الصناعة في عُمان.. ركيزة للتنويع الاقتصادي
تاريخ النشر: 15th, March 2025 GMT
د. هلال بن عبدالله الهنائي **
يشهد القطاع الصناعي في سلطنة عُمان تطورًا مُتسارعًا في ظل الجهود الحكومية الرامية إلى تنويع مصادر الدخل الوطني وتقليل الاعتماد على النفط، انسجامًا مع رؤية "عُمان 2040". وتلعب الصناعة دورًا محوريًا في تحقيق هذه الرؤية من خلال توفير فرص عمل، وتعزيز القيمة المضافة، ودعم الصادرات العُمانية.
وتعمل الهيئة العامة للمناطق الصناعية على توفير بيئة استثمارية جاذبة عبر تطوير المناطق الصناعية والمناطق الحرة، مثل مدائن، خزائن، والمناطق الحرة في صلالة وصحار والمزيونة. وتُوفر هذه المناطق بنية تحتية حديثة، وخدمات لوجستية متقدمة، ومزايا استثمارية تنافسية، مما يجعلها محركًا رئيسيًا لنمو القطاع الصناعي في السلطنة.
موقع استراتيجي يعزز الاستثمار
تمتلك عُمان موقعًا جغرافيًا فريدًا يربط بين الأسواق الآسيوية والإفريقية والأوروبية، مما يمنحها ميزة تنافسية في مجالي التصنيع والخدمات اللوجستية. ويعزز هذا الموقع من دور السلطنة كمركز تجاري إقليمي، خصوصًا مع وجود موانئ بحرية عالمية مثل ميناء صحار، ميناء الدقم، وميناء صلالة.
وتدعم شبكة الموانئ هذه الصناعات التحويلية والصناعات الثقيلة، حيث يتم استيراد المواد الخام بسهولة، وتصنيعها، ثم إعادة تصديرها للأسواق العالمية. ومن خلال مبادرات تطوير البنية التحتية، تسعى الحكومة إلى تحسين الربط بين المناطق الصناعية والموانئ، مما يسهم في خفض تكاليف الإنتاج وتعزيز تنافسية الصناعات العُمانية.
المناطق الصناعية في عُمان: محركات التنمية الاقتصادية
تُشرف الهيئة العامة للمناطق الصناعية على عدد من المناطق الصناعية والمناطق الحرة، والتي تتميز بتخصصها في قطاعات صناعية محددة وفقًا لمزايا كل منطقة.
• مدينة خزائن الاقتصادية: تُعد واحدة من أهم المشاريع المستقبلية في السلطنة، حيث توفر بنية تحتية متكاملة للصناعات الخفيفة والمتوسطة، بالإضافة إلى منطقة لوجستية متطورة تدعم حركة التجارة الداخلية والخارجية.
• المنطقة الحرة في صحار: تُركز على الصناعات الثقيلة مثل الصناعات المعدنية والبتروكيماوية، مستفيدةً من قربها من ميناء صحار الصناعي.
• المنطقة الحرة في صلالة: تشتهر بصناعات التعبئة والتغليف والصناعات الغذائية، إضافة إلى استثمارات في قطاعات الطاقة المتجددة.
• مدائن: تضم العديد من المناطق الصناعية مثل الرسيل، صحار، ريسوت، نزوى، وسمائل، وتدعم الصناعات التحويلية، والتقنية، والغذائية، إضافةً إلى الصناعات الصغيرة والمتوسطة.
دور الصناعة في تعزيز الاقتصاد الوطني
شهد القطاع الصناعي نموًا ملحوظًا خلال السنوات الأخيرة، إذ ارتفع الناتج الإجمالي للصناعات التحويلية بنسبة 10.1% في النصف الأول من عام 2024، ليصل إلى 1.868 مليار ريال عُماني.
ومن أبرز القطاعات الصناعية التي حققت تقدمًا كبيرًا:
• الصناعات البتروكيماوية والمعدنية: شهدت زيادة في الإنتاج نتيجة ارتفاع الطلب العالمي على المعادن والمواد الخام المكررة.
• الصناعات الغذائية والدوائية: توسعت بشكل ملحوظ لتلبية الطلب المحلي والعالمي، خصوصًا بعد الجائحة التي سلطت الضوء على أهمية تحقيق الأمن الغذائي والدوائي.
• الصناعات التقنية والإلكترونية: بدأت بعض الشركات العُمانية بالدخول في مجال تصنيع الإلكترونيات والمعدات الذكية، وهو توجه جديد يعزز من مكانة السلطنة في الاقتصاد الرقمي.
التحديات التي تواجه الصناعة العُمانية
على الرغم من التطورات الكبيرة التي يشهدها القطاع الصناعي، إلا أن هناك تحديات لا تزال بحاجة إلى حلول لضمان تحقيق نمو مستدام وزيادة القدرة التنافسية، ومن أبرزها:
1. ارتفاع تكاليف الإنتاج: تحتاج السلطنة إلى زيادة الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، لتقليل تكلفة الطاقة المستخدمة في المصانع.
2. التكامل بين الصناعات المحلية وسلاسل التوريد العالمية: حيث لا تزال بعض المصانع تعتمد على استيراد المواد الخام، مما يزيد من تكاليف التشغيل.
3. الحاجة إلى المزيد من الابتكار والتكنولوجيا: تعزيز الاستثمار في البحث والتطوير، واستخدام الذكاء الاصطناعي والروبوتات في عمليات التصنيع، سيعزز من تنافسية القطاع.
4. تطوير القدرات البشرية: على الرغم من وجود كوادر عمانية مؤهلة، إلا أن الحاجة إلى مزيد من التدريب والتأهيل المتخصص لا تزال قائمة لمواكبة التطورات الصناعية.
الحلول والمبادرات الحكومية لدعم القطاع الصناعي
تعمل الحكومة العُمانية على تنفيذ مجموعة من المبادرات لتحفيز القطاع الصناعي، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وزيادة مساهمة الصناعة في الناتج المحلي الإجمالي. ومن بين هذه المبادرات:
• الإعفاءات الضريبية والحوافز الاستثمارية: تقدم الحكومة مزايا مثل إعفاءات ضريبية على الشركات الصناعية لفترات تصل إلى 10 سنوات، وتسهيلات تمويلية لدعم المشاريع الناشئة.
• التحول نحو التصنيع الذكي: يتم تشجيع المصانع على تبني تقنيات الثورة الصناعية الرابعة مثل إنترنت الأشياء، والذكاء الاصطناعي، والطباعة ثلاثية الأبعاد.
• برنامج "صُنع في عُمان": الذي يهدف إلى تعزيز الوعي بأهمية دعم المنتجات الوطنية، والترويج لها في الأسواق المحلية والعالمية.
• الاستثمار في الطاقة المتجددة: تعمل الحكومة على إطلاق مشاريع جديدة للطاقة النظيفة، بهدف تزويد المصانع بالكهرباء بأسعار تنافسية، وتقليل الانبعاثات الكربونية.
دور الهيئة العامة للمناطق الصناعية في تعزيز النمو الصناعي
تضطلع الهيئة العامة للمناطق الصناعية بدور حيوي في دعم الصناعات العُمانية، من خلال توفير بيئة استثمارية متكاملة للمصانع، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وتسهيل عمليات الإنتاج والتصدير. ومن بين إنجازاتها:
• إطلاق مبادرات لدعم رواد الأعمال: تقديم حوافز مالية وإدارية لرواد الأعمال والشركات الناشئة في القطاع الصناعي.
• تطوير البنية التحتية الصناعية: من خلال إنشاء مجمعات صناعية حديثة، وتحسين شبكات النقل والاتصالات داخل المناطق الصناعية.
• تعزيز الاستدامة البيئية: عبر تشجيع المصانع على استخدام مصادر الطاقة النظيفة، وتحفيز الشركات على تبني ممارسات صديقة للبيئة.
نحو مستقبل صناعي أكثر تنافسية
تمثل المناطق الصناعية والموقع الاستراتيجي لعُمان عاملين أساسيين في تعزيز مكانتها كوجهة استثمارية إقليمية، لكن هناك حاجة إلى مزيد من التطوير في مجالات البنية التحتية، والاستدامة، والتكنولوجيا، لضمان تحقيق أقصى استفادة من هذه المزايا التنافسية.
ومع تنفيذ رؤية “عُمان 2040”، يُتوقع أن يشهد القطاع الصناعي نموًا متسارعًا، مدعومًا بالإصلاحات الاقتصادية، والاستثمارات الأجنبية، والتوجه نحو الصناعات المتقدمة، مما سيُسهم في تعزيز الاقتصاد الوطني، وتحقيق التنمية المستدامة، وتوفير فرص عمل جديدة للعُمانيين.
** رئيس مجلس إدارة جمعية الصناعيين العُمانية
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الإمارات وكوبا تبحثان تعزيز التعاون الاقتصادي والاستثماري
أبوظبي (الاتحاد)
عقدت وزارتا الاقتصاد والسياحة، والتجارة الخارجية والاستثمار الأجنبي في جمهورية كوبا، الدورة الأولى للجنة الاقتصادية المشتركة في دبي، بهدف تعزيز التعاون الاقتصادي في العديد من القطاعات والأنشطة ذات الاهتمام المشترك ومن بينها التجارة والاستثمار والطاقة والطاقة المتجددة والزراعة والأمن الغذائي والبنية التحتية والنقل والخدمات اللوجستية والصناعات الإبداعية والثقافية والصحة والسياحة والصناعات البيولوجية والدوائية، ودعم تنمية الشراكات التجارية على مستوى القطاعين الحكومي والخاص.
ويشهد التبادل التجاري غير النفطي بين الإمارات وكوبا نمواً متواصلاً، حيث بلغ أكثر من 39.1 مليون دولار في العام 2024، محققاً نمواً نسبته أكثر من 2% مقارنة بالعام 2023 و46.4% مقارنةً بالعام 2022، ونما التبادل التجاري غير النفطي بين الدولتين بنسبة 5.6% خلال الربع الأول من العام الحالي، مقارنةً بنفس الفترة من العام 2024، وأكثر من 25% مقارنة بالربع الرابع 2024، كما تعمل في الأسواق الإماراتية أكثر من 825 علامة تجارية كوبية حتى الآن.
وترأس اجتماع اللجنة عبدالله أحمد آل صالح، وكيل الوزارة، ومعالي كارلوس لويس خورخي مينديز، نائب أول وزير التجارة الخارجية والاستثمار الأجنبي في جمهورية كوبا، حيث تعد هذه اللجنة ضمن إحدى مخرجات اتفاقية التعاون التجاري والاقتصادي والفني الموقعة بين البلدين، وحضرها هزاع أحمد الكعبي، سفير دولة الإمارات لدى جمهورية كوبا، ونوربرتو إسكالونا كاريلو، سفير جمهورية كوبا لدى دولة الإمارات، وعدد من المسؤولين الحكوميين من الجانبين.
وأكد عبدالله آل صالح، أن العلاقات الثنائية بين دولة الإمارات وجمهورية كوبا تشهد تطوراً مستمراً في مختلف الصعد لاسيما الاقتصادية والتجارية، وذلك في ضوء الرؤية الاستشرافية لقيادتي البلدين الصديقين بتعزيز هذه العلاقات ودعهما لمزيد من النمو والازدهار، وبما يخدم المصالح المشتركة.
وقال: يُشكّل انعقاد الدورة الأولى للجنة الاقتصادية المشتركة بين البلدين، محطة مهمة لتعزيز العلاقات الاقتصادية والاستثمارية خلال المرحلة المقبلة، وتوسيع مجالات التعاون في مختلف القطاعات ذات الاهتمام المتبادل، ودعم التواصل بين مجتمعي الأعمال الإماراتي والكوبي، واستكشاف الفرص الواعدة في أسواق البلدين، بما يدعم تحقيق المستهدفات الوطنية لرؤية «نحن الإمارات 2031».
وتفصيلاً، اتفق الجانبان الإماراتي والكوبي خلال اجتماعهما على وضع إطار عمل مشترك لمتابعة تنفيذ كافة مخرجات اللجنة التي ترسم ملامح التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين خلال الفترة القادمة ودفعه لمزيد من النمو والازدهار، كما أكد الطرفان على تعزيز العمل الثنائي في تنظيم منتديات الأعمال والفعاليات الاقتصادية المشتركة وتبادل الوفود التجارية، لخلق فرص جديدة تدعم العلاقات التجارية المتنامية بين البلدين.
وأكد الجانبان على تسهيل زيادة التدفقات التجارية والأنشطة الاستثمارية بين مجتمعي الأعمال الإماراتي والكوبي، بما في ذلك استكشاف الفرص في قطاعات اقتصادية متقدمة، مثل التكنولوجيا الحيوية والخدمات الصحية والطاقة المتجددة والسياحة والزراعة والتصنيع، وغيرها، وكذلك تم اقتراح استضافة اجتماعات وندوات وورش عمل مشتركة تضم مستثمرين ووكالات ترويج الاستثمار وشركات استثمارية لتعزيز ممكنات الاستثمار في القطاعات ذات الأولوية والاستفادة من الحوافز والمزايا التي تتمتع بها أسواق البلدين.
وشدد الطرفان على أهمية تعزيز التعاون الاقتصادي في إقامة شراكات جديدة بقطاع ريادة الأعمال والشركات الناشئة، وذلك بهدف تسريع نمو أعمال المشاريع الصغيرة والمتوسطة في البلدين وزيادة استثماراتها ودعم صادراتها للوصول إلى الأسواق الخارجية، بما يسهم في زيادة نسبة مساهمة المشاريع الصغيرة والمتوسطة في الناتج المحلي للبلدين.
وأبدى الطرفان اهتماماً كبيراً بتعزيز التعاون المشترك في مجالي الأمن الغذائي والزراعة وذلك من خلال زيادة التبادل التجاري في السلع الغذائية والمنتجات الزراعية، مع دعم العمل الثنائي من أجل تحديد مجالات محددة للتعاون خلال الفترة القادمة مثل الممارسات الزراعية المستدامة وتصنيع الأغذية والتكنولوجيا الزراعية.
وأشار الجانبان الإماراتي والكوبي إلى أهمية تنظيم معارض وفعاليات ومؤتمرات سياحية مشتركة خلال المرحلة المقبلة من شأنها الترويج لأبرز المعالم السياحية والتاريخية في البلدين، وكذلك تشجيع تبادل الخبرات والمعلومات في مجالات الموارد السياحية، وجمع البيانات للإحصاءات السياحية، والابتكارات والتقنيات الرقمية المتعلقة بالقطاع السياحي.