مصطفى أمين.. حكاية وطن كُتبت بالحبر والدمع
تاريخ النشر: 13th, April 2025 GMT
آمن بالكلمة حين كانت تهمة، وكتب للناس لا عنهم، إنه الكاتب الصحفي الكبير مصطفى أمين، الذي تحل اليوم ذكرى رحيله، إلا أن سيرته بقيت درسًا مفتوحًا في الشجاعة، والإبداع، والالتزام المهني والإنساني.
ولد مصطفى أمين في 21 فبراير 1914، في بيت تتنفس جدرانه السياسة، حيث كانت والدته صفية زغلول (ابنة أخت الزعيم سعد زغلول)، تُلقّنه دروس الوطنية مبكرًا، نشأ في قلب الحياة السياسية المصرية، ورأى عن قرب كيف تُصنع الثورة وتُحاك المؤامرات وتُشترى الضمائر، هذا القرب من السلطة لم يصنع منه تابعًا، بل كوّن لديه حسًا مبكرًا بالاستقلالية والتمرد.
درس مصطفى أمين في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، ثم حصل على ماجستير في الصحافة من جامعة جورج تاون في واشنطن عام 1938، وهو من أوائل الصحفيين العرب الذين تلقوا تعليمًا صحفيًا أكاديميًا بالخارج، عاد إلى مصر وهو يحمل رؤية جديدة للصحافة: أن تكون قريبة من الناس، ناطقة باسمهم، لا باسم السلطة.
مع شقيقه التوأم علي أمين، أسّس دار أخبار اليوم عام 1944، والتي أطلقت جريدة "أخبار اليوم"، وغيّرت وجه الصحافة المصرية، كانت لغة الصحيفة جديدة، قريبة من القارئ، مبتكرة في إخراجها، وفيها جرأة غير مسبوقة في تناول القضايا الاجتماعية والسياسية.
لكن النجاح لم يُجنّبه الصدام مع السلطة، ففي عام 1965، ألقي القبض عليه بتهمة التخابر مع الولايات المتحدة، وهي تهمة ظلت محل جدل كبير، حيث رأى كثيرون أن السبب الحقيقي هو معارضته الصريحة لبعض سياسات النظام الناصري.
قضى 9 سنوات في السجن، منها 5 سنوات في الحبس الانفرادي، وخرج بعدها كما دخل: بالقلم نفسه، والإصرار ذاته، كتب عن تلك التجربة في كتابه الصادم "سنة أولى سجن".
ورغم كل ما مرّ به، لم يعرف مصطفى أمين الكراهية، عاد للكتابة، وكتب عموده الشهير "فكرة" في جريدة الأخبار، حيث كان قادرًا في سطرين أو ثلاثة على أن يهز الرأي العام، أو يُسعد قارئًا، أو يُشعل قضية.
كان مصطفى أمين صحفيًا، وروائيًا، ومُصلحًا اجتماعيًا، من أشهر مؤلفاته: من عشرة لعشرين، من واحد لعشرة، نجمة الجماهير، أفكار ممنوعة، الـ 200 فكرة، سنة أولى سجن، الآنسة كاف، مسائل شخصية، ليالى فاروق، ست الحسن، لكل مقال أزمة، أسماء لا تموت، صاحبة الجلالة في الزنزانة، صاحب الجلالة الحب، كل رواية أو كاتب من مؤلفاته كانت مرآة للواقع، مغموسة بروح الصحفي الذي لا يهدأ، والإنسان الذي لا يتوقف عن الإحساس.
ومن أبرز إنجازاته الاجتماعية تأسيسه لـمشروع ليلة القدر، والذي بدأه بفكرة بسيطة لمساعدة المحتاجين، وتحول لاحقًا إلى واحدة من أكبر المؤسسات الخيرية في مصر، وهو ما اعتبره الكثيرون إنجازًا أعظم من كل ما كتبه.
كان يؤمن أن الصحافة مسؤولية أخلاقية، وأن دور الكاتب أن يُنير الطريق لا أن يُجمّل الظلال، لذلك وصفه البعض بـ"ضمير مصر".
خلال حياته، أثار الراحل مصطفى أمين مشاعر الفنانة فاتن حمامة وغضبت عندما رأت عنوان المقال "أكتب لكم من سرير فاتن حمامة"، وتوجهت علي الفور إلى مؤسسة «أخبار اليوم» حيث مكتب الراحل مصطفى أمين؛ وخاطبته وهى في قمة ثورتها بأنه شوه سمعتها التي حافظت عليها طوال حياتها، بادعائه أنه نام في سرير واحد معها، وهي التي لم يتجرأ عليها أحد، سواء في الوسط الفني، الذي كانت سيدته المتألقة في ذلك الوقت، أو خارجه، رد أمين سائلا إياها: هل قرأت المقال؟ فأجابت انها قرأت العنوان واكتفت به، فطلب منها قراءة ما يحويه المقال، حيث كان الراحل يكتب عن قصة مرضه وإخبار الأطباء له بضرورة إجراء جراحة عاجلة له، وأنهم اختاروا له غرفة بالمستشفى، لكنه رأى في وسطها سريرا صغير الحجم، ولا يناسبه إطلاقا، وحين علق على ذلك رد الطبيب المرافق بأن هذا السرير كانت ترقد عليه الفنانة فاتن حمامة قبل أيام، بعد دخولها المستشفى لإجراء جراحة.
بقية المقال يقول فيه مصطفي أمين: رقدت في سرير فاتن فوجدته صغيرًا دقيقًا، فكان نصفي في السرير ونصفي خارج السرير، فاتن صغيرة الحجم وأنا ضخم الحجم، وكان من المستحيل عليّ أن أتقلّب في السرير، فأى حركة به أجدنى واقعًا على الأرض.
جمعت صداقة قوية بين كل من مصطفى أمين والفنان عبد الحليم حافظ، حيث كان الأخير ينظر له نظرة الأب والأستاذ، ويستشيره في كل شيء سواء في أغانيه أو في حياته الشخصية، وكان عبد الحليم مناصر قوي لأمين أثناء فترة اعتقاله فكان يؤكد دائماً على براءته، وبذل الكثير من الجهد من أجل الحصول على تصريح لزياراته في السجن.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: مصطفى أمين الحياة السياسية الجامعة الأمريكية بالقاهرة علي أمين دار أخبار اليوم المزيد مصطفى أمین حیث کان
إقرأ أيضاً:
المعدن الأغلى على الأرض| حكاية الكاليفورنيوم النفيس.. الجرام بـ27 مليون دولار
عندما يُذكر مصطلح "المعادن الثمينة"، يتبادر إلى الذهن فورًا الذهب والفضة وربما الألماس، لكن خلف هذا البريق التقليدي، يختبئ معدن نادر ومذهل لا يعرفه كثيرون، رغم أنه الأغلى على وجه الأرض. إنه الكاليفورنيوم (Californium-252)، المعدن الذي تفوق قيمته المادية الخيال، ويصل سعر الجرام الواحد منه إلى 27 مليون دولار، متفوقًا بفارق شاسع على الذهب والروديوم وحتى الألماس.
بداية الاكتشاف.. من قلب جامعة كاليفورنيافي عام 1950، تمكن فريق علمي في جامعة كاليفورنيا، بيركلي، من تصنيع عنصر جديد ضمن سلسلة الأكتينيدات المشعة، أطلق عليه اسم الكاليفورنيوم (Cf). استمر البحث، وبعد ثماني سنوات، تم التوصل إلى نسخة أثقل وأكثر ندرة، وهي كاليفورنيوم-252. هذا العنصر لم يكن فقط إضافة إلى الجدول الدوري، بل تحول إلى أداة نووية عالية الدقة، تفوق في خصائصها التكنولوجية كل التوقعات.
معدن ذو خصائص خارقةالكاليفورنيوم معدن فضي مائل للبياض، يتمتع بمرونة عالية تجعله قابلًا للقطع بشفرة حلاقة، لكنه يتغير لونه عند تعرضه للهواء. لكن القيمة الحقيقية لا تكمن في مظهره، بل في قدرته على إصدار نيوترونات بكفاءة عالية، تُشبه ما يصدره مفاعل نووي صغير. ويمكن لجرام واحد منه أن يطلق ملايين النيوترونات، ما يجعله أداة فائقة الدقة في تحفيز التفاعلات النووية.
إنتاجه المعقد ومحدودية توفرهصناعة جرامات قليلة من الكاليفورنيوم تستغرق قرابة عامين كاملين، حيث يتم قصف عناصر ثقيلة مثل البلوتونيوم بالنيوترونات داخل مفاعلات نووية متخصصة. ولا يوجد سوى مركزين في العالم يمتلكان القدرة على إنتاج هذا العنصر، هما مختبر أوك ريدج الوطني (ORNL) في تينيسي بالولايات المتحدة، ومعهد أبحاث المفاعلات النووية (RIAR) في روسيا. هذه الندرة الهائلة في الإنتاج تفسر جزئيًا السعر الفلكي للمعدن.
استخدامات لا تُقدّر بثمنرغم خطورته الإشعاعية، إلا أن Cf-252 يُستخدم في تطبيقات دقيقة وحيوية:
الطب: يُستخدم في علاج أنواع معينة من السرطان، مثل سرطان الدماغ وعنق الرحم، من خلال استهداف الخلايا السرطانية باستخدام النيوترونات القوية.
الطاقة: عند انشطار ذرة Cf-252، تُطلق نيوترونات ذات طاقة عالية، يمكن تسخيرها في أبحاث الطاقة النووية.
الصناعة: يُستخدم لاختبار المتانة في الهياكل المعدنية، وتحديد مواقع حقول النفط، وكشف المتفجرات والمواد المشعة الخطرة.
رغم أن اسمه لا يتردد كثيرًا خارج الأوساط العلمية، إلا أن الكاليفورنيوم يظل أحد أعظم إنجازات الكيمياء النووية الحديثة. فهو معدن لا يُقارن بثمن، ليس فقط لقيمته السوقية، بل للأدوار الحرجة التي يؤديها في الطب والصناعة والطاقة. وربما سيكون هذا العنصر، في المستقبل، أحد المفاتيح الرئيسية لفهم وتطويع الطاقة النووية في خدمة البشرية.