كان كلام وزير الخارجية الأمريكي، مغايرًا للواقع، ومجافيًا للحقيقة، ويدل على استقائهم للمعلومات مِن أكذب المصادِر والجهات، وآمل أن تصل رسالتي للوزير ومن ورائه، ليأخذوا الكلام مِن محله، وينظروا في المعلومات الصحيحة:
أولًا: يجب أن تعلَم أننا في اليمن نعيشُ في ظروفٍ صعبة، لكن الفَجرَ لا يبزغُ إلا بعدَ أشد الظلام، واليابان خرجت من تحت الركام، ومن بين بيوت الصَّفيح، لتُصبح اليوم رقمًا يعرفه العالم، والجمجمة التي لدى الياباني والصيني والروسي؛ صانعها واحد، وستُبدع أي جمجمة؛ حالما تتحرر مِن العبودية لكم، وتعتمدُ على من صنعها، وأودع سره فيها.
ثانيًا: “الحوثيون” كأسرة، لا يتجاوز عددهم المئات، لكنَّهم كفِكرة ومبادئ ومَسِيرة يتجاوزون الثلاثين مليونًا في اليمن، وأضعاف هذا الرقم خارجه.
ثالثًا: “إيران لم تخلق هذا الوحش الحوثي”، بل خلق هذا الوحش؛ توحشكم في فلسطين والعراق وأفغانستان وليبيا والصومال… وكل بلد إسلامي سيكون مثل اليمن؛ حينما يمتلك قيادة تُعبر عن إسلامه، وأما إيران فبلد صديق عزيز كريم، كأي بلدٍ آخر، إلا أنها تتشارك مع اليمن في المبادئ والقِيَم.
رابعًا: قائد اليمن، ليس كالقادة الذين تتعاملون معهم، لا همَّ لهم إلا الكراسي، قائدنا لا يريد مُلكا ولا مالاً ولا جاهًا ولا دنيا زائلة، وخلافكم معه حاليا، أو بالأصح مع (ثلاثين مليون يمني يقودهم)؛ هو قضية فلسطين وظلمها وقتلها وحصارها وتجويعها (فقط).
خامسًا: حروبكم على اليمن منذ 2004م وحتى اليوم، على يد عميل تلو عميل؛ هي من أخرجَت هذه الطائرات المُسيَّرة، والصواريخ العابرة، وكما أن الحاجَة أم الاختراع، فالدفاع عن النفس أبو الإبداع.
سادسًا: لم تسلكوا يومًا طريق السلام، وإنما تريدون إخضاع العالَم بالسلاح، ودعمُكم المستمر لإسرائيل هو آخر دليل، ولهذا ستجدون اليوم وغدا من يواجهكم بنفس الآلة.
سابعًا: لأنكم تستقون معلوماتكم من عملاء الفنادق، فالنتائج دائما تكون خاطئة، ولكم أن تعلموا أن (أنصار الله) هم الدولة الحقيقية التي تمثل اليمن بثلاثة أرباع عدد سكانه، وبحكومة واحدة، وقيادة موحدة، وبرلمان، ومؤسسات، وليس الهياكل الثمانية المهترئة الممزقة المتخاصمة العاشقة للفنادق.
ثامنًا: “تدعون أن قصفكم لليمن هو قصف للحوثيين”، وهذه كذبة ومغالطة قبيحة، فماذا يعني قصف المنازل والمصانع والمطار والميناء، وقتل المئات من أبناء اليمن؟!
تاسعًا: مطلب اليمن العزيز ليس صعبًا ولا مستحيلا، وهو التوقف عن إبادة غزة وقتل أهلها وقصف المقصوف وحرق المحروق وطحن المهدم… وحينها ستمر سفنكم بسلام ودون ذلك فقد فتحتم على أنفسكم أبواب الجحيم.
عاشرًا: توقفوا عن الاستخفاف بخصمكم، واستصغار حجمه، والتقليل من عتاده وعدته، ونسبته إلى غيره، وافتحوا أعينكم على مئات الساحات، التي تخرج بسلاحها وأعدادها بالملايين، لمجرد إشارة من قائد اليمن الكبير.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
الإدارة التي تقيس كل شيء.. ولا تُدرك شيئًا
خالد بن حمد الرواحي
حين يصبح القياس هدفًا لا وسيلة أمام لوحةٍ إلكترونية مزدحمة بالأرقام والألوان، يقف مديرٌ يراقب مؤشرات خضراء ونسب إنجاز مرتفعة وتقارير أسبوعية محكمة. كل شيء يبدو متقنًا على الشاشة، فتعلو ابتسامة اطمئنان على وجهه. لكن حين يغادر مكتبه إلى الميدان، يكتشف صورةً أخرى: معاملات متأخرة، موظفين مرهقين، ومراجعين ينتظرون أكثر مما ينبغي. هناك فجوة صامتة بين ما تعرضه المؤشرات وما يعيشه الواقع؛ فجوة تختبئ خلف الأرقام وتُخفي الحقيقة بدلًا من أن تكشفها.
لم تكن المشكلة في الأرقام، بل في الطريقة التي صارت تُستخدم بها. فالمؤشرات التي صُمِّمت لتكون بوصلةً للتطوير تحوّلت تدريجيًا إلى غايةٍ في ذاتها. صار همُّ بعض المؤسسات أن ترفع النسب وتُحسّن الرسوم البيانية، لا أن تُصلح المسار أو تُشخِّص الخلل. وهكذا، تزداد الأشرطة الخضراء بينما تتراكم الشكاوى، وتُكتب تقارير النجاح في الوقت الذي يشعر فيه الناس أن شيئًا لم يتغيّر.
وفي أحد الاجتماعات، عُرض تقريرٌ يوضح أن المؤسسة عقدت خلال شهرٍ واحد 42 اجتماعًا مقارنةً بـ18 في الشهر الذي سبقه، فصفّق الحاضرون. لكن السؤال الذي لم يُطرح كان: ماذا تغيّر بعد كل تلك الاجتماعات؟ فزيادة اللقاءات لا تعني زيادة الفهم، وكثرة المؤشرات لا تعني تحسّن الأداء. ما يُقاس غالبًا ليس النتائج، بل النشاط؛ لا الأثر، بل الجهد المبذول.
السبب في هذا الانفصال بين الصورة الرقمية والواقع العملي أننا نقيس ما هو سهل لا ما هو مهم. فعدد الاجتماعات أسهل من قياس جودة القرار، وعدد المعاملات أسهل من فهم تجربة المستفيد. ولأن الأسهل يتغلب على الأهم، تمتلئ التقارير بالأرقام التي يمكن جمعها بسرعة، لكنها لا تشرح شيئًا عمّا يجري حقًا. إنها أرقام بلا روح؛ تصف النشاط بحماس، لكنها تصمت حين يُسأل عن المعنى والغاية.
ومع مرور الوقت، تنشأ حالة من الرضا الزائف، فيظن المسؤول أن الإنجاز متحقق لأن المؤشرات خضراء، بينما يشعر الموظف والمستفيد أن الواقع لا يتحرك. وهنا تكمن أخطر مشكلة: فالفجوة بين الشعور بالنجاح وتحقيقه فعليًا قد تبتلع أعوامًا من الجهد دون نتيجة، لأننا اكتفينا بقراءة الأرقام دون قراءة الحياة داخلها.
الحل لا يحتاج إلى ثورة في الأنظمة، بل إلى مراجعة في الفهم. فالمؤشرات ليست خصمًا، بل أداة حين تُستخدم بحكمة. المطلوب العودة إلى السؤال الجوهري: ماذا نريد أن نفهم؟ هل نبحث عن زيادة الأرقام أم عن تحسين الواقع؟ حين يكون الهدف واضحًا، يصبح القياس تابعًا له لا متقدمًا عليه.
ولعل الخطوة الأولى تبدأ بتقليل الأرقام لا زيادتها. فبدل عشرات المؤشرات التي تشتت الانتباه، يكفي اختيار خمسة مؤشرات تمسّ جوهر الأداء، مثل رضا المستفيد، ووقت إنجاز الخدمة، وجودة القرار، ومستوى التعاون بين فرق العمل. ومع الوقت، يتحوّل القياس من سباقٍ لملء الجداول إلى ممارسةٍ للتعلّم والتحسين، تُحرّر المؤسسة من عبء الشكل وتعيدها إلى روح العمل.
وفي سياق التحول الرقمي الذي تتبناه «رؤية عُمان 2040»، لا تكفي الشاشات الذكية ما لم تُترجم بياناتها إلى قرارات تُحسّن تجربة المواطن وترفع كفاءة الجهاز الإداري. فالرؤية لا تدعو إلى مزيدٍ من المؤشرات بقدر ما تدعو إلى حوكمةٍ أفضل للبيانات وربطها بما يعيشه الناس، حتى يصبح كل رقم خطوةً ملموسة على طريق التغيير، لا مجرد قيمة تُضاف إلى ملف العرض.
في نهاية المطاف، لا تُقاس المؤسسات بعدد الشرائح في العروض، ولا بكثرة المؤشرات التي تتلوّن بالأخضر، بل بما يتغيّر في حياة الناس. فالأرقام قد تمنح شعورًا بالنجاح، لكنها لا تصنع النجاح ذاته إلا إذا رافقها فهمٌ لما وراءها. وحين نضع الواقع قبل الرسم البياني، ونبحث عن الأثر قبل النسبة، يصبح القياس أداةً للتطوير لا غايةً للتزيين. وعندها فقط، تصبح المؤشرات شاهدةً على التقدم لا ستارًا يخفي هشاشة الإنجاز.