أما آنَ لنا، يا أبناءَ هذهِ الأرضِ الطيبةِ، أن نُصغيَ إلى صوتِ القلبِ الذي يُنادي بالوئام؟ أما آنَ للغةِ المحبةِ أن تَعلُوَ على هَمَساتِ الفُرقةِ؟ يا لغةَ الضادِ التي وَحَّدَتْ قلوبَنا، ويا تاريخَنا المشتركَ الذي نَحملُهُ في ذاكرتِنا! يا أهلًا وسهلًا بكم جميعًا، يا أحبةَ الروحِ وأبناءَ هذهِ الأرضِ الطيبة! من أعماقِ قلوبٍ تتوقُ إلى السلامِ، ومن شغفِ وجدانٍ يَنشدُ الوئامَ، يرتفعُ هذا النداءُ الصادقُ.
"تفاءلْ فالصُّبحُ آتٍ مُشرِقًا،
يَمْحُو دُجَى اللَّيلِ الطَّويلِ الأَدْلَجِ."
إنَّ التحدياتِ التي تُحيطُ بمنطقتِنا اليومَ كبيرةٌ، ولا سبيلَ لمواجهتِها بنجاحٍ إلا بالتكاتفِ والتعاضدِ، وحدَنا، قد نَضعُفُ أمامَ نوائبِ الدَّهرِ، ولكنَّنا معًا، نَصيرُ كالبُنيانِ المَرصوصِ الذي لا تَنالُ منهُ الرِّياحُ العاتيةُ. ألمْ نرَ كيفَ استطاعتْ أممٌ أخرى، على اختلافِ ألسنتِها وأعراقِها، أن تُقيمَ صروحًا من التعاونِ والازدهارِ حينَ آمنتْ بقيمةِ الوحدةِ وتجاوزتْ خِلافاتِها؟ لنتعلَّمْ من حِكمةِ التاريخِ، ولنجعلْ من الأخوَّةِ نورًا يُضيءُ دُروبَ مستقبلِنا.
"أَخِي إِنْ ضَاقَتْ عَلَيْكَ الدُّنْيَا بِمَا رَحُبَتْ،
فَلِيَ الْقَلْبُ الَّذِي يَهْوَى لَكَ الْفَرَجَا."
يا أحبةَ الفؤادِ، إنَّ في أعماقِ كلٍّ منَّا شعلةً من المودَّةِ والتسامحِ تنتظرُ أن تُوقَدَ. فلنُطلِقْ سَراحَ هذهِ المشاعرِ النبيلةِ، ولنُصافحْ بعضَنا بعضًا بقلوبٍ مُنفتحةٍ وصدورٍ رحبةٍ. لِنُزِحْ غُبارَ الضغائنِ والأحقادِ، ولنزرعْ في حديقةِ أيامِنا زهورَ الصَّفحِ والوئامِ. الاختلافُ لَونٌ جميلٌ يُضفي على لوحةِ حياتِنا بَهجةً وتميُّزًا، فلنحتضنهُ بروحٍ طيبةٍ، ولنجعلْ من حوارِنا جسرًا يُقرِّبُ وجهاتِ النظرِ ويُثري فكرَنا.
وفي هذا السياقِ، لا يَسعُنا إلا أن نُشيدَ بالدورِ الرائدِ لمصرَ الكنانةِ، مَهْدِ الحضارةِ والعلمِ، التي لم تَدَّخرْ وُدًّا ولا عونًا عن أشقائِها في الخَليجِ العَربيِّ. ونُثني على النهضةِ المباركةِ التي تشهدُها دولُ الخَليجِ، وفي مُقدِّمتِها المملكةُ العربيةُ السعوديةُ ودولةُ الإماراتِ العربيةُ المتحدةُ، وما قدَّمتاهُ من إسهاماتٍ قيِّمةٍ في دعمِ مسيرةِ التنميةِ والازدهارِ في المنطقةِ، ومدِّ يدِ العَطاءِ لكلِّ مُحتاجٍ. إنَّ حِفظَ الجميلِ خُلقٌ أصيلٌ فينا، ونحنُ نُقدِّرُ كُلَّ مَنْ سَاهَمَ في بناءِ هذا الصَّرحِ الشامخِ.
"وَإِذَا الصَّنِيعَةُ لَمْ تَكُنْ لِأَهْلِهَا،
ضَاعَتْ كَمَا ضَاعَ النَّدَى فِي الرَّمْلِ."
إنَّ مستقبلَ أبنائِنا وأحفادِنا أمانةٌ في أعناقِنا، وهمْ يَستحقُّونَ أن يَنشَأوا في كَنَفِ أُمَّةٍ قويةٍ مُتَّحدةٍ، تنعمُ بالسَّلامِ والرخاءِ. فلنستثمرْ طاقاتِنا ومواردَنا في تشييدِ غدٍ مُشرِقٍ لهم، من خلالِ التعاونِ في مجالاتِ العلمِ والمعرفةِ والاقتصادِ المُزدهرِ. لنكنْ كاليَدِ الواحدةِ التي تُعينُ بعضَها، وكالجسدِ الواحدِ الذي يَشتكي لِشَكْوَى أيِّ عُضوٍ فيهِ ويَفرحُ لفرحِهِ.
يا أبناءَ العروبةِ، يا حُمَاةَ المجدِ، إنَّ لغتَنا الجميلةَ هي نبضُ قلوبِنا ومرآةُ أرواحِنا، فلنجعلْ منها مَنارةً تُضيءُ دُروبَ التَّفاهُمِ والتَّواصُلِ بيننا. ولنجعلْ من تاريخِنا العريقِ، بِما فيهِ من عِبَرٍ وحِكَمٍ، دافعًا لنا للارتقاءِ بأنفسِنا وأُمَّتِنا.
هذا نداءٌ من القلبِ إلى القلبِ، دعوةٌ صادقةٌ للمحبةِ والوئامِ، وتقديرٌ لكلِّ يدٍ مُدَّتْ بالخيرِ والعطاءِ. فلنُلبِّ هذهِ الدعوةَ بصدقِ النوايا وعزيمةِ الأُباةِ، ولنُعلنها صرخةً مدويةً تُزَلزِلُ أركانَ الفُرقةِ والخلافِ. معًا، يا أحبائي، سنُزهرُ أرضَنا وُدًّا وسلامًا، وسنرتقي بأُمَّتِنا إلى أعلى المراتبِ. فلنتمسَّكْ بأيدي بعضِنا البعضِ، ولنخطُ خُطواتِنا بثباتٍ نحو مستقبلٍ يَجمعُنا على الخيرِ والبركةِ والوئامِ، مستقبلٍ نُخلِّدُ فيهِ الوُدَّ ونَحفظُ الجميلَ. يا نبضًا واحدًا خفقَ في هذهِ الأرضِ، لِيُعلنْ صوتُنا جَهْرًا: معًا، نبني ونرتقي، وبالمحبةِ نَنتصر!
اقرأ أيضاًإطلاق الإصدار الثاني من تقارير توطين أهداف التنمية المستدامة بالمحافظات
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: المستقبل أرض العرب الأرض الطيبة
إقرأ أيضاً:
فلنغير العيون التي ترى الواقع
كل مرة تخرج أحاديثنا مأزومة وقلقة وموتورة، مشحونة عن سبق إصرار وترصد بالسخط والتذمر، نرفض أن نخلع عنا عباءة التشاؤم، أينما نُولي نتقصّى أثر الحكايات شديدة السُمية، تلك الغارقة في البؤس والسوداوية.
في الأماكن التي ننشُد لقاءت متخففة من صداع الحياة، نُصر على تصفح سجل النكبات من «الجِلدة للجِلدة»، فلا نترك هنّة ولا زلة ولا انتهاكًا لمسؤول إلا استعرضناه، ولا معاناة لمريض نعرفه أو سمعنا عنه إلا تذكرنا تفاصيلها، ولا هالِكِ تحت الأرض اندرس أثره ونُسي اسمه إلا بعثناه من مرقده، ولا مصيبة لم تحلُ بأحد بعد إلا وتنبأنا بكارثيتها.
ولأننا اعتدنا افتتاح صباحاتنا باجترار المآسي، بات حتى من لا يعرف معنىً للمعاناة، يستمتع بالخوض في هذا الاتجاه فيتحدث عما يسميه بـ«الوضع العام» -ماذا يقصد مثله بالوضع العام؟- يتباكى على حال أبناء الفقراء الباحثين عن عمل، وتأثير أوضاعهم المادية على سلوكهم الاجتماعي، وصعوبة امتلاك فئة الشباب للسكن، وأثره على استقرارهم الأُسري، وما يكابده قاطني الجبال والصحراء وأعالي البحار!
نتعمد أن نُسقط عن حواراتنا، ونحن نلوك هذه القصص الرتيبة، جزئية أنه كما يعيش وسط أي مجتمع فقراء ومعوزون، هناك أيضًا أثرياء وميسورون، وكما توجد قضايا حقيقية تستعصي على الحلول الجذرية، نُصِبت جهات وأشخاص، مهمتهم البحث عن مخارج مستدامة لهذه القضايا، والمساعدة على طي سجلاتها للأبد.
يغيب عن أذهاننا أنه لا مُتسع من الوقت للمُضي أكثر في هذا المسار الزلِق، وأن سُنة الحياة هي «التفاوت» ومفهوم السعادة لا يشير قطعًا إلى الغِنى أو السُلطة أو الوجاهة، إنما يمكن أن يُفهم منه أيضًا «العيش بقناعة» و«الرضى بما نملك».
السعادة مساحة نحن من يصنعها «كيفما تأتى ذلك»، عندما نستوعب أننا نعيش لمرة واحدة فقط، والحياة بكل مُنغصاتها جميلة، تستحق أن نحيا تفاصيلها بمحبة وهي لن تتوقف عند تذمر أحد.
أليس من باب الشفقة بأنفسنا وعجزنا عن تغيير الواقع، أن نرى بقلوبنا وبصائرنا وليس بعيوننا فقط؟ أن خارج الصندوق توجد عوالم جميلة ومضيئة؟ ، أنه وبرغم التجارب الفاشلة والأزمات ما زلنا نحتكم على أحبة جميلين يحبوننا ولم يغيرهم الزمن؟ يعيش بين ظهرانينا شرفاء، يعملون بإخلاص ليل نهار، أقوياء إذا ضعُف غيرهم أمام بريق السلطة وقوة النفوذ؟
النقطة الأخيرة
يقول الروائي والفيلسوف اليوناني نيكوس كازنتزاكس: «طالما أننا لا نستطيع أن نغير الواقع، فلنغير العيون التي ترى الواقع».
عُمر العبري كاتب عُماني