في عصرنا الراهن تزايد الحديث عن الذكاءات المختلفة، فمن الذكاء العاطفي الذي عرفه الدكتور دانييل جولمان عالِم النفس والصحفي المختص بالعلوم السلوكية، «Emotional intelligence» والمعروف اختصاراً بـ (EI) في كتابه «الذكاء العاطفي»، معرّفاً إيّاه: «هو قدرة الشخص على إدارة مشاعره، إذ يكون التعبير عن تلك المشاعر بشكلٍ مناسب وفعال» إلى الذكاء الاجتماعي المشير إلى مدى قدرة الشخص على امتلاك الوعي الذاتي، والتعايش مع الآخرين وفهمهم والتفاعل معهم، بالإضافة إلى امتلاك الكفاءات والسلوكيات الاجتماعية القوية، التي تؤثر على الآخرين لتشعرهم بالتقدير والثقة والاحترام، غالبًا ما يتصف الأشخاص الذين يتمتعون بدرجة عالية من الذكاء الاجتماعي بالود واللطف، والقدرة على التواصل والإقناع بشكل عام، يعرّف الذكاء الاجتماعي بأنهُ مزيج من الفهم الأساسي للآخرين، كما عرفه أستاذ عم النفس توني بوزان: «أن تكون قادرًا على الارتباط بالناس، سواء كانوا أفرادًا أو جماعات صغيرة أو حتى في التجمعات الأكبر عددًا، فأنت مشترك في عملية تواصل بين العقول بعضها البعض» لا يمكن بلوغ الذكاء اللغوي والذكاء الدبلوماسي وحتى الذكاء الاصطناعي وكل تلك الذكاءات دون توافر مهارات وكفاءات تمكن وجودها وتحفز تفعيلها، لكن استحضار تلك الذكاءات في مقالة اليوم ما هو إلا تعبير عن استغراب غيابها في حوار رئاسي ساده الاحتقان المتراكم ولغة التفوق والاستعلاء.

حديث هذه المقالة عن لغة الحوار بين رئيسين في جلسة كانت معدة لتوقيع اتفاقية تعاون بين الولايات المتحدة الأمريكية وأوكرانيا، اللقاء الذي دار في البيت الأبيض متضمنا توترا حادا بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ونائبه جيه دي فانس، من جهة، والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي من جهة أخرى، لقاء كان حديث وسائل الإعلام العالمية لأيام، خلال اللقاء قال دونالد ترامب لفولوديمير زيلينسكي إنه غير مستعد للسلام، وإن بلاده في ورطة وإنها لا تنتصر في الحرب، وإن عليه أن يكون ممتنا ويوافق على وقف لإطلاق النار، أما نائبه جيه دي فانس، فقد قال إن من قلة الاحترام أن يأتي زيلينسكي إلى البيت الأبيض ويجادل أمام وسائل الإعلام الأمريكية.

كان واضحا هدف الجانب الأمريكي من هذا الاجتماع المتمثل في اتفاقية كان مقررا أن يوقعها الرئيس الأمريكي، مع نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي تمكّن الولايات المتحدة من اقتسام ثروة كييف من المعادن، وهي صفقة يعدها ترامب بمنزلة ردّ الجميل للمساعدات التي قدمها دافعو الضرائب الأمريكيون إلى الدولة التي مزقتها الحرب، ولم تتضمن مسودة الاتفاق، التي حصلت عليها صحيفة نيويورك تايمز، سوى إشارات غامضة إلى حماية أوكرانيا، وتنص مسودتها على دعم الولايات المتحدة جهود أوكرانيا «للحصول على ضمانات أمنية ضرورية لإرساء سلام دائم».

الرئيس الأوكراني المنهك من الحالة غير المستقرة لبلاده لم يقبل اللغة الاستعلائية لأمريكا، خصوصا مع إصرار ممثليها على تذكيره بضعف موقفه وحاجته لهم لتحقيق السلام، لكن هذا السلام المؤمل لن يأتي دون ضريبة والضريبة هي حصة كبيرة من ثروة أوكرانيا من المعادن، ولعل الأمر على تعقيده من جهة وارتفاع قيمة جزائه من جهة أخرى كان لينتهي بتوقيع الاتفاق خاصة مع محدودية البدائل لدى أوكرانيا المستنزفة المنهكة عسكريا وأمنيا، إلا أن لغة الحوار من الجانب الأمريكي التي لم تقترب من الذكاء الاجتماعي إلا إن تخيلنا أن «الاستغلال الواضح» هو ذكاء اجتماعي بمعنى فرض الرأي الواحد على الأضعف مواردَ وقوة استراتيجية، ولكان الأمر هيّنا لو تم بعيدا عن وسائل الإعلام، أما أن يؤتى بالرجل لاستعراض ضعفه ثم إهانته بتكرار ضرورة الامتنان وشكر أمريكا وكأن المقصد أن جئنا بك لتهذيبك ثم لتوقيعك صاغرا لبلاد ستنقذك من أزماتك، ولا يوجد لهذه الإنقاذ المؤمل أي ضمانات بعد توقيع اتفاقية مشاركة المعادن.

ليست المرة الأولى للرئيس الأمريكي دونالد ترامب في البعد عن لغة الدبلوماسية وأقنعة الساسة في بلوغ مآربهم، فطالما عبّر مباشرة عن خططه لاستنزاف ثروات الدول مقابل حلم تحالفها مع أمريكا بأسلوب لا يمكن إلا أن يوصف بالمتعالي الفظ، وهو تحديدا ما استنفر الكثير من المسؤولين الأوروبيين لدعم موقف الرئيس الأوكراني الذي وافق رغم كل شيء على توقيع الاتفاقية، لكنه يطلب ضمانات أمنية بعد إعلان وقف إطلاق النار مع روسيا.

ختاما: اجترار الحديث عن اللغة الدبلوماسية والذكاء الاجتماعي في الاجتماعات الرئاسية للقوى العظمى، لن يجعل اجتماع البيت الأبيض بالرئيس الأوكراني أحد أمثلتها العملية يقينا، حتى وإن تحققت نتائجه المتمثلة في توقيع اتفاقية لمصلحة أمريكا، وكان الأجدى تفعيل لغة الحوار العاطفية والذكاء الاجتماعي لتحقيق ذات النتيجة بأسلوب حضاري يتناسب ومعطيات المرحلة.

حصة البادية أكاديمية وشاعرة عمانية

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الذکاء الاجتماعی الرئیس الأوکرانی من جهة

إقرأ أيضاً:

انقسامات أوروبية تعرقل مفاوضات السلام بين روسيا وأوكرانيا

مايو 27, 2025آخر تحديث: مايو 27, 2025

المستقلة/- أكد الخبير السياسي التركي، سرحات لطيف أوغلو، أن الاتحاد الأوروبي يمارس ضغوطاً مباشرة على أوكرانيا بهدف عرقلة الجولة المقبلة من المفاوضات مع روسيا، محذراً من أن الانقسامات داخل التكتل الأوروبي قد تعمّق الأزمة بدلاً من حلّها.

وفي تصريحات أدلى بها لوكالة نوفوستي الروسية، أشار أوغلو إلى أن بروكسل لا تزال تصوّر روسيا كتهديد دائم، إلا أن بعض دول الاتحاد بدأت تخرج عن هذا الخطاب الموحد، معارضةً علناً سياسات الاتحاد تجاه الأزمة الأوكرانية، وهو ما ينعكس سلباً على جهود السلام. وأضاف:

“ستحاول الأطراف في كل مرحلة وضع خارطة طريق منفصلة للبنود المتفق عليها، لكن الاتحاد الأوروبي يواصل الضغط على أوكرانيا لتعطيل أي تقدم نحو السلام.”

وأوضح الخبير التركي أن العملية التفاوضية بين موسكو وكييف ستكون تدريجية وطويلة الأمد، وهو ما يعكس حجم التعقيدات التي تحيط بأي تحرك نحو تسوية سلمية.

وفي سياق متصل، أعلن وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في وقت سابق، أن هناك اتفاقاً مبدئياً على عقد جولة جديدة من المفاوضات، لكن دون تحديد موعد أو مكان انعقادها حتى الآن، وفقاً لبيان صادر عن رئاسة الجمهورية التركية.

بالموازاة مع ذلك، تصاعد الجدل داخل الاتحاد الأوروبي بشأن مستقبل العلاقات مع أوكرانيا، خاصة فيما يتعلق بانضمامها إلى التكتل. فقد أعلنت مفوضة الاتحاد الأوروبي لشؤون التوسع، مارتا كوس، أن أوكرانيا “أتمّت التزاماتها الداخلية وباتت جاهزة لبدء مفاوضات الانضمام الجادة”.

غير أن هذا التصريح لم يمر دون اعتراض، حيث شنّ وزير الخارجية الهنغاري بيتر سيارتو هجوماً لاذعاً على خطط بروكسل لتسريع انضمام كييف، معتبراً أن أوكرانيا “ليست مستعدة بأي شكل من الأشكال”، بل وصفها بأنها “أكثر دولة فاسدة في أوروبا”، في إشارة إلى المخاوف الأوروبية من تفاقم مشاكل الفساد في حال قبول عضويتها.

في ظل هذا المشهد المتشابك، تبقى فرص إحراز تقدم حقيقي في مسار المفاوضات رهينة للتوازنات داخل الاتحاد الأوروبي، الذي يبدو أنه يواجه انقسامات حادة قد تؤثر على مسار الأزمة أكثر مما تحله.

مقالات مشابهة

  • جامعة سوهاج:توقيع بروتوكول تعاون بين كلية الحاسبات والذكاء الاصطناعي
  • ألمانيا تستضيف الرئيس الأوكراني اليوم.. لهذا السبب
  • الرئيس الأوكراني يزور ألمانيا
  • استكمال أخر مرحلة من تبادل أسرى الحرب بين روسيا وأوكرانيا.. فيديو
  • أوكرانيا وبريطانيا توقعان اتفاقية لاستخدام أرباح أصول روسيا المجمدة
  • انقسامات أوروبية تعرقل مفاوضات السلام بين روسيا وأوكرانيا
  • مصر تمنح أمريكا تسهيلات لصادراتها تمهيدا لاعلان اتفاقية الجمارك
  • خبير: ترامب غسل يديه من الملف الأوكراني ويغير أولويات أجندته السياسية
  • شيخة الجابري تكتب: التنشئة والذكاء الاصطناعي
  • العراق… نوادٍ للروبوت والذكاء الاصطناعي في 3 محافظات