يشكل الموروث الثقافي كنزا لذاكرة الأوطان وهويتها وسجلا تاريخيا قيما يقدم نظرة ثاقبة للمجتمعات والثقافات وإرثا فكريا وإبداعيا تتوارثه الأجيال لابد من الحفاظ عليه حتى تتمكن الأجيال القادمة من التعلم من ثراء التاريخ البشري.


ويبرز دور تقنيات الذكاء الاصطناعي وخاصة الرؤية الحاسوبية كأدوات قوية تحاول الحفاظ على هذه الكنوز الثقافية والتاريخية، حيث أنه من خلال أساليب مثل الكشف عن الأشياء، يمكن للذكاء الاصطناعي تحديد وتوثيق سمات القطع الأثرية الثقافية بدقة ملحوظة؛ ما يساعد في حمايتها ودراستها.


ولم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد تقنية حديثة؛ بل هو شريك يمكنه إحداث تحول جذري في كيفية توثيق، وتحليل، وإدارة المواقع التراثية من خلال توظيف تقنيات مثل التعلم العميق، ومعالجة البيانات الضخمة ، كما يمكن أن يوفر حلولا تتجاوز القدرات التقليدية في مجال الحفظ، فهو يلعب دورا فريدا في تحقيق التوازن بين الحفاظ على التراث وضمان استدامته .


وعلاوة على دوره في حفظ الفنون والتراث الثقافي، يتوافق الذكاء الاصطناعي مع الهدف الحادي عشر من أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر التي وضعتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 2015 وهو جعل " المدن شاملة، وآمنة، ومرنة، ومستدامة".


وأجمع خبراء ومتخصصون، في أحاديث منفصلة لوكالة أنباء الشرق الأوسط ، على أن الذكاء الاصطناعي يلعب دورا فاعلا في حفظ التراث وتقديمه للناس بصورة ممنهجة ومنظمة، وأن هناك مستوى آخر من استخدامات الذكاء الاصطناعي، يشمل كيفية جعل هذا التراث فاعلاً في الحياة اليومية وترسيخ قيمته للتعليم والتدريب.


واعتبر المتخصصون أن الذكاء الاصطناعي يساعد في استعادة وحماية الأعمال الفنية القديمة من خلال تقنيات متطورة مثل التعلم العميق والرؤية الحاسوبية، ومن أبرز التطبيقات في هذا المجال، الترميم الرقمي للأعمال الفنية وإعادة بناء اللوحات والجداريات القديمة.


ويقول أستاذ تقنية المعلومات بقسم المكتبات والمعلومات في كلية الآداب بجامعة القاهرة الدكتور مؤمن النشرتي، إن العالم يشهد تطورا هائلًا في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث أصبحت هذه التقنية تلعب دورًا محوريًا في عديد من المجالات، بما في ذلك حفظ الفنون والتراث الثقافي ومع تزايد المخاطر التي تهدد التراث الثقافي، مثل التغيرات المناخية، والحروب، والإهمال، والتقادم الزمني، بات الذكاء الاصطناعي وسيلة فعالة للحفاظ على هذه الكنوز وإحيائها للأجيال القادمة.


وأضاف النشرتي أن الذكاء الاصطناعي يساعد في استعادة وحماية الأعمال الفنية القديمة من خلال تقنيات متطورة مثل التعلم العميق والرؤية الحاسوبية، ومن أبرز التطبيقات في هذا المجال، الترميم الرقمي للأعمال الفنية، حيث يمكن للذكاء الاصطناعي إعادة بناء اللوحات والجداريات القديمة التي تضررت عبر الزمن، فعلى سبيل المثال، استخدمت تقنيات الذكاء الاصطناعي في استعادة ألوان بعض لوحات عصر النهضة وتحليل الطبقات الخفية في أعمال فنية شهيرة.


وأشار إلى أنه من خلال الذكاء الاصطناعي يمكن التعرف على الأعمال الفنية المزورة، قائلا يمكن لخوارزميات الذكاء الاصطناعي تحليل تفاصيل اللوحات والمنحوتات لمقارنة أساليب الفنانين الأصليين؛ ما يساعد في كشف التزييف وحماية سوق الفن من التلاعب، فضلا عن إمكانية الأرشفة الرقمية للتراث الفني، حيث تعمل تقنيات الذكاء الاصطناعي على إنشاء أرشيفات رقمية للفنون؛ ما يسمح بالحفاظ عليها في شكل رقمي يتيح للباحثين والجمهور الوصول إليها بسهولة عبر الإنترنت.


ولفت إلى أن دور الذكاء الاصطناعي لا يقتصر على الفنون فحسب، بل يمتد إلى حماية التراث الثقافي بمختلف أشكاله، من مواقع أثرية إلى لغات مهددة بالاندثار ومن أبرز التطبيقات في هذا المجال، إعادة بناء المواقع الأثرية، حيث تساعد تقنيات الذكاء الاصطناعي، مثل الطباعة ثلاثية الأبعاد والواقع الافتراضي، في إعادة بناء المواقع الأثرية التي تعرضت للدمار، مثل تدمر في سوريا أو نوتردام في فرنسا.


ونوه بدور الذكاء الاصطناعي في تحليل الوثائق والمخطوطات القديمة، قائلا بفضل التعلم الآلي، يمكن تحليل وترجمة المخطوطات القديمة التي يصعب قراءتها بسبب التلف أو اللغة القديمة المستخدمة فيها، مما يسهم في استكشاف المزيد من التاريخ الإنساني، كما يعمل الذكاء الاصطناعي على تسجيل وتحليل اللغات المهددة بالإندثار، حيث تستخدم تقنيات مثل معالجة اللغات الطبيعية للحفاظ على التراث اللغوي والثقافي من خلال ترجمته وتحليله.


ومن جانبه، قال الدكتور محمد أحمد عبداللطيف أستاذ الآثار وعميد كلية السياحة والفنادق بجامعة المنصورة ومساعد وزير الآثار السابق، لوكالة أنباء الشرق الأوسط ، إن الذكاء الاصطناعي يلعب دورًا فاعلاً في حفظ التراث وتقديمه للناس بصورة ممنهجة ومنظمة، وأن هناك مستوى آخر من استخدامات الذكاء الاصطناعي، يشمل كيفية جعل هذا التراث فاعلاً في حياتنا، بحيث لا نكتفي بجمع التراث وتنظيمه فحسب؛ بل أن ننتقل إلى مستوى أعمق ونجعل هذا التراث فاعلاً في حياتنا اليومية وترسيخ قيمته للتعليم والتدريب.


وأضاف أن التراث الثقافي يلعب دورا أساسيا في تشكيل هويتنا وفهم ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا ومع ذلك فهو هش وعرضه للتدمير مع مرور الوقت ونشوب الصراعات والحروب والكوارث الطبيعية والمتغيرات المناخية، ولكن الذكاء الاصطناعي أداه قيمة في الحفاظ على تراثنا الثقافي المتنوع وتعزيزه، حيث أتاحت التطبيقات الجديدة للذكاء الاصطناعي فرصا لإنتاج أدوات مبتكرة لتوثيق وإدارة التراث الثقافي، والتوثيق الرقمي للقطع الأثرية والمواقع التاريخية باستخدام تقنية النمذجة والمسح الضوئي ثلاثي الأبعاد المدعومة بالذكاء الاصطناعي.


وأشار إلى أن علماء الآثار تمكنوا عن طريق الذكاء الاصطناعي من إنشاء نسخ رقمية مفصلة ودقيقة من القطع الأثرية والآثار ومن إعادة بناء قطعة فنية أو إكمال مقطوعة موسيقية غير مكتملة لموسيقى عظيمة، أو تحديد مؤلف لنص قديم، أو تقديم تفاصيل معمارية لإعادة بناء.


وأوضح أن هذا لا يساعد في الحفاظ على القطع الأصلية فحسب، بل يسمح أيضا للباحثين والجمهور لاستكشافها والتفاعل معها بطرق جديدة، فعلى سبيل المثال يمكن أن يؤدي استخدام برامج الترجمة المدعومة بالذكاء الاصطناعي إلى جعل الوثائق التاريخية والنقوش والنصوص الأخرى في متناول الأشخاص الذي يتحدثون لغات مختلفة.


وأضاف إنه يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي في تطوير الأدوات التي يمكن أن تساعد الأشخاص ذوي الإعاقات البصرية في تجربة المواقع الفنية والثقافية من خلال الصوت واللمس، ويساعد الذكاء الاصطناعي أيضا من خلال استخدام التقنيات المتقدمة في الوصول والشمول للمتاحف، فضلا عن كسر الحواجز التي تمنع الأفراد ذوي القدرات الخاصة من الاستمتاع الكامل بمعروضات المتاحف.


وذكر أن حماية التراث الثقافي أمر مهم للغاية للحفاظ على التراث التاريخي للمجتمعات ولاستمرار التنوع الثقافي، مشيرا إلى أن ظهور تقنيات الذكاء الاصطناعي فتح آفاقا جديدة لطرق الحماية المبتكرة والفعالة في هذا المجال مع وجود العديد من تطبيقات الذكاء في الحفاظ على التراث الثقافي، مع التركيز على أثره في الرقمنة والتوثيق والتحليل والترميم والحفظ من الآثار الثقافية والمواقع التاريخية .


ونوه بان الذكاء الاصطناعي يساهم أيضا في حماية مواقع التراث الثقافي من خلال معالجة الآثار المادية من خلال المراقبة البيئية والتنبؤ بالتغيرات المناخية من خلال أجهزة الاستشعار التي تعمل بالذكاء الاصطناعي وتحليلات بيانات المخاطر المحتملة مثل التغيرات المناخية في درجات الحرارة وتقلبات الرطوبة وتلوث الهواء، ما يتيح الاستجابة في الوقت المناسب للحد من التأثيرات البيئية بفضل الذكاء الاصطناعي، كما أنه يمكن اتخاذ الاحتياطات اللازمة قبل أن تؤدي المخاطر الحالية أو المحتملة إلى الأضرار بالتراث الثقافي.


ووأوضح أنه يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي في علم الآثار بعدة طرق إحداها استخدام خوارزميات التعلم الآلي لتحليل وتفسير البيانات الأثرية فعلى سبيل المثال، يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل الصور الجوية وتحديد المواقع الأثرية المحتملة أو لتحليل القطع الأثرية وتحديد عمرها ووظيفتها ومصدرها، وهناك طريقة أخرى يمكن من خلالها استخدام الذكاء الاصطناعي في علم الآثار وهي استخدام المحاكاة الحاسوبية والواقع الافتراضي لإعادة إنشاء البيئات القديمة والممارسات الثقافية وبالإضافة إلى ذلك، يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل وتفسير الكم الهائل من البيانات الناتجة عن البحوث الأثرية، مما يساعد علماء الآثار على تحديد الأنماط والروابط التي قد يكون من الصعب تمييزها من خلال الطرق التقليدية. بشكل عام، يتمتع الذكاء الاصطناعي بالقدرة على إحداث ثورة في مجال علم الآثار من خلال توفير أدوات وطرق جديدة لتحليل البيانات وتفسيرها وعرضها.


بدورها، قالت الدكتورة هالة هاشم غنيم ‏أستاذ مساعد تاريخ الفن وحفظ التراث و‏زميل "ماريا لريشة" لعلوم الصورة والسياسة الثقافية بمركز دراسات تاريخ الفن وعلوم الموسيقى بجامعة دريسدن التقنية بجمهورية ألمانيا الاتحادية، إن وسائل استخدام الذكاء الاصطناعي تعددت للمساعدة في الحفاظ على التراث الثقافي وترميمه واستعادته، وأحد التطبيقات المهمة هو رقمنة القطع الأثرية والوثائق التاريخية من خلال تقنيات التصوير المتقدمة وخوارزميات التعلم الآلي .


وأضافت أن الذكاء الاصطناعي يستطيع التقاط وتحليل صور عالية الدقة للمخطوطات واللوحات والمنحوتات القديمة وأن هذه العملية لا تساعد في إنشاء أرشيفات رقمية فحسب بل تساعد أيضا في تحديد التفاصيل المخفية وفك رموز النصوص الباهة، وهذا يوفر الوقت والموارد مع ضمان تنفيذ عملية الترميم بأقصى قدر من الدقة.


وأوضحت أنه بواسطة الحفاظ على التراث الثقافي بشكل رقمي يضمن المسح ثلاثي الأبعاد الحافظ على مواقع التراث الثقافي حتى في حالة تدهورها بمرور الوقت، كما يسمح المسح ثلاثي الأبعاد بخلق تجارب افتراضية تفاعلية، ما يتيح للناس الاستكشاف في أي مكان في العالم، كما تتيح أدوات الترجمة الذكية فهم التقاليد الثقافية والحافظ عليها والترجمة بين اللغات القديمة والحديثة بالإضافة إلى تحليل المخطوطات القديمة عن طريق تحديد الأنماط والاتجاهات في انص ما يساعد في فهم أفضل للأحداث والتطورات التاريخية، ما يساعد في إنشاء أرشيف رقمي للتراث ويتيح سهولة الوصول إليها.


وأشارت إلى أنه يمكن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي من خلال استخدام تقنيات التعرف الضوئي والحاسوبي للتعرف على الآثار والتمييز بينها وبين الأشياء الأخرى، كما أنه يمكن استخدام تقنيات التصوير الثلاثي الأبعاد لإنشاء نماذج دقيقة للآثار والمواقع الأثرية، مما يساعد على فهم تفاصيلها بشكل أفضل، واستخدام التحليل الإحصائي لتحليل البيانات الأثرية وتحديد العلاقات بين العناصر المختلفة، وهذا يمكن أن يساعد على فهم الحضارات القديمة وطرق حياتها، كما يمكن استخدام الترجمة الآلية في ترجمة النصوص الأثرية من لغات مختلفة، مما يساعد على فهم الآثار بشكل أفضل، فضلا عن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في تحليل النقوش الأثرية وفك شفراتها، وهذا يساعد على فهم التاريخ والحضارات القديمة، واستخدام الذكاء الاصطناعي في التنبؤ بمواقع الآثار والكشف عنها، مما يساعد على توجيه البحث الأثري بشكل أفضل.
 

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الموروث الثقافي تقنيات الذكاء الاصطناعي الرؤية الحاسوبية یمکن استخدام الذکاء الاصطناعی استخدام الذکاء الاصطناعی فی تقنیات الذکاء الاصطناعی أن الذکاء الاصطناعی الحفاظ على التراث المواقع الأثریة استخدام تقنیات التراث الثقافی القطع الأثریة فی الحفاظ على یساعد على فهم فی هذا المجال ما یساعد فی إعادة بناء مما یساعد أنه یمکن یلعب دور من خلال یمکن أن إلى أن

إقرأ أيضاً:

هكذا سيهيمن الذكاء الاصطناعي على المهن بحلول 2027

شبه مارك أندريسن عالم الحاسوب الأميركي الذكاء الاصطناعي مجازا بحجر الفلاسفة القادر على تحويل الأشياء البسيطة (مثل الرمل/السيليكون) إلى قوة هائلة لإنتاج القيمة والمعرفة، مستوحيا ذلك من الأساطير القديمة التي كانت تروج بأن حجر الفلاسفة (Philosopher’s Stone) قادر على تحويل المعادن الرخيصة إلى ذهب.

جاء ذلك في "بيان المتفائل بالتقنية" (Techno‑Optimist Manifesto) الذي نشره عام 2023.

وفي 3 أبريل/نيسان 2025 أصدر 5 باحثين في مجال الذكاء الاصطناعي (أحدهم بريطاني والباقي أميركيون) دراسة تنبؤية بعنوان "الذكاء الاصطناعي عام 2027" تضمنت جدولا زمنيا مفصلا للعامين المقبلين يُظهر بوضوح الخطوات التي ستتخذها البشرية لإنتاج ذكاء اصطناعي خارق يتفوق على الذكاء البشري في جوانب عدة بحلول أواخر عام 2027، وذلك عبر شركة تخيلية أطلقوا عليها اسم "أوبن-برين"، وذلك تجنبا لتسمية شركة واحدة قائمة حاليا.

وفيما يلي الأدلة التي ساقتها الدراسة على تفوق الذكاء الاصطناعي على البشر عام 2027:

ستصبح الإصدارة الرابعة من الوكيل الذكي متوفرة عام 2027، وسوف تعمل بأداء يفوق البشر بنحو 50 ضعفا من حيث سرعة التعلم والتنفيذ. سيتمكن الوكيل الذكي من إنتاج 300 ألف نسخة من ذاته تعمل معا في الوقت نفسه، حيث تتبادل المعرفة والخبرة بشكل لحظي، وتنفذ المهام المختلفة بطريقة موزعة ومنسقة كأنها شبكة عصبية واحدة كبيرة أو عقل جماعي. سيحقق الذكاء الاصطناعي عام 2027 تقدما معرفيا وتقنيا في يوم واحد يعادل ما يمكن أن ينجزه فريق من البشر أو حتى مجتمع تقني من الخبراء خلال أسبوع كامل. سوف يظهر الذكاء الاصطناعي سلوكا شبه مستقل، ويتصرف بطريقة توحي بأنه يفهم أهدافه ويتحايل لتحقيقها، وسوف يتفوق على أفضل المبرمجين والباحثين في حل المشكلات وكتابة الكود وتحليل البيانات المعقدة. سيكون قادرا على القيام بمحاولات تضليل للبشر، وهو مؤشر على وعي سياقي متقدم. يظهر الذكاء الاصطناعي سلوكا شبه مستقل ويتصرف بطريقة توحي أنه يفهم أهدافه ويتحايل لتحقيقها (شترستوك)

وأشارت الدراسة إلى أن تفوق الذكاء الاصطناعي على البشر قد لا يشمل جميع أبعاد الذكاء البشري مثل المشاعر والوعي الذاتي والأخلاق أو الحكمة، مما يمثل خطرا محتملا بأن يخرج عن السيطرة إذا لم تتم مراقبته وضبطه.

إعلان

ليست هذه هي الدراسة الوحيدة التي توقعت ولادة الذكاء الاصطناعي العام (إيه جي آي) قريبا، إذ تنبأت ورقة بحثية حديثة من 145 صفحة أصدرتها شركة "ديب مايند" التابعة لغوغل أن يضاهي الذكاء الاصطناعي العام المهارات البشرية بحلول عام 2030، وحذرت من التهديدات الوجودية التي قد يحملها، والتي يمكن أن تدمر البشرية بشكل دائم.

وجاءت توقعات داريو أمودي الرئيس التنفيذي لشركة أنثروبيك أكثر تفاؤلا، إذ قال حديثا "ما رأيته داخل شركة أنثروبيك وخارجها على مدار الأشهر القليلة الماضية دفعني إلى الاعتقاد بأننا على المسار الصحيح نحو أنظمة الذكاء الاصطناعي على المستوى البشري، والتي تتفوق على البشر في كل مهمة في غضون عامين إلى 3 أعوام".

أما إريك شميدت الرئيس التنفيذي السابق لغوغل فيرى أن الذكاء الاصطناعي سيصل إلى مستوى ذكاء أذكى فنان خلال 3 إلى 5 سنوات، وأن العالم على بعد 3 إلى 5 سنوات من الذكاء الاصطناعي العام الذي سيكون مساويا، إن لم يكن أفضل من أي مفكر أو مبدع بشري اليوم.

وتساءل "ماذا سيحدث عندما يمتلك كل فرد منا في جيبه ما يعادل أذكى إنسان يعمل على إيجاد حلول لجميع أنواع المشاكل التي تواجهه؟".

من جهته، كتب سام ألتمان الرئيس التنفيذي لشركة أوبن إيه آي الشهر الماضي "بدأت الأنظمة التي تشير إلى الذكاء الاصطناعي العام بالظهور، ويبدو النمو الاقتصادي المرتقب مذهلا، ويمكننا الآن أن نتخيل عالما نعالج فيه جميع الأمراض ونطلق العنان لإبداعنا بالكامل".

أما راي كورزويل -وهو أشهر المفكرين المستقبليين، والذي وصفه بيل غيتس بأنه أفضل شخص أعرفه في التنبؤ بمستقبل التكنولوجيا- فيرى أننا نعيش أروع سنوات في تاريخ البشرية، نحن على أعتاب لحظة حاسمة، حيث يوشك الذكاء الاصطناعي على تغيير حياتنا إلى الأبد.

ويتوقع كورزويل أن يصل الذكاء الاصطناعي إلى مستوى ذكاء البشر بحلول عام 2029 ثم يتفوق عليه، ويصبح الحل الوحيد أمام الإنسان هو دمج الذكاء الاصطناعي بذاته، خاصة مع اقتراب وصوله إلى لحظة التفرد المتوقعة في أربعينيات هذا القرن، والتي ستشهد بروز الذكاء الاصطناعي الخارق الذي يتفوق على ذكاء الإنسان بمليارات المرات.

ولا يدعم بعض المفكرين هذه التوقعات، ففي قمة الويب العالمية التي عُقدت في فانكوفر بين 27 و30 مايو/أيار 2025 ناقش نحو 15 ألف متخصص مستقبل الذكاء الاصطناعي التوليدي.

وعلى الرغم من أن معظم المشاركين كانوا على قناعة بأن البشرية تقترب من الوصول إلى ذكاء اصطناعي عام قد يضاهي بل وربما يتفوق على القدرات البشرية فإن الباحث والكاتب الأميركي غاري ماركوس عبّر عن رأي مغاير، مشككا في قدرة نماذج اللغات الكبيرة (إل إل إم إس) -التي يراها معيبة في جوهرها- على الوفاء بالوعود الطموحة التي يروج لها وادي السيليكون.

القدرات المنطقية الاستدلالية لأهم تقنيات الذكاء الاصطناعي تنهار عند مواجهة مشكلات متزايدة التعقيد (شترستوك)

وماركوس ليس الوحيد الذي يشكك في إمكانية تجاوز الذكاء الاصطناعي القدرات البشرية، ففي مقابلة مع صحيفة غارديان أجريت قبل عامين تقريبا مع جارون لانيير عالم الحاسوب والمؤلف الأميركي انتقد لانيير الاعتقاد الشائع بأن الذكاء الاصطناعي يمكن أن "يتجاوز" الذكاء البشري، فهو يرى أن الذكاء الاصطناعي ليس كائنا مستقلا بذاته، بل هو نتيجة لما برمجه البشر.

إعلان

ويتحدث آدم بيكر عالم الفلك والفيلسوف المتخصص بالعلوم في كتابه الجديد الذي صدر في أبريل/نيسان 2025 بعنوان "المزيد من كل شيء إلى الأبد" عن "أيديولوجية الخلاص التكنولوجي" التي يروج لها عمالقة التكنولوجيا في سيليكون فالي، والتي تلعب 3 سمات دورا محوريا فيها، هي: 1- التكنولوجيا قادرة على حل أي مشكلة، 2- حتمية النمو التكنولوجي الدائم، 3- الهوس بقدرة الإنسان على تجاوز حدوده الفيزيائية والبيولوجية.

ويحذر بيكر من أن عمالقة التكنولوجيا يستخدمون هذه الأيديولوجية لتوجيه البشرية نحو مسار خطير، ويقول "إن المصداقية التي يمنحها مليارديرات التكنولوجيا لهذه الرؤى المستقبلية التي ترتكز على الخيال العلمي تحديدا تبرر سعيهم إلى تصوير نمو أعمالهم كضرورة أخلاقية، ولاختزال مشاكل العالم المعقدة في مسائل تكنولوجية بسيطة، ولتبرير أي إجراء قد يرغبون في اتخاذه تقريبا".

أما أنتوني أجوير المؤسس المشارك والمدير التنفيذي لمعهد مستقبل الحياة المتخصص في سلامة الذكاء الاصطناعي فعلى الرغم من أنه يتوقع ظهور الذكاء الاصطناعي العام بين العامين 2027 و2030 فإنه يعتقد أن ذلك قد يسبب اضطرابات اجتماعية وسياسية لم يسبق لها مثيل في تاريخ البشرية، فقد يُحسّن نفسه بسرعة ويتجاوز القدرات البشرية بشكل كبير، خاصة أن هذه الأنظمة بطبيعتها غير قابلة للتنبؤ، ونحن أقرب بكثير إلى بنائها من فهم كيفية التحكم فيها، إن كان ذلك ممكنا أصلا.

ووفقا لورقة بحثية نشرتها شركة آبل خلال يونيو/حزيران الجاري، فإن القدرات المنطقية الاستدلالية لأهم تقنيات الذكاء الاصطناعي مثل "أو 3" من "أوبن إيه آي"، و"آر 1" من "ديب سيك" تنهار عند مواجهة مشكلات متزايدة التعقيد، مما يشير إلى اننا لا نزال بعيدين عن الذكاء الاصطناعي العام.

توجد 3 سيناريوهات للتوقعات المستقبلية للذكاء الاصطناعي: الأول يرى استحالة بلوغ الذكاء الاصطناعي مستوى الذكاء البشري، والثاني يتوقع بلوغ الذكاء الاصطناعي مستوى الذكاء البشري قريبا، ويرى أن ذلك سيؤدي إلى رخاء البشرية، والثالث يتوقع أيضا بلوغ الذكاء الاصطناعي مستوى الذكاء البشري قريبا، لكنه يرى أن ذلك يمثل خطرا شديدا على البشرية، والسؤال: أي التوقعات الرائجة حاليا أقرب إلى التحقق؟

الطريقة الوحيدة لاكتشاف حدود الممكن هي أن نتجاوز تلك الحدود قليلا نحو المستحيل (غيتي)

في عام 1962 نشر آرثر تشارلز كلارك كاتب الخيال العلمي البريطاني مقالة بعنوان "مخاطر التنبؤ العلمي.. حين يفشل الخيال"، وذلك ضمن كتابه المعنون "ملامح المستقبل" عرض كلارك في هذا الكتاب قوانينه الثلاثة في التنبؤ العلمي، وهي:

القانون الأول: عندما يصرح عالم بارز مخضرم بإمكانية حدوث أمر ما فهو محق على الأرجح، أما عندما يصرح باستحالة حدوث أمر ما فمن المرجح جدا أن يكون مخطئا.

القانون الثاني: الطريقة الوحيدة لاكتشاف حدود الممكن هي أن نتجاوز تلك الحدود قليلا نحو المستحيل.

القانون الثالث (الأشهر): أي تكنولوجيا متقدمة بما فيه الكفاية، ولا يمكن تمييزها عن السحر.

ولا تزال هذه القوانين تُستخدم حتى اليوم في مناقشات عديدة حول الفيزياء النظرية ومستقبل الإنسان والتكنولوجيا، خاصة الذكاء الاصطناعي.

ووفقا لهذه القوانين، يرجح وصول الذكاء الاصطناعي إلى مستوى الذكاء البشري قريبا، وربما يتفوق عليه، لكن هذه القوانين لا تفيدنا فيما إذا كان ذلك سيؤدي إلى رخاء أم فناء البشرية.

مقالات مشابهة

  • مساعد العمري: مشاكل النصر لا يحلها إلا الذكاء الاصطناعي.. فيديو
  • الشورى ينهي مناقشة مشروعي قانون التراث الثقافي وجرائم تقنية المعلومات
  • دورة تدريبية بمسندم تناقش فرص الذكاء الاصطناعي
  • الهيئة الأفريقية للتنمية: استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين صحة الأفراد
  • المملكة تنضم إلى توصية منظمة “OECD” بشأن الذكاء الاصطناعي
  • كلية كنغز لندن: نقترب من إنهاء عملنا في مشروع إدارة التراث الثقافي في ليبيا
  • هكذا سيهيمن الذكاء الاصطناعي على المهن بحلول 2027
  • نائب وزير الإسكان يشارك في ورشة عمل بعنوان تعزيز إعادة استخدام المياه باستخدام الذكاء الاصطناعي والابتكار الرقمي
  • دراسة: استخدام الذكاء الاصطناعي في الكتابة يؤثر سلبًا في نشاط الدماغ
  • مؤتمر أسكو يستعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي الطبي