في السوجرة، لا يُعرض التاريخ في إطارا ت زجاجية ولا يُختزل في نصوص منسية، بل ينبض بالحياة ويصبح جزءًا من الحياة اليومية بكل تفاصيلها.. هنا، تروي الأزقة القديمة حكايات الأجداد، وتزدان الساحات بروح المواسم، في مشهد متكامل يعكس الموروث العُماني بكل أصالته.

تُجسّد قرية السوجرة نموذجًا للتفاعل الإيجابي مع الزمن والمناسبات، حيث تواكب الأحداث الدينية والاجتماعية، مستثمرةً -الاقتصاد الإبداعي- ذلك المفهوم الذي يحوّل الثقافة إلى قيمة مستدامة تربط الناس بجذورهم، حيث يلتقي الإبداع بالتراث ليصنع نموذجًا اقتصاديًا فريدًا.

وقد انعكس هذا النهج المبتكر على مكانة القرية، حيث حققت تقييمًا مرتفعًا في برنامج "بوكينج" للحجوزات، محتفيةً مؤخرًا بجائزة التقييم العالي من قبل مستخدمي المنصة والزوار. للسنة الثالثة على التوالي، حصدت السوجرة تصنيفًا متميزًا يتراوح بين 9.4 – 9.5، تأكيدًا لجودة التجربة التي تقدمها منذ عام 2023 وحتى 2025.

امتدادًا لهذه النجاحات، شهدت القرية تجربة رمضانية فريدة تميزت بأجواء عُمانية أصيلة، حيث تداخل الفن والعمارة في مشهد روحاني مميز. اجتذبت الفعالية اهتمام الفنانين والمعماريين، الذين وجدوا في السوجرة تجربة تعيد إحياء الشغف بالهوية العُمانية، من خلال جلسات فنية أشرف عليها مختصون في العمارة؛ لتجسيد جماليات المكان ورسم قصص تُحاكي روحه وتراثه العريق.

إلى جانب ذلك، أُقيمت جولات معمارية، بين أزقة قرية السوجرة والتي هدفت إلى تعريف المشاركين بتفاصيل معمار قرية منذ أكثر من 500 عام.

يعرف ليث الشيادي -وهو مهتم في المجال المعماري والجولات المعمارية- أنها فعاليات ميدانية منظمة تتيح للمشاركين فرصة استكشاف المسارات الحضارية والطبيعية سيراً على الأقدام؛ لتعزيز التواصل المباشر مع البيئة المبنية وعناصرها المختلفة. خلال هذه الجولات، يتم التفاعل مع تفاصيل المشهد المعماري والطبيعي باستخدام الحواس الخمس، مما يساعد على تنمية القدرة على الملاحظة العميقة واستكشاف الجماليات المخفية في الفراغات العمرانية والمواقع التاريخية. إلى جانب كونها نشاطاً ترفيهياً، تسهم الجولات أيضاً في تعزيز الوعي بالتراث المعماري والطبيعي وأثره على التجربة اليومية للأفراد، كما أنها تعد وسيلة من أساليب السياحة الواعية.

رسومات تحكي قصة المكان

خلال التجربة، أقيمت تجربة رسم لاستلهام تفاصيل الفن المعماري القديم، حيث قام الفنانون برسم تفاصيل السوجرة القديمة، من الأبواب الخشبية المزخرفة إلى الأزقة الضيقة التي تحمل بين جدرانها ذاكرة الأجيال. كانت هذه الرسومات شهادة حية على جمال العمارة العمانية، وأصبحت جزءًا من معرض رمضاني استضافته السوجرة، حيث عُرضت الأعمال الفنية وسط مشاهد تراثية أعادت للذاكرة ماضي القرية. ويؤكد محمد الشريقي، الرئيس التنفيذي للنزل التراثية بقرية السوجرة، على أهمية تكرار مثل هذه الفعاليات لتعزيز ارتباط الإنسان العُماني بثقافته، حيث يقول:

"تفعيل هذه الفعاليات يعد أمرًا بالغ الأهمية لأسباب عدة، أبرزها الحفاظ على الإرث الثقافي، إذ تمنح هذه الفعاليات فرصة للناس للتواصل مع تاريخهم وهويتهم، مما يضمن بقاء هذا الإرث حياً في الذاكرة الجماعية عبر الأجيال. فالتراث العُماني لا يُعد ماضيًا فحسب، بل هو أساس حيوي للحاضر والمستقبل، كما أنها تساهم في تحفيز الإبداع وتعزيز الهوية العُمانية، إذ يسهم المشاركون، سواء منظمين أو زوارًا أو مستفيدين، في إبراز التراث بأسلوب عصري مبتكر، مما يخلق توازنًا بين الأصالة والتطور ويسهم في استدامة الهوية العُمانية بروح متجددة. بناءً على ذلك، فإن هذه الفعاليات ليست مجرد مناسبات عابرة، بل هي استثمار عميق في التاريخ والثقافة والابتكار، مما يربط الماضي بالحاضر ويمهد الطريق لمستقبل ثقافي مزدهر".

لم تكن التجربة مقتصرة على استكشاف المباني فقط، بل شملت فعاليات رمضانية أعادت الحياة إلى أزقة القرية. عند مغيب الشمس، كان الضيوف متجمعين في ساحة القرية القديمة، حيث يُقدَّم الإفطار وسط أجواء تراثية تحاكي ماضي المكان. بعد الإفطار، تُضاء الفوانيس، ويبدأ سرد القصص عن تاريخ القرية، مترافقًا مع جلسات نقاشية حول العمارة العمانية وأهميتها في الحفاظ على الهوية الثقافية.

العمارة التاريخية عبر الاقتصاد الإبداعي

يُعد الاقتصاد الإبداعي أحد المحركات الرئيسية للتنمية المستدامة، حيث يدمج بين الثقافة، والفنون، والتكنولوجيا، ليخلق فرصًا اقتصادية تعزز الهوية المحلية. عندما يتم توظيف هذا المفهوم في إحياء العمارة التراثية، يتحول المبنى القديم من مجرد أثر تاريخي إلى مركز ديناميكي نابض بالحياة، يوفر فرصًا اقتصادية ويساهم في استدامة التراث.

في السوجرة، يظهر هذا التكامل بوضوح، حيث لا تقتصر إعادة إحياء المباني القديمة على الترميم فقط، بل تتعداه إلى إعادة استخدامها بطرق مبتكرة، مثل تحويلها إلى فضاءات للفنون، وورش للحِرف التقليدية، وأماكن لاستضافة الفعاليات الثقافية. يخلق هذا الدمج بين العمارة والتراث فرصًا جديدة لرواد الأعمال والحِرفيين، مما يسهم في استدامة الإرث الثقافي بأسلوب حديث.

علاوةً على ذلك، فإن توظيف التصميم المعماري التقليدي في المشاريع الحديثة، من خلال دمجه مع تقنيات البناء المستدامة، يحقق توازناً بين الحفاظ على الهوية الثقافية وتلبية الاحتياجات العصرية. فبدلًا من أن تظل القرى التراثية مجرد متاحف مفتوحة، تتحول إلى بيئات اقتصادية حيوية، تسهم في دعم السياحة، والفنون، وريادة الأعمال، مما يجعلها جزءًا فاعلا من المستقبل الاقتصادي والثقافي للبلاد.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: هذه الفعالیات قریة السوجرة

إقرأ أيضاً:

لطفي لبيب يرحل بعد مسيرة فنية حافلة

وكالات- متابعات تاق برس- توفى الفنان المصري الكبير لطفى لبيب داخل أحد المستشفيات في القاهرة، وذلك بعد تدهور حالته الصحية في الأيام الأخيرة. ويعد لطفى لبيب أحد أبرز نجوم مصر والوطن العربي في الـ 20 سنة الأخيرة، فهو أحد النجوم الملازمين للزعيم عادل إمام في أغلب أعماله وكان أبرزها السفارة في العمارة.

لطفى لبيب نجم كبير لا يعتمد على البطولة المطلقة ولا يبحث عن الأضواء، بل كان يكفيه أن يترك أثرًا في كل عمل يشارك فيه. هو فنان امتلك الكاريزما والبساطة والموهبة الخالصة، لبيب الممثل الوحيد الذي أضحكنا وأبكانا، وأثبت أن الأدوار الثانوية يمكن أن تكون بطولية حين يؤديها فنان حقيقي، يُعرف لطفي لبيب بأسلوبه التلقائي وخفة دمه، وغالبًا ما يؤدي أدوار الرجل البسيط أو الموظف الحكومي أو الأب الطيب، وقد أصبح من الوجوه المحبوبة في السينما والتلفزيون المصري.

 

ويعد لطفى لبيب أحد ابرز الفنانين اللذين قدموا مسيرة أعمال مع الزعيم عادل إمام، فشارك معه في أكثر من 10 أعمال سينمائية ودرامية، كان آخرها السفارة في العمارة وصاحب السعادة وغيرها من الأعمال، كما يعد لبيب أحد الجراندات اللذين ساندوا جيل الشباب مثل محمد هنيدى وهانى رمزى وأحمد مكى وأحمد حلمى.

 

 

– أعماله الفنية مع النجوم

مرجان أحمد مرجان (2007)، السفارة في العمارة مع عادل امام، اللي بالي بالك (2003) – مع محمد سعد، عسل أسود (2010) – مع أحمد حلمي، كده رضا (2007) – مع أحمد حلمي، يا أنا يا خالتي (2005) – مع محمد هنيد، جاءنا البيان التالى مع محمد هنيدى، وأمير البحار، مبروك ابو العلمين حمودة، طباخ الرئيس، بوبوس، اسد و4 قطط، وغيرها من الأعمال المميزة في السينما والدراما.

 

– مؤلفاته:

 

كتب لطفي لبيب كتابًا بعنوان “الكتيبة 26″، يحكي فيه تجربته الشخصية كجندي شارك في حرب أكتوبر، وقد نال الكتاب إعجاب الكثيرين لصدق كلماته وإنسانيته.

السفارة في العمارةالفنان المصري لطفي لبيبلطفي لبيب

مقالات مشابهة

  • مقتل مواطن رمياً بالرصاص على يد مجهولين في العمارة
  • لطفي لبيب يرحل بعد مسيرة فنية حافلة
  • فعاليات متنوعة على الساحة الرئيسية تجمع بين التراث والفن المعاصر في رحاب جرش
  • في استجابة سريعة لمزارعي القرية | تطهير ترعة الأشمونين بملوي
  • محافظ الغربية : تحديث شامل لبيانات العقارات القديمة والآيلة للسقوط
  • محافظ الغربية يوجّه بتحديث شامل لبيانات العقارات القديمة والآيلة للسقوط
  • “يوم خامس من الفرح في جرش: الناس والفن والحضارة في مشهد واحد” هنا الأردن ….ومجده مستمر
  • نجاة شيخ عشيرة من محاولة اغتيال في العمارة
  • رفع عدادات الكهرباء القديمة رسميًا من هؤلاء.. هل أنت منهم؟
  • وسيم السيسي: التوحيد كان معروفًا في مصر القديمة منذ الأسرة الأولى