الحلو أعاد الجدل المر حول العلمانية
تاريخ النشر: 7th, March 2025 GMT
الحلو أعاد الجدل المر حول العلمانية
صلاح شعيب
عاد الجدل مرة أخرى حول العلمانية التي ظل تقعيدها في هيكلية الدولة السودانية يواجه تبايناً حاداً في الآراء. ذلك في أعقاب اعتمادها في ميثاق نيروبي الذي وقعت عليه تنظيمات سياسية دشنت به تحالفاً جديداً يجمع بين حركات مسلحة، وتنظيمات مدنية. ولا يخفى بالطبع الدور المؤثر لزعيم الحركة الشعبية شمال عبد العزيز الحلو في تضمين هذا النص المشكل حوله سودانياً في الميثاق.
أكرر في هذا المقال أيضا أن محاولة إرهاب قادتنا السياسيين، ومثقفينا، من التصريح بأهمية العلمانية لصلاح الدولة السودانية، وتفضيل مصطلح الدولة المدنية الفضفاض، ينبغي أن يواجه بالشجاعة، وإلا فعلينا في حال حدوث أي تسوية قادمة أن نسلم رقابنا لنوع جديد من ذبح المدنية التي تخفي احتيالاً للربط بين الدين، والدولة.
لا أتصور نجاحاً لكفاحنا المدني في ظل عدم الاعتبار من مرور أكثر من ألف سنة من اختطاف الدين لغايات انتهازية في الدولة القطرية العربية، والإسلامية، والتي ترضع بواسطة سلطة الأوليغارشية الدينية، والاقتصادية، والاجتماعية من ثدي الدولة لتتوطن ثراءً، وتسلطاً، ونفوذاً.
فحاجتنا ماسة الآن للاعتبار من هذا التاريخ الذي سبق خيبة الحالة الإسلامية الراهنة الآخذة بأسباب تفجير صراعاتها المجتمعية بما يهدد وحدة كيان المجتمع، والدولة في ذات الوقت. إذ استطاع الإقطاعيون، ورجال الدين، والطبقة المتنفذة الأوروبية آنذاك، الاستئساد بشوكة الدولة بينما كانت تتبلور الطبقتان الوسطى، والفقيرة، ككم بشري تابع، وذليل، لتطلعات القيصر الطفيلية، وشبكة علاقاته الضيقة، مصاصة العرق، والدماء.
تاريخ السودان الحديث يكشف بأي مستوى من القراءة السيوسيولجية غير المؤدلجة عن تحالف اصحاب الثروة مع العسكرتارية، والنخب الاقتصادية، والإعلامية، للحفاظ على مكتسبات سلطوية لا علاقة لها بالدين أو مفهوم الدولة الحديثة. وما قبل تشريعات نميري التي قطعت رقاب وأيادي الفقراء فقط لم تكن أنظمة السودان كلها قائمة على العلمانية التي لا تنشأ إلا في ظل نظام ديمقراطي. وترتد حجة الرافضين للعلمانية إليهم بأن أنظمة الاتحاد السوفيتي، والعراق، ومصر، وسوريا، وليبيا المطروحة، كانت موثثة بأطر نظرية علمانية. ذلك لأن العلمانية هي ساق الديمقراطية التي تتوكأ عليها لإنهاء التمايزات الأيدلوجية، والإثنية، والمذهبية، لصالح دولة المواطنة.
في تجربة السودان لتطبيق قوانين الشريعة الإسلامية في سبتمبر 1983، والتجربة الثانية عبر “المشروع الحضاري”، لاحظنا أن الحكمين الاستبداديين ركزا على رفع أسنة الرماح في وجه المدنيين الذين لا يرتبطون بحلف الدولة المكون من جماعات الثروة، والرتب الكبيرة في الجيش، وقادة الأجهزة الإعلامية، الموظفين للدفاع عن ديكتاتورية الدولة. ولذلك كان القتل السياسي، واغتصاب الرجال والنساء معاً، والتعذيب في بيوت الأشباح، الرافعة التسلطية التي تقوم على فرضيات فقهية مستلفة من تاريخ السلطة الدينية في العالم الإسلامي.
الآن – ونحن في زمن الحريات التي أتاحتها الثورة التكنولوجية – لم يعد الكبت عائقاً أمام تطلعات الناس المساكين في عالمنا العربي والإسلامي في نشدان التعبير السياسي الراغب للإصلاح الذي يوجد دولة ديموقراطية تقطع مع عصر الظلامات التاريخية. إذ كانت الدولة تمثل رأي فئة قليلة من السودانيين، وهي التي تستخدم رجال الدين أولئك، وشريحة من الطبقة الوسطى لدفع قوة المستبد، وحاشيته. أما السواد الأعظم فهو مجرد قطيع لا يقوى على تحقيق حريته في الاعتقاد، وحكم نفسه بنفسه عبر نظام ديموقراطي لتداول السلطة. بل لا يحس غالب السودانيين بسبب مضاء التغبيش الفكري أنهم مستعبدون من حيث انتمائهم لطبقة مركزية تمتص
عرقهم بينما تمنحهم الفتات عبر الوظيفة في الخدمة المدنية، أو بالكاد يعتمدون على حركة القطاع الخاص المتحالف معظمه مع النخبة السياسية.
الديماغوغيون من الإسلاميين السودانيين، وكذلك بعض من المنتمين لأحزابنا التقليدية الواقعين تحت ضغط تاثير الابتزاز الديني، يستنفعون بإرث العلمانية في أوروبا، وتركيا، والولايات المتحدة التي هاجروا إليها. وهؤلاء يمثلون النفاق الديني عينه قبل السياسي. فهم يسلمون أبناءهم، وبناتهم، وأحفادهم، لهذه الأنظمة العلمانية لينشاوا فيها، وتنقطع ذريتهم من ثم عندها. ومن ناحية أخرى يستفيدون من مناخ الحريات لإقامة المساجد، والمطالبة بإجازات للجالية المسلمة في يوم الجمعة، والمناسبات الدينية. ولاحقاً يستفيدون من سماحة التشريع العلماني للمطالبة برفع الأذان في مئات من هذه المساجد التي نشأت بحكم هذا التسامح الديني الذي رسّخته العلمانية.
وبالنسبة للسودانيين المغيبين فكرياً من هذه الاتجاهات الرافضة للعلمانية – ولم تتح لهم الفرصة للنفاد بجلدهم من السودان نحو الأميركيتين، أو أوروبا، أو استراليا – فيعيشون في حياة القرون الوسطى. ومع ذلك فإنهم لا يرون جدوى لقيام السودان على أسس علمانية تحررهم من استبداد الحاكم، وتفتح لهم آفاقاً لدولة تتواءم مع العصر، وتنقذهم من إهدار ملايين الأرواح بفعل رغبة الأوليغارشية الحاكمة، وتعيد تريليونات من الدولارات التي نهبتهاالطبقة الثرية، وكان نصيب الشيخ عبد الحي خمسة ملايين دولار وفقاً لما صرح به الحاكم الذي أفتى له بقتل ثلثي الشعب استناداً على المذهب المالكي.
خلاصة الموضوع أن السودان – بوصفه متلقٍ لفتاوى المركزية السلطوية الدينية العربية – مهدد بالعودة إلى عصر القرون الوسطى ما برح معظم قادته السياسيين اليساريين، واليمينيين، يلجأون لسراب الدولة المدنية خوفا من امتلاك الشجاعة بالدعوة للعلمانية، وشرحها للمواطن البسيط الواقع تحت تاثير أثرياء الإسلام السياسي. الوسومالحلو العملانية جدل صلاح شعيب
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الحلو العملانية جدل صلاح شعيب
إقرأ أيضاً:
رئيس الوطنية للانتخابات يشكر عضو قضايا الدولة التي أصيبت بجرح في القرنية خلال عملها بانتخابات مجلس الشيوخ
توجه القاضي حازم بدوي رئيس الهيئة الوطنية للانتخابات، ونائب رئيس محكمة النقض اليوم الثلاثاء، خلال اعلان النتيجة الرسمية للجولة الأولى من انتخابات مجلس الشيوخ 2025، بالشكر للمستشارة ميادة السعيد السيد قريش من هيئة قضايا الدولة والمشرفة على لجنة 340 قسم ثاني المحلة الكبرى والتي أصيبت بجرح في عينيها ما أحدث جرح في القرنية أثناء عملها لاستقبال الناخبين للتصويت في انتخابات مجلس الشيوخ والتي أدلى فيها ما يقرب من 11 مليونا و650 ألف ناخب بأصواتهم، بنسبة مشاركة بلغت 17.1%.
أعلن أن عدد المواطنين المقيدين بقاعدة بيانات الناخبين، والتي وصلت نحو 69 مليونا و333 ألفا و138 ناخبًا.
أكد المستشار حازم بدوي رئيس الهيئة الوطنية للانتخابات أن عدد الذين الأصوات الصحيحة التي قامت بالتصويت في انتخابات مجلس الشيوخ 11 مليون و321 ألف و70 صوتا من إجمالي الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم وعددهم 11 مليون و837 ألف ناخب في انتخابات مجلس الشيوخ خلال حديثة بمؤتمر الهية الوطنية لإعلان نتيجة انتخابات مجلس الشيوخ.
وقال القاضي أحمد بنداري مدير الجهاز التنفيذي للهيئة الوطنية للانتخابات، إن إعلان نتائج انتخابات مجلس الشيوخ لعام 2025، تأتي في لحظة وطنية بالغة الأهمية، والتي تمت وسط أجواء من الانضباط والشفافية، وفي مناخ آمن مكن المواطنين من ممارسة حقهم الدستوري بكل حرية ومسؤولية.
وأكد على أن ما تحقق في الانتخابات هو نتاج عمل مؤسسي منظم، وخبرة تراكمية اكتسبتها الهيئة الوطنية للانتخابات في إدارة الاستحقاقات الدستورية، وفق أعلى درجات الشفافية والحيادية، والانضباط القانوني ومواكبة التطور التقني، حتى أصبحت الهيئة نموذجا يُحتذى به في التنظيم المحكم، الإدارة الرشيدة، حسن الإشراف.
وأوضح القاضي أحمد بنداري، أن أهمية هذا الإنجاز تزداد إذا وضعناه في سياقه الإقليمي، إذ جرت هذه العملية الديمقراطية في منطقة تفتقر في كثير من أجزائها إلى الاستقرار والأمن، وهو ما يعزز من رصيد الدولة المصرية، ويؤكد قدرتها على ترسيخ مؤسساتها الوطنية ويثبت احترامها لحقوق مواطنيها، والتزامها بمسارها الدستوري أمام ذاتها وأمام شعبها، بل وأمام العالم أيضاً، مشيرا إلى ان ما نشهده اليوم ليس مجرد ختام لعملية انتخابية، بل هو تتويج لمسيرة عمل وطني جاد، شاركت فيه مؤسسات الدولة، واحتضنه وجدان هذا الشعب العظيم، إيمانًا بأهمية ترسيخ دعائم الديمقراطية، وتعزيزاً لمسار المشاركة السياسية، وترجمة حقيقية لإرادة الناخبين.
ووجه مدير الجهاز التنفيذي للهيئة الوطنية للانتخابات الشكر لكل من القوات المسلحة المصرية الممثلة فى وزارة الدفاع، على ما قدمته من دعم لوجستي وأمني رفيع المستوى، كما ثمن الجهود الكبيرة التي قامت بها وزارة الداخلية بمسؤولياتها في تأمين اللجان والمقار الانتخابية بكل كفاءة واقتدار، وأيضاً وزارة الخارجية والهجرة وشئون المصريين بالخارج لما قدموه من جهد وعمل يليق بمصر والمصريين.