من هو شيخ الإسلام البريطاني الذي بنى أول مسجد فيها؟
تاريخ النشر: 12th, April 2025 GMT
هو واحد من الشخصيات الإنجليزية البارزة التي كثر ذكرها في الربع الأخير من القرن 19، ولا يزال يتردد حتى يومنا هذا. إنه شيخ الإسلام عبد الله كويليام أفندي، الذي آمن من أعماق قلبه بالإسلام في ظل غلبة وهيمنة الإمبراطورية البريطانية في ذروة مجدها على العالم أواخر القرن 19 وأوائل القرن 20.
أما ما هو لافت في سيرة الرجل، إعجابه العميق بفضائل وثقافة الدولة العثمانية، ولم يكن هذا الإعجاب مجرد كلمات، بل تجسّد في أفعاله أيضا، ومن شدة ولعه بالدولة العثمانية، كان يحرصُ على ارتداء ملابس تشبه في شكلها وهيئتها ملابس العثمانيين في ذلك العصر، فكان لا يفارق الطربوش رأسه، وتزيّنت بزته بالنياشين والميداليات التي أهداه إياها السلطان عبد الحميد الثاني.
عاش كويليام في إنجلترا خلال العصر الفيكتوري، وخاصة في مدينته ليفربول، حيث تميّز بشخصية متعددة الجوانب ومواهب متنوعة، فبينما كان يمارس مهنته في المحاماة، أولى اهتمامًا كبيرا لعلوم الأحياء والطبيعة وغيرها من المجالات العلمية. ولم يكد يعتنق الإسلام حتى انصرف بحماسة إلى تأليف كتابه الأول "اعتقاد الإسلام" (The Faith of Islam)، الذي حظي بانتشار واسع داخل إنجلترا وخارجها، كما تُرجم إلى عدة لغات.
إعلان من الميلاد إلى الإسلاموُلد كويليام لعائلة مرموقة في مدينة ليفربول شمال غربي إنجلترا، حيث أكمل تعليمه الأولي بتميز، وحصل على عدة شهادات تقدير، وعندما بلغ 17 عاما، واجه صعوبات مالية دفعته للالتحاق بمكتب محاماة كممارس مبتدئ في بداية مسيرته المهنية.
وفي عام 1873، وبُغية تغطية نفقات دراسته، عمل لمدة 5 سنوات في شركة "سميث ووليام راديكلف"، إلى جانب عمله كمراسل لعدد من الصحف المحلية مثل "ذي بوركوباين" (The Porcupine) و"غود تامبلار" (Good Templar" و"ليفربول ألبيون" (Liverpool Albion)، وذلك لتأمين متطلباته المعيشية، وأدى نجاحه في هذه الوظائف إلى دعوته لاستكمال دراسة القانون من جانب شركة "سميث وويليام راديكلف"، ثم في مدارس عمادة بلدية ليفربول، حتى تمكن في عام 1878 من التخرج والحصول على لقب المحاماة. ورغم ذلك، واصل عمله في مجال الصحافة، حيث استمر كمراسل ومحرر في عدة وسائل إعلامية.
من الناحية الأخلاقية والدينية، كانت عائلة ويليام على ارتباط وثيق بحركة "الاعتدال" (Temperance)، وهي مجموعة من المسيحيين الملتزمين الذين امتنعوا تماما عن شرب الخمر، وكانت على صلة بالكنيسة الميثودية ويسليان (Wesleyan Methodist Church)، فمنذ سن مبكرة، وتحديدا عندما كان في السابعة من عمره، بدأ ويليام حضور اجتماعات أعضاء حركة "الاعتدال"، حيث استمع إلى جده وهو يلقي خطبًا بليغة تدافع عن فوائد الامتناع عن شرب الخمر وأثر ذلك على المؤمنين في الدنيا والآخرة.
وقد تركت هذه اللقاءات أثرا عميقا في نفسه، واعترف لاحقًا في بعض مؤلفاته بأنه لم يتناول الخمر مطلقًا، تنفيذًا لوعد قطعه أمام الحاضرين في أحد تلك الاجتماعات.
لاحقا وبسبب مرض اعتراه، نصحه الأطباء للاستشفاء في مناطق معتدلة في جنوب أوروبا في إسبانيا وفي شمال أفريقيا في المغرب والجزائر، وقد أتاحت له الرحلات التي قام بها إلى الجزائر والمغرب عام 1882 فرصة ثمينة لكي يتعرف على الإسلام عن كثب.
إعلانوفي رحلة أخرى إلى جبل طارق، قرر كويليام استغلال الفرصة لزيارة مدينة طنجة، حيث استقل العبّارة في طريقه إلى هناك، وخلال الرحلة، لفت انتباهه مشهد مجموعة من الحجّاج المغاربة الذين كانوا ينقلون الماء بالدِّلاء من البحر إلى متن السفينة، ثم يتوضؤون ويؤدون صلاتهم بخشوع وطمأنينة، دون أن تؤثر عليهم شدة تقلب السفينة أو الرياح العاتية.
وقد أثارت هذه الحالة الإيمانية اللافتة فضوله، ودفعه ذلك إلى محاولة فهم طبيعة ما يقومون به والدين الذي يمنحهم هذا السكون الروحي، ولعل هذا ما جعله في طنجة يصاحب رجلا مسلمًا يجيد الإنجليزية، فتعمق من خلاله في معرفة الإسلام عن قرب.
جعله ذلك ينكبّ على مطالعة تفسير القرآن الكريم، إلى جانب كتاب "الأبطال" للمؤرخ البريطاني توماس كارليل، وعند عودته إلى إنجلترا، أصبح ذهنه منشغلا أكثر بإيجاد الوسيلة الفعالة لنشر هذا الدين بين الغربيين. ومن اللافت أنه كان على وعي تام بأن صورة الإسلام قد شُوّهت في أذهان الإنجليز بفعل أيديولوجيين ومستشرقين معادين له على مدى قرون، وأدرك أن محاولة دعوة هؤلاء إلى الإسلام بأساليب تقليدية لن تؤدي إلا إلى نفورهم بدلاً من تقريبهم منه.
سلك كويليام نهجا مختلفا عقب إسلامه في تلك السنوات، حيث استغل عضويته في "جمعية المدافعين عن حظر الكحوليات" وحرصه على حضور اجتماعاتها الدورية ليطرح الحديث عن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وتعاليم الإسلام بأسلوب تدريجي ذكي، إذ كان يعرض أفكاره من خلال الاستناد إلى أحدث الإحصائيات العلمية أو تسليط الضوء على الجوانب التي تثير إعجاب الحضور.
إعلانوفي ندوة عقدها يوم 17 يونيو/حزيران 1887 تحت عنوان "التعصب والمتعصبون"، أعلن إسلامه رسميا أمام الجميع، واتخذ اسم "عبد الله". وأشار لاحقا إلى أنه في اليوم السابق لهذه الندوة لم يكن هناك أحد غيره قد اعتنق الإسلام أو وُلد مسلما في بريطانيا، ولكن كان قد سبقه البعض دون أن يدري.
ومن بين الحاضرين، كان جيم علي هاملتون، وإليزابيث موراي كاتس -التي حملت لاحقا اسم فاطمة- من أكثر الأشخاص طرحا للأسئلة حول الإسلام، وقد كان لأسلوب كويليام الحواري القوي ونهجه الدعوي الذكي المتوافق مع الثقافة الغربية، دور بارز في إقناعهما، ليصبحا من أوائل من اهتدى إلى الإسلام على يديه.
وفقًا لمؤلف سيرته رون جيفز، فبحلول يوليو/تموز 1887، كان كويليام قد ساهم مع ثلاثة من الأعضاء الآخرين في تأسيس أولى المؤسسات التي ستمثل الإسلام في بريطانيا، وهي "معهد ليفربول الإسلامي" و"اتحاد المسلمين البريطانيين".
ورغم الجدل بين الباحثين حول ما إذا كانت أولى المؤسسات الإسلامية في بريطانيا قد تأسست في ليفربول أم في لندن، فإن مؤلف سيرته رون جيفز يوضح أن أول مؤسسة إسلامية فتحت أبوابها للعامة وبدأت في الدعوة إلى الإسلام كانت في ليفربول. أما مسجد ووكينغ في جنوب لندن، فقد تم افتتاحه رسميًا عام 1889.
ونظرًا لزيادة عدد المترددين والأعضاء في معهد ليفربول الإسلامي ليصلوا إلى 12 عضوًا، اضطروا إلى الانتقال من "قاعة فيرنون" (Vernon Hall) إلى مكان أكبر في "بروغام تيراس" (Brougham Terrace). وفي عام 1889، قرر كويليام جمع خُطبه التي كان يرسلها إلى المهتدية البريطانية فاطمة موراي قبل اعتناقها الإسلام، والتي كان يعرض فيها حججه وبراهينه لدعوتها إلى الإسلام؛ في كتاب مستقل بعنوان "اعتقاد الإسلام".
وعلى نفقته الخاصة، تمكن من طباعة ونشر 2000 نسخة من هذا الكتاب، ثم في العام التالي طبع 3000 نسخة إضافية، وبفضل هذا الكتاب وحججه القوية وتوزيعه الجيد، استطاع كويليام وأصدقاؤه من المسلمين الجدد أن يُوصلوا صوتهم إلى شرائح أوسع من المجتمع الإنجليزي، ونتيجة لذلك، وصل عدد المعتنقين للإسلام في تلك الفترة إلى 50 شخصًا، كما نفدت جميع نسخ الكتاب بسبب الإقبال الكبير عليه.
إعلانوبفضل جهوده الملحوظة التي بذلها، جذب معهد ليفربول الإسلامي اهتمام العديد من الدبلوماسيين والمسؤولين رفيعي المستوى من مختلف أنحاء العالم الإسلامي. فعلى سبيل المثال، بعد زيارة حقّي بك، المندوب الشخصي للسلطان العثماني، إلى المعرض الذي أُقيم في مدينة شيكاغو الأميركية، وعند عودته، استُقبل في مدينة ليفربول من قِبل كويليام ولطفي بك، قنصل الدولة العثمانية، في المحطة المركزية للمدينة، وفيها قُدّم إلى الأتراك المقيمين هناك، واصطُحب في زيارة إلى المسجد الذي كان يشرف عليه كويليام.
ومن المؤكد أنه بعد هذه الزيارات المتكررة والتقارير التي كانت تُرفع إلى السلطان عبد الحميد الثاني، بدأ يتكون لديه انطباع إيجابي عن كويليام وأنه سيكون جزءا مهما في مشروع نشر الإسلام والجامعة الإسلامية التي كان يتبناها السلطان عبد الحميد في ذلك الحين.
ونتيجة لذلك وفي سابقة هي الأولى من نوعها، قرر السلطان تعيينه في عام 1893 في منصب "شيخ الإسلام" للدولة العثمانية بالأراضي البريطانية، وهو منصب كان حصرا في إسطنبول منذ قرون، ومن يتولاه كان مسؤولا عن الشؤون الدينية والدعوة في عموم الدولة، فكان تعيين كويليام في هذا المنصب الكبير بمثابة تشريف ضخم، وتمثيل للدولة العثمانية في الغرب.
في أبريل/نيسان 1891، تمت دعوة كويليام وابنه روبرت أحمد إلى إسطنبول، حيث استُضيفا في قصر يِلْدز، مقر السلطان العثماني، لمدة تجاوزت الشهر، ورغم أن كويليام رفض قبول الألقاب والنياشين العثمانية التي عُرضت عليه، فإن ابنه حصل على رتبة "بِك" وعُين في الوقت ذاته رائدًا في إحدى كتائب النخبة العسكرية العثمانية المعروفة بفوج "أرطغرُل".
ومما لا شك فيه أن معهد ليفربول الإسلامي كان مدينا في تأسيسه وتقديم خدماته وأنشطته للتبرعات المالية السخية التي قدمها مسلمو الدولة العثمانية وأقاليمها، بالإضافة إلى مسلمي الهند. كما ساهم مسلمو بورما وسيراليون بشكل كبير في هذا الدعم، وهو ما أشار إليه الباحث أمجد محسن الدجاني في دراسته عن مسلمي بريطانيا في الحقبة الفيكتورية.
كان الحدث التاريخي الأهم في حياة كويليام تعيينه من قبل السلطان عبد الحميد الثاني في منصب "شيخ الإسلام" لبريطانيا وجزرها، وبفضل هذه الصفة، مثّلَ السلطان عام 1894 في افتتاح مسجد لاغوس في غرب أفريقيا. وبالإضافة إلى ذلك، ونتيجة لجهوده المتميزة في خدمة الإسلام، منح كويليام التاجر ورجل الأعمال النيجيري محمد شيتّا لقب "بك" مكافأة من السلطان عبد الحميد الثاني.
إعلانوبعد توليه هذا المنصب، سعى كويليام للتعرف على مسلمي أفريقيا وتعزيز علاقاته معهم، فسافر إلى هناك حيث قُدمت إليه الهدايا تقديرًا لمكانته كشيخ للإسلام، كما تم تنظيم العديد من حملات التبرع لصالح معهد ليفربول الإسلامي على شرفه.
بالإضافة إلى ذلك، كان اعتراف أمير أفغانستان عبد الرحمن خان بكويليام شيخا للإسلام بمثابة دعم كبير عزز من دوره كممثل للمسلمين ورعاية مصالحهم في بريطانيا.
والجدير بالذكر أنه لم يتمكن أحد غيره من تولي منصب الممثل الرسمي للمسلمين في بريطانيا، فضلًا عن اعتراف الحكومة البريطانية به. وفوق هذه المنزلة الرفيعة، عيّنه شاه إيران عام 1899 "سفيرًا لبلاد فارس"، وهو ما أسهم في تعزيز نشاطه الدعوي والخيري في مدينة ليفربول من الناحية الدبلوماسية.
تجلى ولاء كويليام المطلق للخليفة العثماني عبد الحميد الثاني من خلال دعمه ودفاعه المستمر عن الدولة العثمانية في مواجهة السياسة العسكرية الإنجليزية المعادية، حيث قدم معلومات هامة عن تحركات الجماعات الأرمنية الناشطة في لندن في تلك الفترة، بل تعدى دوره ليشمل التصدي لحملات التضليل والتشويه التي كانت تنظمها هذه اللوبيات الأرمنية وغيرها.
بالإضافة إلى ذلك، انتقد شيخ الإسلام كويليام الاستراتيجية العسكرية الإنجليزية ضد الحركة المهدية التي ظهرت آنذاك في السودان، وخصوصًا استخدام الجيش الإنجليزي للعساكر المصريين في تلك المعركة.
كان كويليام دائمًا يعبّر عن فخره واعتزازه بالسلطنة العثمانية وولائه الكامل للخليفة، الذي كان يراه القائد الموحد لأمة الإسلام، وقد تجسد هذا الولاء في مقالاته وخطبه ومواقفه، بالإضافة إلى دوره في تمثيل المسلمين في إنجلترا بصفته "شيخ الإسلام" المعين من قبل الخليفة. كما كان يحرص على الظهور في مظهر يليق بمكانته، حيث كانت الأوسمة والنياشين العثمانية تلازمه دائمًا.
إعلانعلى سبيل المثال، حذّر كويليام المسلمين المقيمين في بريطانيا من إعادة انتخاب رئيس الوزراء آنذاك آرثر بلفور، ووزير الخارجية لورد لانسدون في عام 1905، وذلك بسبب إرسالهم أسطولًا حربيًا بريطانيًا لمحاربة الدولة العثمانية في بعض الصراعات التي نشبت في البلقان، ولم يكتفِ بذلك، بل أصدر فتوى نشرها في مجلة "الهلال" تندد بهذا التصرف.
غروب كويليام!ولكن مع الإطاحة بالسلطان عبد الحميد الثاني عام 1908، وإبقائه في منصب شرفي قبل خلعه النهائي في العام التالي، انتهى دور عبد الله كويليام كشيخ للإسلام، وكانت رحلته إلى إسطنبول في يونيو/حزيران 1908 هي الأخيرة إلى المدينة التي لن يراها مرة أخرى، بعد 32 عامًا قضاها في منصب "شيخ الإسلام".
ورغم جهود المهتدين الجدد من أصدقاء كويليام لمنع إغلاق معهد ليفربول الإسلامي ومسجد المدينة، فإن محاولاتهم باءت بالفشل. وستظل المدينة بلا مساجد رسمية حتى وصول المهاجرين المسلمين من اليمن والصومال وجنوب شرق آسيا في خمسينيات القرن 20.
ومنذ عام 1908 وحتى وفاته في عام 1932، دخل كويليام الذي غيّر هويته ليُصبح اسمه الجديد "هنري دي ليون" أو "هارون دو ليون" مرحلة "الشفق"، كما يصفها مؤلف سيرته جيفز، أي مرحلة الغروب والنهاية. ومن اللافت أن الأسئلة التي أثيرت حول شخصية "ليون"، الرجل الغامض الذي كان يكتب مع كويليام في العديد من الصحف والمجلات في ليفربول، لم يتم التوصل إلى إجابات شافية حول هويته حتى اليوم.
ومع ذلك، وبعد النظر في العديد من الفرضيات والادعاءات المتعلقة بهذا الموضوع، يقدم جيفز تفسيره الخاص؛ حيث يرى أن كويليام اختار التخفي خلف هذا الاسم الغامض ليتمكن من البقاء آمنًا في بريطانيا حيث انتقل من ليفربول إلى لندن.
ويعتقد جيفز أن السبب الرئيسي وراء ذلك كان تأييد كويليام للخليفة عبد الحميد الثاني حتى بعد خلع الأخير، إذ ظل ولاؤه ثابتًا للدولة العثمانية حتى اندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1914.
إعلانوتحت اسمه الجديد ومكانته الجديدة، أصبح "دو ليون" (كويليام) أحد الأعضاء البارزين في جمعية "ووكينغ" التي ضمت عددًا من الأثرياء والأرستقراطيين اللندنيين الذين اعتنقوا الإسلام حديثًا، مثل لورد هيدلي، ومارماديوك بكثال، وخالد شيلدريك، وسير أرشيبالد هاميلتون، وسير لورد برونتون، وليدي إيفلين كوبالد وغيرهم.
ومع عدم تمكنه من قيادة الأنشطة أو إلقاء الخطب العلنية كما كان يفعل في ليفربول، فضّل أن يواصل دعم وحدة وترابط هذا المجتمع الجديد من خلال كتاباته وأنشطته وجهوده الضخمة في هذا المجال، فعلى سبيل المثال، دعم كويليام مبادرة "حركة الخلافة" التي نشأت في الهند بعد الحرب العالمية الأولى، وشارك أيضًا بشكل لافت في "الجمعية الأنجلو-عثمانية" التي أسسها اللورد هيدلي.
أما جمعية وجامع ووكينغ التي أسسها المستشرق لايتنر لطلابه المسلمين لتسهيل ممارسة شعائرهم الدينية في لندن، فقد كانت تتم فيها العبادات وفق قواعد صارمة استمر العمل بها حتى بعد وفاة لايتنر، ولكن بسبب هذه القيود، أسس اللورد هيدلي في عام 1914 "الجمعية الإسلامية البريطانية" بهدف نشر الإسلام والدعوة إليه بطريقة أكثر مرونة، بعيدًا عن القواعد الصارمة التي كانت مطبقة في جامع ووكينغ. وفي هذه المؤسسة الجديدة، عمل دو ليون (كويليام) مع السيد خوجه كمال الدين الهندي كنائب لرئيس الجمعية، وبدآ إصدار مجلة "الإسلام" (The Islamic Review) لهذا الغرض.
وبعد نصف قرن من إسلامه والدعوة إليه والارتباط القوي بالدولة العثمانية، بل وتوليه منصب "شيخ الإسلام"، توفي كويليام في 28 أبريل/نيسان 1932، ودُفن في مقبرة بروكوود التابعة لمنطقة ووكينغ في لندن، وهي المقبرة ذاتها التي دُفن فيها لاحقًا زميلاه ومؤسّسا الجمعية الإسلامية البريطانية لورد هيدلي ومارماديوك بكثال.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات أبعاد السلطان عبد الحمید الثانی الدولة العثمانیة بالإضافة إلى إلى الإسلام فی بریطانیا شیخ الإسلام فی لیفربول العدید من التی کان فی مدینة من خلال فی منصب فی لندن فی تلک فی عام
إقرأ أيضاً:
ماذا نريد لأنفسنا عندما نريد الحلول لأزماتنا؟
تنظم بين الحين والآخر، في الوطن العربي، العديد من المؤتمرات والندوات والملتقيات في مختلف المواضيع التي تهم الوطن وتحدياته، وفيما ينبغي التخطيط له للمستقبل، في ظل الحملات المغرضة ضد العرب والمسلمين التي يخططها اللوبي الصهيوني. وللرد على الاتهامات الجاهزة المسبقة التي تبث عبر بعض أجهزة الإعلام، في الجوانب السياسية والفكرية والاجتماعية. وكيفية الخروج من وضعنا القائم والقاتم، في بعض البلدان العربية، خاصة في هذا الظرف الصعب، حيث نواجه أيضًا أزمات عديدة وصعبة.
وكلما تنتهي أزمة تظهر أزمة أخرى، لعل أهمها التخلف العلمي والتشرذم السياسي والتراجع التقني والاقتتال الأهلي، في بعض البلدان العربية. وما تزال هذه البلاد تعاني، مثل هذه التوترات والصراعات، كما يجري الآن من الحرب الداخلية في السودان بين الفرقاء السياسيين المتنافسين على تقاسم الحكم والنفوذ، والتي تسببت بتدمير السودان الذي يعاني في الأصل من أزمات سابقة لحروب منها حرب التي تلت انفصال الجنوب عن الشمال، وأدت إلى هجرات إلى بعض الدول المجاورة، وخروج الكثير من السودانيين إلى بلدان أخرى من أجل العمل والبعد عن الحرب القائمة.
أيضًا ما تعانيه غزة المنكوبة الآن من حرب إبادة جماعية من النظام الصهيوني العنصري، وهو اليمين المتطرف الحاكم في إسرائيل، الذي لم يكتف بما فعله في تدمير البنية التحتية لغزة وسحق كل مقومات هذه المدينة ومزارعها وممتلكاتها، ولكل مقومات الحياة فيها، وتدمير المستشفيات، ومنع دخول المواد الغذائية والطبية، لكن نتنياهو مصمم على إنهاء كل ما يمت صلة بغزة ومن فيها بصفة معدة ومخططة، من أجل التهجير إن استطاع.. لكنه لا يستطيع أن يفرض ذلك على شعب قوي الإرادة في البقاء في أرضه، لكن تحت مسمى القضاء على حركة حماس، وحماس فكرة لن تزول إلا بزوال الاحتلال.
فالأمة تعيش بالغ الصعوبة في مسائل، تحتاج منها إلى مراجعة ذاتها وظروفها وسياساتها القائمة في قضايا ومرئيات عديدة، وكيفية العمل الجاد للخروج من هذه الأزمات بمقاربات واقعية واعية بالواقع والظروف الراهنة، دون الهروب إلى آراء بعيدة عما تعانيه من مشكلات تزداد أزماتها من اختفائها، بدلًا من الحلول الإيجابية لهذه الأزمات. وهي تحتاج إلى خطوات فاعلة واتفاق الأمة على رؤى إيجابية وثاقبة، دون أن نرمي مشاكلنا على المؤامرات الخارجية ولا نراجع ما واجهناه من سياسات خاطئة، وهي الجدار القصير للهروب من المراجعة، حتى لا نحاسب أنفسنا على سلبيات نحن فعلناها، وليست نتيجة من مؤامرات من أعدائنا كما يقال.
كل هذه الأسباب تجعل واقعنا أليما إذا ما ظلت الظروف والمفاهيم التي نعيشها بعيدة عن الإسلام الذي لا نختلف على مبادئه الصافية وحقائقه الثابتة وسننه التي لا يتجاوزها الزمن. فأي وجهة نريدها نحن كعرب ومسلمين في هذا الظرف الراهن؟ لا شك أن الأمم مثلها مثل الفرد قد تصاب بالأمراض وقد يعتريها الضعف والوهن، لكن الدواء الذي يجب أن تتجرعه لإصلاح ذاتها هو مبادئها واستلهام سنن التطور من ثوابتها؛ فالإسلام يؤمن بثبات الأصول العامة والقيم العليا ويؤمن كذلك بالمتغيرات في التفاصيل والجزئيات والفروع، وهو مفهوم يقوم على التوازن وعلى الربط بين الثابت في مجال الأصول والمتغير في مجال الفروع.
وهذا هو منهج الإسلام الذي كان يجب أن تسير عليه الأمة وتستقيم على هداه.. فالبناء في الحاضر والمستقبل لا يمكن أن يقوم ويقوى إلا على أسس قوية ثابتة في الأعماق. فإذا فقدت الأمة الثقة في قيمها ومبادئها فقد أذنت بتدمير نفسها بنفسها ومن ثم التبعية لغيرها.. وهذا ما عبر عنه أصدق تعبير العالم المسلم محمد أسد في كتابه: (على مفترق الطرق): «نحن لا نحتاج إلى فرض إصلاح على الإسلام، كما يظن بعض المسلمين؛ لأن الإسلام كامل بنفسه من قبل، أما الذي نحتاج إليه فعلا فإنما هو إصلاح موقفنا من الدين، بمعالجة كسلنا وغرورنا وقصر نظرنا، وبكلمة واحدة معالجة مساوئنا نحن لا المساوئ المزعومة في الإسلام، ولكي نصل إلى إحياء إسلامي، فإننا لا نحتاج إلى إن نبحث عن مبادئ جديدة في السلوك نأتي بها من الخارج، إننا نحتاج فقط إلى أن نرجع إلى تلك المبادئ المهجورة فنطبقها من جديد».
وهذه المبادئ ليست غامضة ولا محتكرة لأية أمة من الأمم، بل لا توجد وصاية لأحد على هذا الدين القويم، لكن من يود أن يضطلع بمهمة الاجتهاد ومشروعية التجديد يجب أن يكون مؤهلا وقادرا على الاستنباط الصحيح والسليم، لا أن يجتزئ وينتقي من المبادئ والآراء، ما يوافق رغباته وميوله واتجاهاته وينسبها إلى الإسلام، وقد تكون مخالفة صريحة وتأتي بأخطاء ومخالفات ربما تجر الويلات والمشكلات مع التفريق بين تجاوز النصوص الصريحة القاطعة.
القضية الأخرى الساخنة في الظرف الراهن ما عرف على تسميتها بـقضية الإسلام والغرب و«الخوف من الإسلام» و«ظاهرة الإرهاب والتطرف والغلو» وغيرها من القضايا التي كانت مدار الحوارات والنقاشات في الندوات والمراكز البحثية من أواخر القرن الماضي وحتى الآن، فإن هذه القضية التي يروج لها الغرب نعتقد أنها مفتعلة رغم أننا نتأثر بكل ما يطرحه الغرب ويتحدث عنه تجاه ما يصدر عنا نحن المسلمين، سواء كان إيجابيًا أو سلبيًا وفق مفهومه وتفسيره.
فتهمة الإرهاب مثلا صفة لصيقة بالإسلام والمسلمين على الرغم أن الإرهاب ظاهرة عالمية، والشواهد والقرائن كثيرة ومتوافرة، فإذا ما صدر عن بعض المسلمين أعمال إرهابية أو عنف تأتي التهمة للإسلام مباشرة، وإذا جاءت من مسيحيين أو يهود أو غيرهم ينسب إليهم بصفتهم أفرادا ينتمون إلى دولة معينة وليس لدين أو عقيدة. وعندما جاءت محنة البوسنة والهرسك في التسعينات من القرن الماضي، والظلم الذي لحق بالبوسنيين آنذاك، لم تتهم المسيحية بهذه المذابح والمجازر، وإنما جاء الاتهام إلى «كاراديتش» وميليشياته (صرب البوسنة)، وعندما قامت الهند بتفجيراتها النووية لم تنسب التفجيرات إلى الديانة الهندوسية، لكن عندما قامت باكستان بتفجيراتها النووية، كرد دفاعي فقط على تفجيرات الهند، قامت قيامة الغرب ولم تقعد، وتحدثت المحطات الفضائية مثل (CNN) وكبريات الصحافة العالمية، عما أسمته بـالقنبلة الإسلامية» والآن بدأت نغمة المفاعل النووي الإيراني (الإسلامي) وخطره المقبل على الاعتدال والحضارة الإنسانية لكن السلاح النووي الإسرائيلي ـ كما يرون ـ لا يمس ولا يذكر مخاطره على الحقوق العربية السليبة ويرفض ذكره ومناقشته ومساواته بالمفاعل النووي الإيراني والباكستاني!
والغريب أننا نسمع بين الحين والآخر صيحات بعض الكتّاب والمثقفين العرب والمسلمين فيما يسمونه (تصحيح صورة الإسلام)، أي تصحيح للإسلام كما يطلبون منه وهم يكررون أقوال بعض اللوبي في الإعلام الغربي؟ فإذا ما قامت أفراد أو جماعات معينة بتجاوزات أو أخطاء، هل يعد هذا هو الإسلام؟ لماذا لم نسمع في الغرب سواء من كتّاب أو مفكرين بعد مظالم الصرب ومجازرهم التي لم يشهد لها التاريخ مثيلا، والمجازر في العراق وفلسطين من يدعو إلى «تصحيح صورة المسيحية واليهودية» أي عدل في هذه الأحكام؟ إن الإسلام بريء من تجاوزات بعض المسلمين، وهي قليلة بالمقارنة بما فعلته وتفعله الآن إسرائيل في فلسطين خاصة في غزة، وما فعله غزو العراق ؟ وما يفعل الآن بالمسلمين في كثير من بقاع العالم! صحيح أن المسيحية واليهودية بريئتان من فعلة الصرب ومجازر اليهود، ومن معايير الغرب المزدوجة ومقاييسه الظالمة، لكننا للأسف نضعف عندما يتحدث الغرب عن أخطاء بعضنا وتهمته لنا بالأصولية، ويتمنى بعضنا أن يكون في حفلة تنكرية طول حياته حتى يتوارى عن الأنظار خجلًا ما يفعله بعض أبناء جنسه، مع أن أحداث البوسنة مرت على الغرب كأي قضية مع بشاعتها، بل إن بعض المفكرين البارزين، وهو «صمويل هنتنغتون» صاحب أطروحة (صدام الحضارات)، الشهيرة التمس الأعذار للصرب عندما قال صراحة: «إن المسلمين يدّعون أن الغرب يكيل بمكيالين (في إشارة تقاعس الغرب عن حماية البوسنيين ودعم إسرائيل ـ بيد أن من المحتم أن يكون عالم الحضارات المتصارعة هو عالم الكيل بمكيالين، فالناس ـ كما يقول ـ يكيلون بمكيالين للبلدان التي تمت إليهم بقرابة وبمكيال مختلف للآخرين». فلماذا ينسب للإسلام كل ما يفعله بعض المسلمين لا ينسب لغيره من الأديان عند أفعال أتباعهم بنفس المعايير؟
القضية إذا واضحة لا تحتاج إلى كثير من الجهد أو العناء للبحث عن مقاييس الغرب التي أصبحت ملء السمع والبصر في عالمنا المعاصر، وتزداد مع الوقت وكأنها بديهية من البديهيات. صحيح نحن لا ننتظر من الغرب أن يكون معنا عادلا ومنصفا لقضايانا، لكن من الصعب أن نتفهم هذه المجاهرة بالعداوة وفي الوقت نفسه يطالبنا أن نطبق أفكاره في مجتمعاتنا ويعتبر أن تميزنا عنه فكريا انحراف عن الجادة حسب فهمه لأنهم ـ أي المسلمين ـ لهم شخصيتهم الحضارية ولهم نظرة مغايرة للنموذج الغربي، وما دام المسلمون مستقلين فكريًا عن الغرب فإن هذه النظرة الاستقلالية في نظره خطر عليه سيما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر2001 التي أعادت الأحكام السابقة للعرب والمسلمين.
النقطة الأساسية التي تشغلنا في راهننا هي: أي وجهة للإصلاح نريد؟ تلك هي القضية الأهم بغض النظر عن مفاهيم الصراع ومقولات الصدام التي يطرحها الغرب؛ لأن الأمر يحتاج إلى طرح مثل هذه التساؤلات في ظل عالم اليوم الذي ـ كما قلنا ـ أصبح متداخلًا ومتشابكًا ولا مجال للهرب أو التقوقع ومن هذه المنطلقات أصبح هذا الأمر ملحًا وضروريًا لطرحه ومناقشته.
قد يقول قائل إن الوجهة التي نريدها ليست في أيدينا ولا نملك زمام التحرّك والانطلاق في ظل ضعفنا وتراجعنا الحضاري وتأزمنا السياسي، لكن هذا القول تنقصه الكثير من الوقائع والمدركات وخصائص الأمم، فالتاريخ شأن متحرك ولا يمكن أن يتوقف عند أمة من الأمم، ولذلك فإن ضبط التاريخ عند حضارة الغرب كما قال به بعض الباحثين ضرب من الوهم، والذي يريد الإصلاح عليه أن ينطلق من الواقع الذي يعيش فيه ولا يستورد الأفكار والنظريات المعلبة ويطبقها على الواقع العربي، فهذا ليس إصلاحًا بل تخريبًا من الداخل، وزيادة في المشكلات وليس حلها، وهذه هي سنن الحضارات والثقافات عبر التاريخ، ولا يمكن أن ننجح في الإصلاح الذاتي والتفكير المستقبلي لأمتنا في الاتجاه السليم، إلا من خلال الرجوع إلى ثقافتنا وهويتنا وتاريخنا، ونستمد منهما العبر والتجارب الإصلاح المنشود والتفاعل مع العصر ومقتضياته المتفاعلة في عصرنا الراهن.