الاقتصاد في القرآن … نظام متكامل للعدالة والتنمية
تاريخ النشر: 5th, March 2025 GMT
بقلم : الخبير المهندس:- حيدر عبدالجبار البطاط ..
الاقتصاد هو عصب الحياة وهو العامل الأساسي في استقرار المجتمعات وازدهارها.
وقد أولى القرآن الكريم اهتمامًا كبيراً بالمفاهيم الاقتصادية ووضع أسساً متينة لنظام اقتصادي عادل ومتوازن يحقق التكافل الاجتماعي ويمنع الظلم والاستغلال. ومن خلال استعراض آيات القرآن نجد أن الإسلام قدّم رؤية اقتصادية متكاملة تجمع بين الإنصاف والاستدامة والتوازن بين المصلحة الفردية والمصلحة العامة.
العدل في المعاملات المالية
القرآن الكريم يشدد على ضرورة العدل في التعاملات المالية ويحث على النزاهة في البيع والشراء ويحذر من الغش والتلاعب بالموازين حيث يقول الله تعالى
﴿وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ (الأنعام: 152).
وهذا تأكيد على أهمية الصدق في التجارة وضبط الأسواق لمنع الظلم والتفاوت الاقتصادي غير العادل.
تحريم الربا والاستغلال المالي
يعد الربا من أخطر الظواهر الاقتصادية التي تكرّس الظلم والاستغلال، ولهذا جاء تحريمه صريحًا في القرآن
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ (البقرة: 278).
فالربا يؤدي إلى تكديس الثروات لدى فئة قليلة على حساب الفقراء والمحتاجين بينما الإسلام يدعو إلى استثمار المال بطرق مشروعة تضمن النمو الاقتصادي العادل.
التوازن بين الإنفاق والادخار
من القيم الاقتصادية المهمة التي يدعو إليها القرآن هي الاعتدال في الإنفاق، بحيث لا يكون الإنسان مبذرًا ولا بخيلًا، كما في قوله تعالى:
﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا﴾ (الفرقان: 67).
وهذا المبدأ يضمن استقرار الاقتصاد الفردي والمجتمعي، ويحول دون الوقوع في الأزمات المالية.
الزكاة والتكافل الاجتماعي
يعتبر نظام الزكاة من أهم وسائل إعادة توزيع الثروة في الإسلام، وهو ليس مجرد عبادة، بل هو آلية اقتصادية تهدف إلى تحقيق العدالة الاجتماعية، حيث يقول الله تعالى:
﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾ (البقرة: 43).
فالزكاة تعزز روح التضامن بين الأغنياء والفقراء وتسهم في الحد من الفقر مما يؤدي إلى استقرار المجتمع اقتصاديًا وأخلاقيًا.
محاربة الاحتكار والفساد الاقتصادي
الاحتكار والفساد المالي يؤديان إلى اختلال التوازن الاقتصادي، ولهذا نهى القرآن عن الممارسات التي تضر بالمجتمع، كما في قوله تعالى:
﴿وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ (الأعراف: 85).
وهذا يشير إلى ضرورة وجود رقابة على الأسواق، لضمان التنافس العادل، ومنع الاستغلال الذي يؤدي إلى الإضرار بالطبقات الضعيفة.
أهمية العمل والكسب الحلال
القرآن يحث الإنسان على السعي في الأرض والعمل الشريف، ويجعل الكسب الحلال وسيلة لتحقيق الاستقرار الاقتصادي، كما في قوله تعالى:
﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ﴾ (الجمعة: 10).
وهذا يشجع على الإنتاجية والاعتماد على النفس، بدلًا من الاعتماد على الاقتراض والديون.
التوزيع العادل للثروة
من المبادئ الاقتصادية المهمة التي وضعها الإسلام، منع تكديس الأموال في أيدي فئة قليلة، وضرورة توزيع الثروات بشكل عادل، حيث يقول الله تعالى:
﴿كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ﴾ (الحشر: 7).
وهذا يعزز التوازن الاقتصادي، ويمنع نشوء فجوات كبيرة بين الفقراء والأغنياء، مما يؤدي إلى استقرار المجتمع.
اخيرا ً ان الاقتصاد في القرآن الكريم ليس مجرد قوانين مالية، بل هو نظام متكامل يهدف إلى تحقيق العدل، والاستقرار والتكافل الاجتماعي.
ومن خلال هذه المبادئ يمكن بناء اقتصاد قوي ومستدام يحترم حقوق الأفراد، ويحقق التنمية الشاملة للمجتمع. فكلما اقتربت المجتمعات من هذه القيم زادت فرصها في تحقيق الازدهار والرخاء
المصدر: شبكة انباء العراق
كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات یؤدی إلى
إقرأ أيضاً:
من قلب +8: أسئلة مؤجلة من المستقبل عن الهوية والتنمية وروح المجتمع
أكتب هذه السطور من قلب طوكيو، حيث لا تزال رائحة المطر تتسلل إلى نوافذ الفنادق الزجاجية، والضوء البارد ينساب على الإسفلت كما لو أنه هارب من فكرة الزمن. لم أغادر بعد، ولا أظن أنني سأغادر فعليًا، حتى بعد مغادرة المكان، لأن الأسئلة التي استيقظت داخلي بعد هذه الرحلة الممتدة من سيول إلى طوكيو سترافقني طويلًا. هذه ليست زيارة عابرة لمنطقة جغرافية نائية عنا بأزيد من 17 ساعة طيران، بل هي اقتراب مؤلم من نموذج حضاري يبدو في ظاهره مثاليًا، ولكنه في جوهره يعاني من فراغ إنساني ساحق.
المشاركة في المنتدى العالمي للعلوم السياسية كانت مدخلاً فكريًا بامتياز للتفاعل مع نخب أكاديمية قادمة من مختلف بقاع الأرض. لكن التجربة الحقيقية بدأت خارج جدران القاعات: في المترو، في الأسواق النموذجية، في المطاعم، في الرفوف الصامتة للمكتبات، وفي نظرات الناس الذين يتحركون بآلية صارمة، كأنهم جزء من آلة أكبر من قدرتهم على الفهم أو الرفض. هناك شيء متوتر في الهواء، شيء لا يُقال، لكنه محسوس. هدوء مفرط يكاد يكون صاخبًا في دلالته.
تجربتي الثانية في كوريا الجنوبية، التي امتدت إلى اليابان هذه المرة، أتاحت لي فرصة عميقة لتأمل ما وراء الصور النمطية. في الظاهر، نحن أمام مجتمعات متقدمة تقنيًا، منظّمة إلى درجة الانبهار، ناجحة اقتصاديًا، أنيقة في شوارعها ونظيفة في سلوكها العام. ولكن، ما معنى كل هذا حين يغيب الإنسان كقيمة؟ حين يتحول المجتمع إلى مجرد فضاء هندسي دقيق خالٍ من الفوضى، ولكنه أيضًا خالٍ من الدفء؟ لقد لاحظت، من خلال تفاعلي اليومي مع المواطنين هنا، أن العلاقات الاجتماعية شبه متلاشية، لا وجود للعفوية، لا أثر للعلاقات المفتوحة، حتى السلام أو التحيّة أصبحتا من الكماليات. الفرد هنا منغلق على نفسه، متوجس من الآخر، حتى قبل أن يقترب منه. هذا التوجس ليس مجرد موقف ثقافي أو اجتماعي عابر، بل هو نتاج لتراكمات تاريخية عنيفة لا تزال تشتغل في اللاوعي الجمعي. اليابان تحديدًا تحمل في ذاكرتها الجمعية جروحًا لم تندمل بعد: قنبلة نووية أمريكية دمرت مدينتين، وأبقت الندبة غائرة في وعي الأمة، فأصبح كل اقتراب من الآخر مشروع تهديد، وأضحى الحذر هو القاعدة في بناء العلاقات الإنسانية. لا يتعلق الأمر فقط بالحرب، بل بالتصورات العميقة التي ترسخت حول معنى الوجود، ومعنى السلام، ومعنى الثقة.
ومن جهة اخرى لا يمكن الحديث عن البنية النفسية للمجتمع الياباني دون التوقف عند إحدى أخطر الظواهر: ظاهرة الانتحار. اليابان تتصدر منذ سنوات لائحة البلدان ذات أعلى معدلات الانتحار في العالم، ليس فقط بسبب الضغوط الاقتصادية أو المهنية كما يُشاع، بل نتيجة نمط وجودي قائم على العزلة، على غياب التواصل العاطفي، على تفكك مفهوم الأسرة، بل وأحيانًا على انعدامه. الناس هنا يموتون صامتين كما يعيشون. هل يُعقل أن ينهار الإنسان في حضن واحدة من أكثر الدول تقدمًا وتطورًا؟ هل تكفي التكنولوجيا لملء الفراغ الوجودي؟ وهل يكفي النظام لسد الحاجة إلى دفء انساني لا يُعوّض؟
إن المفارقة التي تنكشف هنا مؤلمة ومثيرة للدهشة في آن واحد: هذه الدول التي لطالما قُدّمت كنماذج تنموية رائدة، تعاني اليوم من تحديات وجودية عميقة. الشيخوخة الديمغرافية تزداد، نسبة الولادات تنهار، العزوف عن الزواج يرتفع، والرفض الجماعي للهجرة يعمّق الأزمة. الدولة التي لا تُعيد إنتاج المجتمع، ولا تجدّد ذاتها ديمغرافيًا، تكون أمام خطر الزوال الناعم، حتى وإن كانت تبدو على السطح قوية ومزدهرة.
لكن السؤال الأكثر إلحاحًا يبقى: كيف يمكن لمجتمع متقدم، بلغ أعلى درجات التنظيم، أن يتحوّل إلى كيان هش على مستوى الروابط الاجتماعية؟ هل يمكن للفردانية المفرطة أن تبني أمة؟ وأين يذهب الإنسان حين يصبح النجاح الجماعي خاليًا من المعنى الفردي؟ ثم كيف نفهم هذا التناقض الفجّ بين البنية التحتية المتقدمة والبنية التحتية للروح التي تنهار بصمت؟ هل نعيش اليوم على أنقاض حداثة لم تفهم الإنسان؟ وهل نحن، في مجتمعاتنا المتوسطية بكل ما تحمله من فوضى وعفوية وعلاقات عائلية ممتدة، نعيش رغم كل شيء شكلًا من أشكال التوازن البديل، الذي يجب أن يُصان لا أن يُحتقر؟
رحلتي إلى كوريا الجنوبية واليابان كانت مناسبة لرؤية صورة الآخر من الداخل، ولرؤية أنفسنا من خلاله. لقد غادرت المسافة الجغرافية بيننا، لكنني اقتربت من مسافة أخرى، أعمق وأخطر: المسافة بين الإنسان وظلّه. وهذا ما يدفعني اليوم، وأنا لا أزال هنا، أن أكتب لا كسائح ينبهر، ولا كمثقف يدين، بل كإنسان يتساءل: من نحن؟ ومن هم؟ وإلى أين يمضي العالم حين تفقد الحضارة دلالتها، ويتحول التقدم إلى عبء، والنجاح إلى عزلة، والذاكرة إلى قيد؟ وهل في الإمكان بناء مستقبل مختلف لا يُقصي الإنسان باسم النظام، ولا يُغتال فيه الشعور باسم الصمت؟
الصورة مأخوذة من أعلى برج في اليابان هو برج طوكيو سكاي تري (Tokyo Skytree) بارتفاع: 634 متراً، وهو يُعد ثاني أعلى بناء في العالم بعد برج خليفة في دبي.