قبل ربع قرن ويزيد من الزمن حينما كانت العولمة تَعِد بجعل العالم قرية كونية، يتنقل فيها الإنسان بخفة الحلم، ويعيش كمواطن عالمي بلا قيود جغرافية ولا أزمة هُويات قاتلة، بدا للبعض، وبينهم مفكرون ومنظرون، أن فكرة «الوطن» يمكن أن تصبح ترفا رومانسيا أو ذكرى من زمن الحدود.. تبلور في تلك المرحلة مفهوم «المواطن الكوني» الذي لا ينتمي إلى وطن بعينه أو أنه فوق مستوى الوطن ومفهومه التقليدي وشكل انتماء هذا المواطن الجديد وفق القيم التي كان النظام العالمي يرفعها شعارا له وأبرزها الحرية والعدالة وحقوق الإنسان.

. إلخ.

لكن مفهوم هذا «المواطن» الكوني الذي تَشكّل في المخيال الغربي، واستوطنه من حيث القيم والمفاهيم بدأ من عدة سنوات يفقد بريقه، بل إنه آخذ في التفكك العميق، والرفض الذي بات مسموعا جدا في السياسات الغربية في العامين الآخرين سواء في الولايات المتحدة الأمريكية أو في ألمانيا أو حتى في المملكة المتحدة التي أقرت العام الماضي قانونا عجيبا لنقل المهاجرين إلى رواندا! حدث هذا التحول والانهيار لمفهوم «المواطن الكوني» نتيجة صعود خطاب الشعبوية والقومية والخوف من الآخر الثقافي والديني، ودخول العالم في أزمات اقتصادية خانقة على وقع موجات الهجرة إلى أوروبا وإلى أمريكا. لكن الأمر أخذ يتداعى بشكل مثير جدا مع سقوط قيم النظام العالمي مثل قيم الحرية والعدالة وحقوق الإنسان والتي كانت «المواطنة الكونية» قد تعلقت بها لحظة تبلور مفهومها خلال حقبة بروز العولمة.

اكتشف «المواطن الكوني»؛ الذي بالغ في الانسلاخ من وطنه وأرضه وجذوره، بل وحاربه وتآمر عليه في سبيل تحقيق «كونيته» الجديدة، أنّ لا شيء يعادل الوطن الحقيقي، الوطن الذي يحتوي أبناءه ولا يمن عليهم بحق الانتماء. واكتشفوا أمام صعود الجدران وعودة الحدود، وتوالي الخيبات أنهم ليسوا أكثر من «عبء» يبحث العالم كيف يجد له حلا، حتى لو كان حلا لا يليق بإنسانيتهم بل لا ينظر لهم بوصفهم بشرا وإنما أرقام في سجلات مؤسسات الهجرة. وأمام التحولات الجديدة التي يشهدها العالم سوف يزداد تفكك مفهوم «المواطن الكوني» وسيزيد «عبء» المهاجرين خاصة أولئك الذي حولوا أنفسهم إلى معارضين لأوطانهم الحقيقية وسيكتشفون حجم الوهم الذي غرقوا فيه لحظة غياب للبصر والبصيرة، وإن كان ثمة عذر لمن هاجر مضطرا من وطنه ولكن قلبه بقي عامرا بالوطن وراسخا في وجدانه فلا عزاء لمن باعوا أوطانهم بكسرة وهم، أو لذة عابرة.

ولعلّنا، في عُمان، أقدر من يدرك معنى الوطن.. فعُمان التي تسكننا قبل أن نسكنها أكبر بكثير من المعنى الجغرافي الذي تحدده الخرائط رغم حجم امتداداتها في التاريخ، إنها الحضارة التي شكلت ماهيتنا وبلورة شخصيتنا إلى حد تماهى فيه الجغرافي بالتاريخي وبالثقافي والقيمي فلا نعرف من شكل من ومن أسس لمن!

ومنذ الألفيات القديمة، والعُمانيون يكتبون وجودهم ويرسخونه على الخط الزمني لمسيرة الإنسان وحضوره المؤثر.. ولهذا صمدت عُمان، وظل كيانها الحضاري راسخا حينما تغيرت الخرائط وتحولت الجغرافيا، وتماسكت حينما تفككت المجتمعات وتبدلت الهويات.

وفي هذه اللحظة التي يعيش فيها العالم قلقا وجوديا، ينبغي أن نُرسخ في أبناء هذا الوطن ما هي عُمان، وماذا تمثل في تاريخ المنطقة وفي مسيرة إنسانها وماذا يعني أن يكون منتميا لوطن ومتجذرا فيه. من المهم في هذه المرحلة التي يمر بها العالم وتتفكك فيها المفاهيم أن نرسخ في هذه الأجيال معنى الوطن، ولماذا عليه أن يحب وطنه وأن ينتمي له، ولماذا عليه أن يُسند وطنه لا أن يخذله. ولماذا علينا أن نكون حراسا لوطننا من الداخل قبل الخارج.

لقد أثبتت التجارب والتحولات التي يشهدها العالم أمام أعيننا أن التجذّر في الأرض والانتماء الواعي لها هو صمّام الأمان للهوية والكرامة وللمستقبل، وأن من يعرف وطنه جيدا، لا تفتنه دعوات «اللاانتماء»، ولا تغرّه شعارات «الكونية» المبنية على أسس هشة ووقتية لأنها سرعان ما تتفكك وتحول المنتمي لها إلى مجرد «عبء»؛ لأن من لا يسند وطنه اليوم، قد لا يجد وطنا يسنده غدا.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

«فيكتوري» بطل العالم للزوارق السريعة

 
دبي (الاتحاد)


حسم فريق فيكتوري، لقب بطولة العالم للزوارق السريعة فئة «إكس كات»، حسابياً، وذلك بعد فوزه في السباق الرئيسي بجائزة دبي الكبرى، عن طريق «الثنائي» سالم العديدي، وعيسى آل علي، على متن الزورق «فيكتوري 7».
حصد الفيكتوري 35 نقطة، ليرفع رصيده إلى 165 نقطة، بفارق 39 نقطة عن فريق بريطانيا الذي جاء بالمركز الخامس بالسباق، وكسب 18 نقطة، ليصبح رصيده 126 نقطة.
ويعتبر اللقب العالمي هو السابع لفريق فيكتوري في فئة «إكس كات»، بعد أعوام 2012 و2013 و2014 و2015 و2016 و2017، واللقب العالمي 27 إجمالاً للفريق في مختلف الفئات والبطولات.
وقام بتتويج الفائزين، معالي الشيخ محمد بن سلطان بن خليفة آل نهيان، رئيس اتحاد الرياضات البحرية، بحضور سعيد حارب أمين، عام مجلس دبي الرياضي، ومحمد حارب، المدير التنفيذي لنادي دبي الدولي للرياضات البحرية، وخالد بن دسمال، عضو مجلس إدارة نادي دبي الدولي للرياضات البحرية، وأحمد إبراهيم البلوشي، المدير التنفيذي لنادي الفجيرة الدولي للرياضات البحرية، والعقيد أحمد العديدي، مدير مركز شرطة الموانئ في القيادة العامة لشرطة دبي.

 

أخبار ذات صلة انتصارات رائعة للإمارات في مونديال الريشة الطائرة سيف بن زايد يقدم واجب العزاء بوفاة عتيق المهيري


وعلى صعيد مجريات المنافسات، حسم «فيكتوري» صدارة الترتيب في السباق الرئيسي الأول، بعدما أنهى اللفات الـ 16 بزمن 42:24 دقيقة، وجاء بالمركز الثالث زورق «الفجيرة 96»، بفارق 6:38 ثانية، وبالمركز الثالث زورق «الشارقة 9»، بفارق 47:78 ثانية.
وكان فريق الشارقة حقق المركز الأول في سباق تحديد انطلاق المتسابقين في السباق الرئيسي، وجاء خلفه فريق الفجيرة، والفيكتوري في المركز الثالث.
وعبر أعضاء فريق فيكتوري عن سعادتهم الكبيرة بلإنجاز العالمي، وأكد أحمد السميطي، مدير إدارة الفرق الرياضية بنادي دبي الدولي للرياضات البحرية، أن استعادة اللقب الغائب عن خزائن الفريق منذ عام 2017، جاء نتيجة ثمرة عمل وتكاتف جهود جميع أعضاء الفريق، وبإصرار وعزيمة لحسم المنافسات مبكراً في الشوط الرئيسي الأول، وعدم تأجيل الأمور إلى الشوط الرئيسي الثاني.
وأكد سالم العديدي، أن التركيز والشعور بالراحة نتيجة التحضير الجيد تقف وراء هذا الانتصار، حيث وضع الفريق خطة واضحة لكيفية إنهاء السباق بأفضل طريقة، مما جعله يصبر خلال مجريات السباق، ويختار التوقيت الأمثل للتقدم نحو الصدارة، والحصول على المركز الأول.
وتوجه عيسى آل علي، بالشكر لكل من دعم مسيرة الفريق في بطولة العالم هذا الموسم، مما كان له الفضل في الصعود على منصة التتويج في المركز الأول، بعدما سبق أن حصل على المركز الثالث رفقة العديدي، مما يؤكد التطور في الأداء والانسجام بينهما.

مقالات مشابهة

  • الأول يوتيوب | عمرو مصطفى تريند منصات الاستماع في الوطن العربي
  • «فيكتوري» بطل العالم للزوارق السريعة
  • “قداسة البابا “: من الأسرة يخرج القديسون وهي التي تحفظ المجتمع بترسيخ القيم الإنسانية لدى أعضائها
  • أحمد زيور باشا.. الحاكم الذي جمع القوة والعقل والإنسانية
  • ما الدول التي يفضل «ترامب» استقبال المهاجرين منها؟
  • البيئة: ثلاث مواقع غوص صناعية لإنقاذ شعاب البحر الأحمر.. معركة بين الإنسان والطبيعة
  • الجيل: حقوق الإنسان منظومة شاملة تبدأ بتحسين معيشة المواطن وتعزيز الخدمات
  • ترامب يكشف عن الدول التي يفضل استقبال المهاجرين منها
  • خالد حنفي: 500 مليار دولار حجم مشروعات إعادة الإعمار التي تستهدفها مبادرة عربية - يونانية جديدة
  • خلافاً للواقع..السوداني:حقوق الإنسان العراقي لامثيل لها في العالم!!