سودانايل:
2025-08-13@22:51:30 GMT

الحلو أعاد الجدل المر حول العلمانية

تاريخ النشر: 7th, March 2025 GMT

عاد الجدل مرة أخرى حول العلمانية التي ظل تقعيدها في هيكلية الدولة السودانية يواجه تبايناً حاداً في الآراء. ذلك في أعقاب اعتمادها في ميثاق نيروبي الذي وقعت عليه تنظيمات سياسية دشنت به تحالفاً جديداً يجمع بين حركات مسلحة، وتنظيمات مدنية. ولا يخفى بالطبع الدور المؤثر لزعيم الحركة الشعبية شمال عبد العزيز الحلو في تضمين هذا النص المشكل حوله سودانياً في الميثاق.

وكنت قد كتبت من قبل مقالاً عن خطل الفتنة بمفهوم الدولة المدنية لدى النخب السياسية كبديل للدولة العلمانية. وقد أثار ذلك المقال ايضاً جدلاً كبيراً تراوح بين تكفير الكاتب، والتضامن معه. وبكل المقاييس نحتاج أن يكون الحوار حول تبني العلمانية في الهواء الطلق بدون التخوف من الابتزاز التاريخي الذي لازم مثقفينا وسياسيينا منذ الستينات بالرغم من أن تجربتي "قوانين سبتمبر" و"المشروع الحضاري" حطت بقيمة الدين قبل الدولة، وأورثتنا هذه الحرب كاعلى سقف من سقوف الفشل في معرفة وظيفة الدولة الحديثة. أكرر في هذا المقال أيضا أن محاولة إرهاب قادتنا السياسيين، ومثقفينا، من التصريح بأهمية العلمانية لصلاح الدولة السودانية، وتفضيل مصطلح الدولة المدنية الفضفاض، ينبغي أن يواجه بالشجاعة، وإلا فعلينا في حال حدوث أي تسوية قادمة أن نسلم رقابنا لنوع جديد من ذبح المدنية التي تخفي احتيالاً للربط بين الدين، والدولة. لا أتصور نجاحاً لكفاحنا المدني في ظل عدم الاعتبار من مرور أكثر من ألف سنة من اختطاف الدين لغايات انتهازية في الدولة القطرية العربية، والإسلامية، والتي ترضع بواسطة سلطة الأوليغارشية الدينية، والاقتصادية، والاجتماعية من ثدي الدولة لتتوطن ثراءً، وتسلطاً، ونفوذاً. فحاجتنا ماسة الآن للاعتبار من هذا التاريخ الذي سبق خيبة الحالة الإسلامية الراهنة الآخذة بأسباب تفجير صراعاتها المجتمعية بما يهدد وحدة كيان المجتمع، والدولة في ذات الوقت. إذ استطاع الإقطاعيون، ورجال الدين، والطبقة المتنفذة الأوروبية آنذاك، الاستئساد بشوكة الدولة بينما كانت تتبلور الطبقتان الوسطى، والفقيرة، ككم بشري تابع، وذليل، لتطلعات القيصر الطفيلية، وشبكة علاقاته الضيقة، مصاصة العرق، والدماء. تاريخ السودان الحديث يكشف بأي مستوى من القراءة السيوسيولجية غير المؤدلجة عن تحالف اصحاب الثروة مع العسكرتارية، والنخب الاقتصادية، والإعلامية، للحفاظ على مكتسبات سلطوية لا علاقة لها بالدين أو مفهوم الدولة الحديثة. وما قبل تشريعات نميري التي قطعت رقاب وأيادي الفقراء فقط لم تكن أنظمة السودان كلها قائمة على العلمانية التي لا تنشأ إلا في ظل نظام ديمقراطي. وترتد حجة الرافضين للعلمانية إليهم بأن أنظمة الاتحاد السوفيتي، والعراق، ومصر، وسوريا، وليبيا المطروحة، كانت موثثة بأطر نظرية علمانية. ذلك لأن العلمانية هي ساق الديمقراطية التي تتوكأ عليها لإنهاء التمايزات الأيدلوجية، والإثنية، والمذهبية، لصالح دولة المواطنة. في تجربة السودان لتطبيق قوانين الشريعة الإسلامية في سبتمبر 1983، والتجربة الثانية عبر "المشروع الحضاري"، لاحظنا أن الحكمين الاستبداديين ركزا على رفع أسنة الرماح في وجه المدنيين الذين لا يرتبطون بحلف الدولة المكون من جماعات الثروة، والرتب الكبيرة في الجيش، وقادة الأجهزة الإعلامية، الموظفين للدفاع عن ديكتاتورية الدولة. ولذلك كان القتل السياسي، واغتصاب الرجال والنساء معاً، والتعذيب في بيوت الأشباح، الرافعة التسلطية التي تقوم على فرضيات فقهية مستلفة من تاريخ السلطة الدينية في العالم الإسلامي. الآن - ونحن في زمن الحريات التي أتاحتها الثورة التكنولوجية - لم يعد الكبت عائقاً أمام تطلعات الناس المساكين في عالمنا العربي والإسلامي في نشدان التعبير السياسي الراغب للإصلاح الذي يوجد دولة ديموقراطية تقطع مع عصر الظلامات التاريخية. إذ كانت الدولة تمثل رأي فئة قليلة من السودانيين، وهي التي تستخدم رجال الدين أولئك، وشريحة من الطبقة الوسطى لدفع قوة المستبد، وحاشيته. أما السواد الأعظم فهو مجرد قطيع لا يقوى على تحقيق حريته في الاعتقاد، وحكم نفسه بنفسه عبر نظام ديموقراطي لتداول السلطة. بل لا يحس غالب السودانيين بسبب مضاء التغبيش الفكري أنهم مستعبدون من حيث انتمائهم لطبقة مركزية تمتص عرقهم بينما تمنحهم الفتات عبر الوظيفة في الخدمة المدنية، أو بالكاد يعتمدون على حركة القطاع الخاص المتحالف معظمه مع النخبة السياسية. الديماغوغيون من الإسلاميين السودانيين، وكذلك بعض من المنتمين لأحزابنا التقليدية الواقعين تحت ضغط تاثير الابتزاز الديني، يستنفعون بإرث العلمانية في أوروبا، وتركيا، والولايات المتحدة التي هاجروا إليها. وهؤلاء يمثلون النفاق الديني عينه قبل السياسي. فهم يسلمون أبناءهم، وبناتهم، وأحفادهم، لهذه الأنظمة العلمانية لينشاوا فيها، وتنقطع ذريتهم من ثم عندها. ومن ناحية أخرى يستفيدون من مناخ الحريات لإقامة المساجد، والمطالبة بإجازات للجالية المسلمة في يوم الجمعة، والمناسبات الدينية. ولاحقاً يستفيدون من سماحة التشريع العلماني للمطالبة برفع الأذان في مئات من هذه المساجد التي نشأت بحكم هذا التسامح الديني الذي رسّخته العلمانية. وبالنسبة للسودانيين المغيبين فكرياً من هذه الاتجاهات الرافضة للعلمانية - ولم تتح لهم الفرصة للنفاد بجلدهم من السودان نحو الأميركيتين، أو أوروبا، أو استراليا - فيعيشون في حياة القرون الوسطى. ومع ذلك فإنهم لا يرون جدوى لقيام السودان على أسس علمانية تحررهم من استبداد الحاكم، وتفتح لهم آفاقاً لدولة تتواءم مع العصر، وتنقذهم من إهدار ملايين الأرواح بفعل رغبة الأوليغارشية الحاكمة، وتعيد تريليونات من الدولارات التي نهبتهاالطبقة الثرية، وكان نصيب الشيخ عبد الحي خمسة ملايين دولار وفقاً لما صرح به الحاكم الذي أفتى له بقتل ثلثي الشعب استناداً على المذهب المالكي. خلاصة الموضوع أن السودان - بوصفه متلقٍ لفتاوى المركزية السلطوية الدينية العربية - مهدد بالعودة إلى عصر القرون الوسطى ما برح معظم قادته السياسيين اليساريين، واليمينيين، يلجأون لسراب الدولة المدنية خوفا من امتلاك الشجاعة بالدعوة للعلمانية، وشرحها للمواطن البسيط الواقع تحت تاثير أثرياء الإسلام السياسي.

[email protected]  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

خطر التقسيم يلوح في الأفق.. السودان يقترب من نموذج الدولة المزدوجة

الخرطوم – الوكالات
بينما تتواصل الحرب الطاحنة في السودان، تتكشف مؤشرات تنذر بتجاوز القتال التقليدي إلى ما يشبه "التقسيم الوظيفي" للدولة، في ظل إعلان مجموعة "تأسيس" تشكيل حكومة موازية، وتصاعد المعارك في نيالا وحول الفاشر، وإلغاء اجتماع كان مرتقبًا للرباعية الدولية في واشنطن.

ويرى مراقبون أن هذه التطورات تضع السودان أمام مفترق طرق حاسم: إما المضي في مسار السلام وفق خارطة الرباعية، أو الانزلاق نحو نموذج مشابه للتجربة الليبية، بما يحمله من انقسام شرعي وصراع مزمن.

وتتهم الحكومة السودانية قوات الدعم السريع بالسعي لترسيخ سلطتها في إقليم دارفور عبر أدوات مدنية تحت غطاء "تحالف مدني"، فيما يصفه محللون بأنه "سلطة أمر واقع" تهدف إلى خلق إقليم مستقل فعليًا يُستخدم كورقة تفاوضية في أي تسوية سياسية مقبلة.

بالتوازي، تشهد مدينة نيالا معارك عنيفة تعتبرها قوات التمرد حاسمة للسيطرة على جنوب دارفور، ما يمنحها ثقلًا سياسيًا قبل أي مفاوضات، في وقت تتمسك الحكومة المعترف بها دوليًا بمركزها في بورتسودان.

وتثير المقارنة مع التجربة الليبية مخاوف من انزلاق السودان إلى وضع مشابه، مع اختلافات تجعل السيناريو أكثر تعقيدًا، أبرزها التداخل القبلي والاجتماعي، والامتداد الشعبي للجيش، وحدود السودان المفتوحة مع سبع دول.

ويحذر مراقبون من أن استمرار غياب إرادة دولية قوية لوقف دعم القوى الإقليمية للتمرد، والاكتفاء بردود فعل متأخرة، قد يسرّع من تثبيت واقع الانقسام، ويقود السودان إلى مرحلة أكثر دموية وفوضوية.

مقالات مشابهة

  • جنوب السودان تحسم الجدل: لا محادثات مع إسرائيل بشأن إعادة توطين فلسطينيي غزة
  • تعرف على الدولة الخليجية التي تصدرت دول العالم في جذب الاستثمار الأجنبي
  • هذه هي الدولة التي تريد إسرائيل توطين الفلسطينيين من قطاع غزة فيها
  • الشيباني: المؤتمر الذي عقد في الحسكة مؤخراً لا يمثل الشعب السوري، وحاول استغلال أحداث السويداء، إضافة لأنه انتهاك لاتفاق اندماج قوات سوريا الديمقراطية في مؤسسات الدولة
  • السودان الذي يسكننا… وما يخسره العالم إن غاب
  • رئيس الوطنية للانتخابات يشكر عضو قضايا الدولة التي أصيبت بجرح في القرنية خلال عملها بانتخابات مجلس الشيوخ
  • خطر التقسيم يلوح في الأفق.. السودان يقترب من نموذج الدولة المزدوجة
  • دولة حزب الله في لبنان التي انتهى زمنها
  • العراق.. تصريحات السوداني بشأن "حصر السلاح" تثير الجدل
  • رغم كونها الدولة الأكثر زيارة في العالم.. كيف نجت فرنسا من الاحتجاجات ضد السياحة التي عصفت بجيرانها؟