هيرست: حلم ويتكوف وترامب في غزة ينقصه شيء واحد فقط
تاريخ النشر: 26th, March 2025 GMT
قال الكاتب البريطاني ديفيد هيرست، رئيس تحرير موقع "ميدل إيست آي"، إن خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومبعوثه إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف بشأن غزة، ينقصها شيء واحد فقط، وهو الفلسطينيين.
هيرست وفي مقال بموقع "ميدل إيست آي"، قال إن "كل محاولة في تاريخ هذا الصراع لإعلان السلام بدون تحقيق العدالة للفلسطينيين لم ينجم عنه سوى تسعير الحرب".
وتاليا الترجمة الكاملة للمقال:
ستيف ويتكوف ليس مبعوثاً عادياً للشرق الأوسط. ليس له المصير الشنيع الذي انتهى إليه أسلافه مثل طوني بلير وبريت ماكغيرك.
يقول ويتكوف إنه مبارك، وأنه مكلف برسالة، إن لم يكن من الله، فإذن من ثاني أفضل شيء – والذي هو رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب.
ويتكوف يعبد الرجل حقاً. فقد قال ويتكوف وهو يتحدث مع تاكر كارلسون في مقابلة جديدة: "لقد جاء إلى 101 بارك أفنيو، حيث كنت أعمل محامياً. كان لديه أسلوب في الاختيال. كنت أراه يدخل، وكنت أقول: يا الله أريد أن أكون هو، لا أريد أن أكون المحامي، لا أريد أن أكون كاتب عدل. أريد أن أكون هذا الرجل. نعم، يمكنني تذكر أنني قلت ذلك. لقد كان بالنسبة لي مثل مايكل جوردان".
المتكهنون من أمثال ويتكوف لا يتحدثون في العادة مع الناس العاديين، وإذا ما فعلوا فإنما يكون ذلك بالألغاز. إن آخر ما تتوقعه من شخص يسعى حالياً لترتيب وقف لإطلاق النار في غزة هو أن يبوح بكل شيء لمذيع برنامج محافظ مدته تسعون دقيقة.
ولكن ذلك بالضبط هو ما فعله ويتكوف. لقد كشف عن كل فكرة مستقرة في دماغه. سال لعاب كارلسون لذلك. أما بالنسبة لنا، فقد كانت الصورة التي رسمها ويتكوف مذهلة للغاية.
لن تجد معلماً يحترم نفسه يمكن أن يسمح لولد في الصف التاسع بأن يفلت بما يبدو أن ويتكوف لا يعرفه عن أقدم الصراعات الإقليمية في العالم.
ففي الصورة التي عرضها ويتكوف لا وجود لادعاء فلسطيني بامتلاك الأرض ولا وجود لحقوق وطنية فلسطينية. ولا وجود لمستوطنين يقومون بطرد الفلسطينيين من بيوتهم في الضفة الغربية المحتلة. ولم يتم للتو الإعلان عن 13 مستوطنة هناك. كما لا يوجد فلسطينيون في إسرائيل. كل شيء يتعلق بحماس وغزة.
والمشكلة في غزة لا تتعلق بسؤال أين ينبغي أن يوضع سكانها الذين يبلغ تعدادهم المليونين. معلوماتنا عن كل ذلك خاطئة. يمكن الدفع بهم إلى أي مكان: إلى أرض الصومال، إلى دول البلقان، إلى أي مكان.
وإنما يتعلق الأمر بسؤال أين ينبغي أن توضع ناطحات سحاب ترامب.
مبعوث امبراطوري
قال ويتكوف مخاطباً كارلسون، كما لو كان يكشف له عن سر: "إن غزة مليئة بالأنفاق حتى غدت أشبه بالجبنة السويسرية تحت الأرض. ثم يتم ضربهم بقنابل مضادة للتحصينات الخرسانية. إذن لا وجود هناك للصخر في أي مكان. لا يوجد مكان تقيم فيه الأساسات إذا أردت أن تنشئ مبانٍ .... لو كانت لدينا مبانٍ في مثل هذه الأحوال في نيويورك، لأحيط المكان كله بالشريط الأصفر ولما سمح لأحد بالدخول".
أتصور ذلك، ولكن لو أن سكان نيويورك تعرضوا للحصار سبعة عشر عاماً، وتم تدمير 80 بالمائة من مساكنها بالمسيرات التي تستخدم مانهاتن ميداناً للرماية، لتصورت أن أهل نيويورك كانوا سيتعودون على الاختباء وراء قطع الخرسانة المكسرة، سواء ساعدهم في ذلك شريط أصفر أم لم يساعدهم.
ولكن، لنبدأ بما هو أهم: ويتكوف ليس مجرد مفاوض آخر، بل إنه مبعوث امبراطوري. يعد الامبراطور المائدة لجميع نبلائه، معلناً أنه سوف يحصل على "السلام من خلال القوة".
ليس هذا مجرد شعار. بل إنه شيء عملي. يقول ويتكوف: "فعندما يبتعثك إلى الشرق الأوسط، يشعر الناس بالرهبة قبل أن تصل إليهم".
ولكن قبل أن تتسلق إلى طائرتك من طراز غالف ستريم جي 650، عليك أن تعلم إلى أين تتجه. يخبرنا ويتكوف أن أهم ما في المفاوضات هو أن تكون موجهة نحو النتيجة المرجوة منها.
والنتيجة لا تقل عن الفردوس.
يقول ويتكوف: "يمكن أن يصبح ساحل الخليج واحداً من أرخص الفرص فيما لو حصلنا على السلام والاستقرار في أرجاء المنطقة. فيما لو حللنا إيران وتمكنت من التمويل في ذلك السوق، إن الإسرائيليين رائعون من الناحية التكنولوجية ... فهم في الذكاء الاصطناعي، وفي صناعات الروبوت، وفي سلاسل الكتل. وذلك هو موقع الإمارات العربية المتحدة اليوم، وذلك هو موقع السعودية اليوم، وذلك هو موقع قطر اليوم".
ويضيف: "هل بإمكانك أن تتصور جميع هذه البلدان وهي تعمل في تعاون وتضافر فيما بينها وتخلق ذلك النمط من السوق؟ يمكن أن يكون ذلك أكبر من أوروبا. أوروبا مختلة ومعطلة اليوم. تصور لو أنهم صاروا شغالين كما يجب، وغدا الجميع هناك حاذقين في التجارة والأعمال. يمكن أن يكون ذلك مذهلاً".
بالنسبة لويتكوف، الأمر كله يتعلق بالأعمال والتجارة، ولا يبدو أن ثمة مكان داخل دماغه للكرامة، للحقوق الوطنية الفلسطينية، لإنهاء الاحتلال، أو للسعي لتحقيق المساواة.
إذن انتهت أوروبا، ومعها يكون قد انتهى المشروع الجمهوري لجعل أوروبا الجديدة شريكاً طبيعياً. وغدت إعادة بناء أوروبا الشرقية لتصبح جنة الليبرالية الجديدة دمية أخرى يمكن أن تستغني عنها أمريكا ترامب. وبذلك تصبح بولندا ودول البلطيق من أحاديث الأمس.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "بالغ الذكاء"، حتى وإن لم يتمكن ويتكوف من تذكر أسماء المناطق الأوكرانية التي استولت عليها روسيا.
ولكن 20 بالمائة من أوكرانيا مجرد تفاصيل. بمجرد أن تعرف إلى أين تريد أن تصل، وذلك في الأساس صفقة تجارية عالمية بين الطغاة الذين يفكرون مثل بعضهم البعض، فإن مهمتك التالية هي "عرض الوقائع".
الاصطدام بالحقيقة
إن "الوقائع" في الشرق الأوسط بسيطة. كانت تجربة روحانية بالنسبة لويتكوف أن يحضر مظاهرة في ميدان الرهائن. رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وكبير مساعديه، رون ديرمر، في "غاية الحماس".
ما كان للولايات المتحدة أن تكون بتلك الدرجة من الفاعلية التي هي عليها الآن لولا حقيقة أن حزب الله والآن حماس تم قطع رؤوسهم، ولولا أن محور المقاومة "تم القضاء عليه إلى حد كبير". ولا يمكن السماح لحماس بالبقاء في غزة، وإذا كان لابد من أن تبقى، فلا مفر من نزع سلاحها.
وبالمناسبة، أسلحة إيران النووية هي التي عليها الدور، فلا يمكن لترامب أن يتسامح مع وجود "كوريا الشمالية" في الخليج.
تلك هي الصورة التي تحصل عليها. قد تكون هزلية، معارضة ذاتية لولا أن غزة تم تفتيتها بالقنابل التي زود بها ترامب إسرائيل، كما راح ويتكوف وكارلسون يتجملان ويعربان عن إعجاب كل منهما بالآخر.
أحياناً يصطدم ويتكوف بالحقيقة أثناء تسكعه في دهاليز لا-لا لاند. ومن ذلك قوله مندفعاً إن مصر باتت في غاية الضعف، وأنها هي مفلسة، وأن البطالة في وسط الشباب غدت مشكلة كبيرة.
"كل الخير" الذي نجم عن الانتخابات الرئاسية الأخيرة في لبنان، والتي فاز بها رئيس الجيش جوزيف عون بعد تمكن إسرائيل من قتل زعيم حزب الله حسن نصر الله وزعيم حماس يحيى السنوار، "يمكن أن ينقلب إلى الضد فيما لو خسرنا مصر"، كما قال ويتكوف.
كان ينبغي على ويتكوف أن يسأل نفسه لماذا باتت مصر ضعيفة، بعد كل المليارات التي ضختها فيها المملكة العربية السعودية ودول الخليج منذ الانقلاب العسكري قبل 12 سنة. وما ذلك إلا بسبب ما فعله بها عبد الفتاح السيسي، الدكتاتور المفضل لدى ترامب.
ولا ذكر لمن دمروا غزة التي بلغ الخراب فيها أنها تحتاج إلى ما بين 15 إلى 20 سنة حتى يعاد إعمارها، ومع ذلك لا يأتي ويتكوف على ذكر أولئك الذين دمروها. يعلن ويتكوف أن الفلسطينيين في غزة يحتاجون إلى نظام تعليمي. وما الذي كانت تفعله وكالة إغاثة اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة طوال ذلك الوقت والتي نالها من التشويه ما نالها؟ وهي التي بفضل نظامها التعليمي، تحظى غزة بأعلى معدلات محو الأمية في العالم.
يتساءل ويتكوف: تخيل ما الذي سيكون عليه حال غزة فيما لو أصبحت مركزاً للذكاء الاصطناعي، والذي يتحمل المسؤولية عن أفظع إبادة يتعرض لها المدنيون الأبرياء من أطباء ومسعفين وصحفيين وأكاديميين ومعلمين في تاريخ هذا الصراع.
سراب اقتصادي
تخلص من إغراء ما يبدو جديداً، ولسوف تجد أن كل ما يفعله ويتكوف هو تكرار صيغة قديمة جداً. عد بالذاكرة إلى اتفاقيات أوسلو، وستجد أن نفس الكلام الفارغ كان قد قيل عن المعجزة الاقتصادية الوشيكة.
لقد وُعد الفلسطينيون سكة الحديدية، وقناة من وادي الأردن إلى البحر الأحمر، وواحة داخل الضفة الغربية، فقط فيما لو وضعوا أسلحتهم وعملوا مع إسرائيل. بل ووعد بلير جنين بإقامة مدينة صناعية كبرى فيها. إلا أن شيئاً من ذلك لم يتحقق.
لا يحفز ويتكوف وترامب البحث عن حياة أفضل للفلسطينيين. كل ما هنالك هو أنهم يريدون إقامة شرق أوسط تهيمن فيه إسرائيل وتموله دول الخليج.
كلاهما يتوهمان أن كل الأمور كانت تجرى على خير ما يرام مع اتفاقيات أبراهام حتى السابع من أكتوبر 2023، وكأنما هجوم حماس، المصنفة جماعة إرهابية في بريطانيا وفي بلدان أخرى، كانت شذوذاً بلا سبب. والحقيقة هي أن محاولات تجاوز القضية الوطنية الفلسطينية في تلك الاتفاقيات كان أحد الأسباب الرئيسية للهجوم.
عندما تسد جميع الطرق نحو الحوار، تصبح المقاومة المسلحة البديل الوحيد. تلك هي واحدة من حقائق هذا الصراع التي كان يحسن بويتكوف التدبر فيها.
قال ويتكوف إن غزة كانت العقبة الوحيدة ولم يذكر الضفة الغربية على الإطلاق. ولكن فيما لو استمرت العملية الإسرائيلية في الضفة الغربية، فلن يتمكن زعيم عربي واحد من إقرار اتفاقيات أبراهام.
احتاج ويتكوف إلى الوقوف في ميدان الرهائن حتى يشعر بالروحانية. وأنا أنصحه قبل أن يتخذ خطوته التالية بأن يستمع إلى ما يشير به زعماء روحانيون آخرون على المسلمين طالبين منهم أن يفعلوه.
ينبغي عليه أن يأخذ بالحسبان ما قاله إمام المسجد الحرام في مكة عبد الرحمن السديس في الصلاة يوم الخميس من الأسبوع الماضي: "يا إلهي عليك بالمحتلين الصهاينة الظالمين، يا إلهي انتقم منهم فإنهم لا يعجزونك".
مثل هذه الكلمات تعبر عن السخط الذي يغلي في كل قلب عربي. إذا كان ويتكوف يظن أن تهدئة، أو بالأحرى كتم، الناس في غزة من شأنه أن يطفئ جذوة هذه الكراهية في قلوب العرب، فإنه يعيش في الأحلام.
نثر البذور
في كل مرة تتعرض فيها الشعوب العربية للضرب، فإنها تعود من جديد. كانت حرب 1948 وإقامة دولة إسرائيل ضربة كبيرة. ولكن بعد أربع سنين فقط أطاحت مصر بالملك وأقامت الجمهورية. وفي عام 1977 توجه رئيس مصر حينذاك أنور السادات إلى القدس ليفتح صفحة جديدة، ثم لقي حتفه بعد أربع سنين فقط. ثم أطيح بخلفه حسني مبارك فقط بعد عامين من الحرب الإسرائيلية على غزة في 2008/2009.
وهذا هو ما خطر ببال ولي العهد السعودي محمد بن سلمان حينما حذر الأمريكيين من أنه وإن كان هو شخصياً لا مانع لديه من التطبيع مع إسرائيل، إلا أن شعبه لن يرضى بذلك.
كل محاولة في تاريخ هذا الصراع لإعلان السلام بدون تحقيق تسوية عادلة للشعب الفلسطيني كانت محطة لنثر بذور فصل آخر من الصراع.
ما يزرعه نتنياهو وترامب اليوم هو احتدام حريق أوسع نطاقاً من كل شيء شهدته المنطقة حتى الآن. كل ما يفعلونه وكل ما يقولونه يضعف من قدرة الطغاة الذين عليهم تعتمد إسرائيل والولايات المتحدة.
لا يرى ترامب في دول الخليج سوى أبقاراً حلوباً. أعلنت المملكة العربية السعودية أنها سوف تستثمر تريليون دولار في الاقتصاد الأمريكي، وأعلنت الإمارات أنها سوف تستثمر 1.4 تريليون دولار، ويجري الآن التنمر على الكويت حتى تعلن عن مخصصاتها. لا أحد، سوى إسرائيل، يحصل على إعفاء.
بالنسبة للشعوب العربية، يحمل ذلك رسالة مدمرة. تتساءل هذه الشعوب، كيف يبدي أمراؤنا الأثرياء رغبة في إنفاق 2 تريليون دولار على الولايات المتحدة بينما لا يقدرون على إدخال قارورة مياه إلى غزة؟ إما أن يكون حكامهم عاجزين أو متواطئين، أو كلا الأمرين معاً.
إن الهدوء الذي يسعى لإنشائه ويتكوف أبعد ما يكون عن الاستقرار. مثل تلك القنابل المخترقة للتحصينات الخرسانية، والتي تستخدمها إسرائيل لتخريم غزة، يقوض ترامب كل ما يمكن أن يكون قد بقي من شرعية لدى أي من الأنظمة العربية التي تتملقه هو ونتنياهو.
من هذا الجانب أتفق مع ويتكوف في تقييمه لرئيسه. فعلاً، ترامب ثوري بكل ما تعنيه الكلمة. إلا أن هذه الثورة لن تحقق له ما يرجوه منها.
للاطلاع إلى النص الأصلي (هنا)
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة عربية صحافة إسرائيلية ترامب غزة الفلسطينيين الاحتلال فلسطين غزة الاحتلال ترامب صحافة صحافة صحافة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الضفة الغربیة أرید أن أکون هذا الصراع قال ویتکوف ویتکوف أن أن یکون یمکن أن فیما لو لا وجود إلى أی فی غزة
إقرأ أيضاً:
كيف يمكن أن تتعثر مشاركة الولايات المتحدة في الحرب ضد إيران؟
نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، مقالا، للأستاذ في كلية الدراسات العليا للصحافة بجامعة كولومبيا، هوارد فرينش، قال فيه إنّ: "الولايات المتحدة تجد نفسها فجأة على شفا تورّط مباشر في صراع كبير آخر في الشرق الأوسط، بعد أيام من القصف الإسرائيلي لإيران وإطلاق الصواريخ على تل أبيب ومدن أخرى ردّا على ذلك".
وأوضح المقال الذي ترجمته "عربي21" أنّه بـ"مجرد معرفة تاريخ الحروب الأمريكية في تلك المنطقة وفي الدول المجاورة، خلال الجيل الماضي كافية لإثارة الدهشة. كانت تدخلات الولايات المتحدة في العراق باهظة التكلفة في الأرواح والأموال، وخلفت وراءها بلدا مُنهارا لم يتعافى تماما".
وتابع: "انتهى احتلال أمريكا الطويل لأفغانستان بانسحاب مُذل، بعد أن حقق عددا أقل من أهدافه، وبعد أن تكبد تكاليف أعلى"، مردفا أنّه: "على الرغم من أن تدخل الولايات المتحدة في ليبيا أقل إثارة للجدل، إلا أنه قد يُمثل سابقة مهمة لما قد يحدث إذا التزمت واشنطن بحرب ضد إيران".
"ساعد هذا التدخل، الذي نُفذ بالتعاون مع حلفاء أوروبيين، في الإطاحة بمعمر القذافي، لكنه حطم البلاد أيضا، ودفعها إلى دوامة عنف وحرب أهلية. وكان الضرر الجانبي الذي ألحقه بالدول المجاورة، مع انتشار الأسلحة الصغيرة بحرية في منطقة الساحل الأفريقي، مدمرا" بحسب المقال نفسه.
وأردف: "بعض أهم أسباب معارضة ما يبدو أنه انزلاق أمريكي نحو الحرب ضد إيران هي أسباب محلية بحتة. ما هو معروف عن عملية صنع القرار حتى الآن يكشف عن غرور الرئيس دونالد ترامب، وعدم جديته، وتقلب مزاجه. حتى أسبوع تقريبا، كان ترامب يراهن بسمعته في السياسة الخارجية على تجنب الصراع والسعي إلى السلام".
وأضاف: "بالطبع، كانت التناقضات في التنفيذ كبيرة، كما هو الحال في الحرب بين روسيا وأوكرانيا، والتي لم يفعل ترامب الكثير لثنيها نظرا لتردده في إلقاء اللوم على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لغزوه جاره أو انتقاده بأي شكل من الأشكال".
مع ذلك، استرسل المقال بالقول: "أظهر ترامب جدية في أمرين قد ينعكسان الآن مع الحرب على إيران. أحدهما هو التركيز على إنهاء النزاعات، كما ذُكر آنفا، والآخر هو رغبته في الحد من التدخل الأمريكي في مجموعة من القضايا المتعلقة بشؤون الدول الأخرى، من التنمية الاقتصادية إلى الحرب".
وأورد: "يتجلى غرور ترامب وارتجاله في الانزلاق الواضح نحو المواجهة المسلحة المباشرة مع طهران من خلال تصريحاته المتغيرة حول قرار إسرائيل ضرب إيران. كان البيت الأبيض قد حثّ إسرائيل سابقا على عدم شنّ هجوم على إيران بطرق تخشى أن تجرّ الولايات المتحدة إلى الصراع، ويبدو أن هذا الحذر استند جزئيا إلى تقدير مخاطر الفشل والعواقب غير المقصودة العديدة التي قد تترتب على ذلك".
ومضى بالقول إنّه: "بعد بعض النجاحات المبكرة المبهرة التي حققتها إسرائيل، بما في ذلك الاغتيال المستهدف للعديد من القادة العسكريين وكبار العلماء النوويين الإيرانيين، بدا ترامب حريصا على أن يُنسب إليه الفضل، وبدأ فجأة في استخدام ضمير المتكلم "نحن" عند الإشارة إلى الهجوم الإسرائيلي المستمر".
وأبرز: "تتجلّى عدم جديته أيضا في تصريحات أخرى، مثل قوله "لا أحد يعلم" إن كان سيهاجم إيران أم لا، حتى مع وصفه مطلبه بـ"استسلام" طهران دون قيد أو شرط بأنه "إنذار نهائي". هذا ليس مدخلا للدخول في صراع كبير محفوف بالمخاطر على الولايات المتحدة وإيران وإسرائيل والعالم. لكن ما يبدو أنه في الواقع هو تسليم صنع القرار بشأن الاستراتيجية الأمريكية وقرارات الأمن القومي لزعيم دولة أخرى، وتحديدا نتنياهو، الذي سيحقق هدفا راسخا، وهو مساعدة الولايات المتحدة لإسرائيل في شن حرب على إيران إذا التزم البيت الأبيض بالتدخل المباشر".
واستدرك بأنّ: "الولايات المتحدة ملتزمة بحق بالدفاع عن إسرائيل، لكنها عانت من تراجع تدريجي في قدرتها على التمييز بين مصالحها الوطنية ومصالح أهمّ حلفائها التقليديين في الشرق الأوسط. وتجلى هذا بوضوح مؤخرا على مرّ إدارتين، في فشل واشنطن في الضغط على إسرائيل بفعالية لإنهاء مذبحتها المستمرة للفلسطينيين في غزة، وتعدياتها وانتهاكاتها الواسعة النطاق بحق الفلسطينيين في الضفة الغربية".
"على المدى الأبعد، اتضح ذلك جليا في ضعف وتناقض جهود واشنطن في السعي لتحقيق ما يُسمى بحل الدولتين للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وهو ما لم يحظ من العديد من الإدارات الأمريكية إلا بالكلام" وفقا للمقال نفسه الذي ترجمته "عربي21".
وأردف: "يمكن للمرء أن يسرد قائمة بأسباب أخرى تدفع الولايات المتحدة إلى الحذر من الانخراط المباشر في الحرب. بعض من أهمّ هذه الأسباب ينبع من منطق "حتى لو". فحتى لو استطاعت واشنطن تدمير البنية التحتية للأسلحة النووية الإيرانية، فلن يُلغي ذلك بالضرورة الخبرة الإيرانية وروح المبادرة اللازمة لإعادة بناء البرنامج. المعرفة يصعب تدميرها بالقنابل، ويبدو من المحتم أن يشعر بعض، وربما كثيرون، من الإيرانيين بمبرر أكبر من أي وقت مضى في السعي وراء هذه التكنولوجيا".
وتابع: "في هذه الأثناء، إذا فشلت الولايات المتحدة وإسرائيل في تحقيق هدفهما المتمثل في القضاء العسكري، فقد يتحول دافع طهران للإسراع في تطوير الأسلحة النووية بالكامل، وهو أمر تقول كل من الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومديرة الاستخبارات الوطنية في إدارة ترامب إنها تجنبته حتى الآن. عندما سُئل ترامب مؤخرا عن تقييم مديرة استخباراته الذي يشير إلى أن إيران لا تصنع سلاحا نوويا، قال إنه لا يكترث، ولديه قناعاته الخاصة التي يجب أن يتبعها".
واستطرد: "هذا يُذكّر بالفرضية الخاطئة للغزو الأمريكي للعراق - الادعاء بأن ذلك البلد يمتلك أسلحة دمار شامل"، مردفا: "حتّى لو تمكن ترامب ونتنياهو من القضاء على القيادة الإسلامية الإيرانية، فلا توجد طريقة لضمان تجنب نتيجة سياسية أكثر إشكالية. قد تصبح إيران ديكتاتورية عسكرية متشددة بنفس القدر، لكنها أكثر كفاءة، أو، للتكهن بالاتجاه المعاكس، ولكن المقلق بنفس القدر، قد تذوب هذه الدولة الكبيرة والمعقدة عرقيا في حالة من الفوضى والعنف والهجرة الجماعية".
وأكّد: "هذه هي الاحتمالات التي تبدو العديد من الدول العربية المجاورة لإيران قلقة للغاية بشأنها"، متابعا: "في الوقت نفسه، ثمّة مخاطر تهدد مكانة أمريكا في عالم سئم من سلوك واشنطن المتهور، والذي غالبا ما يكون إمبرياليا أحادي الجانب. قد يبتهج بعض الأمريكيين لشعورهم بأن بلادهم لا تزال "الأولى" عالميا، وبالتالي يمكنها فرض إرادتها على الآخرين متى شاءت".
وأبرز: "لا أتفق كثيرا مع سياسة ترامب "أمريكا أولا"، لكن ميوله المناهضة للتدخل تستحق الإشادة. إن النهج المغامر في الحرب على إيران هو ترف لا تستطيع الولايات المتحدة - التي فقدت نفوذها مقارنة ببقية العالم، حتى مع بقائها بعيدة كل البعد عن التراجع كقوة بالقيمة المطلقة، تحمّله".
واختتم المقال بالقول: "إنّ السبب المحلي الأهم للحذر من مهاجمة إيران. لاحظ العديد من المراقبين ولع ترامب الظاهر بمفهوم ملكي للرئاسة، أو على الأقل رئاسته المُذهّبة. في نهاية الأسبوع الماضي فقط، دفع هذا ملايين المواطنين الأمريكيين إلى النزول إلى الشوارع في ما سُمّيَ بمسيرات: لا ملوك"، مستدركا: "لا شيء يُجسّد الطابع الإمبراطوري أكثر من رئيس يتبع حدسه أو نزواته في اتخاذ قرار الحرب. لم تُصمّم الرئاسة الأمريكية على هذا النحو قط".
وأبرز: "الدستور يُقيّد صلاحياتها بوضوح في هذا المجال، ويُلزم السلطة التنفيذية المُنتخبة في البلاد بالحصول على تفويض من الكونغرس قبل خوض أي صراع خارجي. سيكون ترامب أحدثَ رئيسي أمريكي تجاهل هذا الشرط، إذا خاض حربا مع إيران. ومهما كان شعور المرء تجاه إسرائيل وإيران والشرق الأوسط، فإنّ السماح له بفعل ذلك سيُؤكّد بقوة شعور ترامب بالأبعاد الملكية لسلطته، وسيُضعف الديمقراطية في الولايات المتحدة والمُثُل التي ألهمت تأسيسها".