جنوب لبنان- لم تُثن الحرب التي امتدت أكثر من عام في قرى جنوب لبنان، بكل ما خلفته من دمار وخراب، أهلها عن استقبال شهر رمضان بروح لا تنكسر. ففي كفرشوبا، البلدة التي غيرت آلة الحرب الإسرائيلية ملامحها، وقف أهلها، نهاية الأسبوع الماضي، وسط الأنقاض وأصروا على إحياء شعائرهم الرمضانية كأنهم يؤكدون للعالم أن الحياة تستمر حتى في حضرة الدمار.

في مشهد يجمع بين الألم والصمود، اجتمع عشرات الشباب من اتحاد الجمعيات الإغاثية والتنموية في لبنان لإطلاق مبادرة "رمضان.. وعد جديد"، حيث دعوا أهالي البلدة إلى إفطار جماعي وسط أطلال ساحتها التي دمرت بالكامل.

لم تكن الطاولات مزينة كما اعتادوا، بل امتدت بين أنقاض المسجد المدمر وركام مبنى البلدية الذي سُوي بالأرض بالصواريخ، ورغم كل ذلك، فإن المكان أُضيء بروح رمضان والذين رفضوا أن تُطفئ الحرب أنوار الشهر الفضيل.

الإفطار الجماعي أقيم قرب مسجد كفرشوبا المدمر (الجزيرة) إرادة وصمود

وسط الأعمدة الحديدية المنهارة، والجدران المتشققة، والنوافذ التي فقدت زجاجها، والأسلاك المتدلية بين حجارة الإسمنت المتناثرة، افترش الأهالي طاولات امتدت في خط طويل، استوعبت أكثر من 400 صائم، اجتمعوا للإفطار على موائد صنعتها الإرادة، لا الرفاهية، كأنهم يعيدون للحياة نبضها وسط الخراب، وكأن أصواتهم المتشابكة وهم يتناولون الطعام معا تهمس للعالم "ما زلنا هنا، وما زال رمضان يعبر إلينا رغم الحرب".

لم يكن المشهد غريبا على أهالي كفرشوبا فقد اعتادوا ملامح الخراب، لكن ما ألفوه أكثر كان إصرارهم على الاحتفال برمضان، كما لو أن الحرب لم تمر يوما، كان صوت الأذان يصدح بين الأنقاض، يتردد صداه فوق الركام، ليعلن أن هذا الشهر المبارك يظل حاضرا مهما بلغت قسوة الأيام.

بعد الإفطار، علت أصوات الأناشيد الدينية، واختلطت بضحكات الأطفال التي نجت من أصداء الحرب. في زاوية المسجد المدمر، افترش المصلون الأرض وأقاموا صلاتهم على ما تبقى من محرابه، ليؤكدوا أن رمضان في كفرشوبا ليس مجرد شهر للصيام بل قصة صمود ترويها حجارة المسجد المهدم، وأنه ليس مجرد طقوس دينية بل رسالة مقاومة تمتد إلى كل من يعتقد أن الحرب يمكن أن تسرق الحياة.

الإفطار الجماعي استوعب أكثر من 400 من أهالي بلدة كفرشوبا (الجزيرة) رسالة قوية

يواصل العاملون في اتحاد الجمعيات الإغاثية والتنموية في لبنان جهودهم لدعم أبناء البلدات الحدودية، ويؤكد مصطفى صلاحات، مدير البرامج في الاتحاد، للجزيرة نت "نحضر اليوم في كفرشوبا لإفطار جماعي يجمع أهالي البلدة وسط الركام، تم تجهيز كل ما يلزم من إضاءة وأنشطة مخصصة للأطفال لنخلق أجواء دافئة رغم قسوة الظروف".

إعلان

وتسعى هذه المبادرة -وفقا له- إلى تعزيز التواصل مع الأهالي الذين اختاروا البقاء في بلدتهم أو العودة إليها رغم الدمار الذي خلفته الحرب، ويتابع "المبادرة في جوهرها تحمل رسالة قوية عن روح الصمود والتشبث بالأرض، مؤكدة أن الجرح العميق الذي خلفته الحرب لن يطفئ عزيمة أبناء هذه الأرض".

من جانبها، تضيف مايا عبيد، اختصاصية "السوشيال ميديا" في هذا الاتحاد، للجزيرة نت: "نقيم اليوم إفطارا يستهدف نحو 400 شخص وأكثر من 100 طفل وطفلة، وهو جزء من حملتنا الرمضانية، وسنواصل تنظيم مزيد من الإفطارات حتى نهاية الشهر الفضيل لنمنح الناس جرعة أمل، ولتأكيد صمود أهالي الجنوب في وجه الدمار الذي خلفته الحرب".

أما علي نور الدين، المشرف على تنظيم الإفطار، فيصف المشهد للجزيرة نت قائلا "ما نشهده اليوم هو محاولة لإعادة الحياة إلى قرى جنوب لبنان المدمرة، نحن اليوم في منطقة كفرشوبا على الحدود مع فلسطين المحتلة، في الأمس كنا في بلدة الوزانة، وفي كل مرة نواصل مهمتنا في إعادة الحياة إلى الأهالي الذين عانوا طوال سنة ونصف سنة من آثار الحرب".

وبإصرار وعزيمة، يتحدث مختار كفرشوبا أحمد دياب للجزيرة نت قائلا "نحن باقون وسنمضي مهما حصل، نحن هنا بين الردم والأنقاض في بلد منكوب من هذا العدو الغاشم، لكن لم نقهر، وسنبقى هنا في هذه الأرض، ولن نتركها رغم كل الدمار".

القائمون على الإفطار الجماعي في كفرشوبا أكدوا مواصلة حملتهم في عدة مناطق جنوبي لبنان (الجزيرة) قصة جماعية

وسط مشهد الدمار، تتنوع الشهادات التي يرويها الأهالي، كل واحدة تحمل جزءا من القصة الجماعية لأناس فرضت عليهم الحرب أن يعيشوا تحت ظلال الخراب، لكنهم لا يزالون متمسكين بأرضهم ووجودهم.

يقول حسن، أحد سكان البلدة، للجزيرة نت "لقد فقدنا كثيرا من أحبائنا ومنزلنا الذي كان ملاذا لنا، لكننا لا نزال هنا، نعيش وسط الأنقاض لكننا نرفض الرحيل، لن نترك أرضنا مهما حدث".

من جانبها، تقول فاطمة، إحدى الأمهات في البلدة، "في كل زاوية من كفرشوبا، ثمة قصة ألم وحزن، لكن هناك أيضا قوة لا مثيل لها، رغم كل شيء الأطفال يعودون للعب في الشوارع الضيقة، في محاولة لاسترجاع بعض من طفولتهم التي سرقتها الحرب، نحن نعيد بناء حياتنا بالدموع والصمود".

أهالي كفرشوبا أكدوا سعادتهم بالإفطار الجماعي وصمودهم رغم الدمار (الجزيرة)

أما يوسف، وهو شاب في العشرينات من عمره، فيقول للجزيرة نت "عندما تعرضت البلدة للقصف، كنت أعتقد أننا سنفقد كل شيء، لكننا اليوم نعيد بناء كفرشوبا بكل ما أوتينا من قوة، الحياة لم تتوقف ونحن نبني بأيدينا ما دمرته الحرب".

إعلان

من ناحيته، يضيف أبو علي -وهو أحد كبار السن في البلدة- للجزيرة نت "لقد عشت في كفرشوبا طوال حياتي، رأيت كل شيء من لحظات الفرح إلى الأوقات الصعبة. اليوم -رغم الخراب- نحن مستعدون للبدء من جديد، ستعود الحياة إلى قريتنا مهما طال الزمن".

من جهتها، تعبر أم علي، إحدى سكان كفرشوبا، عن حزنها وألمها وهي تتذكر ما خلفته الحرب من دمار وتهجير، قائلة للجزيرة نت "جئنا لنرى كيف دمرت إسرائيل بلدنا، وكيف تهجرنا، الأطفال بكوا من القهر، ومررنا بمعاناة كبيرة، ولكن هكذا أراد الله، والله ينتقم منهم كما فعلوا في ضيعتنا".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات رمضان الإفطار الجماعی خلفته الحرب جنوب لبنان للجزیرة نت فی کفرشوبا أکثر من

إقرأ أيضاً:

دولة حزب الله في لبنان التي انتهى زمنها

آخر تحديث: 12 غشت 2025 - 10:01 صبقلم: فاروق يوسف انزعجت إيران من قرار سيادي لبناني. هل كان على الرئيس اللبناني جوزيف عون أن يعرض قرار حصر السلاح بيد الدولة على الولي الفقيه قبل أن يصدره؟ المسألة لبنانية وليست إيرانية. كما أن لبنان دولة ذات سيادة ولا تتمتع إيران بحق الوصاية عليه. من حق دولته أن تفرض القوانين التي تؤكد من خلالها سيادتها على أراضيه. أما إذا كان لإيران رأي آخر فتلك مشكلتها التي يجب ألاّ يدفع لبنان ثمنها. وفي حال اعترفت إيران بأن لها جيشا في لبنان لا يحق للحكومة اللبنانية أن تمسّه فإن المسألة تأخذ حجما آخر يدخل في إطار، سيكون على لبنان باعتباره دولة مستقلة أن يكسره بالطرق التي تناسبه. في مقدمة تلك الطرق العمل على إنهاء ذلك الاحتلال بدءا من نزع السلاح الذي يمثله. كان الأمين العام الأسبق لحزب الله حسن نصرالله يصف نفسه بأنه واحد من جنود الولي الفقيه. بمعنى أنه كان جنديا إيرانيا. يصح ذلك الوصف على كل أفراد الميليشيا التي كان نصرالله يقودها. وبالعودة إلى تصريحات نصرالله فإن إيران كانت (ولا تزال) تمول تلك الميليشيا بالمال والسلاح. الآن بعد أن تغير كل شيء في لبنان صار بإمكان حكومته أن تعيد الأمور إلى سويّتها وبالطرق القانونية. فليس صحيحا على سبيل المثال أن تلاحق العدالة عملاء إسرائيل فيما يُترك عملاء إيران طلقاء، يتجولون بسلاحهم ويهددون أمن وسلامة الشعب اللبناني الذي دفع باهظا ثمن مغامراتهم حين جروه عبر السنتين الماضيتين إلى حرب هي ليست حربه، ضاربين عرض الحائط مصالح لبنان وشعبه.

لم تصل الدولة اللبنانية إلى مرحلة مطاردة أعضاء ميليشيا حزب الله بتهم الخيانة والعمالة والتخابر مع دولة أجنبية. لا أحد في لبنان يتمنى أن تصل الأمور إلى تلك الدرجة الحرجة التي لا تخون الواقع لأن الواقع اللبناني كان دائما ملغوما ولم يكن السلم الأهلي إلا مناسبة لتمرير الكثير من الأخطاء التي أفقدت القانون هيبته. اليوم تسعى الدولة اللبنانية إلى كسر ذلك الخطاب الطائفي القائم على الاستقواء بالسلاح الذي لا يقع تحت سيطرتها. بالنسبة إلى حملة ذلك السلاح فإن ذلك القرار يعني إنهاء دولتهم. ومن الطبيعي أن يكون ما يحدث صعبا عليهم. ذلك ما يجب التعامل معه بحذر. وكما أتوقع فإن زعيم الحزب الحالي نعيم قاسم الذي رفض الاستجابة الفورية لقرار الدولة هو الأكثر دراية بأن دولة حزبه قد انتهى زمنها ومَن يقرأ خطاباته التي لا تزال خاضعة للرقيب الإيراني لا بد أن يكتشف بين سطورها رغبة في التفاهم عند الحدود الدنيا. ذلك ما يُشير إلى بدء مرحلة جديدة.

وللإنصاف فإن موافقة الدولة اللبنانية على الورقة الأميركية لم تكن خضوعا لمطالب إسرائيلية. كانت هناك قرارات دولية، كلها لمصلحة لبنان تضمنتها تلك الورقة. ليس من المقبول أن تكون هناك دولة داخل الدولة. كان حزب الله دولة همشت الدولة اللبنانية. وليس من المقبول أيضا أن يتم استبعاد الجيش اللبناني عن حدود الدولة ليحل محله جيش إيراني بحجة المقاومة. كما أنه لم يكن من حق أيّ جهة أن تسلب الدولة حقها في إعلان الحرب كما حدث غير مرة مع حزب الله الذي تبين في الحرب الأخيرة أن هلاكه ما كان ليحدث لولا أنه خضع لأوامر إيرانية كانت قد احتكمت إلى أخطاء في التقديرات التي سببت سيلا من الكوارث. أخطاء الحزب في حربه الأخيرة هي أخطاء إيرانية. وعلى العموم فقد آن الأوان أن يتخلص لبنان من العبء الإيراني. لتذهب إيران بأخطائها إلى جحيمها. فلكي يستمر لبنان في حياته صار عليه أن يتحرر من إملاءات المقاومة الإيرانية. ما من شيء في بيان الدولة اللبنانية الداعي إلى حصر السلاح بيد الدولة يشير إلى إيران. من حق الدولة اللبنانية أن تبسط سيطرتها على أراضيها. من حقها أن تطلب ممَّن يملكون سلاحا غير مرخص أن يسلموه لها. كما أن من حقها أن تنشر جيشها على حدودها. وعلى الجانب الآخر فقد صار على حزب الله أن يفهم أن زمنه انتهى. زمن الوصاية الإيرانية انتهى. لقد انتهى زمن دولته التي همشت الدولة اللبنانية المعترف بها دوليا. لبنان اليوم ليس جبهة إيرانية. وإذا ما كانت إيران قد انتحرت بالقيادات التاريخية لحزب الله فإن القيادة الحالية للحزب لن تنتحر كما أتوقع من أجل عيني إيران.

مقالات مشابهة

  • جنرال إسرائيلي: لماذا لم تُهزم “حماس” بعد كل الضربات التي تلقتها؟
  • الحاج أبو محمد… بائع الأمل الذي تحدى الحرب بابتسامة
  • دولة حزب الله في لبنان التي انتهى زمنها
  • جنرال إسرائيلي: لماذا لم تُهزم حماس بعد كل الضربات التي تلقتها؟
  • «أول تجربة».. بسنت شوقي في «حمام ثلج جماعي» بالساحل الشمالي (فيديو)
  • جنوب لبنان.. سقوط مسيّرة إسرائيلية في مارون الرأس (فيديو)
  • ماذا وراء خطة نتنياهو بشأن غزة التي “لا ترضي أحدا”؟
  • هيئة البث الإسرائيلية: سموتريتش عارض خطة احتلال غزة التي صدق عليها الكابينت
  • ما وراء خطة نتنياهو بشأن احتلال غزة التي لا ترضي أحدًا؟
  • من مجدلزون... فيديو لسيارات الإسعاف التي تقلّ شهداء الجيش