موقع النيلين:
2025-07-06@10:28:02 GMT

رحلة سودانيات إلى ليبيا.. معاناة بين حربين!

تاريخ النشر: 28th, February 2025 GMT

حتى منتصف أبريل 2023، كانت حياة مناهل السنوسي هادئة، لا شيء يعكر صفوها.

عائلة صغيرة ومنزل ووظيفة وجيران ودودون وآمان تشعر به في مدينة الفاشر السودانية.

يبدأ روتينها اليومي بإعداد فطور الصباح وتوديع ابنها إلى المدرسة، قبل الالتحاق بعملها كممرضة في إحدى مستشفيات المدينة.

كان كل شيء على ما يُرام في حياة مناهل السودانية، إلى أن اندلعت الحرب وأطلقت أولى الرصاصات بين أبناء بلدها.

في لحظة انقلبت الأمور، سقط قتلى من الجانبين، عمت الفوضى، وانتشرت أعمال النهب والتخريب.

تحوّل الهدوء والسكينة إلى قلق وذعر، وخيّم شبح الحرب.

بعد فترة قصيرة من اندلاع الحرب، في أبريل 2023، بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع، شبه العسكرية، بقيادة محمد حمدان دقلو، المعروف بـ”حميدتي”، انفلتت الأمور وخرج كل شيء عن السيطرة.

داهمت عصابات أحياء مدينة الفاشر، انتشرت أعمال العنف والسرقة، وانعدم الأمن.

وصلت أذرع الإجرام إلى منزل مناهل الهادئ، طالت كل ثمين، نهبته بالكامل. تحولت حياة الممرضة السودانية منذ ذلك الحين إلى جحيم.

تقول مناهل إن أهل مدينتها يحافظون على عادة قديمة، تقيهم نوائب الدهر، إذ يطمرون بعض مدخراتهم تحت الأرض، بعيدا عن الأعين.

سارع زوج مناهل إلى “كنزه”، أخرجه وطالب عائلته بمغادرة البلد فورا، فـ”لا موعد معروف لانتهاء الحرب”، قال لزوجته.

لم تتردد مناهل كثيرا، جمعت بعض المؤونة، اصطحبت طفلها، وغادرت على متن أول مركبة نحو ليبيا المجاورة.

حسب إحصائيات أممية، تسببت الحرب بالسودان في فرار أكثر من 12 مليون شخص، في أزمة صنفتها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بأنها “واحدة من أكبر حالات الطوارئ المتعلقة بالنزوح في العالم”.

في ليبيا وحدها، تشير الإحصائيات ذاتها إلى وصول أزيد من 240 ألف لاجئ سوداني منذ بداية الصراع.

هذه التفاصيل ليست نهاية المأساة التي تعيشها مناهل، بل هي مجرد فصل صغير في رحلة طويلة من تحديات فرضتها حرب لم تشارك فيها السيدة السودانية وابنها.

رحلة محفوفة بالمخاطر

وسط صحارى موحشة لا يتراءى منها سوى كثبان رملية لا نهاية لها، تكافح سيارة قديمة على متنها 17 راكبا، بينهم مناهل وابنها وآخرون للوصول إلى حدود ليبيا.

“السيارة صُممت لحمل 9 أشخاص ليس أكثر”، تقول وهي تسرد لـ”الحرة” أطوار رحلتها القاسية نحو وجهتها الجديدة.

مع الحمولة الزائدة، حصل ما كان في الحسبان، توقفت السيارة عن العمل وبات لزاما على ركابها المبيت في الخلاء.

فراشهم الأرض ولحافهم السماء، قضت مناهل ورفاقها ليلة طويلة في العراء بانتظار أن يستجيب محرك السيارة القديمة لمحاولات الإصلاح.

انطلقت الرحلة نحو ليبيا يوم 25 فبراير 2024، وجمع ركاب السيارة المتهالكة قواهم للصمود في وجه الجوع والبرد والخوف والعطش.

“خشيت الهلاك في تلك المنطقة”، تقول مناهل، قبل أن ينجح سائق السيارة ومشاركون بالرحلة في إصلاح العطب.
تواصلت رحلة “الألف ميل”، تخللتها بارقة أمل، فصادفت في طريقها سيارة عائدة لتوها من ليبيا أمدهم ركابها بما يسد الرمق ويضمن الوصول إلى مدينة الكفرة جنوب البلد المغاربي.

أخيرا وصلت مناهل إلى الكفرة، “صُدمت من الأعداد المهولة للسودانيين الفاريين من الحرب”، تقول في شهادتها، لـ”الحرة”.
لا شيء على ما يرام

حطت مناهل رحالها بليبيا، توجهت إلى مزرعة لا تعرف لمن تعود ملكيتها، حاولت التقاط أنفاسها بعد رحلة موحشة.
غادرت مناهل دون انتظار نحو العاصمة الليبية طرابلس علّها تُحظى هناك برعاية المنظمات الأممية المعنية باللاجئين.
كانت تبحث عن فرص أفضل لابنها الصغير. تبيّن لها سريعاً أن الحياة مليئة بالمفاجآت، كأن ما واجهته من أهوال لم يكن كافيا.

ففي يوم ربيعي مشمس، وبينما كانت اللاجئة السودانية مارة بأحد شوارع العاصمة الليبية التي وصلتها حديثا، لمحت طفلا سودانيا يقطع الطريق وفي اتجاهه سيارة تسير بسرعة كبيرة.

لم تفكر كثيرا، قفزت في محاولة لإنقاذ الطفل، حصل ما أرادت لكن السيارة اصطدمت بها بشدة.

استفاقت مناهل في المستشفى على جلبة الممرضين والأطباء، عرفت لاحقا أنها تعرضت لكسور خطيرة.

“ألم لا يطاق، لم أحس بقدماي، تضررت أسناني، وعاين الأطباء كدمات بأجزاء متفرقة من جسدي”، تسرد للحرة تفاصيل ما واجهته.

فر صاحب السيارة، ولم تحصل على تعويضات عن الحادث. قضت نحو أسبوعين في المؤسسة الاستشفائية ثم طُلب منها المغادرة.

بدينارات معدودات، كان عليها التنقل أسبوعيا إلى المستشفى لتغيير الضمادات، قبل الخروج في محاولة تأمين قوت ولدها، في بلد لم تطأه قدمها من قبل.
هناك مقولة متداولة تذكر أن “الضحية الأولى للحرب هي البراءة”.

وبالفعل، اصطدم ابن مناهل كغيره من معظم أبناء اللاجئين السودانيين في ليبيا، بحقيقة مفادها أن التعليم لهذه الفئة غير متاح.
“ابنى لا يدرس الآن فرسوم الدخول إلى المؤسسات التعليم مرتفعة للغاية هنا، وأنا أواجه متاعب صحية ولا قدرة لي على العمل”، تتحسر مناهل.

كحالة آلاف من السودانيين في ليبيا، بات حلم مناهل هو قبول ابنها في أي مؤسسة تعليمية، ريثما تضع الحرب في السودان أوزارها وتعود إلى ديارها.
مأساة متكررة

قصة مناهل ليست فريدة، فالنبش في حكايا اللاجئات السودانيات الفارات من الحرب إلى ليبيا يكشف الكثير من المآسي والأحلام الضائعة وسط أزيز الرصاص.
أساور شابة سودانية، لولا الحرب، لكانت الآن دكتورة في الصيدلة بشهادة من جامعة الخرطوم.

فور اندلاع الحرب، عادت أساور أدراجها من العاصمة السودانية إلى مسقط رأسها نيالى.

قُصفت أحياء في هذه المدينة الهادئة، مات أقارب وجيران، فاتخذت أساور قرارا بالمغادرة رفقة أشقائها وشقيقاتها ووالدتها نحو ليبيا.

بطريقة توحي بالعجلة، عبّأ صاحب الشاحنة أناسا وحيوانات وأغذية وأمتعة في صندوق مركبته القديمة وقصد مدينة “ملّيط” قرب الحدود مع ليبيا.
استغرقت الرحلة نحو 10 أيام، ذاق فيها المشاركون في الرحلة ويقدر عددهم بنحو 7 أُسر، شتى أنواع العذاب، من عطش ومرض وجوع.

تستذكر أساور تفاصيل الرحلة قائلة: “استفقنا في بعض الصباحات فوجدنا أنفسنا مغمورين تماما برمال الصحراء المتحركة بفعل الرياح الشديدة”.

استقر أفراد عائلة أساور لدى عائلة سودانية استضافتهم لأسابيع قبل التحول إلى مدينة بنغازي، حيث اشتغلوا بضعة أيام للحصول على بعض من المال.
انتقلت العائلة السودانية لاحقاً إلى العاصمة طرابلس حيث تواصلت مع مفوضية اللاجئين قبل حزم حقائب السفر مجددا نحو مدينة مصراتة هذه المرة.

مع تدهور الأوضاع المالية للعائلة السودانية الوافدة على ليبيا، قررت أساور التي كانت إلى وقت قريب مشروع صيدلانية أن تتحول إلى عاملة في مجال تغيير زيوت السيارات.

“أنا أول إمرأة تقتحم مجال تغيير زيوت السيارات في مدينة صبراتة وربما في ليبيا”، تقول أساور، مشيرة إلى أن “أسئلة وشكوك كثيرة حامت حول أدائها خلال الأيام الأولى من الورشة”.

تقول “إلى حد الآن، لازلت أواجه نظرات الاستغراب من قبل عدد من الليبيين، لكنني أعتقد أني فتحت طريقا للنساء لم يُطرق من قبل”.

مع مرور الأيام، تمكنت أساور من إتقان تفاصيل عملها الجديد ونجحت في إعالة أسرتها.
اليوم، تحلم أساور بإنهاء درساتها في مجال الصيدلة في بلد أجنبي ككندا أو الولايات المتحدة الأميركية، لكن ذلك يتطلب “إسراع مفوضية اللاجئين لإجراءاتها”، تؤكد لموقع الحرة.
على عكس مناهل، تستبعد أساور إمكانية العودة إلى السودان، حتى في حالة انتهاء الحرب.

“لم نعد نملك شيئاً، بيتنا هُدم والمشاريع التنموية توقفت، فكرة العودة قبل إنهاء دراستي العليا أمر صعب”، تضيف السيدة السودانية.
جهود محلية وأممية

رغم محاولات السلطات والمجتمع المدني في ليبيا تقديم مساعدات إنسانية وإغاثية للاجئين السوادنيين الفارين من ويلات الحروب، يرى مراقبون أن الاحتياجات المتزايدة لهذه الفئة تفوق قدرات هذه الدولة التي تمزقها أصلا النزاعات الداخلية.

في هذا السياق، يقول رئيس المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، أحمد حمزة إنه “مع تردي الأوضاع المعيشية للمواطنين الليبيين، تعمقت أزمة اللاجئين السودانيين، خصوصا مع تباطؤ التدخلات الإنسانية الدولية”.

يشدد حمزة في تصريح لموقع “الحرة” على “وجود جهود واسعة تبذلها السلطات الليبية والمنظمات الإنسانية والإغاثية، لكن ذلك لا يلبي احتياجات الإيواء والإغاثة والتعليم والصحة والغذاء”.

وفي ظل نقص الاهتمام الدولي بإغاثة مئات الآلاف من اللاجئين المقيمين في ليبيا، يحذر حمزة من “موجات هجرة غير نظامية واسعة عبر قوارب الموت نحو أوروبا”.

وبداية الأسبوع الفائت، قالت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في بيان إنه رغم الجهود الإنسانية المستمرة، لا زال اللاجئون وطالبو اللجوء السودانيون في ليبيا يواجهون مخاطر جسيمة متعلقة بالحماية ولديهم احتياجات إنسانية عاجلة تشمل المأوى الطارئ والمياه النظيفة والنظافة العامة والرعاية الصحية والغذاء.

ويهدف المجتمع الإنساني وفق البيان ذاته إلى جمع 106.6 مليون دولار لدعم مئات الآلاف من اللاجئين السودانيين والمجتمعات المضيفة.

عبد النبي مصدق – الحرة

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: فی لیبیا

إقرأ أيضاً:

ذبح الحمير وتهريبها للصين يفاقم معاناة الأُسر بأفريقيا

كشفت مؤسّسة "ملاذ الحمار" العام الماضي عن أن نحو 6 ملايين حمار تُذبح سنويا من أجل الحصول على جلودها التي تستخدم في إنتاج دواء صيني تقليدي يعرف باسم "إيجياو".

وتعتمد عديد من المجتمعات الريفية في أفريقيا على الحمير في حياتها اليومية في نقل المياه والمحاصيل، وتنقل النساء والأطفال، والمساهمة في الأنشطة الزراعية.

ووفقا للمؤسّسة ذاتها، فإن الحمير باتت تعاني من هذه الهجمة الوحشية، بدءا من الإمساك بها ونقلها، وصولا إلى الذبح العنيف لأهداف التجارة والاستخدامات الأخرى.

ومع تناقص أعداد الحمير في الصين، تحوّلت هذه الصناعة المتعلّقة بجلود الحمير إلى بلدان أخرى في الجنوب العالمي، خاصة في القارة الأفريقية.

ورغم تزايد حجم هذه التجارة والإقبال عليها، فلا تزال هذه الممارسات القاسية غير منظمة إلى حد كبير، وغالبا ما تتضرر منها فئات عديدة في المجتمعات النامية والفقيرة.

ففي دولة كينيا، عندما يسرق حمار في بعض القرى ينخفض دخل الأسرة بنسبة تصل إلى 73%، كما أنه يكون سببا في إخراج الأطفال من المدارس للقيام بأعمال السقاية ونقل الأمتعة، في حين تشير التقارير إلى أن نحو 90% من النساء يتعرضن لسرقة الحمير التي يدرن بها شؤون المنازل.

ووفقا لتقرير صادر عن المنظمة بعنوان "حمير مسروقة.. مستقبل مسروق"، فإن تجارة جلود الحمير والإسراف في ذبحها، يقوّض التقدّم نحو أهداف الأمم المتّحدة للتنمية المستدامة، لا سيما في ما يتعلق بالمساواة بين الجنسين والحد من الفقر.

انخفاض عالمي

ويشكل الإقبال على الحمير وتجارتها وتصديرها إلى الصين قلقا كبيرا لدى المنظمات المهتمة بالبيئة والحياة البرية.

وليست الحمير الأفريقية وحدها التي تواجه تهديدا وجوديا بسبب تجارة الجلود، ففي البرازيل انخفض عدد الحمير بنسبة 94% خلال الـ30 سنة الماضية، من 1.37 مليون عام 1996 إلى نحو 78 ألفا سنة 2025.

إعلان

والشهر الماضي، خلال المؤتمر الأفريقي الأول للحمير الذي عُقد في كوت ديفوار، دعا قادة من مختلف أنحاء القارة إلى اتخاذ إجراءات منسقة لحماية الحمير والمجتمعات التي تعتمد عليها.

وأشارت منظمة إنقاذ الحمير إلى أن الأمر لا يقتصر على حظر تجارة الجلود فقط من أجل حماية سبل العيش، بل يتجاوز ذلك إلى البحث عن عالم أفضل لهذه الكائنات التي تعتبر ذكية وواعية، تستحق الاحترام والرحمة والحماية.

مقالات مشابهة

  • رئيس إفريقي يعتذر لمواطنيه عن حربين قتل بهما ربع مليون شخص
  • ذبح الحمير وتهريبها للصين يفاقم معاناة الأُسر بأفريقيا
  • أزمة نقص الوقود تفاقم من معاناة المستشفيات في قطاع غزة
  • مفوضية شؤون اللاجئين تطالب بتمويل عاجل مع عودة 1.4 مليون أفغاني
  • فهم الألم المزمن: كيف يعيد الدماغ تشكيل معاناة المرضى؟
  • امتحان الكيمياء للشهادة السودانية 3/7/2025: معاناة مضاعفة في ظل النزوح واللجوء
  • إخلاءات جديدة في خان يونس تزيد من معاناة المدنيين
  • الصحة السودانية تقدم معالجة سريرية الناجيات من العنف الجنسي في 25 مركزاً صحياً
  • المذيعة السودانية هبة المهندس تثير الإعجاب بصمودها في مواجهة السرطان
  • مفوضية اللاجئين : عودة أكثر من 100 ألف لاجئ سوري من الأردن إلى بلادهم