بلا شك ذكر عظم شأن الوالدين في مواضيع كثيرة، وخص الأم بشكل بكبير وقوي وغني عن التعريف. فهم كيانان مكملان للوقوف أمام الرياح العاتية.
قبل عدة أيام قرات مقال عن طريق “العم” العزيز – يعطيه الصحة والعافية، والد زوجتي” أم ليان” تتحدث عن الأب: أكثر واحد يأتي بالمال هو الأب، أقل واحد في المصاريف هو الأب، أكثر واحد مضغوط نفسياً بسبب العمل هو الأب.
عبارات واقعية ومؤثرة وجميلة تعبر عن التصرف الفطري والطبيعي، دعونا نلقى نظرة سريعة على كيفية القاء الضوء عليها من منظور الدين الإسلامي، فهو المنظم للحياة.
كان من الممكن أن نأتي جميعاً إلى الدنيا دفعة واحدة، وأن نغادرها دفعة واحدة، لأن كل ما سوى الله ممكن، ممكن أن نكون، وممكن ألا نكون، وإذا كنا يمكن أن نكون على ما نحن عليه، ويمكن أن نكون على خلاف ما نحن عليه، يعني يمكن ألا يكون هناك آباء وأمهات إطلاقاً، البشر جميعاً يُخلقون دفعة واحدة على وجه الأرض، معنى ذلك أن الدرس ألغي، وألغي معنى قوله تعالى ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾.
فالحقيقة الأولى، الأبوة آية من آيات الله، كيف أن الكون آية من آية الله الدالة على عظمته، كيف أن الشمس والقمر آيتان، والليل والنهار آيتان، قلب الأم وقلب الأب آية، وفي الأعم الأغلب أن الإنسان لا يعرف قيمة الأب إلا إذا أصبح أباً، ولا تعرف المرأة قيمة الأم إلا إذا أصبحت أماً، كيف أن المحبة والحرص والعطف والحنان من أجل أن يسعد ابنهما.
إن صح أن الكون يدل عليه يصح أيضاً أن قلب الأم وقلب الأب يدل على الله، هذا الملمح في قوله تعالى: ﴿لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ (1) وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ (2) وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ (3)﴾. نظام الأبوة يدلك على الله ﴿وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ﴾ يعني الأب حينما يكون ابنه كما يتمنى يشعر بسعادة لا توصف.
أراد الله أن يكون وجودنا في الدنيا عن طريق آبائنا وأمهاتنا، وهناك نقطة دقيقة جداً: أنت من نظام الأبوة تعرف الله، ممكن مخلوق يتمنى سعادتك، يتمنى سلامتك يتمنى أن تكون صحيحاً، يتمنى أن تكون غنياً، يتمنى أن تكون متفاهماً مع زوجتك، يتمنى أن يكون لك أولاد أبرار، هذا حال الأب والأم.
أجمل ما قاله الإمام علي بن أبي طالب – عليه السلام، عن الأب: بِرُّ الْوَالِدَيْنِ أَكْبَرُ فَرِيضَةٍ. بَرُّوا آبَاءَكُمْ يَبَرَّكُمْ أَبْنَاؤُكُمْ. مَنْ بَرَّ وَالِدَيْهِ بَرَّهُ وُلْدُهُ. مَوَدَّةُ الْآبَاءِ نَسَبٌ بَيْنَ الْأَبْنَاءِ.
وفي بيان مراد الله تبارك وتعالى ونبيه يقول الراحل الشيخ. محمد متولي الشعراوي “رحمه الله”، وزير الأوقاف الأسبق، إن الله سبحانه وتعالى في توصيته بالأم قد اختصها، لأنها تقوم بالجزء غير المنظور في حياة الابن، أو غير المدرك عقلاً، بمعنى أن الطفل وهو صغير في الرضاعة وفي الحمل وفي الولادة، وحتى يبلغ ويعقل، مضيفاً: “الأم هي التي تقدم له كل شيء، هي التي تسهر لترضعه وهي التي تحمل وهي التي تلد، فإذا كبر الطفل وعقل، فالذي يجده أمامه أباه”.
وفي الختام، نبين الدقة المتناهية لوصف الوالدين والأبوين بالقرآن الكريم، إذا رأيت كلمة (الأبوين)، فاعلم أن الآية قصدت الأب والأم مع الميل لجهة الأب، لأن الكلمة مشتقة من الأبوة التي هي للأب وليست للأم.
أما إذا رأيت كلمة (الوالدين)، فاعلم أن الآية قصدت الأب والأم مع الميل لجهة الأم، فالكلمة مشتقة من الولادة والتي هي من صفات المرأة دون الرجل.
لذا كل آيات المواريث، وتحمل المسؤولية، والتبعات الجسام، إلا وتكون الكلمة (الأبوين) ليناسب ذلك الرجل، فالرجل هو المسؤول عن الإنفاق، فميراثه مصروف وميراثها محفوظ.
قال تعالى: (ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك)، وأيضاً قوله تعالى: (ورفع أبويه على العرش).
أما في كل توصية، ومغفرة، ودعاء، وإحسان، إلا وتكون الكلمة (الوالدين)، ليتناسب ذلك مع فضل الأم. لقوله تعالى: (ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا)، وأيضاً قوله تعالى: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا).
نعم بكل تأكيد كيانان مكملان للبعض، في شهر رمضان المنصرم كعادتي السنوية، أزور بعض الأقارب والأحباب أذا سمحت لي الفرصة، زرت أحد الأشخاص في جلسة ذكر الله تعالى وقراءه القرآن الكريم، وكان هذا الشخص يملك إذا كانت ذاكرتي قوية 7 أخوان أو أكثر، قمت بالسلام علية وعلى أخ أكبر منه. ثم سألته عن البقية. قال لي “بعد وفاة والدي، أصبح الحضور للمنزل من اغلب أخواني قليل. فالوالدين كانو خيمة وعمود العائلة”.
نعم، الوالدين الدرع الفولاذي إلى أي شخص مهما كان وعلىَ شأنه. فقبل أيام بسيطة صادفت شخصية في منصب عالي ومرموق، بدأت اسأل المكتب “هل هناك علاقة عائلية بينها وبين فلان؟”، الإجابة: كانت نعم هذه ابنته. فبعد أكثر من ثلاث عقود، أتت ابنته في منصب رفيع جداً. وهذا شائع في دول كثيرة حول العالم.
فأنا أعتقد أي شخص يفقد أمة وأبوه الأثنان معاً، يبدأ بالهبوط والانحسار التدريجي. ت تضائل قوة الأنسان في موقع أو مواقع مختلفة صحياً، نفسياً، فكرياً، اجتماعياً وقد يكون مالياً الخ … والقائمة تطول.
بفقد أحدهم، قد تتأثر بعض الشي، ولكن الأثنان معاً، هنا يبدا العد التنازلي والانحسار الكامل والتام. نسأل الله العلى القدير الرحمة والمغفرة وأن يرحم آبائنا وآباءكم الأحياء منهم والأموات وجميع المؤمنين والمؤمنات، ويحسن خاتمتنا.
المصادر:
* لماذا فضل الله الأم على الأب؟ فائدة عظيمة يكشفها المفسرون، صدى البلد Nov 03, 2021
* تفسير القرآن الكريم، سورة الأنعام – الآية 151 بر الوالدين – موسوعة النابلسي June 16 2006
* ما الفرق بين كلمة الأبوين والوالدين في القرآن الكريم؟ منشور التدقيق اللغوي Face Book
March 20, 2022
المصدر: صحيفة صدى
كلمات دلالية: قوله تعالى یتمنى أن هی التی هو الأب
إقرأ أيضاً:
أمر له أثر عظيم في دوام العشرة بين الزوجين.. الأزهر للفتوى يوضحه
قال مركز الازهر العالمي للفتوى الإلكترونية، إن التجمل ودوام المحافظة على حسن الهيئة له أثر عظيم في دوام العشرة بين الزوجين؛ فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَتَزَيَّنَ لِلْمَرْأَةِ، كَمَا أُحِبُّ أَنْ تَتَزَيَّنَ لِي الْمَرْأَةُ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 228]». [مصنف ابن أبي شيبة].
وراعت الشريعة الإسلامية ما فُطِرت عليه النفس الإنسانية من ميول ورغبات، فجعلت سدَّ حاجات الإنسان فيما جُبِلتْ عليه نفسه من المقاصد الشرعية التي تحثه على السعي في تحصيلها دون إفراطٍ أو تفريط؛ قال تعالى: ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [الملك: 14].
ومن الأمور التي فُطِرَت عليها النساء حبُّ الزينة، فشَرع لهنَّ لأجل ذلك من وسائلها ما لم يُشرع للرجال كالحرير والذهب، قال تعالى: ﴿أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ﴾ [الزخرف: 18].
وقال العلامة الواحدي في "التفسير الوسيط" (4/ 67، ط. دار الكتب العلمية): [قال المبرد: تقدير الآية: أوتجعلون له ﴿مَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ﴾؟ يعني: البنت تنبت في الزينة] اهـ.
وحث الشرع الشريف الزوجة على التزين والتجمل للزوج وطلب الحُسْن في نظره؛ لما ورد في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: سُئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أَيُّ النِّسَاءِ خَيْرٌ؟ قَالَ: «الَّتي تَسُرُّهُ إِذَا نَظَرَ» أخرجه الإمام أحمد في "المسند"؛ قال الملا علي القاري في "مرقاة المفاتيح" (5/ 2132، ط. دار الفكر): [(قال: التي تسره)؛ أي: زوجها، والمعنى تجعله مسرورًا (إذا نظر)؛ أي: إليها ورأى منها البشاشة وحسن الخلق ولطف المعاشرة، وإن اجتمعت الصورة والسيرة فهي سرور على سرور، ونور على نور] اهـ.
وقال الإمام المناوي في "التيسير بشرح الجامع الصغير" (1/ 528، ط. مكتبة الإمام الشافعي): [(إذا نظر) إليها؛ لأن ذَات الجمال عون لَهُ على عِفَّته ودِينه] اهـ.
وعن بَكْرَة بنت عقبة: أنَّها دخلت على أمِّ المؤمنين السيدة عَائِشَةَ رضي الله عنها وهي جالسةٌ في مُعَصْفَرَةٍ، فسألتها عن الْحِنَّاءِ؟ فقالت: "شَجَرَةٌ طَيِّبَةٌ وَمَاءٌ طَهُورٌ". وسألتها عن الـحِفَافِ؟ فقالت لَها: "إِنْ كَانَ لَكِ زَوْجٌ فَاسْتَطَعْتِ أَنَّ تَنْزِعِي مُقْلَتَيْكِ فَتَصْنَعِيهِمَا أَحْسَنَ مِمَّا هُمَا فَافْعَلِي" أخرجه ابن سعد في "الطبقات الكبرى".
وقول السيدة عائشة رضي الله عنها: "أَنْ تَنْزِعِي مُقْلَتَيْكِ فَتَصْنَعِيهِمَا أَحْسَنَ مِمَّا هُمَا" نصٌّ في مشروعية استعانة المرأة بما من شأنه تجميل وجهها وتحسين هيئتها وإزالة ما قد لَحِقَ بها من أمور تؤثر في زينتها.
قال الإمام بدر الدين العيني الحنفي في "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" (20/ 193، ط. دار إحياء التراث العربي): [ولا يمنع من الأدوية التي تزيل الكلف وتُحَسِّن الوجه للزوج، وكذا أخذ الشعر منه، وسئلت عائشة رضي الله تعالى عنها عن قشر الوجه فقالت:.. إن كان شيء حدث فلا بأس بقشره] اهـ، وبمثله قال العلامة ابن الملقن في "التوضيح لشرح الجامع الصحيح" (25/ 45، ط. دار النوادر).
وقال العلامة ابن مفلح الحنبلي في "الفروع" (1/ 161، ط. مؤسسة الرسالة): [ويتوجه وجه إباحة تحمير ونقش وتطريفٍ بإذن زوج فقط] اهـ
وفى فتوى سابقة لدار الإفتاء المصرية، وجهت نصيحة أسرية لكل اثنين من المتزوجين ، قائلة "لكل منكما حقوقٌ على الآخر، فلا ينشغل أحدكما بما له ويتناسى ما عليه".
وقالت دار الإفتاء في نصائحها للمتزوجين على صفحتها الرسمية، أن الزواج حقوق وواجبات مشتركة بين الزوجين، قال الله تعالى: ﴿وَلَهُنَّ مِثۡلُ ٱلَّذِي عَلَيۡهِنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِ﴾ [البقرة: 228]؛ يعني: للمرأة حق على زوجها.
وللرجل حق على زوجته، فيجب على الزوج تلبية احتياجات زوجته النفسية: كالاحتواء والاحترام والشعور بالأمان والمشاركة في الرأي، وكذا الاحتياجات المالية: من نفقة وكسوة وطعام وشراب وغيرها، وكذا الاحتياجات الاجتماعية: كالسماح لها بزيارة والديها وأقاربها.
ويجب على المرأة أيضًا أن تراعي حقوق زوجها عليها، كالطاعة وحسن العشرة، وذلك حتى تستقيم الحياة بينهما وينعما بالاستقرار.
حق الزوجة على زوجها
قال الشيخ أحمد وسام، مدير إدارة البوابة الإلكترونية بدار الإفتاء، إن الأصل في العلاقة بين الزوجية أنها مبنية على المودة والرحمة، مشيرًا إلى قوله تعالى: « وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21)»الروم.
وأضاف وسام، في فيديو بثته دار الإفتاء على يوتيوب، ردًا على سؤال: “ما هي حقوق الزوج على زوجته؟”، أن الله تعالى قال: « الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ»النساء، مشيرًا إلى أن الله تعالى فضل الرجال على النساء في أمور، وفضل النساء على الرجال في أمور أخرى، وأن الله تعالى عقب بـ "وبما أنفقوا" ليدل على أن النفقة حق من حقوق المرأة على زوجها.
وذكرت الإفتاء، أن النصوص الشرعية تقضي بأن لكل من الزوجين قِبل الآخر حقوقًا تجب مراعاتها والقيام بها؛ لتدوم رابطة الزوجية ولا تنفصم عراها، مؤكدة أنه من حق الزوج على زوجته: أن تطيعه فيما هو من شؤون الزوجية مما ليس فيه معصية لله تعالى، أما شؤونها الخاصة بها كأن يمنعها من التصرف في مالها أو يأمرها بأن تتصرف فيه على وجه خاص فلا تجب عليها طاعته فيه؛ لأنه ليس له ولاية على مالها.
الحقوق الزوجية للطرفين
ولفتت دار الإفتاء في فتوى لها، إلى أنه من حقه عليها أن تحفظ بيته وماله وأن تحسن عشرته وأن من حقه عليها أيضًا أن يمنعها من الخروج من بيته إلا لحاجة يقضي بها العرف، ولزيارة أبويها ومحارمها.
وتابعت دار الإفتاء أن له أيضًا أن يمنعها من إدخال أحد في بيته والمكث فيه (غير أبويها وأولادها ومحارمها فليس له منعها من إدخالهم ولكن له منعهم من المكث في البيت).
وأشارت إلى أن من حق الزوجة على زوجها أن يراعي العدل والإحسان في معاملتها وأن ينفق عليها ولو كانت غنية، منوهةً بأن من حقها أن يسكنها في بيت خالٍ عن أهله؛ لأنها تتضرر من مشاركة غيرها فيه وتتقيد حريتها إلا أن تختار ذلك؛ لأنها بهذا الاختيار تكون قد رضيت بانتقاص حقها.
وأردفت أنه كما يجب أن يكون المسكن خاليًا عن أهله؛ يجب أيضًا أن يكون خاليًا عن أهلها ولو ولدها من غيره؛ لما ذكر من التضرر وتقييد الحرية، وأن للزوج منع أهلها من السكنى معه في بيته.
واستطردت دار الإفتاء طبقًا لهذه النصوص: فلا يجوز شرعًا للزوجة أن تخرج عن طاعة زوجها، وأن تتصرف في المنزل بما تشاء مما لا يرضى عنه الزوج متخذة من مساعدته في المعيشة ذريعةً لذلك، مضيفة أنه لا يجوز لها شرعًا أيضًا أن تُسكِن في منزل الزوجية أحدًا من أقاربها أيًّا كانت درجة قرابتهم بغير رضا الزوج.
واسترسلت أن إنفاق الزوجة على أقاربها؛ فإن كان الإنفاق عليهم من مالها الخاص فليس للزوج منعها منه؛ لأنها حرة في التصرف في مالها، لافتةً إلى أنه إن كان الإنفاق عليهم من مال الزوج فإنه لا يجوز لها ذلك شرعًا.