هل تنجح تركيا في ضبط سوق العملات المشفرة؟
تاريخ النشر: 3rd, July 2025 GMT
إسطنبول – أعلنت وزارة الخزانة والمالية التركية دخول حزمة تنظيمية جديدة حيز التنفيذ لضبط سوق العملات المشفرة، في خطوة وُصفت بأنها الأكثر شمولا منذ بدء التعامل الرسمي مع الأصول الرقمية في البلاد.
وتهدف هذه الإجراءات، التي نُشرت في الجريدة الرسمية وبدأ العمل بها في نهاية الشهر الماضي، إلى تعزيز الرقابة على التعاملات الرقمية ومكافحة غسل الأموال والمراهنات غير القانونية، مع الحفاظ على النشاط المشروع في هذا القطاع المتنامي.
قال وزير الخزانة والمالية محمد شيمشك إن الحزمة الجديدة تأتي في إطار جهود الحكومة الرامية إلى حماية النظام المالي الوطني من التدفقات المالية المشبوهة.
وأوضح أن هذه الإجراءات تشمل فرض فترات انتظار تمتد من 48 إلى 72 ساعة على بعض عمليات السحب، إضافة إلى ضوابط صارمة تتعلق بالإفصاح عن مصدر الأموال وأسباب التحويلات.
وأضاف الوزير "نسعى إلى منع غسل العائدات الجنائية الناتجة من المقامرة غير القانونية والاحتيال، دون أن نغلق الباب أمام الاستخدامات المشروعة والابتكار المالي".
وتابع أن هذه الخطوات تأتي ضمن خطة متكاملة تهدف إلى مواءمة التشريعات التركية مع المعايير الدولية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، في وقت تتنامى فيه سوق الأصول الرقمية عالميا، وتزداد فيه التحديات التنظيمية المرتبطة بها.
وتأتي تصريحات شيمشك في سياق تحولات أوسع في السوق الرقمية التركية، حيث تتخذ أنقرة سلسلة إجراءات متتالية لمواكبة الطفرة المتسارعة في سوق العملات المشفرة.
وقد سجل هذا القطاع نموا كبيرا في تركيا نتيجة عوامل اقتصادية داخلية، أبرزها تراجع قيمة الليرة وارتفاع معدلات التضخم، ما دفع شريحة واسعة من المواطنين إلى اللجوء إلى الأصول الرقمية كملاذ آمن أو أداة للمضاربة.
إعلانوحسب شركة "تشين أناليسيس" المتخصصة في تحليلات البلوكشين، بلغ حجم التعاملات المشفرة في تركيا أكثر من 170 مليار دولار خلال عام 2023، لتتصدر بذلك الدول الأوروبية من حيث حجم التداول. وقد جعل هذا النشاط المكثف من السوق التركية نقطة تركيز رئيسية للجهات الرقابية الدولية.
غير أن هذا النمو السريع ترافق مع تحديات تنظيمية وأمنية متزايدة، من بينها عمليات احتيال، واختفاء منصات تداول، وتدفقات مالية غير مشروعة، وسط فراغ تشريعي نسبي قلّل من قدرة الدولة على التدخل الفعّال.
وفي محاولة لسد هذا الفراغ، أطلقت أنقرة خلال الأشهر الماضية سلسلة إصلاحات متدرجة. ففي ديسمبر/كانون الأول الماضي، فُرض على منصات التداول التحقق من هوية المستخدمين في حال تجاوزت قيمة المعاملة 15 ألف ليرة تركية (نحو 377 دولارا).
كما أعلنت هيئة أسواق رأس المال التركية، في مارس/آذار، عن معايير جديدة لترخيص منصات التشفير، تشمل رقابة أمنية ومالية صارمة، بالإضافة إلى شروط مالية إلزامية، حُددت بـ150 مليون ليرة (3.77 ملايين دولار) للمنصات التجارية، و500 مليون ليرة (12.56 مليون دولار) للمنصات الحافظة للأصول.
تفاصيل الإجراءات الجديدةتضمنت الحزمة التنظيمية الجديدة عددا من المتطلبات التقنية والتشغيلية، أبرزها:
إلزام منصات العملات المشفرة بطلب معلومات مفصلة من المستخدمين حول مصدر الأموال وأسباب التحويل، كشرط أساسي لإتمام أي معاملة. فرض توصيف نصي مع كل تحويل، وذلك بهدف تمييز أنواع المعاملات وتسهيل عمليات التدقيق لاحقا. فرض فترة تعليق زمني تصل إلى 48 ساعة على بعض عمليات السحب، وقد تمتد إلى 72 ساعة عند السحب الأول من حساب جديد لا يحتوي على بيانات كاملة. يهدف ذلك إلى منح الجهات الرقابية فرصة لرصد التحركات المشبوهة قبل إتمام المعاملة. وضع سقوف صارمة لتحويلات العملات المستقرة (مثل USDT)، بواقع 3 آلاف دولار يوميا و50 ألف دولار شهريا. غير أن المنصات التي تلتزم بـ"قاعدة السفر" (وهي قاعدة دولية تنص على تبادل معلومات دقيقة عن الطرفين في كل معاملة مالية رقمية)، يمكنها الاستفادة من حدود تحويل أعلى بعد موافقة الجهات الرقابية. فرض تطبيق قاعدة السفر (Travel Rule) بشكل إلزامي على جميع المنصات العاملة، ما يضمن تبادل بيانات دقيقة بين المرسل والمستلم، انسجاما مع المعايير المعتمدة من مجموعة العمل المالي الدولية. إلزام شركات الأصول الرقمية بتقديم تقارير دورية تتضمن تفاصيل المعاملات، مثل نوع الأصل المشفّر وكميته وسعره وتاريخ تنفيذه.وشددت وزارة الخزانة على أن عدم الالتزام بهذه القواعد سيعرّض المنصات المخالفة لعقوبات شديدة، تشمل غرامات مالية أو تعليق وسحب التراخيص نهائيا.
في هذا السياق، يرى المحلل الاقتصادي حقي إيرول جون أن فرض فترات انتظار وسقوف مالية على تحويلات العملات الرقمية، في سوق سريعة الوتيرة كالسوق التركية، قد يدفع بعض المستخدمين نحو المنصات غير المرخصة أو السوق السوداء الرقمية، لتجاوز القيود المفروضة ضمن القنوات الرسمية.
إعلانويؤكد إيرول جون، في حديثه للجزيرة نت، أن الحكومة التركية يمكنها الحد من هذه المخاطر من خلال تقديم بدائل مرنة لكنها خاضعة للرقابة، مثل منح تسهيلات خاصة للمستخدمين الملتزمين، أو دعم المنصات المحلية التي تظهر امتثالا عاليا وشفافية واضحة.
ويضيف "من الضروري شرح هذه الإجراءات بوضوح للرأي العام، باعتبارها خطوات وقائية لحماية الاقتصاد الوطني، لا عقوبات تستهدف السوق".
أثر الإجراءات على المشهد التنافسيمن جهته، يرى الباحث الاقتصادي عرفان تشيليك أن قدرة منصات التشفير التركية على التكيف مع القواعد الجديدة ستتفاوت بوضوح بين الشركات الكبرى والناشئة.
ويشير، في حديثه للجزيرة نت، إلى أن شركات كبرى مثل "بي تي سي تورك" و"باريبو" تمتلك بنية تحتية تقنية متقدمة، وفِرَقا قانونية ومالية خبيرة، ما يجعلها في وضع جيد للامتثال للمتطلبات الجديدة.
أما المنصات الصغيرة والمتوسطة، فستواجه تحديات مالية وتقنية كبيرة، بدءا من كلفة الامتثال، إلى صعوبة تحديث الأنظمة الداخلية، وانتهاءً بضعف القدرة التحليلية لرصد المعاملات المشبوهة بشكل فوري.
ويضيف تشيليك أن هذا التفاوت قد يؤدي إلى إعادة رسم خريطة السوق خلال الأشهر المقبلة، مع احتمال انسحاب بعض المنصات، أو لجوئها إلى الاندماج أو بيع حصصها لشركات أكبر قادرة على تلبية متطلبات اللوائح الجديدة بمرونة وكفاءة أكبر.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات العملات المشفرة الأصول الرقمیة
إقرأ أيضاً:
تعاون بين «إي آند الإمارات» و«بنك المارية المحلي» لدفع فواتير الاتصالات عبر العملات الرقمية المستقرة
حسام عبدالنبي (أبوظبي)
وقّعت شركة «إي آند الإمارات»، مذكرة تفاهم استراتيجية مع «بنك المارية المحلي» خلال فعاليات «أسبوع أبوظبي المالي» لتمكين استخدام مدفوعات AE Coin عبر عدد من قنوات «إي آند» ومنصّاتها الرقمية، في خطوة تعزز ريادة دولة الإمارات عالمياً في مجال الابتكار في المدفوعات الرقمية.
وبمقتضى مذكرة التفاهم تصبح «إي آند الإمارات» شركة الاتصالات الرائدة في اعتماد عملة رقمية مستقرة ومرخّصة بالكامل من المصرف المركزي كوسيلة لدفع الفواتير وإجراء المعاملات الرقمية، ما يمثّل قفزة مهمة في مسيرة دولة الإمارات نحو اقتصاد رقمي آمن وغير نقدي.
ومن خلال هذه الشراكة، سيتمكّن عملاء «إي آند الإمارات» قريباً من استخدام AE Coin، أول رمز دفع مرخّص من المصرف المركزي الإماراتي، ومدعوم بالكامل بالدرهم، لسداد فواتير الاتصالات، وشحن الأرصدة، وإتمام مجموعة واسعة من المعاملات الرقمية عبر منظومة مجموعة «إي آند» الممتدة في مختلف أنحاء دولة الإمارات.
وقال حاتم دويدار، الرئيس التنفيذي لمجموعة «إي آند» إن المجموعة تضع معياراً جديداً في كيفية دمج الابتكار المالي بالقطاعات الحيوية، ونؤمن أن مستقبل الاقتصاد الرقمي يقوم على حلول دفع آمنة وفورية وشفافة، تُبنى على ثقة مؤسسية وتنظيم راسخ، مؤكداً أن الشراكة مع بنك المارية المحلي تعكس التزام بقيادة التحول نحو منظومة مالية آمنة أكثر مرونة وانفتاحاً، حيث تصبح المدفوعات الرقمية جزءاً طبيعياً من حياة الناس اليومية، وتفتح آفاقاً جديدة أمام الشركات والمجتمع نحو اقتصاد غير نقدي متكامل.
وأشار دويدار، إلى أن اعتماد AE Coin يمهّد الطريق لبنية تحتية جديدة للمدفوعات، قائمة على الشفافية التامة والامتثال التنظيمي الكامل، لافتاً إلى أنه عبر هذه الخطوة، فإننا نسهم في أن تكون دولة الإمارات مركزاً عالمياً لتجارب الدفع المستقبلية، وأن نرسخ دورنا كجسر رئيسي بين التكنولوجيا المالية والمستهلكين.
ومن جهته قال محمد وسيم خياطة، الرئيس التنفيذي لبنك المارية المحلي، إن هذا التعاون يمثّل لحظة تحول جوهرية في مشهد المدفوعات الرقمية في دولة الإمارات، فمن خلال تمكين المدفوعات بالأصول الافتراضية لدى «إي آند الإمارات»، نحن نُوسّع الاستخدام الفعلي للمدفوعات القائمة على البلوك تشين بشكل آمن ومنظّم وعلى نطاق غير مسبوق، مشيراً إلى أن ملايين المستخدمين سيختبرون قريباً طريقة أسرع وأكثر أماناً ورقمية بالكامل لإتمام معاملاتهم، بما يدعم طموحات الدولة نحو اقتصاد رقمي متقدم.
وبدوره ذكر رامز رفيق، المدير العام لشركة «AED Stablecoin LLC» أن «AE Coin» تم تطويرها لتمكين مستقبل المدفوعات الرقمية اليومية عبر نموذج مستقر ومنظّم وشفاف وفوري، معتبراً أن اعتماد «إي آند الإمارات» ل AE Coin يشكّل إنجازاً عالمياً، ويضع معياراً جديداً لكيف يمكن للعملات المستقرة المرخّصة أن تقدم قيمة حقيقية وملموسة ضمن الخدمات الاستهلاكية الأساسية، لتتحول البلوك تشين من مفهوم نظري إلى تبنٍّ جماهيري فعلي.