بقلم : كمال المهدي الحجام

مع تصاعد الاهتمام بتأمين الفعاليات الرياضية الكبرى، لم يعد الأمن مقتصرًا على التدابير التقليدية، بل أصبح يشمل أبعادًا جديدة تتماشى مع التطورات التكنولوجية المتسارعة. وفي هذا الإطار، واستنادا إلى ما تم الإشارة إليه سابقا في مقال متعلق بالأمن الرياضي، لا يمكن الحديث عن هذه المنظومة دون التطرق إلى أحد أهم أسسها الحديثة، وهو الأمن السيبراني.

فمع اقتراب المغرب من استضافة كأس العالم 2030، يفرض هذا التحول الرقمي تحديات تستدعي مقاربة شاملة تضمن حماية البنية التحتية الرقمية وتأمين العمليات المرتبطة بتنظيم الحدث. من هذا المنطلق، يسلط هذا المقال الضوء على أهمية تعزيز الأمن السيبراني كجزء لا يتجزأ من المنظومة الأمنية، متناولًا أبرز التحديات والحلول الممكنة لضمان تجربة رياضية آمنة على جميع المستويات.

مع استعداد المغرب لاستضافة كأس العالم لكرة القدم 2030، أصبح تنفيذ تدابير الأمن السيبراني الشاملة عنصرًا حيويًا في المنظومة الأمنية العامة للدولة في ظلعصر تتغلغل فيه التقنيات الرقمية في جميع جوانب الحياة، وتزايدت التهديدات السيبرانية بشكل مكثف، مستهدفة البنى التحتية الحيوية، والمؤسسات الحكومية، والفعاليات الدولية الكبرى. فتطور الهجمات السيبرانية تنتقل من مجرد تهديد نظري، إلى تحدٍ حقيقي يمكن أن يقوض نزاهة الأحداث الرياضية الكبرى. فالاعتماد المتزايد على البنية التحتية الرقمية في التخطيط لهذه الفعاليات وتنزيلها يخلق نقاط ضعف غالبًا ما يستغلها المهاجمون. من أنظمة التذاكر والمعاملات المالية إلى أنظمة المراقبة والبث الإلكتروني، ما يجعل الأمر في جميع جوانبه يحتاج إلى حماية قصوى من التهديدات السيبرانية. هذا المؤشرات تجعل القارئ وهو يطلع على تطور المنظومة الأمنية بالمملكة يحس بالأمن والأمان خصوصا أن الملاحظ البسيط يستشعر قدرة المؤسسات الأمنية على دمج الأمن الرقمي ضمن الإطار العام للأمن الوطني والسلامة العامة.

وإذا أردنا أن نفهم محددات هذا المجال، يجب العودة إلى التجارب السابقة، التي أكدت أن الفعاليات الرياضية العالمية الكبرى تشكل أهدافًا جذابة للهجمات السيبرانية. على سبيل المثال، تعرضت دورة الألعاب الأولمبية في طوكيو عام 2021 لسلسلة من الهجمات السيبرانية التي استهدفت تعطيل العمليات، واختراق قواعد البيانات السرية، والتشويش على البث الرقمي. وبالمثل، تعرضت بطولة كأس العالم لكرة القدم 2018 في روسيا لمحاولات اختراق الأنظمة الرقمية، مما استدعى استثمارات هائلة في الأمن السيبراني. وبالتالي تسلط هذه الأحداث الضوء على أهمية اتخاذ تدابير استباقية مثل المراقبة القائمة على الذكاء الاصطناعي، والتحليلات التنبؤية، وأنظمة الاستجابة الفورية.

واستجابةً للتطورات المتسارعة في البيئة الرقمية، أطلق المغرب “الاستراتيجية الوطنية للأمن السيبراني 2030″، وهي خطة متكاملة تهدف إلى تعزيز قدرة الدولة على مواجهة الهجمات السيبرانية. ترتكز هذه الاستراتيجية على عدة محاور رئيسية، من بينها تعزيز حكامة الأمن السيبراني على المستوى الوطني، ووضع إطار قانوني ومؤسسي متطور الذي يرتبط أساسا بالقانون رقم 20-05 المتعلق بالأمن السيبراني الذي يسعى إلى وضع مجموعةمن القواعد والتدابير الأمنية الرامية إلى تعزيز أمن وصمودنظم معلومات إدارات الدولة والجماعات الترابية والمؤسساتوالمقاولات العمومية وكل شخص اعتباري آخر خاضعللقانون العام وكذا البنيات التحتية ذات الأهمية الحيويةالتي تتوفر على نظم معلومات حساسة، خصوصا وأنحماية البنى التحتية الرقمية أولوية استراتيجية للمغرب في ظل تصاعد التهديدات السيبرانية. فقد رصدت المديرية العامة لأمن نظم المعلومات (DGSSI)، التي تعمل تحت إشراف القوات المسلحة الملكية (FAR)، ما مجموعه 644 هجومًا سيبرانيًا خلال العام الماضي.

وتعكس هذه الأرقام تزايد المخاطر الرقمية التي تستهدف المؤسسات العامة والقطاعات الخاصة على حد سواء. وفي مواجهة هذا الوضع، كثّف المغرب جهوده لتعزيز أنظمته الدفاعية من خلال اعتماد حلول تكنولوجية متقدمة وتنظيم حملات توعية موجهة للمستخدمين.

ومن زاوية أخرى، وفي سياق تنزيل الإستراتيجية المعنية، نجد من جملة أساسياتها تطوير القدرات الدفاعية ضد الهجمات السيبرانية، وتعزيز التعاون الدولي. هذه الإجراءات، يسعى من خلالها المغرب إلى تأمين بنيته التحتية الرقمية الحيوية، وفي الوقت ذاته، ترسيخ مكانته كمركز إقليمي في مجال الأمن السيبراني. الأمر الذي جعل الجهات الأمنية الوطنية تدمج أنظمة مراقبة متطورة مثل برامج التعرف على الوجه والشبكات القائمة على الذكاء الاصطناعي، لتقليل المخاطر في الأماكن العامة والمنشآت الرياضية. ويجعلها قادرة على استخدام التحليلات البيانية المتقدمة للتنبؤ بالهجمات السيبرانية وإحباطها قبل وقوعها قصد ضمان بيئة آمنة للرياضيين والجماهير والمنظمين.

إن دمج الأمن السيبراني ضمن الاستراتيجية الأمنية العامة أصبح ضرورة حيوية، لا سيما فيما يتعلق بالأمن الرياضي، خصوصا عند الحديث عن التنسيق بين الإجراءات الأمنية التقليدية، مثل المراقبة الميدانية، وتدابير تأمين الملاعب، وانتشار قوات الأمن، وبين تدابير الأمن الإلكتروني، كما أن الأمر لا يقل أهمية عن ذلك تأمين الأصول الرقمية، مثل منصات بيع التذاكر، وشبكات الدفع الإلكتروني، وأنظمة تخزين البيانات.

لقد أثبتت تجارب العديد من الدول أن النهج المزدوج، الذي يجمع بين الأمن الرقمي والتقليدي، هو الوسيلة الأكثر فاعلية لضمان الحماية الشاملة للفعاليات الرياضية الدولية. وقد خطا المغرب خطوات مهمة في هذا الاتجاه من خلال تعزيز تعاونه مع المنظمات الدولية المتخصصة في الأمن السيبراني، مثل الإنتربول والاتحاد الدولي للاتصالات..

ومن جهة أخرى، لا يمكن تجاوز الحديث عن شركات التكنولوجيا التي تلعب دورًا محوريًا في تطوير حلول أمنية متقدمة تتناسب مع التهديدات الفريدة التي ترافق استضافة الفعاليات الكبرى، والتي يجب أن تكون ذات بعد وطني بغض النظر عن كونها تنتمي إلى القطاع الخاص، فهذه الجوانب، تأخذ في غالب الأحيان مسارا سياديا مربط بالأمن القومي.

إن المغرب اليوم، إذ ينجح في التصدي لهذه التحديات، فهذا بسبب قدرته على الاستفادة من أحدث التقنيات الأمنية، بما في ذلك منصات تحليل التهديدات، وأنظمة الاستجابة الفورية للهجمات السيبرانية، وبروتوكولات الأمان المستندة إلى تقنية “البلوك تشين”.

إذن، في إطار استراتيجيته المتكاملة للأمن الرقمي، يبرهن المغرب على نهج استباقي وشامل في مواجهة التحديات السيبرانية، حيث استثمر البلد بشكل مكثف في بناء القدرات الوطنية من خلال إنشاء مراكز متخصصة للتدريب وتأهيل الكوادر في مجال الأمن المعلوماتي، وسن تشريعات متقدمة لحماية البنية التحتية الرقمية. وقد تجلت جهوده في إعداد منظومة أمنية متطورة تجمع بين الاستثمار في التكنولوجيا المتقدمة والتدريب المستمر للكوادر الوطنية، عبر تطوير القدرات الاستخباراتية الرقمية وبناء شبكات دفاع إلكتروني قادرة على التصدي للتهديدات المعقدة، مع التركيز على حماية المنشآت الحيوية والفعاليات الوطنية والدولية. كما نجح المغرب في توظيف أدوات الأمن السيبراني كأداة فعالة لمكافحة الإرهاب والاتجار الدولي في المخدرات، من خلال تعزيز آليات الرصد والتتبع الإلكتروني للشبكات الإجرامية وقنوات التمويل غير المشروعة. ويمكن اعتبار النموذج المغربي في الأمن السيبراني تجربة رائدة على المستوى الإقليمي والعالمي، إذ نجح في بناء منظومة متكاملة تجمع بين التكنولوجيا المتقدمة والكفاءات البشرية المؤهلة، مما يعزز قدرة الدولة على مواجهة التحديات الرقمية المعاصرة وحماية مصالحهاالقومية والاستراتيجية بكفاءة واقتدار.

المصدر: زنقة 20

كلمات دلالية: الهجمات السیبرانیة الأمن السیبرانی التحتیة الرقمیة من خلال

إقرأ أيضاً:

النرويجي فارهولم يحطم رقمه القياسي العالمي في سباق 300 متر حواجز

   

حطم أسطورة سباقات الحواجز النرويجي كارستن فارهولم رقمه القياسي العالمي في سباق 300 متر حواجز في لقاء أوسلو اليوم الخميس ضمن منافسات الدوري الماسي لألعاب القوى.

وبدعم كبير من الجماهير المحلية، انطلق بطل أولمبياد 2020 مبتعدا عن بقية المنافسين في آخر 50 مترا، ليتجاوز خط النهاية مسجلا 32.67 ثانية ويحطم رقمه القياسي السابق البالغ 33.05 ثانية الذي سجله في أبريل نيسان الماضي.

وجاء الأمريكي راي بنجامين، بطل أولمبياد باريس 2024، في المركز الثاني بزمن 33.22 ثانية وتلاه البرازيلي أليسون دوس سانتوس في المركز الثالث بزمن 33.38 ثانية.

وحقق السويدي أرماند دوبلانتيس (25 عاما) ، حامل الرقم القياسي العالمي، فوزا سهلا في مسابقة القفز بالزانة.

وكان بطل العالم وبطل الأولمبياد مرتين حطم الرقم القياسي العالمي للمرة 11 في فبراير شباط الماضي عندما سجل 6.27 مترا.

وأصبح نيكو يانج أسرع أمريكي في سباق 5000 متر في الهواء الطلق عندما تفوق على بقية المتسابقين ليفوز في 12 دقيقة و45.27 ثانية في سباق مثير مليء بالأرقام القياسية الوطنية والشخصية.

واحتل الإثيوبي بينيام ميهاري وكوما جيرما المركزين الثاني والثالث، على الترتيب، وتلاهما الإنجليزي جورج ميلز في المركز الرابع بزمن 12 دقيقة و46.59 ثانية ليحطم الرقم القياسي البريطاني البالغ 12 دقيقة و53.11 ثانية والذي كان يحمله الأسطورة محمد فرح.

وحقق البطل الأولمبي في باريس الكيني إيمانويل وانيوني الفوز في سباق 800 متر، إذ صمد أمام منافسيه في آخر 100 متر لينهي السباق في دقيقة واحدة و42.78 ثانية.

وقال وانيوني “شعرت ببعض الإجهاد الجسدي لأنني أتيت من كينيا، لذا كانت الرحلة طويلة، لكنني سعيد بأدائي أمام منافسين أقوياء. أنا سعيد ببداية موسمي في عام بطولة العالم هذا”.

وافتتحت جوليان ألفريد، أول رياضية من سانت لوسيا تفوز بذهبية أولمبية عبر دورة باريس، موسمها بالفوز في سباق 100 متر في 10.89 ثانية، لتوجه إنذارا لمنافساتها في بطولة العالم المقررة في طوكيو في سبتمبر أيلول المقبل.

وقالت ألفريد “حققت الفوز، وهذا هو الأهم. أما بالنسبة لموسمي، فأنا بطلة أولمبية، لذا فأنا المرشحة الأوفر حظا للفوز، لكنني أتطلع بشدة إلى إضافة لقب بطولة العالم إلى رصيدي”.

وفازت الكينية فيث شيروتيتش بسباق 3000 متر موانع للسيدات، متفوقة على البطلة الأولمبية البحرينية وينفريد يافي في صراع شرس خلال آخر 200 متر، ومسجلة تسع دقائق و02.60 ثانية بفارق 0.16 ثانية على يافي.

وسجلت اليابانية هاروكا كيتاجوتشي، الفائزة بالميدالية الذهبية في مسابقة رمي الرمح للسيدات في باريس، مسافة تزيد بنحو متر عن بقية المنافسات لتفوز في أوسلو برمية بلغت 64.63 متر.

  

مقالات مشابهة

  • خبير يكشف الفارق بين الهاكر والأمن السيبراني.. ويوجه نصائح لحماية المعلومات
  • النرويجي فارهولم يحطم رقمه القياسي العالمي في سباق 300 متر حواجز
  • قيادي بمستقبل وطن: بيان الخارجية يؤكد الشفافية مع الأجانب لحماية الأمن القومي
  • رونالدو سفيرًا عالميًّا لبطولة كأس العالم للرياضات الإلكترونية 2025 في الرياض
  • إيران تعلن حالة الإنذار السيبراني تحسباً لهجمات إلكترونية (وثيقة)
  • بدء العد التنازلي لانطلاق كأس العالم للرياضات الإلكترونية 2025 من الرياض.. الحدث الأضخم والأكثر تأثيرًا في عالم الألعاب الإلكترونية
  • مدير صحيفة Olé الأرجنتينية الشهيرة: المغرب جاهز وعلى قدر المسؤولية لاستضافة كأس العالم 2030
  • حسام الشاه: الأمير محمد بن سلمان أيقونة لشعوب العالم وما يقوم به ثورة.. فيديو
  • "هرمز".. شريان الطاقة العالمي
  • الجنرال مايكل لانغلي قائد أفريكوم: المغرب حليق قوي للولايات المتحدة