(المحاضرة الرمضانية الـ21 )

استدراك :
ستظل شخصيات الدكتور أحمد ونجليه صلاح ومُنير تتواجد في جزئية محاضرات القصص القرآنية؛ لاتساقها مع موضوع المحاضرة وعدم تشتيت انتباه القارئ.

"الدكتور أحمد أستاذ الفقه المقارن في كلية العلوم الإسلامية بجامعة الجزائر.
أما نَجَلاه صلاح ومُنير، فيدرسان في كلية الطب بالجامعة ذاتها وكذلك حازم ابن شقيقه طالب الهندسة المعمارية وكذلك الدكتور نضال زميل الدكتور احمد وهو استاذ العقائد والاديان في كلية العلوم الاسلامية بذات الجامعة "

يتواجدون جميعهم في صالة منزل الدكتور احمد لمتابعة المحاضرة الرمضانية ال21 وفيما منير وصلاح يشاهدان حازم بابتسامة عريضة وهو يشاهدهم مبتسماً ويقول : لا استطيع ان لا اسأل ويلتفت للدكتوران احمد ونضال ويواصل :
- بما ان السيد عبدالملك قد انهى موضوع غزوة بدر الكبرى هل سيعيدنا لقصة سيدنا ابراهيم عليه السلام .


تابعه الدكتوران وهما مبتسمان وقبل ان يردا عليه اردف قائلاً اعرف الجواب وهو : المحاضرة ستنطلق الان وستعرف فلا تستعجل .
وبالفعل فقد انطلقت محاضرة الليلة للتو :-

فيما يتعلق بموضوع المحاضرة، نعود إلى سياق الحديث على ضوء الآيات المباركة في قصة نبي الله إبراهيم من (سورة الشعراء)، كُنَّا تحدثنا على ضوء قوله سبحانه وتعالى، يذكر قصة نبيه إبراهيم: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ}[الشعراء:78].
نبي الله إبراهيم عليه السلام في مقامه في قومه وهو يدعوهم إلى الإيمان بالله تعالى، وبرسالته، وبتوحيده، يذكر لهم البراهين التي تبيِّن أن الحق كل الحق هو في الإيمان بالله والتوحيد لله، وأن الشرك بالله هو باطلٌ محظٌ، وضلالٌ مُبِين، وخسارةٌ رهيبةٌ على الإنسان، وضياع للإنسان، في هذا السياق يذكر مجموعة من البراهين، في بدايتها قوله: {الَّذِي خَلَقَنِي}[الشعراء:78]، الله هو الخالق، وهو المالك، وهو المنعم، وهو الملك؛ فهو الإله الحق، هو ربُّنا، والإله الحق الذي لا معبود بحقٍ إلَّا هو؛ لأننا عبيده، ملكٌ له، فكيف نتوجه بالعبادة إلى غيره؟! وتحدثنا عن هذه المسألة في المحاضرات الماضية.
{فَهُوَ يَهْدِينِ}[الشعراء:78]، في صدارة النعم التي يمن الله بها على عباده: الهداية، وفي مقدمة الاحتياجات الضرورية للمخلوقات والكائنات الحية هي: الهداية، وفي المقدمة الإنسان هو أحوج من غيره إلى هداية الله سبحانه وتعالى، ونعمة الله بالهداية هي في صدارة النعم، في مقدمة النعم التي يحتاج إليها الإنسان، وفي مقدمتها من حيث الموقع، والأهمية الكبيرة، والضرورة للإنسان.
الهداية مصدرها الله سبحانه وتعالى، يعني: لا يمكن أن نحصل على الهداية من غير الله، نحن بحاجةٍ إلى الله سبحانه وتعالى، فالله مصدر الهداية، نحتاج إلى الهداية منه؛ لأنه هو الخالق، المحيط علماً بالمخلوق، وهو من يعلم السر في السماوات والأرض، ويعلم الغيب والشهادة،

- ها قد اعادنا يا حازم السيد عبدالملك لقصة نبي الله ابراهيم عليه السلام ... هكذا تحدث الدكتور احمد

ولـذلك فمن حكمة الله، ومن عِزَّة الله، وفي إطار ملكه وتدبيره، أن يُقدِّم لعباده الهداية في مسيرة حياتهم، وأن يُفَرِّق بين المحسن والمسيء، والمطيع والعاصي .

والإنسان موجود في إطار غاية رسمها الله لهذا الكون، وفي مسيرة هذه الحياة، كما قال الله سبحانه وتعالى: {وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}[الجاثية:22]

وتحدثنا عن سعة الهداية الإلهية:

جزءٌ منها بالهداية الفطرية.

جزءٌ منها بما منح الله الإنسان من وسائل وقدرات للتعقُّل، والفهم، والتمييز، والإدراك.

وجزء منها بما جعل الله في هذا الكون بكله من معالم تساعد على الاهتداء، إلى درجة أن يكون الكون بكله كتابٌ مفتوح.

ولكن هذا بكله لا يغني الإنسان عن الهداية في شكلها التعليمي والإرشادي والتشريعي، يحتاج الإنسان في مسيرة حياته، في نظم شؤون حياته في مختلف المجالات، إلى هداية تشريعية، وتعليمية، وتوجيهية؛ أوامر ونواهٍ وتعليمات من الله سبحانه وتعالى، وتعليمٍ بالحقائق المهمة، التي قد يخطئ الإنسان في تصوراته لها؛ وبالتـالي يترتب على ذلك أخطاء كبيرة في مسيرة حياته، وهذه الهداية ضروريةٌ للإنسان، يحتاجها الإنسان، والهداية الفطرية، والهداية في وسائل الإدراك، والتعقُّل، والتمييز، والمعالم الأخرى... وغيرها مما منح الله الإنسان، هي تُشَكَّل- كما قلنا- أرضية للتفاعل مع هذه الهداية، والتطابق مع هذه الهداية.

- يُذكرنا السيد عبدالملك بجزئية الهداية ومعناها معدداً سعة الهداية الإلهية ... هكذا تحدث الدكتور نضال .
قال سبحانه وتعالى: {قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ}[يونس:35]، فمن نعم الله سبحانه وتعالى، وأيضا لأنه- كما قلنا- الخالق، هو الذي يمتلك القدرة على الهداية الصحيحة، المتطابقة مع ما رسمه في هذه الحياة، وفي إطار خلقه، ما رسمه من سنن والمحيط علماً بالمخلوق، بظروفه، بأحواله، هو سبحانه وتعالى عالم الغيب والشهادة، يعلم ما في مستقبل هذا الإنسان، ومتطلبات حياته... إلى غير ذلك.
ولـذلك ترافق الهدى من الله تعالى منذ بداية الوجود البشري، فكان آدم عليه السلام نبياً، وتلقَّى تعليمات الله، وأوامره، ونواهيه، {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ}[آل عمران:33]، يقول: {ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى}[طه:122]، لم يتركه بدون هداية.
واستمرت مسيرة الهداية، وإقامة الحُجَّة على البشر من الله سبحانه وتعالى، كما قال جل شأنه: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}[النحل:36]، كما قال جل شأنه: {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ}[فاطر:24]، هداية الله بالرسل والأنبياء، والكتب الإلهية، والتعليمات الإلهية، وكذلك في إطار الهداة من ورثة كتب الله، المتمسكين بها، المهتدين بها، الهادين بها، مستمرةٌ، لم تتوقف عبر الأمم والأجيال، وصولاً إلى الحقبة الأخيرة، وهي: آخر الزمان، واقتراب الساعة، الحقبة الأخيرة، هذه الحقبة في آخر الحياة، في نهاية التاريخ، هي على مقربة من قيام القيامة، {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ}[القمر:1]، فكان ختم الرسل والأنبياء، وختم الكتب الإلهية، بالرسول محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وبالقرآن الكريم، وهذه خاتم عظيمة، رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم سيِّد المرسلين، وخاتم النبيين، والقرآن الكريم أعظم الكتب الإلهية، والمهيمن عليها، والمشتمل على الهداية الكافية، في بقية هذه الحقبة، من تاريخ البشرية إلى قيام الساعة، ولعظمة هذا الكتاب قال الله عنه: {مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ}[المائدة:48]، مهيمناً على كتب الله السابقة.

- يضعنا السيد عبدالملك مسيرة الهدي الدي انعم الله بها علينا من بداية الخلق بشرح مسنود بالآيات القرآنية والحقائق الدامغة .

إذا أردنا أن نستذكر عظمة القرآن وأهميته؛ فَلنُذَكِّر أنفسنا بأنه من الله، ولنُذَكِّر أنفسنا بأسماء الله الحسنى؛ ولـذلك يأتي في القرآن الكريم التنبيه لنا على أهمية هذه المسألة؛ لنستذكرها، فيقول الله سبحانه وتعالى عن القرآن الكريم: {تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى}[طه:4]، حينما ترى عظمة هذا الكون، حينما ترى مظاهر الحكمة الإلهية فيه، مظاهر القدرة، حينما ترى الإبداع في خلق هذا الكون، حينما تندهش من سعته العجيبة، فلتعرف أن القرآن هو خالق هذه السماوات وما فيها، خالق هذا العالم الوسيع الفسيح، هذا هو كتابه، هذه كلماته، الذي خلق كل شيء.
{تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى (4) الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}[طه:4-5]، يعني: الملك، المُدَبِّر لشؤون عباده، ومخلوقاته، وهذا العالم، {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} هذا كتابه، كتاب المالك لكل ما في السماوات وما في الأرض، والملك للسماوات والأرض، {وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى (6) وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى}، المحيط بكل شيءٍ علماً، والعالم بكل أحوال الإنسان وتصرفاته، وكل ما يقوله في سره وعلانيته، {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى}[طه:8]، يعني: عندما نستعرض أيضاً بقية أسماء الله الحسنى، المتصلة بتدبيره لشؤون عباده في مختلف أحوالهم، يقول الله سبحانه وتعالى: {قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا}[الفرقان:6]

- يُذكرنا السيد عبدالملك بعظمة القرآن واهميته واسماء الله الحُسنى ... هكذا تحدث الدكتور احمد .

من مميزات القرآن الكريم في هدايته: أنه كما أخبر الله عنه: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}[الإسراء:9]، يعني: ليس فقط يهدي إلى الموقف الصحيح، أو العمل الصحيح، الذي له نتيجة صحيحة، أو يقتصر فقط أن يُقَدِّم لنا الطريقة الصحيحة في أي موضوع فقط، بل يُقَدِّم ما هو أقوم، يُقَدِّم دائماً الأرقى، الأنجح، الأعظم الأفضل، الأحسن، الذي هو أحسن ما يمكن أن يستقيم به ذلك الأمر، أو ذلك الموضوع، أو تلك القضية، وهذا من عظيم هداية الله لنا لأن الله سبحانه وتعالى الذي له الكمال المطلق .
من المميزات العظيمة للقرآن الكريم: أنه مباركٌ، واسع البركات، يقول الله عنه: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}[الأنعام:155]،وتكرر الوصف له بأنه (مُبَارَك) في القرآن الكريم في آيات متعددة، فهو مباركٌ في نفسه، في عظمته، في جلاله؛ ومباركٌ أيضاً في سعة ما فيه من المعارف والهداية؛ ومباركٌ في عطائه فيما يُقدِّمه، معارفه فيها بركة واسعة، علومه فيها بركة واسعة؛ مباركٌ أيضاً فيما يعطيه من أثرٍ في النفوس، في أثره التربوي، في تزكية النفس البشرية، يُزَكِّي النفس البشرية، (شِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ): يتعافى ويتشافى به الإنسان من الآفات المعنوية، التي تؤثِّر عليه في نفسه، من كل الآفات والمساوئ التي تُدَنِّس الإنسان، تُفْسِد نفسيته، فهو يشفيك منها، يشفيك من الشك، من الجهل، يشفيك من المساوئ الأخلاقية: من الكبر، من الميول الفاسدة، من التوجهات الفاسدة، من الأنانية، من الحسد... من غير ذلك من المفاسد والمساوئ، التي تفسد نفسية الإنسان

القرآن الكريم أيضاً من مميزاته العظيمة: أنه نورٌ يضيء لنا واقع الحياة، ويكشف الظلمات، ويخرجنا من الظلمات؛ ولهـذا يقول الله : {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ}[المائدة:15]، {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}[إبراهيم:1]، ما يُقَدِّمه الله لنا في القرآن الكريم من حقائق، من معارف من تعليمات، من توجيهات، من مفاهيم، هي نور؛ لأنها تُقَدِّم لنا الحقيقة، والحق، والواقع، والشيء الصحيح، والشيء الذي فيه- فعلاً- الخير لنا، والرشاد لنا، والنجاة لنا، وهذا ما نحن بحاجةٍ إليه

من نعم الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم، ومن مميزاته العظيمة، هي: الحفظ للقرآن الكريم، هو المعجزة الخالدة، معجزة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والشاهد على رسالته ونبوَّته، وفي نفس الوقت يبقى محفوظاً لكل الأجيال، محفوظاً في نصه، لا يمكن التحريف لنصه، ولا التغيير في نصه، ولا الزيادة، ولا النقص، هذه نعمة كبيرة، كما قال الله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}[الحجر:9]، نعمة وحُجَّة كبيرة، وآية عجيبة، ومعجزة خالدة، وهذه من أعظم النعم، نعمة عظيمة على الناس، يصل إليهم في كل عصر، في كل جيل، وهو بنصه نفسه، محفوظٌ في نصه، مع أن الأعداء يحرصون على تغييره، على تحريفه، ويحاولون في تحريف المعاني، لكنه يفضحهم حينما يحاولون أن يحرِّفوا في المعنى، لا يقبل القرآن أن يلصق به ما ليس من هديه، يفضح كل ما يُنسب إليه مما ليس من هديه ونوره

- يُعدد لنا السيد عبدالملك من مزايا القرآن العظيمة بطريقة تعليمية تربوية ... هكذا تحدث الدكتور نضال

ولـذلك عندما نتأمل- مثلاً- في واقع العرب ما قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وحركته بالقرآن في أوساطهم، كيف كانوا في جاهليتهم الجهلاء؟

كانت معتقداتهم فيما يتعلق بالجانب الديني باطلٌ، وفيها الكثير من الخرافات، وفيها الضلال، وفيها الباطل

كانت نظرتهم إلى الكون، والحياة، والملائكة، والأشياء الأخرى، كذلك باطلة، يتصورون أن الملائكة بنات، ويقولون أنَّهم بنات الله

في معتقدهم يُشركون بالله سبحانه وتعالى، ينكرون المعاد، والقيامة، والآخرةوهكذا تصورات باطلة

في سلوكهم: كانوا يتظالمون، يرتكبون الجرائم، يعتمدون الظلم كوسيلة الحياة، كسلوك أساسيٍ في الحياة، الممارسات العدوانية والإجرامية، النهب، السبي، الظلم، العدوان، الوأد للبنات، النظرة السلبية جداً إلى المرأة...

كم كانت لديهم من الأفكار الباطلة، من التصورات الخاطئة في مقدمة ذلك: الشرك بالله، والإنكار للمعاد، والبعد عن رسالة الله، والكفر بها... وغير ذلك.

ثم في ظروف حياتهم: يأكلون الميتة، يأكلون الحيوانات، التي لا ينبغي أكلها حتى بفطرة الإنسان، ليست من الطيبات، هي من الخبائث، يأكلون الدم...
فعندما أتى الإسلام غير واقعهم، على مستوى مسيرتهم في الحياة، لم يكن لهم كيانٌ يجمعهم في إطارٍ واحد، كأمةٍ واحدة، لها هدف، لها نظام في الحياة، لها في مسيرتها أهداف عظيمة تسعى لتحقيقها؛ فعندما بعث الله نبيه ورسوله، خاتم أنبيائه محمداً صلى الله عليه وعلى آله وسلم إليهم، وتحرَّك بالقرآن الكريم، وأخرجهم من الظلمات إلى النور؛ غيَّر واقعهم، غيَّره إلى حدٍ كبير، وانتقل بهم نقلةً عظيمة، من جاهليةٍ جهلاء وأميةٍ مستحكمة، إلى أن ارتقى بهم ليكونوا في صدارة كل الأمم في الأرض؛ فتحوَّلوا في عصره، في آخر أيام حياته، نقلهم إلى أن كانوا أرقى أمة بين كل أمم الأرض آنذاك، أرقى أمة في كل أمم الأرض آنذاك،
- انتهت المحاضرة وقد اطبعه ارواحهم وعقولهم علماً وهدياً ويقيناً .

المصدر: ٢٦ سبتمبر نت

كلمات دلالية: صلى الله علیه وعلى آله وسلم الله سبحانه وتعالى فی القرآن الکریم السید عبدالملک الدکتور احمد علیه السلام یقول الله هذا الکون فی مسیرة من الله کما قال فی إطار ال أ ر ض م او ات فیما ی التی ت ة الله

إقرأ أيضاً:

لماذا تجب علينا المكابدة؟

كابَدَ يُكابِدُ مُكابَدَة فيكون الإنسانُ مُكابِدا. ويُقال كابَدَ الأمر أي تكبَّدهُ؛ فقاسى شدَّته وتحمَّل مشاقه، وركب هوله ومصاعبه. ويُقال كذلك كَبَدَ ابن آدم الأمر أي قَصَدَهُ. وكبَّد العدو خسائرَ أي أنزلها به وكلَّفه إياها. والكَبِدُ وسط الشيء ومعظمه، وهو العضو في الجانب الأيمن من بطن الإنسان، وإليه يُنسب الأولاد، كناية عن إنهم أعز ما وهبنا؛ فيُقال لهم: أفلاذ أكبادنا. وكبِدُ الأرض ما في بطنها من معادن نفيسة. ويوصف الإنسان بغلظة الكبد كناية عن شراسته، والشيء "يُفتِّت الأكباد" كناية عن تسبُّبه بحزنٍ شديد مُمض. وإذا قَدَر الإنسان على الفلاة؛ يُقال تكبَّدها. ولا حول ولا قوَّة إلا بالله العلي العظيم.

وقد وردت لفظة الكَبَد واشتقاقتها في القرآن الكريم مرَّة واحدة فحسب (سورة البلد؛ اﻵية رقم 4): "لقد خلقنا الإنسان في كَبَد"، بمعنى المشقَّة والشدَّة والعناء، وقيل بمعنى انتصاب القامة واعتدالها، وقيل القوة والقصد. وما من شيء يمنع جمع المقصد القرآني لهذه المعاني كلها؛ فلا تعارُض بينها في شأن الإنسان وحاله، بل هو تكامُل رباني معجز. فإن المكلَّف الذي ألقي به -حرفيّا- إلى داخل هذا التاريخ، ليحيا في مجال التجربة والخطأ، والذنب والتوبة والطغيان والأوبة؛ أي ليخوض غمار اختياره الإنساني -بمشيئة الله وتقديره- هو سائرٌ انتصبت قامته ابتداء -رغم معاناته- فلا تنكسر قامته، وينتكس في هذا السير القصدي الغائي؛ إلا بأن يوكل إلى نفسه والعياذ بالله. فإنه إن لم يَستَعِن صادقا بمن كلَّفه تكبُّد وجوده؛ لم ينَل معونة على ما كُلِّف وضاع.

والكبد والمكابدة هي -باختصارٍ غير مُخِلٍّ- فلسفة التاريخ الإسلامي، التي أشار إليها القرآن إجمالا في سورة البلد، وفصَّلها خاتما سورة العصر؛ إذ بسط مآل الخُسر التاريخي الحتمي وغايته في قوله جلَّ شأنه: "إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وتواصوا بالحق، وتواصوا بالصبر". فإنه لم يجعل لهذا الخسر الحتمي الذي نُكابده، والتاريخ المحيق الذي نُعانيه؛ مآلا دنيويّا برانيّا مُعينا تنعقد عليه اليد، وإنما غيَّب المآل داخل التاريخ، وجعل التواصي هو كل ما يطمع فيه ابن آدم داخل هذا التاريخ: التصبُّر والتواصي، والتكاتُف في احتمال الخُسر الدنيوي البراني الحتمي؛ لئلا ينعكس انعاكسا انتكاسيّا على المجال الجواني له، فيرتد الإنسان -معاذ الله- من أحسن تقويمٍ إلى الانكباب على وجهه، باعتبار هذا الانكباب الضال المُضِل نقضا للكَبَد والمكابدة، وعكسا لطريق السير المنتصب القامة على صراط مُستقيم؛ قاصدا رب البرية. وبعبارة أخرى، فإن فلسفة الكَبَد التاريخيَّة هذه تعني أننا خلقنا للمشقَّة والمعاناة، ولاحتمال هذه المعاناة، وأن جوهر الإيمان هو التواصي على هذا الاحتمال بحول الله، والتكاتُف أثناء عبور هذه الدار؛ لنعرُج بهذه الآلام إلى الله، وقد أقمنا الحجة على أنفسنا بالسير في هذا الطريق الشاق بزاد التواصي.

ولهذا، فرَّق الإسلام تفرِقَة قاطعة بين المكب على وجهه لا يُبصر طريقه (سورة الملك؛ الآية رقم 22)، ومن يسير سويّا مُعتدل القامة على صراط الله المستقيم؛ إذ هما الطريقان الوحيدان، اللذان تتجسَّد فيهما هذه الفلسفة التاريخيَّة. ولا يستوي من يُقاسي الشدة ويعاني المشاق الحتميَّة، وهو لا يُبصر غايته، ومن يركب الهول والمصاعب، وهو يرى ربه العلي سبحانه؛ إذ تعلَّق بصره بما تجاوز الزمكان وعلا فوق التاريخ. جلَّ شأنه وتبارك اسمه ولا إله غيره. والعجيب أن هذا المصدر الفذ، يطوي من المعاني ما يوافق حال الإنسان في مسيره الدنيوي، ويطابق أموره كلها داخل هذا التاريخ. فإنك ترى المكب على وجهه -والعياذ بالله- قد غلظ كبده، وظهرت شراسته، وعمي إلا عما جُعل في كبد الأرض، وغفل بانكبابه عن النظر إلى كبد السماء، وما يمثله؛ فتفتَّت كبده لكل حزن يُصيبه، إذ أنه لا يرجو من الله ما يرجوه المؤمن، وإن كانت المصيبة تنزلُ بهما معا.

هذه المكابدة ليست موافقة إجمالا للنواميس الإلهية فحسب، بل هي أولا وقبل كل شيء مُفصَّلةٌ على مقاس إنسانيَّة ابن آدم وخصاله المركبة، ومجعولة له جعلا؛ فإنه الكائن الوحيد المكلَّف المفطور على الاختيار، وعلى مكابدة خياراته، ومكابدة وجوده كله -نتيجة هذه الحريَّة- لهذا؛ كانت المكابدة ناموسا لتحقُّق إنسانية الإنسان أولا، ثم لاكتمال إيمانه، وأخيرا لاتساقه مع فلسفة التاريخ الإنساني الموافقة لتركيبه وإيمانه.

هذا التحقُّق يلزمه -أولا- أن تكون المكابدة مُكابدة للنفس دوما، وقبل كل شيء؛ لفجورها وهواها، وضعفها وسقوطها، وشهواتها وإخلادها. فهذه المكابدة الذاتية أصل الفطرة السليمة، ومبتدأ حفظها وشحذها، فإذا انتكست -والعياذ بالله- شرعت في مكابدة السوى، وتمخَّضت عنها أعراض مرضيَّة تُبرئ النفس الأمارة وتعُدُّ الآخرين هم الجحيم -كما ذهب سارتر وأضرابه مثلا- إذ صار الغير أصل كل سوء وبلية. وهذه النفسيَّة نفسيَّة انكباب لا ترى الوجود على حقيقته، ولا تستوعب معنى التكليف، ولا تُدرك حقيقة الحريَّة؛ مُدلَّلة تحسب أنها مركز الكون، وأنها تستحق كل الخير بذاتها ولذاتها، وبمجرد وجودها. فهي دائمة الشكوى من كل شيءٍ وكل أحد، إذا لم تنل ما يوافق هواها من الدنيا؛ فإنما أفسدها توهُّمها المتأله، وإغفالها ثمن حريتها في الاختيار، وغفلتها عن عبوديتها لخالق مُحيط، وعن أن حريَّتها التي أرادها الخالق ابتلاء ومسؤولية؛ لتُميز الباطل من الحق وتختار طريقها بين العناصر التي رُكِّبَت منها أولا؛ فإما الإخلاد إلى الطين أو السمو إلى آفاق الروح.

وانظر إلى إدراك السلف البصير، إذ يقول الجاحظ في المجلَّد الأول من سفره الماتع: "الحيوان"؛ في الفصل الذي عنونه مصلحة الكون في امتزاج الخير والشر: "اعلم أن المصلحة.. امتزاج الخير بالشر، والضار بالنافع.. ولو كان الشر صِرفا هلك الخلق، أو كان الخير محضا سقطت المحنة، وتقطَّعت أسباب الفكرة، ومع عدم الفكرة يكون عدم الحكمة ومتى ذهب التخيير ذهب التمييز.. ولم تكُن للنفس آمال ولم تتشعَّبها الأطماع. ومن لم يعرف كيف الطمع؛ لم يعرف اليأس، ومن جهل اليأس؛ جهل الأمن.. ولو استوت الأمور بَطُل التمييز، وإذا لم تكن كلفة لم تكن مثوبة، ولو كان ذلك لبطلت ثمرة التوكُّل على الله تعالى، واليقين أنه الوزَرُ والحافظ والكالئ والدافع.. وأنه يقبلُ اليسير ويهب الكثير".

أي أن امتزاج الخير والشر ضرورة لتعمل آلة التمييز المفطورة في بني آدم، ويتحقَّق تكليفه، وتتحقَّق إنسانيته الربانية المركَّبة. ولو كان الشر صرفا لا خير معه لهلك الخلق لشدَّة وطأته، ولو كان الخير محضا لا شر معه سقطت المحنة وانتفى التكليف؛ فإما جحيم أرضي من الشر أو فردوس أرضي من الخير، وفي الحالين يصير الإنسان إلى القهر؛ مثله في ذلك مثل الملائكة أو الحيوان! إذ ستنقطع مع جدليَّة الخير والشر أسباب التفكير وتضمُر حكمة المعرفة، وينعدم التمييز؛ إذ استوت الأمور وصار الإنسان مقهورا بالجهل والغريزة كغيره من المخلوقات. وقد قرر أمير المؤمنين عُمر بن الخطاب أن من لم يعرف الجاهليَّة؛ لم يعرف الإسلام. فمن لم يعرف شرور الجاهليَّة؛ لم يُدرك حجم الخير الذي يطويه الإسلام لاستنقاذ الإنسان من نفسه ومن طينه، بغير الجور على هذا الطين أو إلغائه، وهذا هو مكمن المعجزة في الشريعة المحمدية: معونة على الاختيار وتوفيقٌ وسداد، يخلق التوازُن بين البواعث والغايات، ولا ينكر طينك كما لا يُطلق له العنان، بل يدفعك لتُكابده موفقا مسددا بحول الله؛ تغلبه تارة بمكابدتك ويغلبك أخرى بقعودك. والله يهدي من يشاء.


x.com/abouzekryEG
facebook.com/abouzekry

مقالات مشابهة

  • أعظم 3 دعوات في القرآن.. داوم عليها كل يوم
  • فرحة العمر
  • أمور تعينك على فعل الخير.. علي جمعة يوضحها
  • ثواب استماع القرآن للمرأة غير القادرة على القراءة.. تعرف عليه
  • الأوقاف تعقد 27 ندوة علمية كبرى بعنوان «فضائل مصر في القرآن الكريم»
  • شريهان في صدارة التريند بسبب ابنتها.. ما القصة؟
  • أفضل كلمات الاستغفار.. 6 صيغ وردت في القرآن والسنة تمحو الذنوب
  • لماذا تجب علينا المكابدة؟
  • حين يغـضب المنـتــقم
  • مجمع القرآن الكريم بالشارقة يختتم برنامجه الصيفي الثالث