د. لبيب قمحاوي .. إسرائيل الكبرى والشرق الأوسط الصغير : مخاض التغيير
تاريخ النشر: 7th, April 2025 GMT
#إسرائيل_الكبرى و #الشرق_الأوسط_الصغير : #مخاض_التغيير
بقلم : د. #لبيب_قمحاوي
التاريخ 08/03/2025
lkamhawi@cessco.com.jo
مقالات ذات صلةتخوض إسرائيل الآن حروباً من صنعها بالرغم عن كل ما تـدّعيه . وهذه الحروب بعضها حروباً خارجية متعددة الجبهات ضد كل من تراه إسرائيل أو تُصنّفَهُ عدواً لها أو لمصالحها في الإقليم ، وبعضها الآخر حروباً داخلية تجري داخل المجتمع الإسرائيلي أساسها إعادة تشكيل النظام السياسي والقضائي والقانوني الإسرائيلي وكذلك هوية الدولة الإسرائيلية ومنظومة القيم الحاكمة للمجتمع الإسرائيلي نفسه .
إن التغيير في الشرق الأوسط والذي تسعى إسرائيل إلى الوصول إليه من خلال حروبها الخارجية سواء المباشرة المتمثلة بالقتل والتدمير والإحتلال، أوغير المباشرة المتمثلة بالترهيب والإبتزاز ، هو في نفس قوة وأهمية التغيير الداخلي الذي تسعى حكومة أقصى اليمين الإسرائيلي للوصول إليه وفرضه من خلال نزاعاتها وحروبها الداخلية . وتُعْتَبر النزاعات والحروب الداخلية تعبيراً عن آلام المخاض المرافقة للحروب الخارجية ووسيلة لجعلها حروبا حتمية ومقبولة وضرورية لمفهوم الأمن الإسرائيلي فاتحة الطريق بذلك أمام انتصار اليمين الإسرائيلي المتشدد وهدفه في تحويل إسرائيل رسمياً وقانونياً وعلناً إلى دولة يهودية عنصرية بإمتياز، بالإضافة إلى تمكينها من قيادة إقليم الشرق الأوسط بحكم تفوقها العسكري في إنتصاراتها في حروبها الخارجية نتيجة الدعم الامريكي المستمر ، وبذلك تتحقق الرؤيا الإسرائيلية والهدف الأمريكي.
إسرائيل من خلال تفوقها العسكري المستند إلى مخزون متجدد من الأسلحة الأمريكية والدعم السياسي الأمريكي المفتوح قد تجاوزت واقعها الجيوبوليتيكي المحصور في أرض فلسطين والمغلف بقيود وأبعاد القضية الفلسطينية التاريخية لتصبح القوة الضاربة الأقوى في منطقة الشرق الأوسط ، وخرجت بالتالي بعدائها المستمر وحروبها الشرسة من شرنقة القضية الفلسطينية إلى فضاء العالم العربي الضعيف والممزق ومسلوب الإرادة والخالي من العزيمة الوطنية مما جعل إسرائيل قادرة على اللعب في هذا الفضاء الفسيح كما تشاء وتريد تمهيداً للسيطرة على إقليم الشرق الأوسط ككل وإعادة تشكيله بما يسمح لإسرائيل بقيادته بما يتناسب ومصالحها .
إعادة تشكيل الشرق الأوسط هي في الأصل فكرة طرحها يسار الوسط الإسرائيلي من خلال كتابات شمعون بيريز والآن يقوم اليمين الإسرائيلي المتطرف برئاسة بنجامين نتنياهو على تنفيذها بأكثر الأساليب وحشية ودون أي إعتبار لمحددات القانون الدولي والإنساني . الآثار المترتبة على إختراق العالم العربي تمهيداً لإعادة تشكيل الشرق الأوسط لن تكون آثاراً بسيطة كما يتخيل البعض، إذ أن عواقبها الخطيرة لن تكون محصورة بإقليم الشرق الأوسط ، بل سوف تشمل أيضاً إسرائيل نفسها، كونها سوف ترفع حالة العداء المباشر والمبطن للكيان الإسرائيلي إلى حدوده الإقليمية القصوى . فالهدف من إعادة تشكيل الشرق الأوسط هو إخضاع دُوَلِهِ للنفوذ الإسرائيلي مما سيؤدي لتَحَوُّل إسرائيل إلى مَصْدَرِ الخَطَر على مصالح دول المنطقة وشعوبها الأمر الذي سوف يزيد من منسوب العداء الشعبى لإسرائيل ويُدْخِل المنطقة في حلقة مفرغة من الشكوك والعداء ويعمم حالة عدم الإستقرار وينقلها من وضعها الحالي المحصور بالفلسطينيين وبعض العرب إلى عداء لإسرائيل يشمل منطقة الشرق الأوسط ودولها وشعوبها بشكل عام .
الدعم العسكري والسياسي الذي وَفَّرَتْهُ أمريكا لإسرائيل قد خلق منها قوة إقليمية فاقت في قدراتها حتى توقعات إسرائيل نفسها ، مما خلق شعوراً بالتفوق والعَظَمَةِ لدى القيادة الإسرائيلية . إن جنون العظمة الذي رافق انتصارات إسرائيل العسكرية الأخيرة على مستوى إقليم الشرق الأوسط من خلال ذلك الدعم الأمريكي العسكري والسياسي والتكنولوجي المفتوح ، وتهديدها لدول الإقليم في حال تبنيها لسياسات تتعارض ومصالح إسرائيل ، قد أدّى عملياً إلى تخلّيها عن صفة الدولة الضعيفة، والإدعاء بأن وجودها مهدد من قبل الآخرين ، إلى الدولة الأقوى عسكرياً والتي يهدد وجودها الآخرين . إن هذا التحول سوف يؤدي بالضرورة إلى إعادة تشكيل علاقات القوة في المنطقة بالإضافة أنه سيؤدي إلى رفع مستوى التوتر فيها كون التعامل بين دولها من منظور جنون العظمة العسكرية الإسرائيلي لن يؤدي إلى حلول بقدر ما سيؤدي إلى قلاقل ونزاعات . فجنون العظمة العسكرية ذاك سوف يكون في نهاية الأمر هو المدخل الأكيد لخلق الحروب والنزاعات وليس لِفَضّها .
الحروب المتواصلة هي الوسيلة الإسرائيلية لتغيير الأمر الواقع بالقوة من خلال السعي إلى التغيير الديموغرافي والتجزئة والتقسيم السياسي وليس بالضرورة إحتلال الأرض وما عليها. فإسرائيل بوضعها الحالي لن تكون قادرة على ابتلاع وهضم المزيد من الأراضي المأهولة ، ولكن المزيد من الأراضي غير المأهولة بالسكان . فالاحتلال بالمفهوم التقليدي سوف يكون مقتصراً في الحقبة الحالية والمستقبل المنظور على أراضي فلسطين كاملة وعلى حزام من أراضي الدول المجاورة والمطلة على فلسطين والتي قد تؤثر أمنياً على إسرائيل من المنظور الإسرائيلي ، علماً أن هذا المنطق يفقد قيمته الحقيقية في ظل التقدم الحاصل في إستعمال سلاح الصواريخ وسلاح المُسَيَّرات. أما أنواع الإحتلال الأخرى سواء الإحتلال السياسي أو الإحتلال الإقتصادي فهذا لا يستدعي بالضرورة إحتلال الأراضي بقدر ما يستدعي التهديد الإسرائيلي بإحتلالها أوبخلاف ذلك تدمير المدن والقرى على نسق ما حصل في اقليم غزة الفلسطيني .وفي هذه السياق، يعتبر الإحتلال الإقتصادي والسياسي هي الأشكال الجديدة من السيطرة والتي لا تستدعي حروباً أو تواجداً عسكرياً على أراضي الغير . والسلاح الأقوى في هذه الحالة هو الإعتراف الضمني للدول المُسْتَهدَفة بعدم قدرتها على التصدي لقوة إسرائيل العسكرية وعدم رغبتها في التصدي والاشتباك وقبولها بعلاقة التبعية المستندة إلى قوة الخصم كأمر واقع يستدعي القبول بتلك العلاقة ولو على مضض .
يتميز السلوك الإسرائيلي في الحقبة الأخيرة بمؤشرات تشير إلى تحرك السلوك العام للدولة والمجتمع بشكل يبعدها أكثر عن سلوك المجتمعات الأوروبية ويجعلها أقرب إلى السلوك الشرق أوسطي . وقد يكمن أساس هذا التحول في ازدياد السيطرة السياسية لليهود الشرقيين (السفارديم) والإنحسار التدريجي في النفوذ السياسي لليهود الغربيين (الأشكناز) . وهذا الأمر يمكن ترجمته بشكل عام في جنوح العقلية الإسرائيلية مؤخراً وبشكل عام وملحوظ نحو العقلية الشرق أوسطية في استباحة القانون والقضاء وإن بخلفية دينية يهودية عنصرية متزمته ومتعصبة . إن قيام الأفعى الإسرائيلية بتغيير جلدها هو تطور طبيعي تحكمه حتمية المرور بمراحل التطور والنمو ضمن بيئة شرق أوسطية ذات عمق تاريخي وثقافي وحضاري ملحوظ يطغى على كل ما هو جديد ومصطنع ودخيل وليس العكس . فالصغير لا يمكن أن يبتلع الكبير ومن هنا تأتي محاولات إسرائيل المستميتة للتوسع من جهة ، ولتمزيق الكيانات العربية والاقليمية الكبيرة إلى كيانات صغيرة هزيلة يسهل ابتلاعها وهضمها من جهة أخرى ، وهذا جزء من المعركة الدائرة الآن وبدعم أمريكي ملحوظ . ولكن تبقى الحقيقة الأساس أن الخلافات داخل المجتمع الاسرائيلـي هي خلافـات اسرائيلـيـة – اسرائيـليـة وليس خلافات على الموقف من الفلسطينيين أو العرب ، ولا يوجد أي أساس أو بُعْد فلسطيني لتلك الخلافات . فالإسرائيليون مجمعون على عدائهم للفلسطينيين وإن بدرجات متفاوتة ، ولكن في نهاية المطاف يبقى العداء هو العداء مهما اختلفت درجاته وأساليب التعبير عنه .
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: لبيب قمحاوي الیمین الإسرائیلی الشرق الأوسط إعادة تشکیل ل إسرائیل من خلال
إقرأ أيضاً:
الصين تستعد لتقديم المساهمة في تخفيف التوترات بين إسرائيل وإيران
تشو شيوان **
كثيرٌ من المتابعين العرب ينظرون متسائلين أين هو الموقف الصيني تجاه الصراع بين إسرائيل وإيران؟ وإلى أين تتجه بكين في هذا الصراع؟ خصوصًا الآن بعد دخول قرار وقف إطلاق النار بين الطرفين حيز التنفيذ، لذا أردت من خلال هذا الطرح أن أتناول معكم تحليلًا شاملًا يتناول الموقف الصيني من عدة جوانب وزوايا.
في ظل التصعيد العسكري بين إسرائيل وإيران الذي شهدناه على مدار 12 يومًا وبعد استهداف القوات الأمريكية لمواقع نووية إيرانية، تبنّت الصين موقفًا دقيقًا ومتزنًا يجمع بين دعمها لإيران من جهة والدعم هنا يمكننا تسميته بالدعم العقلاني الذي يضمن عدم تصعيد الأمور، وسعيها للحفاظ على الاستقرار الإقليمي من جهة مع الترويج لحلول دبلوماسية كبديل عن المواجهات العسكرية، وأجد أن الصين يمكنها أن تلعب أدوارًا كبرى أهمها صيانة قرار وقف إطلاق النار وضمان سريانه، خصوصًا وأن علاقتها بطهران تسمح لها بأن تلعب هذا الدور.
وبالعودة لبداية الصراع نجد أن التصريحات الرسمية الصينية أدانت بشكل صريح الضربات الأمريكية ومن قبلها الضربات الإسرائيلية، وقد حذرت الصين من أن هذه المسألة لها تبعات غير مضمونة على المنطقة والعالم، كما حذرت من عواقب التدخل العسكري الأمريكي، فمثل هذه التدخلات من دولة بحجم الولايات المتحدة والتي من المفترض بها أن ترى الأمور من زاوية الدول العظمى التي يقع على عاتقها حفظ الأمن والاستقرار العالمي بدلًا من استخدام قوتها واستعراض لهيمنتها الدولية، وهذا ما تراه الصين ففي اتصال هاتفي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أكد الرئيس الصيني شي جين بينغ أن "القوى الكبرى ذات النفوذ يجب أن تعمل على تهدئة الوضع لا تصعيده"، ولكن ربما هذا الأمر لا يجيده المسؤولين في واشنطن فالقوة العسكرية التي لديهم هم أكثر ما يتذكرونه في مثل هذه المواقف الصعبة.
وفي قمة آسيا الوسطى في أستانا، حذَّر الرئيس الصيني شي جين بينغ من أن "العملية العسكرية الإسرائيلية ضد إيران فاقمت التوترات بشكل حاد"، مؤكدًا أن "النزاعات العسكرية ليست حلًا للخلافات"، وهو ما يتماشى مع موقف الصين التاريخي المستند على موقف دبلوماسي قائم على الحلول السياسية، وتاريخيا تبنت بكين سياسة عدم التدخل، لكنها في الوقت ذاته رفضت بشدة سياسة "الضغوط القصوى" التي تمارسها واشنطن على طهران، وفي تصريحات رسمية لوزارة الخارجية الصينية في أبريل الماضي، دعت بكين الولايات المتحدة إلى "وقف التهديد باستخدام القوة" و"الامتناع عن فرض العقوبات الأحادية"، مشددة على أن المسار الدبلوماسي هو الخيار الوحيد لحل الملف النووي الإيراني.
وخلال السنوات الماضية أظهرت الصين رغبتها في القيام بدورها البناء في حل الخلافات في منطقة الشرق الأوسط، كما نعرف أنها قد نجحت في تحقيق استئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران في عام 2023، كما نجحت في تحقيق الوساطة بين الفصائل الفلسطينية في العام الماضي، كما أعربت الصين عن استعدادها في لعب دور الوسيط في الصراع بين إسرائيل وإيران في وقت سابق، وقد يتجدد هذا الأمر بشكل أكبر في الأيام القادمة، وأيضًا تسعى الصين لحماية منظومة عدم الانتشار النووي، وهذا يوضح الموقف الصيني من الأزمة الإسرائيلية الإيرانية والتي قد تدفع التطورات الصين نحو إعادة تعريف دورها كقوة وسيطة فاعلة، خاصة إذا استمرت أمريكا في سياسة "الضغط الأقصى" التي تهدد المصالح العالمية، ويبقى التحدي الأكبر هو تحويل الخطاب الدبلوماسي إلى آلية فعالة لمنع انزلاق المنطقة إلى حرب لا تحقق سوى مزيدًا من الدمار وعدم الاستقرار.
في النهاية.. وفي منطقة تتصاعد فيها التوترات وتتشابك فيها المصالح، تتمثل السياسة الصينية تجاه الصراع الإسرائيلي الإيراني في تطبيق مبادرة التنمية العالمية ومبادرة الأمن العالمي، فهي تعمل على التوازن بين تحقيق الوسيط الدولي، والحفاظ على أمن الطاقة، من دون الدخول في صراع أو الانحياز الصريح لطرف على حساب آخر، وهذا الموقف يعكس سعي الصين الدائم إلى بناء علاقات هادئة في الشرق الأوسط، مما يؤهلها في المستقبل للعب دور أكبر في صياغة معادلات التوازن الإقليمي، خصوصًا مع تكرار نفس الأخطاء الأمريكية في المنطقة، وسعيها الدائم لاستخدام القوة بدلًا من الحوار والذي بسببه أدخل الشرق الأوسط في مشاكل لا حصر لها، ولهذا تجد الصين أنه من الواجب تغيير الأسلوب والوجهة وتلقي بنموذجها الجديد القائم على الانفتاح والحوار لأن فيه نجاة الجميع وعدم هدر المزيد من الفرص لإحلال السلام في المنطقة والعالم.
** صحفي في مجموعة الصين للإعلام، متخصص بالشؤون الصينية وبقضايا الشرق الأوسط والعلاقات الصينية- العربية
رابط مختصر