تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

لطالما اتسمت علاقة الرئيس دونالد ترامب بأوروبا بالخلاف، وتؤكد أفعاله الأخيرة استخفافه بما يعتبره أعباءً على التحالفات الأوروبية. يشير نهجه، الذي يتشكل من خلال رؤية عالمية قائمة على المعاملات، إلى انحراف صارخ عن روح التعاون بين الولايات المتحدة وأوروبا التي سادت بعد الحرب العالمية الثانية.

ومع استمرار فرضه للرسوم الجمركية ومتطلباته على الإنفاق العسكري في إرهاق الاقتصادات الأوروبية، يواجه التحالف عبر الأطلسي ضغوطًا كبيرة قد تُغير مبادئه الأساسية.
في حين سعت إدارة الرئيس بايدن إلى تعزيز الشراكات الأوروبية في مواجهة العدوان الروسي، لا سيما في أوكرانيا، فإن أفعال ترامب تُشير إلى فلسفة مختلفة تمامًا. إن فرضه رسومًا جمركية مثيرة للجدل على حلفائه الأوروبيين، بما في ذلك أوكرانيا، مع استبعاده بشكل ملحوظ خصومًا مثل روسيا وكوريا الشمالية، يكشف عن رئيس مستعد لتقويض النظام العالمي الذي حافظ على السلام في أوروبا لأكثر من ٨٠ عامًا.
وقد أثارت هذه الرسوم، التي تأتي في ظل مطالبته أعضاء الناتو بتخصيص ٥٪ من ناتجهم المحلي الإجمالي للإنفاق العسكري، جدلًا حادًا حول موثوقية الولايات المتحدة كحليف. ويحذر جونترام وولف، الخبير الاقتصادي والمدير السابق للمجلس الألماني للعلاقات الخارجية، من أن هذه الإجراءات تُنذر بتصدع أعمق وأكثر ديمومة. ويشير وولف، مسلطًا الضوء على الأهمية التاريخية لهذا الصدع: "هذا يُغير ٨٠ عامًا من تاريخ ما بعد الحرب، عندما كان التحالف عبر الأطلسي جوهر العالم الغربي والنظام العالمي متعدد الأطراف".
قلق متزايد
يُصارع الاتحاد الأوروبي تداعيات هذه السياسات، مُدركًا أن تجاهل ترامب للمعايير الدبلوماسية التقليدية لم يعد مجرد كلام، بل سياسة راسخة. أعربت أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، عن قلقها إزاء الفوضى التي أحدثتها الرسوم الجمركية الأمريكية، واصفةً إياها بـ"الفوضى" التي لا ترسم مسارًا واضحًا للمضي قدمًا. وبما أن الرسوم الجمركية تُلحق الضرر بجميع أعضاء الاتحاد الأوروبي بالتساوي، حتى الدول المتوافقة أيديولوجيًا مثل المجر وسلوفاكيا، فإن أوروبا تواجه صعوبة في تحقيق التوازن بين الحفاظ على وحدتها ومواجهة الموقف الاقتصادي العدواني لواشنطن.
يتأمل مارك ليونارد، مدير المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، في الواقع الناشئ قائلًا: "يتمثل التحدي الذي تواجهه أوروبا في كيفية التعامل مع أمريكا المفترسة التي تستغل ضعف حلفائها لابتزازهم". تتطرق هذه الملاحظة إلى نقطة حاسمة.. فتكتيكات ترامب، من الحواجز التجارية إلى المطالبات الإقليمية مثل رغبته المثيرة للجدل في الاستحواذ على جرينلاند، تُمثل شكلًا جديدًا من الجغرافيا السياسية يهدف إلى "فرّق تسد"، حتى بين الحلفاء.
استراتيجية مثيرة
بينما حاول بعض القادة الأوروبيين اجتياز هذه الظروف المضطربة بالدبلوماسية التبادلية - بشراء المزيد من الأسلحة الأمريكية وزيادة ميزانياتهم العسكرية - كشفت مطالب ترامب المتصاعدة عن حدود هذا النهج. وقد أدى التطبيق غير المتكافئ للتعريفات الجمركية وإصراره على منح أوكرانيا امتيازات معدنية مقابل مساعدات عسكرية إلى تفاقم التوترات، مما ترك الحكومات الأوروبية في حيرة من أمرها بشأن كيفية المضي قدمًا.
تُصوّر صوفيا بيش، المحللة الألمانية في مؤسسة كارنيجي، الارتباك الكامن في نهج إدارة ترامب قائلةً: "ليس من الواضح ما إذا كان هذا عرضًا افتتاحيًا للتفاوض، أم أنهم حقًا يُعيدون تشكيل العالم دون أي اهتمام بإصلاحه". إن الغموض الذي يحيط بالسياسة الأمريكية يُصعّب على القادة الأوروبيين صياغة استراتيجيات متماسكة للتفاعل، في ظل مستقبل التحالف عبر الأطلسي المُعلّق في الميزان.
إعادة هيكلة
تتفاقم الضغوط الاقتصادية الناجمة عن رسوم ترامب الجمركية بمطالباته بزيادة الإنفاق العسكري الأوروبي، مما يزيد من الضغط على المشهد الاقتصادي الهش أصلًا. إصرار ترامب على أن يتحمل الحلفاء الأوروبيون المزيد من العبء المالي للقدرات الدفاعية لحلف الناتو ليس بالأمر الجديد، لكن خطابه العلني الآن يوحي بأن أوروبا يجب أن تكون المهندس الرئيسي لأمنها. حاول ماركو روبيو، وزير الخارجية الأمريكي، طمأنة أعضاء الناتو خلال اجتماع عُقد مؤخرًا، مؤكدًا أن الولايات المتحدة ستبقى في الناتو. ومع ذلك، أوضح أن رؤية ترامب للناتو هي رؤية تتولى فيها أوروبا مسؤولية أكبر، لا سيما فيما يتعلق بدفاعها ودفاع أوكرانيا.
بالنسبة للعديد من الدول الأوروبية، تُمثل هذه التوقعات الجديدة، إلى جانب التداعيات الاقتصادية لرسوم ترامب الجمركية، معضلةً مُستعصية. إن احتمال التضخم وتباطؤ النمو الاقتصادي يزيدان من صعوبة زيادة الإنفاق العسكري، حيث أصبح هدف الناتو المتمثل في تحقيق نمو بنسبة ٣.٥٪ من الناتج المحلي الإجمالي - ناهيك عن هدف ترامب البالغ ٥٪ - بعيد المنال بشكل متزايد.
معاناة ألمانيا
تواجه ألمانيا، بصفتها أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي، تحديات جسيمة. توقع وزير المالية يورغ كوكيس انخفاضًا في الصادرات إلى الولايات المتحدة بنسبة ١٥٪، مع تقدير التكلفة الاقتصادية الإجمالية للرسوم الجمركية بحوالي ٢٠٠ مليار يورو على مدى السنوات الأربع المقبلة. ورغم الجهود المستمرة للتفاوض على شروط أفضل مع الولايات المتحدة، تجد ألمانيا، شأنها شأن العديد من الدول الأوروبية الأخرى، نفسها تحت رحمة إدارة أمريكية يبدو نهجها في التجارة والدبلوماسية متقلبًا في أحسن الأحوال، وعقابيًا في أسوأها.
يأتي هذا الضغط الاقتصادي في وقت تسعى فيه أوروبا إلى تنويع علاقاتها التجارية، متوجهةً إلى دول مثل كندا والمكسيك لإبرام اتفاقيات تجارة حرة جديدة. وتشير ماغي سويتيك، الخبيرة الاقتصادية في معهد ميلكن، إلى أنه لا تزال هناك إمكانية للتعاون مع الولايات المتحدة، لكن الواقع الناشئ لما يُسمى "النظرية الأمريكية الجديدة" يشير إلى تحول في كيفية تعامل الدول الأوروبية مع واشنطن مستقبلًا.
مع تمزق الولايات المتحدة لعلاقتها مع أوروبا، ستستفيد روسيا. راقب المسئولون الروس باهتمام بالغ ضعف الاقتصادات الأوروبية، حيث صرّح الرئيس السابق ديمتري ميدفيديف بأن روسيا ستقف مكتوفة الأيدي في ظلّ التراجع الاقتصادي للاتحاد الأوروبي. ويتماشى الضعف الاستراتيجي لحلف الناتو، الناجم عن سياسات ترامب، مع هدف موسكو الراسخ المتمثل في تقليص نفوذ التحالفات الغربية.
يُبرز هذا التوافق بين سياسات ترامب ومصالح روسيا التداعيات الجيوسياسية الأوسع لنهجه تجاه أوروبا. فبينما تفرض الولايات المتحدة رسومًا جمركية على حلفائها وتطالب بمساهمات عسكرية أكبر، تراقب موسكو بصمت تفكك الوحدة الأوروبية، آملةً في استغلال الفوضى الناجمة عن ذلك.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: الولایات المتحدة

إقرأ أيضاً:

تايوان تنفي منع رئيسها من زيارة الولايات المتحدة الأميركية

نفت تايوان، أمس الثلاثاء، أن يكون رئيسها لاي تشينغ تي مُنع من زيارة الولايات المتحدة، مؤكدة أنه لا يعتزم القيام بأي رحلة إلى الخارج قريبا.

يأتي هذا النفي عقب تقارير إعلامية أميركية عن رفض إدارة الرئيس دونالد ترامب السماح للرئيس لاي بالتوقف في نيويورك ضمن رحلة رسمية إلى أميركا اللاتينية الشهر المقبل.

ولم يؤكد مكتب لاي رحلته تلك، لكن الباراغواي، الحليف الدبلوماسي الوحيد لتايوان في أميركا الجنوبية، أعلنت في منتصف يوليو/تموز أنها ستستضيف الرئيس التايواني في غضون 30 يوما.

وكان مرجحا أن تشمل هذه الزيارة توقفا في الولايات المتحدة.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية التايوانية هسياو كوانغ وي للصحفيين في تايبيه "لم يكن هناك من الجانب الأميركي تأجيل أو إلغاء أو رفض للسماح بالتوقّف".

وبدورها، أكدت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية تامي بروس للصحفيين في واشنطن أنه "لم يتم إلغاء أي شيء".

ونقلت صحيفة "فايننشال تايمز"، أمس الثلاثاء، أن إدارة ترامب رفضت السماح للرئيس التايواني بالتوقف في نيويورك بعد اعتراض بكين على زيارته.

وأضافت الصحيفة أن لاي قرر إلغاء رحلته بعد تبليغه بأنه لن يتمكن من التوقف في نيويورك.

ورفض المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية غيو جياكون تأكيد أو نفي صحة التقارير التي تحدثت عن تدخل صيني في هذه المسألة، مؤكدا موقف بلاده "المعارض بشدة" لمثل هكذا زيارة "بغض النظر عن الذريعة أو المبررات".

إشارة خطرة

وتعليقا على ما أوردته "فايننشال تايمز"، قالت رئيسة مجلس النواب الأميركي السابقة نانسي بيلوسي إن "هذا القرار يُرسل إشارة خطرة".

واعتبرت الزعيمة الديمقراطية أن الرئيس (الصيني) شي جين بينغ انتصر على القيم الأميركية والأمن والاقتصاد من خلال منع إدارة ترامب رئيس تايوان المنتخب ديمقراطيا من القيام برحلة دبلوماسية عبر نيويورك.

إعلان

وعبرت، في منشور على فيسبوك، عن أملها في ألا يكون رفض الرئيس ترامب لهذه المحطة في نيويورك مؤشرا إلى تحوّل خطر في السياسة الأميركية تجاه تايوان.

ورغم عدم وجود علاقات دبلوماسية رسمية بين الولايات المتحدة وتايوان، فإن واشنطن تسمح للقادة التايوانيين بالقيام بتوقفات خاصة على الأراضي الأميركية.

وجميع الرؤساء التايوانيين الذين انتُخبوا منذ أول انتخابات جرت بالاقتراع العام في 1996 توقفوا في الولايات المتحدة.

وفي نهاية العام الماضي أجرى لاي تشينغ تي زيارة إلى هاواي وغوام، الإقليمين التابعين للولايات المتحدة.

ونددت الصين بشدة بسماح الولايات المتحدة لرئيس تايوان بزيارة هاواي، وتعهدت بكين باتخاذ "إجراءات مضادة حازمة" تجاه مبيعات الأسلحة الأميركية لتايوان.

الجدير بالذكر أن تايوان والصين انفصلتا في خضم الحرب الأهلية قبل 76 عاما، لكن التوترات تصاعدت منذ عام 2016، عندما قطعت الصين جميع الاتصالات تقريبا مع تايبيه.

مقالات مشابهة

  • كمبوديا ترشح الرئيس الأمريكي لجائزة نوبل للسلام
  • الولايات المتحدة تخفض الرسوم الجمركية على واردات ليسوتو بعد تهديدات بزيادتها
  • ما هي الدول التي تغيرت رسومها الجمركية منذ إعلان ترامب في يوم التحرير؟
  • بين 10% و41%.. ترامب يزيد الرسوم الجمركية على عشرات الدول
  • ترامب يزيد الرسوم الجمركية على عشرات الدول
  • الولايات المتحدة تفرض عقوبات على السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير
  • البعثة الأمريكية لدى الأمم المتحدة: ترامب يسعى لاتفاق سلام بشأن أوكرانيا بحلول 8 أغسطس
  • ابتداءً من أغسطس المقبل.. الرئيس الأمريكي يفرض رسومًا جمركية على الواردات الهندية بنسبة 25%
  • تايوان تنفي منع رئيسها من زيارة الولايات المتحدة الأميركية
  • رغم التصعيد التجاري.. ترامب: الرئيس الصيني سيزور الولايات المتحدة قريباً