كتب / أزال عمر الجاوي

 

منذ اللحظة التي قررت فيها إدارة ترامب التورط في العدوان على اليمن، كان واضحًا أن الحسابات السياسية والاستراتيجية لم تكن نابعة فقط من رغبة ترامب في فرض رؤيته على المنطقة، بل كانت هناك أيادٍ أخرى تدفع بهذا الاتجاه، كلٌّ لأسباب خاصة. لم يكن القرار ضمن خطط استراتيجية أمريكية واضحة، بل كان مزيجًا بين نزوة انفعالية لاستعراض القوة ومحاولة لإظهار الولاء لإسرائيل وايضاً نتيجة لضغوط ومصالح متشابكة، توافقت جميعها على توريط ترامب في مستنقع لا يستطيع الخروج منه دون إصابات قاتلة لمشاريعه وأطروحاته السياسية.

 

أطراف تدفع نحو الفخ:

 

1. الدولة العميقة في أمريكا

اللوبيات الكبرى وصناع القرار الحقيقيون في واشنطن لم يكونوا مرتاحين لفكرة “التغيير الفوضوي” الذي جاء به ترامب، ومحاولته تفكيك النظام التقليدي الذي تستفيد منه هذه القوى. ولأن الإطاحة به مباشرة كانت خيارًا صعبًا، فقد كان من مصلحتهم أن يُجرّ إلى حرب عبثية تستنزف طموحاته وتفقده السيطرة على ملفات السياسة الخارجية، ليبقى مجرد رئيس عابر محاصر بالفشل.

 

2. كندا والمكسيك

باعتبارهما من أكثر الدول التي تأثرت بسياسات ترامب الاقتصادية، خصوصًا بعد إعادة التفاوض حول اتفاقيات التجارة وفرض التعريفات الجمركية الباهظة، لم تكن خسارته في حرب خارجية أمرًا سيئًا بالنسبة لهما. كلما انشغل ترامب بملف شائك ومعقد، قلت قدرته على فرض إرادته داخليًا، مما يمنحهما هامشًا أكبر للمناورة والتملص من ضغوطه الاقتصادية.

 

3. أوروبا

العواصم الأوروبية، التي رأت في ترامب تهديدًا مباشرًا لمصالحها بسبب سياساته العدوانية والابتزازية تجاه الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، كانت تدرك أن تورطه في حرب غير محسوبة في اليمن سيضعفه دبلوماسيًا وسياسيًا واقتصاديًا، مما يمنحها فرصة لإعادة ترتيب أوراقها في مواجهة الضغوط الأمريكية.

 

4. روسيا

موسكو، التي لطالما استفادت من المغامرات العسكرية الأمريكية الفاشلة، ستجد في تورط ترامب في حرب جديدة فرصة ذهبية. كلما غرقت أمريكا في مستنقع جديد، كلما ساعد ذلك في حسم صراعها في أوكرانيا، وازداد النفوذ الروسي عالميًا، تمامًا كما حدث بعد الغزو الأمريكي الفاشل للعراق وأفغانستان، حيث كانت بدايات ضعف النفوذ الأمريكي وفتحت الأبواب أمام روسيا لفرض رؤيتها على المسرح الدولي ضمن عالم متعدد الأقطاب تسعى لإيجاده.

 

5. الصين

في ظل الحرب التجارية التي يهدد ترامب بشنها على بكين، لم تكن الصين بحاجة إلا إلى مزيد من الوقت لتقوية اقتصادها والاستعداد لمواجهة الضغط الأمريكي. حرب طويلة ومكلفة في اليمن تعني انشغال واشنطن وتراجع قدرتها على فرض عقوبات أو ممارسة ضغوط اقتصادية فعالة، كما أن استنزاف أمريكا في الشرق الأوسط سيؤدي إلى تراجع هيبتها ونفوذها هناك لصالح بكين، التي تطرح نفسها كبديل واقعي صاعد في المنطقة.

 

6. السعودية

على الرغم من أنها ليست شريكًا علنيًا في العدوان، إلا أن الرياض لم تكن تمانع أن يُستنزف ترامب في هذه الحرب، فبذلك تبقى أمريكا بحاجة دائمة إليها. كما أن ذلك يساعدها على التملص من الضغوط الأمريكية في ملفات أخرى تحت ذريعة خوفها من ردود أفعال صنعاء التي تعجز أمريكا عن ترويضها. كلما تعثرت أمريكا في اليمن، زادت حاجة واشنطن للحليف السعودي، مما يمنح الرياض مساحة أكبر للمناورة والابتزاز.

 

7. المرتزقة المحليون

 

القوى الداخلية، التي ارتبطت بمشاريع خارجية، رأت في الحرب فرصة لإدامة نفوذها، حتى لو كان الثمن هو استمرار الأزمة وإطالة أمدها على حساب الشعب اليمني. هذه القوى لم تكن تبحث عن نصر حاسم، بل عن حالة مستمرة من الفوضى، تسمح لها باللعب على التناقضات والاستمرار في الاستفادة من الدعم الخارجي.

 

حرب بلا نصر.. وفخ بلا مخرج

 

ما لم يدركه ترامب هو أن اليمن ليست ساحة سهلة لتحقيق نصر سريع، بل هي مقبرة لكل من يغامر بالعدوان عليها. فبدلًا من تحقيق أهدافه، سيجد نفسه محاصرًا بضغوط داخلية وخارجية، وعاجزًا عن تقديم انتصار يُسوّقه لشعبه. كانت حرب اليمن، بالنسبة لخصومه، الطريقة المثلى لتقليم أظافره وإضعاف مشروعه السياسي.

 

ختامًا: من يضحك أخيرًا؟

 

ما بدأ كمحاولة لاستعراض القوة، سيتحول حتمًا إلى ورطة استراتيجية لترامب، حيث سيجد نفسه في مواجهة خصومه في الداخل والخارج، بينما سيظل اليمن صامدًا، لأنه ليس لديه ما يخسره في هذه المواجهة. بل على العكس، فإن مواجهة العدوان وكسر معادلاته على الأرض سيعزز من نفوذ اليمن ومكانته على المستوى الإقليمي والدولي. وفي النهاية، سيكتشف ترامب أنه كان يناطح جبلًا، وكلما نطح بقوة أكبر، تكسر رأسه اكثر..

 

من حساب الأستاذ أزال عمر الجاوي على منصة x

المصدر: موقع حيروت الإخباري

كلمات دلالية: ترامب فی لم تکن

إقرأ أيضاً:

ترامب يدافع عن قراره: لوس أنجلوس كانت ستمحى تماما

قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الإثنين، إن قرار إرسال الحرس الوطني للتعامل مع العنف والشغب والتحريض في كاليفورنيا "عظيم".

وذكر ترامب، في تغريدة على منصة "تروث سوشيال": "لقد اتخذنا قرارا عظيما بإرسال الحرس الوطني للتعامل مع أعمال الشغب العنيفة والمُحرَّضة في كاليفورنيا".

وأضاف: "لو لم نفعل ذلك، لكانت لوس أنجلوس قد مُحيت تماما".

وتابع: "كان ينبغي على "الحاكم" غافن نيوسوم، و"العمدة" كارين باس، غير الكفؤين، أن يقولا: "شكرا لك، أيها الرئيس ترامب، أنت رائع حقا. ما كنا لنكون شيئا بدونك يا سيدي".

وأكمل ترامب: "بدلا من ذلك، اختارا الكذب على شعب كاليفورنيا وأميركا بالقول إننا لسنا بحاجة إليهم، وأن هذه "احتجاجات سلمية".

وأوضح الرئيس الأميركي: "نظرة واحدة على صور ومقاطع فيديو العنف والدمار تُخبرك بكل ما تحتاج لمعرفته".

وختم بالقول: "سنبذل دائما ما يلزم للحفاظ على سلامة مواطنينا، حتى نتمكن معا من جعل أميركا عظيمة مرة أخرى!"

مقالات مشابهة

  • الخطة الجديدة المدعومة من أمريكا لمساعدات غزة ولماذا ترفضها الأمم المتحدة؟
  • ترامب: لوس أنجلوس كانت ستحترق بالكامل إذا لم نرسل قوات
  • ترامب يدافع عن قراره: لوس أنجلوس كانت ستمحى تماما
  • بدء سريان قرار حظر دخول مواطني 12 دولة الى أمريكا بينها اليمن
  • الغاء المباراة الودية بين منتخبي تونس وجمهورية إفريقيا الوسطى التي كانت ستلعب بالدار البيضاء
  • بن حبتور: التحديات التي تواجه اليمن جعلت اليمنيين يقفون خلف قائد الثورة
  • بحرية الصين تؤكد تعلمها من الدروس التي تجرعها الأمريكان على يد اليمن في البحر الأحمر
  • والدة جندي إسرائيلي قتيل : جثة ابني تلاشت وكذلك القوة التي كانت معه
  • والدة جندي إسرائيلي قتل بكمين خان يونس: جثة ابني تلاشت وكذلك القوة التي كانت معه
  • من المستفيد من عرقلة السلام في اليمن