مؤسسات تنقصها القيادة
تاريخ النشر: 23rd, August 2023 GMT
حمد الحضرمي **
الحاجة للقيادة أصبحت ضرورة بشرية تقتضيها مصالح الحياة الإنسانية في شتى جوانبها لأي نشاط أو عمل في مؤسسة أو قطاع من القطاعات الحكومية أو الخاصة، ولن تتحقق النجاحات في هذه المؤسسات وقطاع الأعمال، إلّا بوجود قيادة تنسق الجهود وتحرك الطاقات باتجاه الأهداف للوصول إلى الغايات المرسومة والمرجو تحقيقها.
وللقيادة تعريفات كثيرة، فقد عرفها توني روبنز الخبير في التنمية البشرية على أنها: "القدرة على التأثير على المجموعة نحو تحقيق الأهداف"، وعرفها عالم النفس الاجتماعي شفيق رضوان على أنها: "فن التأثير على الأفراد وتنسيق جهودهم وعلاقاتهم"؛ فالقائد إذن يستمد قدرته في التأثير على الجماعة من قبوله لتحمل مسؤولية القيادة، والسعي لتحقيق أهداف ومصالح مؤسسته. والقيادة لها أهمية كونها حلقة الوصل بين الموظفين وخُطط المؤسسة وتصوراتها المستقبلية، والقيادة تدعم الجوانب الإيجابية في المؤسسة، وتقلص الجوانب السلبية، وتُسيطر على مشاكل العمل وتحسم الخلافات، وتجد الحلول المناسبة للمشاكل بكل حكمة، وتنمي وتدرب وترعى الموظفين، لأنهم الكادر البشري ذو الأهمية البالغة لأي مؤسسة، كما أن القيادة الناجحة تواكب المتغيرات المحيطة، وتوظفها لخدمة المؤسسة لتُحقق الأهداف المرسومة.
القيادة هي سلوك وتفاعل وتأثير على الآخرين، وهي العقل المدبر والقلب النابض لأي مؤسسة ناجحة، وهي مجموعة من القدرات والإمكانيات الشخصية يتحلى ويتصف بها القائد الناجح، لأنَّ لديه القدرة العالية على التأثير على الآخرين وتوجيه طاقاتهم وسلوكياتهم نحو تحقيق المصالح والأهداف المرسومة للمؤسسة وفق خطط استراتيجية ومهارات في التخطيط والتنظيم، وقدرة على إدارة فريق العمل، ومهارات في إحداث التغيير والابتكار، ومهارات في التأثير والإقناع للوصول بدقة لتحقيق الأهداف المنشودة للمؤسسة. أما القيادة الفاشلة تكون متخبطة لعدم وضوح السياسات والأهداف المراد تحقيقها، وينتج عن ذلك هدر للوقت والجهد وخسائر فادحة تتكبدها المؤسسة الحكومية أو الخاصة، إن القيادة الفاشلة تكون متسلطة على فريق العمل بشكل سلبي، وتتخذ قراراتها بأسلوب فردي وتهمش أصحاب الآراء المميزة، وليس لهذه القيادة القدرة على التعاطي مع التطوارت الحديثة واستخدامها في تطوير وتحديث أساليب العمل في المؤسسة.
ومن هنا نشير إلى أنَّ الخسائر التي تعرضت لها مجموعة من الشركات الحكومية تستدعي وبصفة عاجلة من الجهات المختصة محاسبة المتسببين بهذه الخسائر والتي تسببت في عجز في الموازنة المالية للدولة؛ فالقوانين قد سُنّت لتطبيقها على كل شخص تسول له نفسه المريضة الأمارة بالسوء والذي وقع في الفساد وخان الأمانة والمسؤولية الموكولة إليه؛ لأنه للأسف الشديد قد غابت عنهم وقتها الرقابة، وتصرفوا في هذه الشركات الحكومية بلا مسؤولية، وكان همهم الأساسي تحقيق مصالحهم الشخصية، على حساب مصالح الوطن والمواطن الذي تعرضت مصالحه الأساسية لأضرار بالغة التأثير، وما زال المواطن البسيط إلى يومنا هذا يدفع فاتورة أخطاء وفساد الآخرين، الذين قد فلت أغلبهم من المساءلة القانونية.
وإنني أكرر مناشدتي لأصحاب القرار بمكافحة ومحاربة الفساد بكل أنواعه وأشكاله ومحاسبة الفاسدين ومساءلة المفسدين، وذلك بتشكيل لجنة عليا لمكافحة الفساد وصدور قانون خاص لجرائم الفساد وعدم الاكتفاء بالجرائم المنصوص عليها في قانون الجزاء، لأن لجرائم الفساد أنماطاً مستحدثة وأساليب مختلفة لم تطلها دائرة التجريم في القانون. الأمر يتطلب بأن يشمل القانون الخاص لمكافحة جرائم الفساد على أحكام موضوعية وإجرائية خاصة تراعي طبيعة وخصوصية هذه الجرائم، كعقود المشاريع الوهمية والكسب غير المشروع وتجريم قبول الواسطة والمحسوبية، وذلك حتى تتمكن الدولة من استرجاع واسترداد مئات الآلاف من الملايين من أموال الدولة والشعب التي كانت بحوزة الفاسدين والمفسدين من جرائم الفساد.
وإنني على قناعة تامة- ونحن نعيش نهضة متجددة في عهد جديد بقيادة حكيمة ذات حكمة وبصيرة ونظرة ثاقبة لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- بأن مؤسساتنا الحكومية سوف تحقق النجاح بعد تصحيح المسار في الشكل والمضمون وفي القيادة والإدارة، الذي قام به جهاز الاستثمار العماني لهذه الشركات الحكومية، وقد أصبحت الآن فرص النجاح لهذه الشركات كبيرة، وإنني على يقين بأن الخير قادم وسيعم البلاد والعباد، لأنني انظر إلى المستقبل بعين التفاؤل وعلى المدى القريب والبعيد ستكون مآلات النجاح قد تحققت، وسنصل إلى القمة ونحقق الأهداف والغايات المرجوة والمنشودة، لتكون دولتنا الغالية في مقدمة الدول في كل المجالات وعلى كافة الأصعدة، وسيعيد العمانيون أمجاد الآباء والأجداد والتاريخ العظيم لتكون عُمان دولة رائدة متقدمة، وتذكروا جيدًا بأن الإنجازات الكبيرة كانت أحلاماً بسيطة لأصحابها، ثم يصبح الحلم حقيقة بالعمل والجد والاجتهاد والمثابرة، ومقياس نهضة الأمم يقاس بما لديها من أفكار عظيمة، وللخيال قوة عميقة الأثر في دنيا النجاح والتميز والإبداع، وسوف نعمل ونجتهد وسنحقق النجاح وسنصل للقمة، وسيكتب التاريخ في صفحاته هذه الإنجازات بأحرف من ذهب.
** محامٍ ومستشار قانوني
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الفلاحة ماتت ولازم نسلّم نفسنا!
لما يرفض الرئيس السيسى الموافقة على قانون الإجراءات الجنائية ويعود إلى البرلمان، الذى لم أعد أتذكر اسمه من كثرة تغييره.. ثم يوجه الرئيس اللجنة القضائية المشرفة على انتخابات هذا المجلس، أيًا كان مسماه، بالتعامل مع التجاوزات غير القانونية التى شابت العملية الانتخابية.. فنحن أمام رئيس يراجع ويدقق ويراقب.. ولكننا أيضًا أمام مؤسسات وهيئات لا تراجع ولا تدقق ولا تراقب!
المؤسسات التشريعية والتنفيذية هى العمود الفقرى للدولة، إذا شاخت تشيخ الدولة، وإذا عجزت تعجز الدولة، ولا يمكن للرئيس متابعة أداء كل المؤسسات والهيئات ومن المفروض هناك أجهزة مهامها المتابعة والمراجعة والتدقيق والمراقبة بشكل قانونى خاصة المؤسسات التى تقدم الخدمات للأفراد، فمتابعتها يحميها من الفساد ويحمى المواطنين من المفسدين!
ولا أريد أن أعدد هذه المؤسسات والهيئات فهى كثيرة وأدوارها تؤثر مباشرة فى حيوية الدولة وقوتها وفى قدرتها على المراجعة والتصحيح، وبعضها يؤثر بصورة غير مباشرة فى حياة المواطن اليومية والمعيشية وتعتبر مقياس لمدى رضاهم واعتزازهم بدولتهم وحكومتهم!
وفى دول العالم الأول يكون القانون فوق الجميع بحق وحقيقى وبأقصى درجة ممكنة، على المؤسسات وعلى الأفراد، ولا أحد فوق المساءلة.. ولذلك تكون مؤسسات الدولة قادرة على التعامل مع أخطائها وتصويبها بحرية وشفافية وهو ما يحافظ على تقدم الدولة وقوتها، ويحصل فى نفس الوقت المواطن على حقوقه طالما يقوم بواجباته ويكافأ على ذلك، أما إذا أخطأ يحاسب على خطئه بالقانون وبالعدل.. فيعيش المواطن بكرامة فى دولة قوية ومتقدمة!
ومشكلتنا نحن فى العالم النامى ليس فى غياب القانون.. مشكلتنا فى التنفيذ، والمتابعة، والتدريب، والتأهيل، والصيانة.. فنحن أقمنا مؤسسات وهيئات مثلها مثل التى فى العالم الأول ذات مبان ضخمة ومسئولين كبار بدرجة وزير وأنت نازل، ولكننا نعجز عن متابعة ومراقبة أدائها، وكذلك نبنى كبارى وأنفاقًا ونرصف آلاف الكيلو مترات من الطرق بآلاف المليارات.. ولكن نفشل فى صيانتها وإعادة تأهيل وتدريب القائمين عليها.. فهل دور رئيس الجمهورية عمل ذلك؟!
فى رواية العبقرى نجيب محفوظ «ثرثرة فوق النيل» التى تحولت إلى فيلم سينمائى شهير بنفس الاسم عام 1971 يحكى فيها عن مجموعة من العابثين المستهترين الذين يتصدرون واجهة المجتمع، ويمثلون أسوأ ما فيه من فساد، ويستميلون أفقر وأتعس ما فيه واستغلالهم فى الدعارة والمخدرات.. ويرتكبون جميعًا جريمة قتل فلاحة بسيارتهم على الطريق وهم مخدرون ولا يدركون أنهم يقتلون أجمل ما فى هذا الوطن.. إن لم يكن الوطن كله، ولهذا كان من الطبيعى تتوالى النكبات والنكسات لتصل ذروتها فى هزيمة 67 !
والآن.. نحن أمة فى خطر.. تحاصرها من الخارج مؤامرات ومخاطر، وتكاد تكون واقفة وحدها ويتمنى الكثير من الأصدقاء قبل الأعداء سقوطها كما سقط من حولها الكثير من الدول مع إنها ما زالت واقفة، ولكن كأعجاز نخل خاوية.. ولذلك تحتاج الدولة إلى قوة الداخل بما يشتمل على مؤسسات وهيئات قوية ومتقدمة، وكذلك مواطنون أكثر قوة وتقدم، وهذه ليست مهمة سهلة ولن تكون سهلة وتحتاج إلى صيانة، ومتابعة، وإعادة تأهيل، وتدريب.. يعنى علم وتعليم!
أجاد نجيب محفوظ كعادته تجسيد الفساد والمفسدين والإهمال والمهملين الذين يمكن أن يكونوا سببًا فى نكبة الدولة والمواطنين.. وحتى إذا استيقظ ضمير فرد واحد وقال بأعلى صوته «الفلاحة ماتت ولازم نسلم نفسنا».. وقتها لن ينفع الندم لأن وقتها تكون الفلاحة ماتت فعلًا ووقعت الهزيمة!
[email protected]