البيومي: الإيمان يقوم على الإخلاص والإيثار من أسمى درجات الإحسان
تاريخ النشر: 8th, March 2025 GMT
ألقى الأستاذ الدكتور محمد عبد الرحيم البيومي الأمين العام للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية كلمة في المجالس الهاشمية بالمملكة الأردنية الهاشمية، بحضور سمو الأمير الحسين بن عبد الله الثاني ولي العهد، والأستاذ الدكتور محمد الخلايلة وزير الأوقاف، و أحمد الصَّفدي رئيس مجلس النواب، و فيصل الفايز رئيس مجلس الأعيان، ومحمد الغزو رئيس المجلس القضائي، ومحمد محمود العبادنة رئيس المحكمة الدستورية، واللواء عبيد الله المعايطة مدير الأمن العام، والدكتور أحمد الخلايلة إمام الحضرة الهاشمية، والدكتور محمد المومني وزير الإعلام، والدكتور فراس الهواري وزير الصحة، وعدد من كبار الشخصيات والعلماء.
ورحَّب الأستاذ الدكتور محمد عبد الرحيم البيومي في مستهل كلمته بصاحب السمو ولي العهد وبالحضور، معربًا عن شكره وامتنانه لحفاوة الاستقبال والمشاركة في هذا المحفل العلمي الرفيع، وأكد أن المكون الشخصي للإنسان يرتكز على ثلاثة محاور أساسية، وهي الإيمان، والإسلام، والإحسان، مستشهدًا بحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حديث جبريل -عليه السلام- حيث لا تخلو شخصية الإنسان من واحدة من هذه الركائز التي تتفاوت بين الخوف والرغبة والمحبة.
وتناول في كلمته أهمية النية في أعمال العبد، مستشهدًا بقوله -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّما الأعمال بالنيَّات"، مشيرًا إلى أن الارتباط بالله -تعالى- في مقامات الإسلام والإيمان والإحسان ينبغي أن يكون قائمًا على المحبة، لا على مجرد الخوف والرهبة، وبيّن أن مقام الإيمان يقوم على الإخلاص، مستشهدًا بقول الله -تعالى-: "وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالغَدَاةِ وَالعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ"، موضحًا أن هؤلاء قصدوا الله بصدق نيَّاتهم، فكان جزاؤهم الجنة.
وتحدث عن دائرة الإسلام، موضحًا أن بعض الناس يؤدون العبادات بدافع الخوف أو الطمع، بينما يرتقي البعض الآخر إلى مقام الإحسان، مستشهدًا بمثال من الفقه الحنفي حول حكم القصر في الصلاة عند السفر، حيث اعتبر بعض الفقهاء أن من يسافر لزيارة والديه لا يقصر صلاته، حتى لا يُشعِر والديه أنه أصبح ضيفًا عليهم، مما يعكس روح الإحسان في التشريع الإسلامي.
وأشار إلى أن مقام الإحسان الذي يقوم على النية الصادقة يحتاج إلى مزيد من التوفيق، لافتًا إلى أن بعض الناس يشكرون على النعمة، ولكن ليس كل إنسان يوفق إلى الشكر ذاته، مستشهدًا بقوله تعالى: "وَقَلِيلٌ مِنْ عِبٕادِي الشَّكُورُ"، موضحًا أن من يُوفق إلى شكر النعم ينبغي أن يشكر الله على توفيقه لهذا المقام الرفيع.
وأكد في كلمته أن النوايا الطيبة يمكن أن تضاعف أجر العمل الواحد، فهناك من يؤدي العمل بنية واحدة، بينما يؤديه غيره بألف نية حسنة، فيكون للأخير أجرٌ مضاعف، مشيرًا إلى أن هذا هو السر في حرص السيدة عائشة -رضي الله عنها- على تطييب الصدقات، حيث كانت تقول: "إن الصدقة تقع في يد الله قبل أن تقع في يد الفقير".
وتناول في حديثه أهمية الزكاة في تزكية النفس وتطهير المال، مبينًا أن الله -تعالى- شرعها لتكون وسيلة لتحقيق التكافل الاجتماعي وإرساء معاني الرحمة بين أفراد المجتمع، مؤكدًا أن إخراج الزكاة بنية صادقة يجعلها أداة عظيمة للنماء والبركة في المال.
وتطرق إلى مفهوم الإيثار، موضحًا أنه من أسمى درجات الإحسان، حيث يقدم الإنسان حاجة غيره على حاجته، مستدلًا بقوله تعالى: "وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ"، ومبينًا أن هذا الخلق النبيل كان سمة بارزة في مجتمع الصحابة -رضي الله عنهم-.
وأكد أن المجالس العلمية تُعد فرصة سانحة لتعزيز القيم الإيمانية وترسيخ المفاهيم الدينية الصحيحة، داعيًا إلى ضرورة استثمار هذه اللقاءات العلمية في نشر ثقافة الاعتدال والوسطية والتعايش السلمي بين الشعوب.
وختم كلمته بالإشادة بدور المجالس الهاشمية في نشر الفكر المستنير، مؤكدًا أن هذه المجالس أصبحت منبرًا علميًا راقيًا يجمع بين أهل العلم والفكر لتعزيز الحوار البناء وخدمة قضايا الأمة.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الأمين العام للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية المزيد موضح ا أن مستشهد ا إلى أن
إقرأ أيضاً:
هل كل إنسان له قرين؟.. لديك 3 في الدنيا وأمر واحد يُضعف شيطانك
لعل السؤال عن هل كل إنسان له قرين ؟، يعد من الأسرار الواردة بالقرآن الكريم، ففيما ورد بقوله تعالى : ( مَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) الآية 36 من سورة الزخرف، فرغم أن الآية الكريمة تقر حقيقة وجود قرين من الشياطين ، لكنها في الوقت ذاته لم تجب عن سؤال هل كل إنسان له قرين أم أن وجوده مشروط بالبعد عن ذكر الله عز وجل؟، ولعل أهمية هذا الاستفهام تنبع م ذلك الخوف الذي يثيره فيؤرق البعض ويثير فضول الآخرين، وذلك لارتباطها بعالم الجن الخفي والمرعب ، فمسألة وجود قرين من الجن قريب منك ويلازمك هي فكرة ليست سهلة الاستيعاب والقبول ، وهذا ما يطرح أهمية معرفة هل كل إنسان له قرين ؟.
قال الدكتور رمضان عبد الرازق، عضو اللجنة العليا للدعوة الإسلامية بمشيخة الأزهر، إن "للإنسان ثلاثة قرناء مقيدين له: الأول قرين الشيطان يوسوس للإنسان لفعل المعاصي، مستشهداً على ذلك بقوله تعالى «وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ».
وأوضح «عبدالرازق» في إجابته ن سؤال: هل كل إنسان له قرين ؟، أن القرين الثاني هو قرين من الملائكة ، لقوله تعالى «مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ» ، والثالث هو قرين الدنيا وهو الصديق، مؤكداً أن ما يقوله بعض العوام من أن قرين الإنسان يكون مثله في الشكل والصفات فهذا كلام خطأ ولا أساس له من الصحة.
وروي عن عبدالله بن مسعود ، في صحيح مسلم الصفحة أو الرقم : 2814 ، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم -قال: (ما مِنكُم مِن أحَدٍ، إلَّا وقدْ وُكِّلَ به قَرِينُهُ مِنَ الجِنِّ، قالوا: وإيَّاكَ يا رَسولَ اللهِ؟ قالَ: وإيَّايَ، إلَّا أنَّ اللَّهَ أعانَنِي عليه فأسْلَمَ، فلا يَأْمُرُنِي إلَّا بخَيْرٍ. [وفي رواية]: وقدْ وُكِّلَ به قَرِينُهُ مِنَ الجِنِّ وقَرِينُهُ مِنَ المَلائِكَةِ).
وجاء في روايةٍ أُخرى قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «وَقَد وُكِّلَ به قَرينُه مِنَ الجِنِّ وقَرينُه مِنَ المَلائكةِ»، فَكما أنَّه قُيِّضَ له شَيطانٌ يُغويه ويُضِلُّه ويَأمُرُه بالشَّرِّ، كَذلك قُيِّضَ له مَلَكٌ يُسدِّدُه ويُرْشِدُه، فيكونُ آمِرًا له بالخيرِ ومُلهِمًا له في قَلبِه بالخيرِ.
وفي الحديثِ: حِرصُ الشَّيطانِ على إغواءِ بَني آدَمَ، وأنَّه لا يَنفَكُّ عنِ الإِغواءِ، وفيه: أنَّ اللهَ قَيَّضَ لِلإنسانِ مَلَكًا يُعينُه ويُرشدُه، في مُقابلَةِ إغواءِ الشَّيطانِ وفِتنَتِه، وفيه: دَليلٌ عَلى عِصمَةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن أنْ يُؤثِّرَ فيه الشَّيطانُ بأَذًى في عَقلِه أو قَلبِه بضُروبِ الوَساوسِ.
وبين الحديث أن الجِنُّ أجسامٌ ناريَّةٌ قابلةٌ للتَّشكُّلِ بأشكالٍ مُختلفةٍ، وهُم مَخلوقاتٌ غيرُ مَنظورةٍ لنا، وقدْ يُرِيها اللهُ مَن شاءَ مِن خَلْقِه، وهُم مُكلَّفونَ مِثلَنا، منْهم المؤمنونَ والكافرونَ والعُصاةُ، ومنهم الطَّيِّبُ والخَبيثُ.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بوُجودِ الجِنِّ مِن حَولِنا، وأنَّ منهم مَن وُكِّلَ بالإنسانِ فلا يُفارِقُه، ويَكيدُ له لِيُوقِعَه في الشُّرورِ والآثامِ، وأنَّه ما مِن أحدٍ مَهما بَلغَ منَ العِبادةِ والعِلمِ ما بَلغَ، إلَّا وقدْ وُكِّلَ به قَرينُه مِنَ الجِنِّ، وهو شَيطانٌ سُلِّطَ عليه ليُغوِيَه، ويُسوِّلَ له ويُشَكِّكَه في الدِّينِ ويُوسوِسَ له؛ لِيَصرِفَه عن الطَّاعةِ، ويُوقِعَه في المعصيةِ، فيَنْبغي الحَذَرُ الشَّديدُ منه.
وقد زُرعت الأهواء والشهوات في نفوس الآدميين، وذلك ليحصلوا على ما ينفعهم، ويدفعوا عن أنفسهم الضرر بغضبهم، ورُزقوا بالعقول للعدل بين الأمور والموازنة بينها، إلا أن الشيطان يحرّض الإنسان على الإسراف فيما يُبعد عن نفسه أو يقرّب، والواجب على العاقل أنْ يحذر من الشيطان العدو منذ زمن آدم عليه السلام، كما أنّ الله تعالى حذّر العباد منه، وأمرهم باجتنابه، حيث قال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ).
ومن الجدير بالذكر أن كل إنسان له قرين يأمره بالتقصير في واجباته، ويدفعه إلى فعل الشر والضرر، ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه عن الصحابي عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، حيث قال: (ما منكُم من أحدٍ إلَّا وقد وُكِّلَ بهِ قرينُهُ منَ الجنِّ . قالوا : وإيَّاكَ يا رسولَ اللَّهِ ؟ قال : وإيَّايَ إلَّا أنَّ اللَّهَ أعانَني علَيهِ فأسلَمَ فلا يأمرُني إلَّا بخيرٍ . غيرَ أنَّ في حديثِ سفيانَ . وقد وُكِّلَ بهِ قرينُهُ منَ الجنِّ ، وقرينُهُ منَ الملائكةِ).
وبناء عليه فالواجب على كلّ مسلم الحذر من إغواء الشيطان ووساوسه، فالطريق التي يسلكها القرين تتمثّل بإيقاع العبد في معصية الله تعالى، ثمّ يقيّده بها، فيمنعه من الخير والبر في الأفعال والسلوكيات، كأن يمنعه من الإمامة بالناس في الصلاة، ومن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذلك بحجة المعصية التي اقترفها.
وينسى العبد أنّ اجتناب المعاصي فرض عين عليه، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية على المسلمين، ويجب على العبد أن يعلم أن الوقوع في المعاصي لا تعدّ مبرراً لعدم التزامه بالواجبات المفروضة عليه.
حقيقة القرين بالقرآنذُكِر القرين في القرآن الكريم في عدّة مواضع، وبيّنت هذه المواضع أنّه يضرّ الإنسان، ويزيّن له المعاصي في أغلب الحالات، ومن ذلك:
- قوله تعالى: «ومَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ»، (الزّخرف 36).
- قوله تعالى: «قال قائلٌ منهم إنّي كان لي قرين»، (الصّافات 51).
- قوله سبحانه: «حتّى إذا جاءنا قال يا ليت بيني وبينك بُعد المشرقين فبئس القرين»، (الزّخرف38).
ما هو القرينيُطلق القرين على الشيطان الموكّل بكلّ إنسان بهدف إغوائه وإضلاله، وذلك ما دلّت عليه نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية المطهّرة، والتي بيّنت أنّ عمل القرين يتمثّل فقط بالإغواء والإضلال، دون أي عمل حسي آخر، إلا أنّ إيمان العبد له الدور الأساسي في إغواء القرين، فإن كان الإيمان قوياً فإغواء القرين يضعف أمام ذلك.