في غرفة بسيطة، وعلى أريكة تحمل ذكريات الزمن الماضي، تجلس السيدة فاطمة العشماوي، والدة الشهيد العقيد تامر العشماوي عينها تحمل نضوج الأيام التي مرت، وقلبها يحمل وجع الفقد وأمل الشرف، تسرد حكاية ابنها الذي استشهد قبل تسع سنوات، لكنه يعيش في كل لحظة تمر، وفي كل زاوية من قلبها الكبير.

حينما تُسأل عن شعورها في رمضان هذا العام، تشعر السيدة فاطمة بمزيج من الفخر والحزن، ففي قلبها يحيا تامر شهيدًا، وفي ذاكرتهما تظل تلك الأيام التي مرَّت وكأنها لم تنقضِ.

"تامر لم يكن مجرد شهيدٍ، بل كان ابني الذي لطالما ملأ بيتي بضحكته وبراءته، كان إنسانًا قبل أن يكون جنديًا". مع احتفال الوطن بهذه الذكرى، لا يزال في قلب الأم مكان لتضحيات ابنها التي لا تُنسى.

حينما تتذكر السيدة فاطمة آخر لحظات الحديث مع تامر، يختلط الألم بالمحبة. "كان يقول لي دائمًا: 'إذا جائتني الشهادة، فلا تخافي، فأنا ذاهب لأعلى مكان'". كانت آخر مكالمة بينهما قبل استشهاده بيومين، حيث كان يطمئن عليها، يتحدث عن آماله وطموحاته، لم تكن تعلم أنه الوداع الأخير. كلمات ابنها عن الشهادة ظلت عالقة في قلبها، تتحول إلى وقود لفخر لا ينطفئ.

"لقد مر تسع سنوات على استشهاد تامر، لكن الوقت لم يغير شيئًا في قلبي"، تقول السيدة فاطمة، مشيرة إلى أن الفخر لا يزال يملأ قلبها. "صحيح أنه غادر، لكنه حاضر في كل خطوة أخطوها، وفي كل يوم أعيشه". تامر كان مثالًا للشجاعة والعطاء، ورغم أن الزمن يمضي، فإن ذكراه تظل حية، يرويها كل من كان يعرفه.

تتحدث السيدة فاطمة بفخر عن سيف، شقيق الشهيد الذي اختار أن يسير على نهج تامر، ملتحقًا بكلية الشرطة بعد استشهاده. "سيف يعرف تمامًا أن طريقه ليس مجرد إتمام حلم تامر، بل هو استكمال لقيمه، وحب لوطنه، ما زال يحمل في قلبه حلم أخيه، ويسير على دربه، ليكون خير خلفٍ لخير سلف".

وفي ذكرى استشهاد تامر، تدعو السيدة فاطمة كل المصريين إلى التلاحم والتكاتف، "فمصر اليوم تحتاج إلى كل واحد منا، لا مجال للضعف أو الاستسلام. علينا أن نكون يقظين، متحدين، حتى نبني مصر الأقوى. تامر ضحى بحياته من أجل هذا الوطن، ونحن في حاجة إلى أن نواصل الدفاع عنه بكل ما أوتينا من قوة".

وفي ختام الحديث، تلتقط السيدة فاطمة أنفاسها بصعوبة، وأعينها تحمل دمعة تحاول إخفاءها بابتسامة مليئة بالفخر، تقول: "أنت في القلب دائمًا، يا تامر. شرفنا وأنت حي، ولن ننسى تضحياتك مهما مر الزمن".

هذه الكلمات ليست مجرد حديث، بل هي صلاة من نوع آخر، صلاة تذكر وتخليد لروح شهيدٍ سطر بدمه أسمى معاني الوفاء للوطن.

في قلب هذا الوطن الذي لا ينسى أبنائه، يظل شهداء الشرطة رمزًا للتضحية والفداء، ويختصرون في أرواحهم أسمى معاني البذل والإيثار، رغم غيابهم عن أحضان أسرهم في شهر رمضان، يبقى عطاؤهم حاضرًا في قلوب المصريين، فالوطن لا ينسى من بذل روحه في سبيل أمنه واستقراره.

هم الذين أفنوا حياتهم في حماية الشعب، وسطروا بدمائهم صفحات من الشجاعة والإصرار على مواجهة الإرهاب، هم الذين لم يترددوا لحظة في الوقوف أمام كل من يهدد وطنهم، وواجهوا الموت بابتسامة، مع العلم أن حياتهم ليست سوى جزء صغير من معركة أكبر ضد الظلام.

في رمضان، حين يلتف الجميع حول موائد الإفطار في دفء الأسرة، كان شهداء الشرطة يجلسون في مكان أسمى، مكان لا تدركه أعيننا، ولكنه مكان لا يعادل في قيمته كل الدنيا؛ فإفطارهم اليوم سيكون مع النبين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقًا.

مع غيابهم عن المائدة الرمضانية في بيوتهم، يظل الشعب المصري يذكرهم في صلواته ودعواته، تظل أسماؤهم محفورة في ذاكرة الوطن، وتظل أرواحهم تسكن بيننا، تعطينا الأمل والقوة لنستمر في مواجهة التحديات.

إن الشهداء هم الذين حفظوا لنا الأمان في عز الشدائد، وهم الذين سيظلون نجومًا مضيئة في سماء وطننا، فلهم منا الدعاء في كل لحظة، وأن يظل الوطن في حفظ الله وأمانه.

 







مشاركة

المصدر: اليوم السابع

كلمات دلالية: شهداء شهداء الشرطة شهداء الوطن الداخلية اخبار الداخلية وزارة الداخلية افطارهم في رمضان قصص الشهداء اسر الشهداء حوادث اخبار الحوادث السیدة فاطمة

إقرأ أيضاً:

«حلم الثراء السريع».. حبس عصابة التنقيب عن الآثار في السيدة زينب

قررت نيابة السيدة زينب حبس سيدة و4 متهمين بارتكاب أعمال الحفر والتنقيب غير المشروع عن الآثار بالسيدة زينب، 4 أيام على ذمة التحقيقات.

أكدت معلومات وتحريات إدارة البحث الجنائي بمديرية أمن القاهرة قيام موظف و4 أشخاص من بينهم سيدة يحملون جنسية أجنبية بالتنقيب غير المشروع عن الآثار داخل أحد العقارات بدائرة قسم شرطة السيدة زينب.

وعقب تقنين الإجراءات تم استهداف المتهمين وضبطهم حال قيامهم بأعمال الحفر، وبحوزتهم الأدوات المستخدمة في الحفر، وبمواجهتهم اعترفوا بارتكابهم الواقعة على النحو المشار إليه.

واتخذت الجهات المختصة الإجراءات القانونية اللازمة.

اقرأ أيضاً«تريلا» تصدم 5 سيارات ملاكي على الطريق الدائري بالقطامية

تصادم مروع بين 3 سيارات نقل على طريق الإسكندرية الصحراوي

مقالات مشابهة

  • صالون فاطمة العلياني يستضيف البروفيسور نضال الشمالي في سرد الرحلة والهوية
  • القبض على 4 مقيمين ظهروا في محتوى مرئي يتشاجرون في مكان عام .. فيديو
  • قصة احتجاج شاب مغربي فوق الخزان.. محاولة انتحار أم صرخة في وجه الإهمال؟
  • «حلم الثراء السريع».. حبس عصابة التنقيب عن الآثار في السيدة زينب
  • هل الجنة والنار موجودتان الآن؟.. أمين الفتوى يجيب
  • خسر نصف جسده وكسب قلبها.. قصة حب جندي تركي تهزّ مشاعر الأتراك ( فيديو)
  • محافظ أسيوط: تخريج 200 طفل ضمن برنامج صرخة لدمجهم في التعليم المجتمعي
  • منسيّو الوطن صرخة أهالي أطفال التوحد ومتلازمة داون
  • ملحمة وطنية احتفالًا بثورة 30 يونيو.. 3 عروض تشعل مسارح الأوبرا بروح الفخر والانتماء.. رئيس الأوبرا: الثقافة والفنون تجسيد لإرادة الشعب وجسر لبناء المستقبل
  • تعلن هيئ الأراضي م/ صنعاء أنه تقدمت اليها الأخت فاطمة القوطاري بطلب تسجيل بصيرة