في ظل التصعيد الإنساني المستمر في قطاع غزة، تبرز جهود دبلوماسية وإنسانية لتخفيف المعاناة ودعم جهود الإغاثة، حيث وصل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يوم الثلاثاء، إلى مدينة العريش المصرية، التي تبعد 50 كيلومتراً فقط عن غزة، في زيارة تهدف إلى دعم الجهود الإنسانية والإغاثية الموجهة للقطاع، وتعزيز التنسيق مع مصر بشأن المساعدات وسبل التهدئة.

ورافق الرئيس عبد الفتاح السيسي نظيره الفرنسي خلال هذه الزيارة التي تأتي في اليوم الأخير من جولة ماكرون الرسمية التي استمرت ثلاثة أيام في مصر. 

وشملت جولة ماكرون في مدينة العريش زيارة ميدانية لمستشفى العريش العام، وهو المستشفى الذي يستقبل المصابين والمرضى القادمين من قطاع غزة، إضافة إلى زيارة المركز اللوجيستي المخصص لتجميع وإرسال المساعدات الإنسانية إلى القطاع.

كما التقى ماكرون فرق إغاثة تابعة لمنظمات غير حكومية فرنسية ودولية، وأشاد بجهودهم في تقديم الدعم الطبي والغذائي والإغاثي لضحايا العدوان الإسرائيلي على غزة، مشددًا على أهمية استمرار الدعم الدولي للمدنيين الفلسطينيين، وضرورة حماية الممرات الإنسانية وضمان وصول المساعدات دون عوائق.

ماكروناللقاءات السياسية والتنسيق الثلاثي

وكان الرئيس الفرنسي قد التقى يوم الإثنين بنظيره المصري عبد الفتاح السيسي في العاصمة القاهرة، حيث جرى بحث التطورات في الأراضي الفلسطينية، خاصة في ظل التوترات الراهنة في غزة. وانضم إلى اللقاء عاهل الأردن الملك عبد الله الثاني، ليُعقد اجتماع قمة ثلاثية ناقشت سبل احتواء الأزمة.

وشدد القادة الثلاثة خلال القمة على دعمهم الكامل للخطة العربية لإعادة إعمار غزة، وأكدوا رفضهم التام لأي مخطط يستهدف ترحيل سكان القطاع إلى دول أخرى. كما أعربوا عن تمسكهم بالحل السياسي وضرورة العودة إلى مسار السلام العادل والشامل، الذي يضمن حقوق الفلسطينيين ويحقق الأمن والاستقرار في المنطقة.

وفي خطوة تنسيق إقليمية ودولية إضافية، أجرى القادة الثلاثة – السيسي، ماكرون، وعبد الله الثاني – اتصالًا هاتفيًا مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وخلال المكالمة، تمت مناقشة سبل إعادة تفعيل وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس، إضافة إلى أهمية استئناف مفاوضات إطلاق سراح الرهائن المحتجزين في غزة، في محاولة لتهدئة الأوضاع وإنهاء الأزمة الإنسانية المتفاقمة.

وتؤكد زيارة الرئيس الفرنسي إلى العريش، والاجتماعات المكثفة التي عقدها مع القيادتين المصرية والأردنية، أهمية التحرك الدولي المنسق لدعم غزة إنسانيًا وسياسيًا. 

وتبرز هذه التحركات كمحاولة جدية لحشد الدعم الدولي لإغاثة المدنيين والبحث عن حلول عملية لوقف العنف، في وقت يزداد فيه الضغط الإقليمي والدولي لإيجاد مخرج سياسي للأزمة المستمرة.

الدكتور عمرو حسينرسائل إنسانية وسياسية وسط تصاعد التوترات الدولية

أكد الدكتور عمرو حسين، الباحث في العلاقات الدولية، أن زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى مدينة العريش المصرية تمثل محطة هامة في سياق تطورات الأزمة الإنسانية في قطاع غزة، حيث تتيح له الاطلاع المباشر على حجم المأساة التي يعيشها الشعب الفلسطيني تحت الحصار الإسرائيلي المشدد.

وأضاف حسين في تصرايحات لـ "صدى البلد"، أن ماكرون خلال زيارته، سيشاهد بنفسه الشاحنات المحملة بالمساعدات الإنسانية المتكدسة على مشارف غزة، والتي تمنع قوات الاحتلال الإسرائيلي دخولها، رغم الحاجة الماسة لها، في ظل حصار شامل يفرضه الاحتلال، تسبب في تجويع ممنهج ومعاناة إنسانية غير مسبوقة. كما ستمنحه الزيارة فرصة لرؤية حجم الدمار الواسع الذي خلفه العدوان الإسرائيلي على القطاع، في مشهد يعكس قسوة الأوضاع وعمق الكارثة.

وأضاف أن تحركات فرنسا، وعلى رأسها زيارة ماكرون، لا يمكن فصلها عن المشهد الدولي الأوسع، وخاصة التوتر الاقتصادي المتصاعد بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، بعد فرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رسومًا إضافية بنسبة 20% على المنتجات الأوروبية. وشدد على أن هذه الخطوة الأمريكية ستعمّق من الأزمة الاقتصادية داخل أوروبا، ما يدفع بعض الدول الأوروبية، مثل فرنسا، إلى تبني سياسات أكثر استقلالية ووضوحًا في ملفات الشرق الأوسط.

وأشار حسين إلى أن دعم الولايات المتحدة المفرط لإسرائيل ساهم في تأجيج النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي، بدلًا من لعب دور الوسيط المحايد، كما كان يروج ترامب حين وصف سياساته بأنها أداة لنشر السلام في المنطقة. ولفت إلى أن الدور الأوروبي، ومنه التحرك الفرنسي الأخير، يأتي في سياق تصاعد الخلافات بين أوروبا وواشنطن، خصوصًا بعد إعلان ترامب عن خطة سلام بين روسيا وأوكرانيا لم يكن الاتحاد الأوروبي جزءًا منها، ما يعكس تهميشًا متعمدًا لدور القارة العجوز في ملفات دولية حساسة.

وختم حسين تصريحه بالتأكيد على أهمية التحركات الأوروبية المستقلة، داعيًا إلى دور فاعل للاتحاد الأوروبي في دعم القضية الفلسطينية وإنهاء المأساة الإنسانية في غزة، بعيدًا عن التجاذبات السياسية الأمريكية.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: ماكرون الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون السيسي المزيد الرئیس الفرنسی

إقرأ أيضاً:

زيارة مستشار ترامب: جديد السياسة الامريكية تجاه ليبيا

حل مسعد بولس، مستشار الرئيس الأمريكي للشرق الأوسط وأفريقيا، ضيفا على طرابلس وبنغازي، ومع زياراته تعدد التكهنات حول أسباب الزيارة، ونوايا البيت الأبيض حيال الأزمة الليبية، وظلت تلك التكهنات رهينة القبول والرفض، ذلك أن تصريحات بولس أثناء الزيارة لم تتعد المتعارف عليه من المسائل التي تتقدم أجندة معالجة النزاع الليبي من منع الانزلاق للعنف ودعم المسار السياسي وتوحيد الميزانية...ألخ.

في ظل عدم الإفصاح عن أسباب الزيارة والتعتيم حول ما نقله بولس للساسة الليبيين في الغرب والشرق، فإن تلمس ملامح الموقف الأمريكي تجاه الأزمة الليبية في العهد الثاني من حكم ترامب يمكن أن يستجلى من خلال الرؤية والسياسات والخيارات التي تحكم سلوك ومواقف البيت الأبيض من مختلف القضايا خارج الحدود الامريكية، والتي يمكن أن تستنطق من تصريحات المسؤولين الأمريكين بداية من الرئيس ثم وزارئه ومستشاريه.

عاد بولس إلى واشنطن محملا بتقييمه النهائي واستشاراته إلى ترامب والمسؤولين الأمريكيين حيال النزاع، وإذا كانت مواقف ترامب ومساعديه على ما هي عليه فإن البصمة الأمريكية ستظهر بشكل جلي في خارطة الطريق التي ستعلن عنها المبعوثة الخاصة للأمين العام لليبيا الشهر القادم، وهذا يعني أن تطورات مهمة في الأزمة الليبية قد تطفوا على السطح قريبا.في تصريح للرئيس الأمريكي حول زياره بولس لليبيا ذكر بشكل صريح أنه لا يقبل بالوضع الراهن في البلاد، وأن هناك ضرورة للتقدم في المسار السياسي باتجاه التغيير على أسس ديمقراطية، وأن قادة جدد ينبغي أن يكونوا في مقدمة هذا التغيير.

بولس نفسه في كلام له عن تقييم الحالة الليبية سبق الزيارة بفترة أشار بوضوح إلى الحاجة لتغيير شامل يقلب المشهد الراهن رأسا على عقب، بداية من عدم قبول الطبقة السياسية الراهنة، مرورا بألية فعالة لدفع المسار السياسي إلى الامام، وصولا إلى تصدر قيادات مستقلة ليست متورطة في عبث السنوات الماضية للمشهد.

وتبدوا تصريحات الساسة الأمريكان جانحة لمصلحة ليبيا والليبية، غير أن هذا لا يلغي حقيقة دامغة وهي أن أي مقاربة لواشنطن لتسوية أزمة أو تفكيك نزاع تحركها أولا المصالح الأمريكية، والساسة الأمريكيون لا يسوسون بدافع إنساني بحت، فالولايات المتحدة متورطة في الكارثة التي تواجهها غزة، وتجويع سكان غزة هو ضمن خطة تقرها واشنطن.

في لقاء متلفز عقب زيارة مسعد بولس لخمس دول في القارة الأفريقية، وبالتركيز على النزاع بين الكنغو وروندا، والدور الذي لعبته الإدارة الأمريكية في التوصل إلى إعلان مبادئ بين الطرفين والدفع باتجاه اتفاقية سلام شامل، عرج بولس على المعادن التي تمتلك منها الكونغو مخزونا كبيرا، وحاجة الولايات المتحدة لهذه الثروة المعدنية، وكيف أنها تنافس الصين المستفيد الأكبر من خيرات القارة السمراء.

بولس في حديثه الحماسي حول ما تمتلكه أفريقيا من ثروات هائلة، إنما يعكس المنطق والتفكير الذي يؤطر عقل ترامب ونزوعاته، الرجل الذي يندفع في اختياراته بدافع مصلحي اقتصادي بحت، ولا يجد حرجا في التصريح بذلك، وبالتالي فإن الاقتراب من ليبيا لن يخلو من مصالح لا تخرج عن البعدين الاقتصادي والأمني.

بولس أشار في أكثر من مناسبة إلى ثنائية القوة والشراكات الاقتصادية لمعالجة الأزمات في المناطق التي تعتبرها الولايات المتحدة حيوية بالنسبة لها، فالقوة تفرض الحل وتبعد كل العراقيل أمامه، والشراكات تعززه وتكون أداة قطف الثمار بالنسبة لواشنطن، وهذا سيكون المسار ذاته في حال استمرت الولايات المتحدة في الدفع باتجاه تحريك المسار السياسي في ليبيا الذي أصابه الموات، واتجهت إلى تنفيذ خطتها للتغيير في البلاد، ذلك أن أي تطورات خطيرة تتعلق بقضايا كبرى كالحرب الروسية الأوكرانية والمواجهة المبطنة مع الصين والحرب على غزة قد تدفع البيت الأبيض إلى صرف النظر عن المسألة الليبية.

عاد بولس إلى واشنطن محملا بتقييمه النهائي واستشاراته إلى ترامب والمسؤولين الأمريكيين حيال النزاع، وإذا كانت مواقف ترامب ومساعديه على ما هي عليه فإن البصمة الأمريكية ستظهر بشكل جلي في خارطة الطريق التي ستعلن عنها المبعوثة الخاصة للأمين العام لليبيا الشهر القادم، وهذا يعني أن تطورات مهمة في الأزمة الليبية قد تطفوا على السطح قريبا.

مقالات مشابهة

  • اعتراف فرنسي وكسر للصمت الأوروبي .. هل تبدأ باريس شرارة التحوّل في الموقف الغربي من فلسطين؟
  • زيارة مستشار ترامب.. جديد السياسة الأمريكية تجاه ليبيا
  • زيارة مستشار ترامب: جديد السياسة الامريكية تجاه ليبيا
  • اتصال هاتفي بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الجمهورية العربية السورية السيد أحمد الشرع، أكدا خلاله وحدة سوريا، وإدانة التصعيد الإسرائيلي، ودعم مرحلة إعادة الإعمار والاستثمار
  • بطل سباقات الفورمولا 1 هاميلتون ينتقد الصمت تجاه مجاعة غزة
  • سعيد الزغبي: فرنسا كسرت الصمت الأوروبي… لكن المطلوب إرادة دولية توقف العدوان
  • علي بوعبيد ينتقد صمت ممثل الجالية اليهودية إزاء مأساة غزة ويصفه بـ "الصمت المتواطئ"
  • الاستنكار لا يكفي.. رغد صدام حسين تثير تفاعلا بتدوينة عمَا يحدث في غزة
  • ناشطة في رحلتها التاسعة لغزة: نكسر الصمت العالمي لا الحصار فقط
  • حماة الوطن: مصر تؤكد ريادتها في دعم غزة بإدخال المساعدات الإنسانية وسط العدوان الإسرائيلي