تسيطر حالة من الحزن والألم على آلاف الأسر  المصرية، بفعل استمرار تغييب أبنائها من الأطفال خلف القضبان، لا لجرم ارتكبوه سوى أنهم مصنفين كأبناء معارضين للنظام.

ويتجدد ألم الفقد لدى أسر مصرية مكلومة ومفجوعة بتغييب أبنائها من الأطفال خلف القضبان، خصوصا في هذا الوقت الذي تميزه التجمعات العائلية بالشهر الفضيل.



ومنذ الانقلاب العسكري الذي قاده رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي في الثالث من حزيران / يوليو 2023 على الرئيس المنتخب الراحل محمد مرسي، جُرّد آلاف الأطفال من طفولتهم، وتحولوا إمام إلى سجناء مذنبين بتهم واهية لا سند لها، أو مشردين في بلاد المهجر، ليخوضوا معاناة جديدة عنوانها التيه والضياع. 

لقد هؤلاء الأطفال سواء من هو داخل السجون أو من فر وهرب خارج البلاد حقوقهم في التعليم وأصبحوا يواجهون مصير ومستقبل غامض، وسط تحديات وتعنت إدارات السجون المصرية لاستكمال تعليمهم أو تحديات الغربة وصعوبات استكمال حياتهم في الخارج بمفردهم، في وقت يعيش من في أبناء سنهم حياة مختلفة مليئة بالطموح والمال بمستقبل مشرق وأفضل.

 وبحسب منظمات حقوقية يعاني الأطفال في معتقلات النظام المصري انتهاكات عديدة كقرائنهم من المعتقلين السياسيين، فمنهم من عذّب وحرم من العلاج والزيارات بالإضافة لحرمانهم من التعليم.



اعترافات وهمية
ويروي المعتقل السابق محمد سعيد في لقاءه مع "عربي21" أنه تم اعتقال أكثر من مرة أولها عندما اقتحم منزله من قوات الأمن في عام 2014 في سن 17 عام، وتم اعتقاله ووضعه مع السجناء الجنائيين.

وأضاف سعيد أنه أجبر على الاعتراف بجرائم لم يرتكبها، وكان مجبرا تحت الضغط أن يروي تفاصيل اعترافه حتى لو بشكل وهمي.

وأخبر سعيد أن أحد الأطفال الذين قابلهم في زنزانته، اضطر تحت الضغط والتعذيب للاعتراف بتهمة قتل الضابط الذي يحقق معه.


قال سعيد في حديثه، إنه وبعد سنوات الاعتقال خرج ليلقي نفسه مطاردا، ومعرضا للاعتقال من جديد وتحولت حياته من مجرد طفل يستكمل تعليمه وحياته، لمتهم تطارده قوات أمن النظام، ما أجبره للمجازفة والخروج بشكل غير شرعي عبر الحدود إلى السودان.

محمد قرر أن يواجه مصيره إما الموت أو النجاة من السجان، ليهرب عبر الحدود بمفرده، وليواجه مصيرا مجهولا، ولا يعلم ما ينتظره.

ولكن بعد سنوات من المعاناة في الغربة أصبح محمد أفضل حظا من رفقاءه بعد أن نجح في استكمال  تعليمية من إحدى الجامعات الكورية الجنوبية والحصول على اللجوء السياسي.

وعلى عكس محمد سعيد الذي قاده القدر لتحقيق بعض النجاحات ليعوض سنوات المعاناة، اصطدم الشاب المعتقل السابق أحمد على بأوضاع أكثر صعوبة، ليظل حتى هذه اللحظات دون تعليم أو استقرار في حياته.

"كسرة نفس"
كشف أحمد خلال لقاءه مع "عربي21" عن معاناته بداية من اعتقاله وتعامل قوات الأمن معه كطفل لا يتعدى الـ 13 عام، كان كل ذنبه أنه ولد وفتحت عيناه على مشاهد ميدان التحرير خلال ثورة يناير حين اصطحبته والدته معها هناك، ليجد نفسه بشكل تلقائي يرفض الانقلاب العسكري بكل مظاهره من ظلم وقتل واعتقال.

أحمد لم يكن يعلم أنه سيدفع ضريبة تعلقه بالحرية من حريته هو ليجد نفسه مقبوض عليه من رجال الشرطة في محاولات لكسر إرادته، بالإهانة والضرب والتعذيب والسباب، في "زنزانة" ملئت بالمياه حتى لا يستطيع النوم أو الجلوس، وجدران تشبعت بالرطوبة فلا يستطع حتى "سند ظهره" عليها.

ذكر أحمد أنه بعد الخروج من المعتقل تاركا خلفه رفقاء مازالوا رهن الاعتقال حتى تلك اللحظات، قرر أن يواجه مصيره هو الأخر في غربة لا يعلم بدايتها من نهايتها.

خطط أحمد في البداية للخروج من مصر كونه لا يستطيع العيش في البلد بعد أن فقد مستقبله وسط مطاردات واعتقال وقتل فقرر الرحيل والسفر إلى المجهول، ليصطدم بواقع لم في حسبانه.

انخرط أحمد منذ الساعات الأولي في غربته في عمل شاق لمحاولة تدبير قوت يوميه، كما واجه العديد من التحديات التي عاقت تقنين أوضاعه في بلاد المهجر رفقة شقيقه، الأمر الذي يعرضهم للاحتجاز والترحيل ومواجهة المصير المحتوم الذي هرب منه في مصر.

انحرافات فكرية
ولا تقف معاناة الأطفال في سجون النظام أو أولئك المهجرين خارج البلاد، عند هذا الحد فقط، بل إن مخاطر ومعاناة كبيرة تواجههم أيضا، فقد تحدث الإعلامي المصري مسعد البربري عن معاناة الأطفال داخل السجون، فالطفل الذي يتم اعتقاله، يجد نفسه مع مرور السنين قد تخطى سن الـ18، وبحسب القانون لابد أن ينقل إلى سجن مع كبار السن والجنائيين، وهنا يصطدم بمعاناة جديدة أكبر من سنّه ومن إدراكه.

ويروي البربري وهو شاهد عيان عاش هذه التجربة، أن الحياة في السجون مختلفة قائلا "في السجون فيه ما يُسمى بـ"غرف الإيراد" وأي سجين جديد بيجي إلى السجن يدخل إلى زنازين الإيراد وفي الغالب لا يتم الفصل فيها ما بين السجين السياسي والسجين الجنائي، وبالتالي طفل صغير 18 سنة وأيام معدودة يجد نفسه بغرفة مليئة بالمساجين ما بين معتقلين سياسيين ومساجين جنائيين بغرفة يزيد عدد الأفراد فيها عن 45 فرد أو 50 وممكن تصل إلى 60 فرد أحيانا".


وتساءل الإعلامي المصري قائلا "تخيّل أنت طفل صغير بهذا السن يتعامل مع 60 شخص حوله بعضهم يفتقد أدنى الشعور بأنه إنسان بسبب طول فترة حبسه كمعتقل جنائي، منهم من يتناول المخدرات والسجائر وكذلك متهم بجرائم قتل وسرقة وسطو مسلح وغيرها.

وتابع البربري أن الطفل يجد نفسه أمام منظومة من انتهاك القيم والثوابت اللي تربى عليها في بيته خصوصا عندما يكون الطفل جاء على خلفية اعتقال سياسي أو قادم من بيئة وبيت مختلف تماما عما يجده في السجن فكريا وماديا".

وأشار البريري إلى أن "الأطفال عند دخولهم السجون يحرمون من حياتهم التعليمية خارج السجن ودروس خصوصية وكتب وملخصات وغرف مجهزة للمذاكرة بشكل مستقل وأم تخدّم عليه طوال الوقت ويجد نفسه بزنزانة فيها 27 أو 28 شخص معتقل ولا ينطفئ فيها النور لا ليلا ولا نهارا، وكل سجين بطباع وبتصرفات مختلفة في ظل أنه مطلوب منه أن يذاكر ويجتهد وينجح مع عدم توفير الكتب وأدوات الدراسة من الأساس".

وتذكر البربري إحدى الحالات من هؤلاء الأطفال في سجن 440 وادي النطرون أنه ظل لفترة طويلة من الوقت حتى يتمكنوا في الزنزانة من تدريبه على التأقلم مع حياة السجن ودخول الحمام أثناء اليوم الطبيعي، مؤكد أن الطفل كان لا يستطيع دخول الحمام الذي هو عبارة عن مكان ضيق وبابه عبارة عن ستارة، وبالتالي كان لا يقضي حاجته ولا يدخل الحمام للاستحمام أو غيره إلا في وقت التريّض.

وأكد الإعلامي المصري أنهم داخل السجن وجدوا صعوبة كبيرة للحفاظ على اتزان الأطفال فكريا ومجتمعيا فمنهم من كان يتأثر بأفكار الجنائيين ويتعلم منهم ويبدأ يتطبع بطباعهم ومنهم من يتجه نحو الاتجاهات الفكرية الأخرى والمتطرفة.

معاناة الأهالي " نفسنا نقضي رمضان مع بعض"

المعاناة لم تقتصر على الأطفال داخل السجون بل تشارك فيها الأهالي التي أرقها القلق على أبنائهم دون معرفة أين هم وماذا يفعلون وكيف سيخرجون من سجنهم بعد سنوات من التعامل مع الجنائيين.

ومن جانبها روت إيناس إسماعيل والدة أحد الأطفال المعتقلين  معاناتها خلال لقائها مع "عربي21" حيث أكدت أنها كانت فترة عصيبة لا تعلم شيء عن أبنها كيف يعيش وكيف ينام بعد خروجه وأصبحت المطاردات كابوس جديدة يطاره الأسرة بأكملها.


وأضاف إسماعيل أنها بعد المطاردات والخطورة التي وجدتها على حياة ابنها اضطرت للرضوخ لفكرة السفر والغربة، وأن يتحمل الطفل مصيرة بنفسه وأصبح كل ألمها الآن انها تتجمع معه على إفطار رمضان أو يجمعهما فرحة عيد.

"اختفاء قسري منذ 5 سنوات"
في السياق ذاته قال محمد صلاح شقيق أحد المعتقلين أنه أسرته تعاني منذ سنوات حيث اعتقل شقيقه مريتن الأولي كانت في دار الأحداث تعرض خلالها للانتهاكات والتعذيب والضرب التحرش الجنسي واللفظي من ضباط دار رعاية الأحداث.

ولكن بعد خروجه وبدء تركيزه على مستقبلة فوجئت الأسرة باعتقاله من جديد واخفاءه قسرا منذ أكثر من 5 سنوات ولا تعلم عنه شيء.

صلاح أكد أن والدته تعاني من فراق شقيقه وتكاد تموت في اليوم ألف مرة لعدم معرفة مصير نجلها، خاصة أنه ليس لديها القدرة للاطمئنان عليه، وأصبح كل ما تتمناه الأسرة أن تعرف مصيره هل هو حي أم توفي.

وأضاف صلاح أن الأسرة كانت تعاني في فترة الاعتقال الأولي بداية من تجهيز الزيارات وتكلفتها المادية لمشقة الذهاب إلى مقر الاعتقال والسفر لساعات وفى النهاية تتعرض للمعاملة غير آدمية من الضباط الصف اثناء الزيارة وسرقة محتويات الزيارة وغيرها من الانتهاكات.

انتهاكات لم تحدث من قبل
من جانبه أكد مدير مركز الشهاب لحقوق الإنسان خلف بيومي في لقاء خاص مع "عربي21" أن النظام المصري يعتقل أكبر ما4000 طفل قاصر منذ الانقلاب العسكري، فقدوا حقوقهم في التعليم والقضاء العادل الذي حاكمهم أمام محاكم جنائية.

وأضاف مدير مؤسسة الشهاب لحقوق الإنسان أنه لم يتم رصد استهداف الأطفال في العقود السابقة كالعهد الناصري ولا في عهد السادات، حتى في ظل انتهاكات حكم مبارك خلال 30 سنة، لم يتم التعرض وانتهاك حقوق الأطفال ولم يكن هناك استهداف ممنهج وواسع النطاق للأطفال.

وتابع بيومي القول أن المشكلة في مصر ليست في القانون كون مصر دولة لديها قانون منذ الأزل إنما المشكلة بالإدارة السياسية التي توقف تطبيق القانون لان هناك العديد من الضوابط منها:

الأول: عدم جواز حبس الطفل مع البالغين
الثاني: عدم جواز سؤال الطفل أو استجوابه إلا أمام نيابة خاصة به
تسمى "نيابة الأحداث" وعدم جواز محاكمة الطفل إلا أمام محكمة خاصة به
تسمى "محكمة الأحداث"
الثالث عدم جواز احتجاز الطفل إلا بأماكن مخصصة له اللي هي "مؤسسة الرعاية"

وأكد مدير مركز الشهاب لحقوق الإنسان ما يقرب من 4000 طفل تم استهدافهم بمجموعة من انتهاكات عديدة، بداية من القبض والإخفاء القسري والاحتجاز في أماكن غير آدمية، والاحتجاز مع بالغين والمنع من حضور الامتحانات، والمنع من تمكينهم من تحصيل الدروس ثم بعد ذلك يعني إحالة البعض منهم إلى محاكم واستصدار أحكام من دوائر جنائية غير مختصة استثنائية كل هذا يجعل ملف الأطفال في مصر من ضمن الملفات سيئة السمعة.



وأضاف بيومي أن المادة 119 من قانون الطفل رقم 126 سنة 2008 تحدثت عن عدم جواز حبس الأطفال مع البالغين وهذه ضمانة غير طبيعية حتى لا يتأثر الطفل بمجالسة بعض البالغين خاصة أن أغلبهم يكون قد ارتكب جرائم معينة مخدرات أو سطو مسلّح أو سرقة بالإكراه هذه الأمور تؤثر سلبا على الطفل قائلا "إذا كنا نتكلم عن الحجز مع البالغين والضرب التعسفي فالناس اتضربت! اتسحلت! ضرب غير طبيعي"

وعلى جانب أخر قال بيومي أن هناك ملف أخر لا يقل أهمية هو "الإهمال الطبي" مستشهدا بحالة الطفل المعتقل الراحل "مهند إيهاب" الذي تم القبض عليه بشهر أيار / مايو من 2015 وتفاجئ الجميع تغيرات على صحته وبدأت بالتدهور وأصيب الولد عنده سرطان ورفض السلطات السماع لمنظمات حقوق الإنسان التي طالب بخروج الطفل الذي بالفعل توفي بعد خروجه بشهر عام 2016



اعتقال البنات

وعلى جانب آخر قالت المتحدثة عن قسم المرأة المصرية بمؤسسة حواء الدولية آيات الخزرجي، أن الأمر لم يكن مرتبط الأطفال الذكور فقط، بال تعرضت البنات للضرب وللمعاملة قاسية وتكبيل الأيدي وكل هذا أمام المارّة في الشارع

وأضاف الخزرجي أن البنات دخلوا المعتقلات محملين أحلام الجامعة الزواج وتكوين الأسرة ولكنهن فقدوا ذلك وحرموا من الأبوين ومنهم من اختفي قسرا في ظروف احتجاز لا يعلمها أحد حتى الان.

الملف المصري في الأمم المتحدة

ومؤخرا أكد الاستعراض الدوري للجنة حقوق الطفل التابعة للأمم المتحدة حول الملف المصري، أن النظام المصري أخفق في الالتزام بالعديد من بنود اتفاقية حقوق الطفل، وأن الطفولة في مصر يُعصف بها في ظل انتهاكات متوالية تطال حرية الأطفال وتحرمهم من الحرية، وتعرضهم للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة اللاإنسانية والمهينة أثناء الاحتجاز.

وتبنت لجنة حقوق الطفل في توصياتها العديد من النقاط التي استمدتها المؤسسة من واقع الرصد الذي قامت به فرقها المختلفة، والدراسات التي قام بها فريق البحوث الخاص بها.


كما أعربت اللجنة عن قلقها البالغ إزاء وجود ادعاءات عن أطفال حُكم عليهم بالإعدام في سياق محاكمات جماعية كمتهمين مع بالغين بموجب المادة 122 من قانون الطفل، بالإضافة إلى عدد أحكام الإعدام الصادرة عن أشخاص كانوا أطفالا وقت وقوع الجرائم المزعومة، واحتجازهم لفترات طويلة أثناء نظر الاستئناف في قضاياهم.

وحثت اللجنة الأممية النظام المصري على تطبيق الحظر الصارم لعقوبة الإعدام على جميع الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 18 عامًا وقت ارتكاب الجريمة، على النحو المنصوص عليه في المادة 111 من قانون الطفل.

ودعت لضمان حصول الأطفال المتهمين على آلية يتم بها تحديد أعمارهم بشكل حقيقي وفعال وقت وقوع الجريمة المزعومة، وضمان تطبيق افتراض الأقلية العمرية على جميع الأشخاص إذا كانت هناك شكوك حول أعمارهم.

ودعت اللجنة النظام المصري إلى مراجعة جميع أحكام الإعدام التي صدرت للتأكد من عدم إصدارها بحق أطفال تحت عمر الـ 18 عامًا.

ويعد حصر معاناة المعتقلين في جمل مختصرة قد تبدو وكأنها محاولة يائسة فالقصص وراء أبواب الزنازين والعنابر تتفاوت فيها أعمار الأطفال والقُصّر

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية المصرية المعتقلات مصر المعتقلات اعتقال الأطفال رمضان 2025 المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة النظام المصری حقوق الإنسان داخل السجون الأطفال فی عدم جواز فی مصر

إقرأ أيضاً:

"اليونيسف" تؤكد أهمية الدور العماني في دعم البرامج التنموية والإنسانية

 

مسقط- العُمانية

تعد سلطنة عُمان من الدول الرائدة في مجال تنمية الطفولة المبكرة، سواء على مستوى السياسات أو الخدمات المقدمة، كما أنها من أوائل الدول التي صادقت على اتفاقية حقوق الطفل، وبادرت مبكراً إلى سنّ التشريعات اللازمة لحماية حقوق الأطفال.

وأكد مكتب منظمة الأمم المتحدة "اليونيسف" في سلطنة عُمان على أن إصدار قانون الطفل في عام 2014 دليلاً واضحاً على هذا الالتزام، بالإضافة إلى قانون التعليم المدرسي 2023 الذي أكد على حق الطفل في الالتحاق بالتعليم المبكر، وقانون الحماية الاجتماعية 2023 الذي قدّم منظومة متكاملة للمنافع والتأمينات الاجتماعية والتي اعتمدت أفضل الممارسات الدولية في تقديم المنافع بما فيها منفعة الطفولة ومنفعة الأشخاص ذوي الإعاقة والعمل على تطويرها لتعظيم العائد في تحقيق الحماية والاستثمار في تنمية الطفولة وترسيخ مبادئ العدالة.

 وقالت سعادة سومايرا تشودري ممثلة مكتب منظمة الأمم المتحدة "اليونيسف" في سلطنة عُمان إنها تشهد تقدمًا مهمًا في مجال الحماية الاجتماعية، من خلال تعزيزها للسياسات الوطنية التي تهدف إلى دعم الأطفال والأسر، وضمان وصول الخدمات للفئات الأكثر احتياجًا، وشمل هذا التقدم تطوير نظم الحماية الاجتماعية وتحسين التنسيق بين القطاعات لضمان استجابة متكاملة لاحتياجات الفئات المستفيدة.

وكشفت أن المكتب يقوم بدور محوري في دعم الجهود التي تنفذها سلطنة عُمان، من خلال تقديم الدعم الفني والمشورة الاستراتيجية في تصميم السياسات والبرامج، وتعزيز القدرات الوطنية في جمع البيانات وتحليلها لاستخدامها في التخطيط القائم على الأدلة، كما يعمل بالشراكة مع الجهات الحكومية على تعزيز نظم حماية الطفل وضمان اندماجها ضمن منظومة الحماية الاجتماعية، بما يسهم في بناء نظام شامل ومستدام يُعنى برفاه كل طفل.

وأضافت سعادتها في حديث خاص لوكالة الأنباء العُمانية أن التعاون بين سلطنة عُمان ومكتب "اليونيسف" يرتكز على شراكة استراتيجية طويلة الأمد بدأت منذ عام 1971، وتهدف إلى تعزيز حقوق الطفل في مختلف المجالات، بما في ذلك التعليم، والصحة، والحماية، والتغذية، والنماء في مرحلة الطفولة المبكرة. ويعمل الجانبان بشكل وثيق على تطوير السياسات والبرامج الوطنية التي تضمن لكل طفل في سلطنة عُمان التمتع بحقوقه بشكل متكامل وعادل، بما يتماشى مع الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل ورؤية "عُمان 2040".

 وأوضحت سعادتها أن التعاون بين الجانبين يتمثل في برنامج قطري مشترك يتم التنسيق بشأنه مع الجهات المعنيّة بشؤون الطفل في سلطنة عُمان، ويُعاد إعداد هذا البرنامج كل خمس سنوات مع إعداد خطط سنوية للتنفيذ، حيث يجري خلاله النقاش حول الأولويات والبرامج الوطنية التي تُدرج ضمن إطار دعم اليونيسف لجهود الحكومة في مجال تعزيز رفاه الأطفال.

وأشارت سعادتها إلى اهتمام سلطنة عُمان المتزايد بتنمية الطفولة المبكرة، وهو ما يُترجم من خلال إدماج هذا الملف ضمن أولويات الخطط الوطنية، وزيادة الاستثمار في برامج الرعاية والتعليم في مرحلة الطفولة المبكرة، لافتةً إلى أن التركيز على السنوات الأولى من حياة الطفل يعكس الفهم العميق لسلطنة عُمان حول أهمية هذه المرحلة في تشكيل قدرات الطفل ومهاراته المستقبلية.

وأفادت أن سلطنة عُمان حققت مراكز متقدمة في مؤشرات تنمية الطفولة والتحصين الشامل للأطفال والالتحاق بالتعليم الذي يشمل جميع الأطفال دون استثناء، وتواصل إظهار التزامها من خلال تبني حلول مبتكرة لتعزيز دور الأسرة والطفل، مثل تشريع قانون العمل والسياسات الصديقة للأسرة التي تمنح الوالدين وقتاً كافياً لرعاية الطفل في مراحله الأولى، مؤكدةً أن هذه الجهود تضعها في موقع ريادي على خارطة العالم في مجال رعاية الطفولة وحمايتها.

وذكرت المسؤولة الدولية أن سلطنة عُمان تنفذ حزمة متكاملة من البرامج التي تهدف إلى تنمية قدرات الأطفال والناشئة، سواء في مجالات التعليم، أو الصحة، أو المشاركة المجتمعية واليوم، نلاحظ نقلة نوعية في تبني مقاربات شاملة تراعي احتياجات الأطفال من مختلف الفئات، بما في ذلك الأطفال ذوي الإعاقة، والأطفال المعرضين للخطر، مشيرةً إلى أن "اليونيسف" تدعم هذه التوجهات وتعمل على تعظيم أثرها من خلال التعاون الفني وبناء القدرات.

وأردفت سعادتها أن من التعاون الوثيق مع وزارة التنمية الاجتماعية والجهات المعنيّة الأخرى كوزارة الصحة ووزارة التربية والتعليم، تكاتفت الجهود من أجل تحليل وفهم مسار تنمية الطفل وحمايته من جميع أشكال الإساءة أو الخطر، وأن هذا التعاون المؤسسي يُجسد العمل المشترك على تحديث دليل حماية الطفل وإعداد دراسة عن إنشاء مراكز متكاملة للطفولة المبكرة؛ بهدف تعزيز آليات التنسيق والتكامل بين الجهات المعنيّة، بما يضمن تحسين متابعة حالات الأطفال، وتحقيق اتساق واستمرارية في الإجراءات والمتابعة بجودة عالية بين جميع الأطراف ذات العلاقة.

ولفتت إلى أن القوانين الوطنية مثل قانون الطفل ودليل حماية الطفل تُعد من الإنجازات المحورية التي تضع سلطنة عُمان في مصاف الدول الساعية لحماية حقوق الطفل، ومن منظور دولي، فإن هذه التشريعات تعكس التزاماً حقيقياً من سلطنة عُمان بمواءمة قوانينها مع الاتفاقيات والمعايير الدولية، التي تسهم في تعزيز بيئة قانونية توفر الحماية والإنصاف للأطفال.

وتابعت سعادتها قائلة إن لسلطنة عُمان دور مهم ومحوري في دعم البرامج التنموية والإنسانية المتعلقة بالطفولة، سواء على الصعيد الوطني أو من خلال مشاركتها في الجهود الإقليمية والدولية، وأن اليونيسف تؤمن أن سلطنة عُمان قادرة على أن تكون صوتاً مؤثراً للأطفال في المنطقة، من خلال دعم المبادرات التي تعزز الصحة، والتعليم، وحماية الأطفال، خاصة في سياقات الأزمات الإنسانية.

وقالت سعادتها إن سلطنة عُمان محط أنظار العالم بفضل مواقفها النبيلة وتوازنها في دعم قضايا الطفولة والإنسانية وتُعد سياستها السلميّة والحيادية عاملاً أساسياً في جعلها شريكاً موثوقاً وصديقاً للجميع، خصوصاً في ظل الأزمات الإنسانية المتكررة التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وفي هذا الإطار، قدّمت دعماً سخياً لأطفال غزة من خلال التبرع بمبلغ 385 ألف ريال عُماني (مليون دولار) لصالح الأطفال في القطاع، وذلك في إطار دعمها المتواصل للأعمال الإنسانية والإغاثية التي تنفذها "اليونيسف" حول العالم.

وأضافت سعادتها أن أبرز المبادرات لتطوير برامج التعليم ما قبل المدرسي تمثلت في دعم تطوير البيئة المدرسية الصديقة للطفل، وتمكين المعلمين من استخدام أساليب تعليمية شاملة من خلال تعزيز إطار مهارات المستقبل، كما تضمّن العمل مع وزارة الصحة على بناء قدرات الكوادر العاملة في تقديم خدمات رعاية الطفولة المبكرة، إضافة إلى دعم برامج التغذية، مثل الرضاعة الطبيعية والصحة النفسية، فيما تضمّن التعاون مع وزارة التنمية الاجتماعية ووزارة التربية والتعليم، إجراء دراسة شاملة تستعرض عدداً من المسارات المحتملة لتفعيل قانون التعليم، والذي ينص على أن التعليم ما قبل المدرسي هو حق أساسي لكل طفل، وفي هذا الإطار ومن هذا المنطلق، تعمل اليونيسف على تحليل الاستراتيجيات المختلفة وتحديد المسارات المناسبة لضمان البدء بتقديم خدمات التعليم المبكر للأطفال في سلطنة عُمان. بالإضافة إلى إعداد دراسة لتعزيز تنمية الطفولة المبكرة من خلال إنشاء مراكز تقدم خدمات تعليمية وصحية للأطفال في هذه المرحلة العمرية.

وأفادت سعادتها أن مكتب "اليونيسف" في سلطنة عُمان ينفذ مجموعة من البرامج التي تهدف إلى بناء وتعزيز قدرات الكوادر في الصفوف الأولية، ودعم العاملين في المجال الاجتماعي الذي يشمل تقديم الدعم الفني المستمر للشركاء في وزارتي الصحة والتربية والتعليم لضمان جودة واستدامة التدخلات، مؤكدةً أن هناك التزاماً متنامياً نحو تحسين جودة خدمات التأهيل والرعاية المقدمة للأطفال من ذوي الإعاقات وبالجهود الواضحة لتطوير البنية الأساسية والخدمات وتوفير الكوادر المؤهلة، لافتة إلى ضرورة تعزيز الدمج المجتمعي والتعليمي، وتطوير أدوات الكشف المبكر والتدخل في مراحل الطفولة الأولى.

وأوضحت سعادتها أن مكتب "اليونيسف" يقوم بدور محوري في دعم الحكومة العُمانية لتطوير نظام وطني مُوحد لحماية الطفل يقوم على الوقاية، والرصد، والتدخل المبكر، كما يعمل على تعزيز التوعية المجتمعية، وبناء قدرات العاملين في الصفوف الأمامية، وتطوير الأدلة والإجراءات الموحدة للتعامل مع حالات العنف والإساءة والإهمال، حيث أطلق المكتب برنامجاً لتدريب المُدربين في مجال التربية الإيجابية؛ بهدف تعزيز وعي أولياء الأمور ومقدمي الرعاية حول عدد من المحاور الأساسية، من بينها حماية الطفل، والتغذية السليمة والتفاعلية، وتحفيز التعلم المبكر، وتعزيز الدمج المجتمعي للأطفال.

وفيما يتعلق بنشر الوعي لجميع فئات المجتمع، بيّنت أن بالتعاون مع شركائها من الجهات المعنيّة ومؤسسات المجتمع المحلي واللجنة الوطنية لشؤون الأسرة، تم إطلاق حملة توعوية وطنية تحت شعار "أطفالنا أمانة" حظيت بتفاعل واسع وتقبل كبير من المجتمع، ويتم تفعيلها بشكل مستمر لتذكير أفراد المجتمع بأهمية تنمية الطفولة المبكرة، وتسليط الضوء على المراحل الأولى من حياة الطفل لما لها من أثر مباشر على مستقبل الطفل والنشء.

وذكرت سعادتها أن مكتب "اليونيسف" عمل على تصميم وتنفيذ حملات تواصل وتغيير سلوك تركز على دور الأسرة والمجتمع في حماية ودعم الطفل، خاصة في القضايا الناشئة مثل التنمر الإلكتروني، والصحة النفسية، والعنف بهدف إشراك الأطفال واليافعين أنفسهم في التعبير عن احتياجاتهم وتمكينهم ليكونوا جزءاً من الحل، كما أطلق بالتعاون مع شركائه من الجهات الحكومية، استراتيجية وطنية للتواصل الاستراتيجي من أجل التغيير السلوكي المجتمعي، وهي مبنيّة على أدلة علميّة تتناول الممارسات والعادات والمستوى المعرفي المتعلق بتنمية الطفولة المبكرة وأهميتها، وتبحث سبل معالجة التحديات المجتمعية التي قد تعيق هذا النمو، لا سيما تلك التي لا تشملها السياسات أو الخدمات المباشرة، بل ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالوعي والمعرفة المجتمعية، بالإضافة إلى تنفيذ حملات توعوية استراتيجية وموجهة تستهدف الفئات الرئيسة من المجتمع؛ بهدف رفع المؤشرات الاجتماعية المؤثرة على تنمية الطفولة المبكرة، مثل تعزيز الرضاعة الطبيعية والتغذية السليمة، بما يسهم في خلق بيئة داعمة لنمو الطفل وتطوره الشامل.

واختتمت سعادة ممثلة مكتب منظمة الأمم المتحدة "اليونيسف" في سلطنة عُمان بالتأكيد على تطوير برامج تعزز من المهارات الحياتية والاجتماعية للأطفال واليافعين مثل مهارات التواصل، وحل المشكلات، والعمل الجماعي، وذلك بالتعاون مع الجهات المعنيّة للإسهام في تعزيز شعورهم بالانتماء والاندماج، إلى جانب دعم المبادرات التي تتيح لهم مساحات آمنة للمشاركة والتعبير، لربطها بالسياسات الوطنية لضمان استدامتها.

 

مقالات مشابهة

  • بعد معاناة طالت مع المرض.. وفاة الفنان المصري لطفي لبيب
  • هل يُحاسب الطفل على الحسنات والسيئات قبل البلوغ؟
  • "اليونيسف" تؤكد أهمية الدور العماني في دعم البرامج التنموية والإنسانية
  • 10 نصائح للأمهات لحماية الأطفال قبل نزول حمام السباحة
  • الأمم المتحدة: الجميع جوعى في غزة والأطفال الأكثر معاناة
  • أخطاء شائعة في التعامل مع نوبات غضب الأطفال
  • دراسة صادمة: نحو 45% لا يغسلون أيديهم بعد استخدام المرحاض بالمستشفيات
  • الرئيس عباس يعقب على النداء الخاص الذي أطلقه نظيره المصري
  • طالبة سورية تعدل مشروع تخرجها في هولندا لتسهم بإعادة إعمار حي جوبر الذي دمره النظام البائد
  • اليونيسف: الجميع جوعى بغزة والأطفال هم الأكثر معاناة