكل مباشر على مسار هذه الأصول الرقمية، ما بين الدعم الرسمي والتشريعات المقيدة والتلاعب بالسوق.
ومع استمرار تطور العملات المشفرة يبقى السؤال الأهم: هل ستظل أداة للتحرر المالي؟ أم ستتحول إلى أداة في يد القوى السياسية والاقتصادية؟
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات العملات الرقمیة العملات المشفرة عبر الإنترنت هذه العملات حول العالم العدید من فی النظام لا یمکن من قبل
إقرأ أيضاً:
رفع ترامب العقوبات عن سوريا.. إجراء سريع أم مسار طويل؟
واشنطن- قوبل إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب اعتزامه رفع العقوبات عن سوريا بتصفيق مطول في منتدى الاستثمار السعودي. وفي اليوم التالي، التقى ترامب -بحضور ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان– الرئيس السوري أحمد الشرع، في ما يُعد أهم حدث تشهده علاقات الدولتين منذ عقود.
وأشادت دمشق بتصريحات ترامب واعتبرتها محورية لإعادة بناء سوريا بعد أكثر من 10 سنوات من الحرب والعزلة الدولية. وفي لقائه مع قادة دول مجلس التعاون الخليجي، أقر ترامب بأن "العقوبات معوقة حقا وقوية للغاية"، وأن رفعها سيعطي سوريا "فرصة للعظمة"، واعترف بأن "الأمر ليس سهلا على أي حال".
لكن في واشنطن، جاءت ردود الفعل مرتبكة ومتناقضة، إذ قال للجزيرة نت مسؤول أميركي سابق -تحفظ على ذكر اسمه- إن "الأقوال أسهل من الأفعال؛ ما قاله ترامب عفوي وغير مخطط له، ومن الصعب تصور رفع كل العقوبات التي فرضتها الإدارات الأميركية المتتالية الديمقراطية والجمهورية على مدار نحو 4 عقود، والتي شملت مختلف القطاعات داخل سوريا، بسهولة أو بسرعة".
ورجح أن يستغرق رفع العقوبات شهورا، وربما سنوات، إذا لم يبادر الكونغرس باتخاذ خطوات سريعة لتنفيذ ما قرره ترامب.
مطالب أميركيةيُذكر أن فرض العقوبات الأميركية بدأ منذ عام 1979 على نظام الرئيس السوري السابق حافظ الأسد، بعدما أدرجت واشنطن دمشق لأول مرة على قائمة الدول "الراعية للإرهاب"، واستمرت وتضاعفت في عهد الرئيس المخلوع بشار الأسد، خاصة بعد بدء الثورة عام 2011، وظلت سارية بعد فرار الأسد وسقوط نظامه في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024.
إعلانفي حديث للجزيرة نت، أشار السفير فريدريك هوف، المبعوث السابق لسوريا والأستاذ بجامعة بارد بولاية نيويورك والخبير بالمجلس الأطلسي بواشنطن، إلى أن "اللقاء بين ترامب والشرع جاء نتيجة جهود مكثفة من قبل السعودية وتركيا والإمارات وقطر".
وحسب هوف، يتطلب قرار ترامب بالسعي إلى إلغاء العقوبات على سوريا تحركا من الكونغرس، "فقد اتخذ ترامب بنفسه قرار لقاء الرئيس السوري دون نقاش كثير مسبق بين الوكالات المختلفة في الحكومة الأميركية، وبالتالي كان مفاجئا إلى حد ما".
وعقب اللقاء، نشرت المتحدثة الرسمية باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت -عبر منصة إكس- ما يشبه بيانا تفصيليا عن توقعات واشنطن من الحكومة السورية الجديدة. وذكرت 5 نقاط على النحو التالي:
الانضمام لاتفاقيات أبراهام لتأسيس علاقات مع إسرائيل. طرد جميع الإرهابيين الأجانب من سوريا. ترحيل "الإرهابيين الفلسطينيين" إلى خارج سوريا. العمل مع واشنطن على منع عودة ظهور تنظيم الدولة الإسلامية. تحمل المسؤولية عن مراكز الاحتجاز في شمال شرق سوريا.واعتبر السفير هوف أنه من "مصلحة الشرع تخليص سوريا بالكامل من الإرهابيين. وسيستغرق الأمر وقتا وتخطيطا دقيقا للقيام بذلك، لأنه وزملاءه المقربين لا يحتكرون القوة المسلحة في البلاد".
طريق طويلوعقب لقاء وزراء خارجية سوريا وتركيا والولايات المتحدة أمس الخميس بمدينة أنطاليا، قال الوزير الأميركي ماركو روبيو إن "هذه فرصة تاريخية لسوريا، لكن الطريق سيكون طويلا".
وعن مصير العقوبات المفروضة على سوريا منذ سبعينيات القرن الماضي، رجح هوف أن يعقد الكونغرس جلسات استماع ويتحرك لتفكيك نظامها، "لم يتضح بعد إذا ما كان التفكيك سيتحرك بسرعة أم بصورة تدريجية. أظن أن ترامب سيوجه تعليماته بتعليق إنفاذها بينما يمضي الكونغرس في مساره".
وأشار تقرير لوكالة رويترز إلى أن مسؤولي العقوبات في وزارتي الخزانة والخارجية فوجؤوا بقرار ترامب، خاصة مع عدم إجراء أي مناقشات داخلية حول هذه القضية مؤخرا. وقال مسؤول كبير للوكالة إن البيت الأبيض لم يصدر أي مذكرة أو توجيهات لمسؤولي العقوبات في الوزارتين للاستعداد للفك، ولم ينبههم إلى أن إعلان الرئيس وشيك.
إعلانومما يزيد المهمة تعقيدا العقوبات المفروضة بموجب "قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين"، الذي اُقر عام 2019 ومُدِّد أواخر العام الماضي بعد سقوط نظام الأسد، والذي فرض عقوبات صارمة ليس فقط على حكومة الأسد، ولكن فرض أيضا أخرى ثانوية على الشركات الخارجية أو الحكومات التي عملت معها.
وعلى هامش هذه التطورات، التي تضمنت مطالبة الشرع ترامب بالاستثمار في قطاع النفط والغاز السوري، والمساعدة على جعل دمشق مركزا تجاريا مستقبليا، هاجم أنصار إسرائيل في واشنطن خطوة ترامب، وطالبوه بالتأني في منح هذه الثقة للنظام السوري الجديد.
وانتقدت قرارَ ترامب منظمة الدفاع عن الديمقراطيات "إف دي دي"، وهي مركز بحثي شديد القرب من الحكومة الإسرائيلية.
ردود فعل
في حين طالب آرون زيلين، خبير الشؤون السورية بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، ومؤلف كتاب "عصر الجهادية السياسية: دراسة لهيئة تحرير الشام"، بأن يخدم تواصل واشنطن مع دمشق المصالح الأميركية، وعلى رأسها إخراج المقاتلين الأجانب، ووضع مسار للتطبيع مع إسرائيل وتقديم ضمانات أمنية لها، بما يمهد لانسحاب جيش الاحتلال من الأراضي التي انتشر فيها بعد سقوط نظام الأسد.
بيد أن الكونغرس لم يُظهر موقفا موحدا من دعوة ترامب، وانقسم الأعضاء بين مؤيدين ومتحفظين، ومن يطالب بوضع شروط لمراحل تدريجية لرفع العقوبات عن سوريا.
ودعا السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام -في بيان له- إلى اتباع نهج حذر ومدروس لرفع العقوبات عن سوريا، وأكد أن الكونغرس لديه دور رقابي كبير يلعبه. وقال إنه "يميل بشدة إلى دعم تخفيف العقوبات في ظل الظروف المناسبة"، لكنه حذر من أن الحكومة السورية "استولت على السلطة بالقوة"، واعتبر أن التنازل عن العقوبات عملية معقدة"، كما أشار إلى "ضرورة أن يتم ذلك بطريقة منسقة مع حلفائنا، وخاصة أصدقاءنا في إسرائيل".
إعلانوأضاف غراهام أن المسؤولين الإسرائيليين "قلقون للغاية بشأن الوضع في سوريا"، وأنه يخطط لمناقشة هذه المخاوف والبقاء على اتصال وثيق معهم بشأن مصير هذه العقوبات.
في المقابل، مدح السيناتور الجمهوري جيم ريش، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، قرار ترامب وطالب "بتخفيف تدريجي ومشروط للعقوبات المفروضة على سوريا".
كما أشادت السيناتورة الديمقراطية جين شاهين بالقرار وطالبت -بالمثل- بتخفيف مشروط لها، وقالت "أُثني على قرار ترامب، نجحت هذه العقوبات في هدفها الأصلي المتمثل في المساعدة في إسقاط نظام الأسد الوحشي. أرحب بإزاحتهم الآن لمنح سوريا الجديدة فرصة للتطور إلى دولة حرة ومزدهرة مستقلة عن النفوذ الخبيث لروسيا وإيران والصين".