لم ينجح إعلامنا في بناء رسالة ملحاحة للعالم في لغاته تحمله على الاقتناع بأن “الدعم السريع” منظمة إرهابية حقاً
ملخص
لا تزال الصورة في فيديوهات إعلامنا مما تقوم لوحدها، فالصور في فيديو مقتلة “الدعم السريع” لقرية ود أب ونورة في الجزيرة مثلاً مكتفية بذاتها لا ناظم لها مع غيرها، وهي في استقلالها مما يراد لها أن تكون حجة لمفردها على “الدعم السريع”.


أثار تعيين إعلاميين في كل من سفارة السودان في القاهرة وأديس أبابا مسألة الإعلام في الحرب من أكأب زواياها. فقل من اعترض على كفاءة أي من الإعلاميين، لكن ربما غلفوا الاعتراض بإثارة فقه تعيين الإعلاميين في السفارات، فافترق الناس حول من له صلاحية التعيين: هل هو وزير الإعلام الذي فعلها هذه المرة أم وزارة الخارجية؟ وهذه مماحكة ديوانية تحجب عنا مسألة جوهرية هي إذا ما كان للحكومة بالفعل إعلام في مستوى هذه الحرب الدميمة الطويلة لهزيمة قوات “الدعم السريع”. فإعلام الحكومة يقتصر على التبليغ عن الحكومة ومنطلقه هو أنها على حق ومن قال حقي غلب، فلا يتكلف تأليف الناس عليه في رسائل يتوسل عليها بالثقافة الديجيتال التي أخذت بالألباب.

ولاحظ كاتب من قبل هذا التذرع بالحق الأبلج من دون تصميم رسالة إعلامية بليغة تنزل على الناس برصانة في عمل لجنة تفكيك نظام الإنقاذ بعد ثورة ديسمبر .2018. فلأنها على الحق الثوري خلت مؤتمراتها الصحافية التي عقدتها لإعلان قراراتها حول استردادها أموال الدولة من طاقم دولة الإنقاذ من أي حيلة وسائطية. فلم تعرض طوال نشاطها صوراً أو فيديوهات لأي من المنشآت التي استردتها ليقف الناس على حقائق ما كان أُخذ منهم بغير حق، وبالنتيجة تحولت مؤتمرات اللجنة إلى ليالٍ سياسية تفح ثأرية ضد الباطل الذي تلجلج. وانحلت اللجنة بعد انقلاب ديسمبر 2021 كحدث عابر ما ترسخ منها شيء في عقولهم بالصورة التي تعدل آلاف الكلمات، ولم تنطبع رسالتها على أفئدتهم حجة على نظام خرجوا جمهرة لإسقاطه لسبب عظيم هو فساده، وانتدبوا تلك اللجنة للكشف عنه وحساب الفاسدين حساباً عسيراً.
كان من سياسة الحكومة حمل العالم على إعلان “الدعم السريع” جماعة إرهابية، كما نادى بذلك الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة وقائد القوات المسلحة السودانية. والتعويل على مثل هذا الإعلان، متى نجح، أن تسقط السردية التي يتذرع بها المجتمع الدولي في النظر للحرب كواقعة بين جنرالين عطشى للسلطان. ومع عسر حمل مجتمع دولي تتخطفه المشكلات حتى زهد في حلها بما اتفق له في ميثاق الأمم المتحدة للمطلوب، إلا أنه لم يتأخر مع ذلك عن إدانة “الدعم السريع” بوتائر متزايدة وعن انتهاكات من الجرم الثقيل في مثل الجنوسايد والاغتصاب والقتل المجاني، فإحصائياً، عدت هيئة لرصد انتهاكات الحروب 1300 انتهاك للدعم مقابل 200 للجيش مهما يكن من دلالة ذلك، ومع ذلك لم ينجح إعلامنا في بناء رسالة إعلامية ملحاحة للعالم في لغاته تحمله على الاقتناع بأن “الدعم السريع” منظمة إرهابية حقاً، بل ربما نافسه إعلام “الدعم السريع” في أخذ العالم لدمغ القوات المسلحة بهذه الصفة بتصويرها كميليشيات للإسلاميين تتنادى “داعش” وغير “داعش” لنصرتها، وهي خطة تلقي بظل شبهة الإرهاب على الجيش حتى لو لم تنجح في كامل مطلبها، فالإرهاب في عالمنا وليومنا قرين بالإسلام.

لا تزال الصورة في فيديوهات إعلامنا مما تقوم لوحدها، فالصور في فيديو مقتلة “الدعم السريع” لقرية ود أب ونورة في الجزيرة مثلاً مكتفية بذاتها لا ناظم لها مع غيرها، وهي في استقلالها هذا حجة على “الدعم السريع”، ومتى اغتال “الدعم السريع” جماعة أخرى تراكمت على سابقاتها لا تتفاعل معها في سردية قاصدة، فصارت الحرب الإعلامية بين الجيش و”الدعم السريع” سجالاً بالصور عن مرتكب الجرم فيهما. ويكسب “الدعم السريع” من هذه “المجادعة” التي تغطي على حقيقة انتهاكاته التي في بنيته بنهج التنابذ بالصور.
وحتى في سياق التنابذ بالصور ركز إعلام الحكومة على مقاتل المدنيين على يد “الدعم السريع” مع أن صناعة الإرهاب، في رأي الخبراء، قليلة التركيز على قتل الجسد الفيزيائي بقدر ما تريد أن تملي على المدنيين “الإذعان ترويعاً” بزلزلة الدعائم التي أعطت حياتهم معنى في ما قبل. فيضرب الهرج بين الضحايا بالتعذيب والتخريب والابتذال الجنسي والتجويع، فتخور عزائمهم من هول انفراط عالمهم المعتاد. فأنت لا تسيطر على الناس عن طريق التخويف بالقوة، لكن عن طريق الترويع بها، فهجوم الإرهابي على الناس في بيوتهم هو تفكيك لجوهر النواة الإنسانية. فتحويل البيت إلى ميدان معركة مما يسهم في عملية التجريد من الإنسانية لأنك “لن تعود إنساناً إن لم تملك مأوى”. وليس من موضع يؤتى منه أمان الناس اليومي الأساس مثل التجريد من المنزل ضمن أشياء أخرى، فالغرض من الإرهاب هو الفصل بين الناس وإنسانيتهم، وتهديد الأمن الوجودي لكل المجتمع، فمتى ما تحقق نزع الإنسانية عن جماعة عن طريق الإرهاب، فبالوسع الآن “تدجين” الإنسان مثل أي حيوان آخر.

غاب هذا المعنى عن الإرهاب في إعلام الحكومة عن “الدعم السريع” لتركيزه على القتل الجسدي طلباً للاستفظاع، فقلّ من جلس إلى ضحايا الترويع دون القتل وسجل خلجات إذلالهم على يد أفراد “الدعم السريع”. فتجد من الإعلاميين من يكتفي من اللقاء العابر مع هؤلاء الضحايا بمجرد أقوالهم عن استبشاع ما وقع لهم بعمومية بلا تفاصيل، مع إبداء مشاعر الامتنان للجيش الذي أنقذهم في قول الصحافية بجريدة “الغارديان” نسرين مالك ممن احتل بلدهم “ولم يقصد إلى حكمها، بل تجريدها وإرهاب أهلها”.

وليس مثل تفاصيل ما عاناه الناس على يد “الدعم السريع” في الدلالة على زلزلة الإرهاب لمعنى حياة المروعين به. ففي لقاء عابر مع امرأة عاشت الحرب كلها في حي بري بالخرطوم قالت للصحافي إن الجنجويد قالوا لها إنكم بلا رجال، وغبنتها لأنها لم تتعود هذه الإهانة: وكل راجل ولي المرأة. وقالت أخرى إنها اضطرت إلى النزوح إلى حي غير حيها لإيجار منزل مع أن “بيت أبوها قاعد”.
ونواصل

عبد الله علي إبراهيم

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: الدعم السریع

إقرأ أيضاً:

الدعم السريع يعلن تشكيل حكومة موازية في السودان

أعلنت قوات الدعم السريع، أمس السبت، عن تشكيل حكومة موازية في السودان، في خطوة يرفضها الجيش، وحذرت الأمم المتحدة سابقا من مخاطرها على وحدة السودان.

وسيرأس قائد قوات الدعم السريع السودانية محمد حمدان دقلو (حميدتي)، المجلس الرئاسي في الحكومة الموازية، فيما سيكون قائد الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال عبد العزيز الحلو، نائبا له في المجلس المكون من 15 عضوا.

وخلال مؤتمر صحفي في نيالا، كبرى مدن إقليم دارفور، أعلن المتحدث باسم التحالف علاء الدين نقد، أنه جرى تعيين محمد حسن التعايشي رئيسا للوزراء في حكومة الدعم السريع، إلى جانب الإعلان عن حكام للأقاليم.

وتمكن الجيش السوداني من تحقيق انتصارات كبيرة على قوات الدعم السريع في الآونة الأخيرة، وتمكن من طردها من وسط البلاد ومن مناطق عديدة كانت تسيطر عليها في السابق، في حين تحتدم الاشتباكات في إقليم كردفان بوسط غرب السودان وفي الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور.

وفي فبراير/شباط الماضي، اتفقت قوات الدعم السريع مع قادة جماعات متحالفة معها على تشكيل حكومة من أجل "سودان جديد" علماني، في مسعى لتحدي شرعية الحكومة التي يقودها الجيش وتأمين واردات الأسلحة المتطورة.

وندد الجيش بقيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان بفكرة تشكيل قوات الدعم السريع حكومة موازية، وتعهد بمواصلة القتال لحين السيطرة على كامل السودان.

تحذيرات سابقة من تشكيل حكومة موازية

وفي أبريل/نيسان الماضي، أعلن حميدتي، تشكيل حكومة منافسة، وذلك في الذكرى الثانية لاندلاع الحرب الأهلية التي أسفرت عن مقتل عشرات الآلاف وتسببت في مجاعة بأجزاء من البلاد.

وجاء في بيان حميدتي حينها "نؤكد بفخر قيام حكومة السلام والوحدة: تحالف مدني واسع يمثل الوجه الحقيقي للسودان".

وأضاف "نحن نصنع عملة جديدة، ونعيد الحياة الاقتصادية، ونصدر وثائق هوية جديدة".

إعلان

وعقب ذلك، أعربت الأمم المتحدة عن قلقها العميق إزاء خطر "تفكك" السودان. وقال ستيفان دوجاريك المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية "إننا نشعر بقلق بالغ إزاء أي تصعيد إضافي للنزاع في السودان، بما في ذلك الإجراءات التي من شأنها أن تزيد تفكيك البلاد وترسيخ الأزمة".

وأكد دوجاريك أن "الحفاظ على وحدة السودان وسيادته وسلامة أراضيه مبدأ أساسي للتحرك نحو حل دائم للأزمة وضمان الاستقرار الطويل الأمد للبلاد والمنطقة".

مقالات مشابهة

  • مندوبة الولايات المتحدة تؤكد ضرورة دعم ومساعدة الحكومة السورية للانتصار في الحرب على الإرهاب
  • مكافحة تبييض الأموال وتمويل الارهاب..هذه أبرز الخطوات التي خطتها الجزائر
  • فارون من انتهاكات “الدعم السريع”.. مصرع وإصابة 27 نازحا من الفاشر
  • إعادة دفن جثامين من “الدعم السريع” في الخرطوم
  • منشق عن “الدعم السريع” يكشف معلومات خطيرة
  • لأول مرة.. هولندا تدرج الاحتلال الاسرئيلي ضمن الدول التي تشكل تهديداً
  • وزير الإعلام الدكتور حمزة المصطفى: نأمل بكل صدق ألا تُعرقل هذه القوافل من الجهة الخارجة عن القانون التي تسعى لتوظيف معاناة أهلنا لأهدافها الانعزالية
  • جامعة الدول العربية: نُدين إعلان ائتلاف سوداني مرتبط بقوات الدعم السريع عن تشكيل حكومة موازية
  • السودان يدين إعلان الدعم السريع حكومة موازية
  • الدعم السريع يعلن تشكيل حكومة موازية في السودان