إدماج المجتمع في التجديد الحضري
تاريخ النشر: 24th, May 2025 GMT
جرت العادة سنويًا في تنظيم مؤتمر ومعرض عُمان العقاري أن يكون هذا الحدث كاشفًا عن أهم الاتجاهات في مشروعات التطوير العقاري والتجديد الحضري؛ حيث يتيح فرصة للمختصين والمتتبعين ليس فقط في القطاع ذاته، وإنما في كافة القطاعات للكشف عن ثلاثة اتجاهات رئيسية: أولها (الاتجاه العمراني)؛ وفيه تضمين لأهم المشروعات التي تتواكب مع معايير التخطيط العمراني واتجاهاته، سواء فيما يتعلق بإدماج مفاهيم الاستدامة أو التحول إلى المدن الذكية، أو انتهاج تصميم المدن المكتفية في داخلها.
هذا يقودنا للقول بأهمية حضور وإدماج المجتمع في مشاريع التجديد الحضري والتطوير العقاري عمومًا، بوصفها مشاريع معبرة عن الحالة الثقافية والهوياتية للمجتمع من ناحية، وبوصفها تشكل فضاءات مستقبلية يفترض فيها أن توفر الممكنات والمساحات التي تسمح للمجتمع أن ينقل عبر أجياله وتفاعلاته وممارساته بعضًا من الأنماط الأصيلة المعبرة عن هويته، سواء في الاتصال الاجتماعي أو في النشأة والتكوين، أو في المفاهيم التي تساعد هذه المدن على نموها وازدهارها. إذن فهذه المشروعات على الجانب الآخر هي فرصة لتحييد بعض الممارسات غير المرغوبة، والتشجيع على ممارسات أخرى كأنماط وعادات الحياة الصحية، والسلوك البيئي المتزن، والمشاركة الاجتماعية والحضرية الفعالة، والتي أصبحت اليوم جزءا من أنماط المشاركة المدنية، وتتمثل في المبادرات التي يقوم بها الأفراد والجماعات الاجتماعية لحفظ البيئة، أو لتعزيز التواصل بين أفراد المجتمع، أو للمحافظة على الموروثات وإدماجها كموارد اقتصادية مجدية وفعالة. إن عملية إدماج المجتمع في منظومة التجديد الحضري لابد أن تقف على ثلاثة مفاهيم اجتماعية رئيسية: مفهوم التحيين الثقافي (Cultural modernization)، وتعزيز المشاركة في التخطيط الحضري، وتمكين المشاركة الاجتماعية الحضرية والفعالة.
فمفهوم التحيين الثقافي يرتبط بالطريقة التي تصمم بها المدن في مبناها ومعناها بطريقة تتسق مع إحياء الموروث المتوازن، وإضفاء صبغة تجعل سهولة تميز المكان بوصفه ينتمي إلى ثقافة ما أمرًا ممكنًا، وهنا لا بد من التركيز على الحفاظ على بعض مكونات العمارة التقليدية، وتشجيع التجديد القائم على المفردات العمرانية المتفق عليها ثقافيًا، وفي تصميم المكان احترام أنماط الخصوصية، مع تعزيز قيم الجوار والتواصل عبر هندسة المكان حضريًا. وتشكل بعض المفردات مثل الأسواق الشعبية، والمجالس العامة، ومقاهي الشارع، والمتنزهات العمومية عبر هندستها وتصميمها طريقة مباشرة للحفاظ على الاتصال الاجتماعي الذي لا يخل بطريقة أو بأخرى بمعايير التنافسية والتحديث في هذه المدن. وفيما يتعلق بجزئية المشاركة في التخطيط الحضري فهذه المشروعات يمكن أن تنتهج طرائق مبتكرة لإشراك المجتمع في تخطيطها كأن تخصص على سبيل المثال حيزًا من مساحتها وتتيح لطلاب مؤسسات التعليم العالي المتخصصين في ابتكار أنماط جديدة من العمران بالتنافس فيما بينهم، وكأن يخصص جزء من ميزانيات إنشائها يصوت فيه المجتمع على نوعية وأولوية المشروعات المتضمنة فيها، وكأن تتاح الفرصة لبعض مكوناتها بأن تصاغ بناء على سرديات وموروثات ثقافية دارجة في المجتمع يعاد تخيلها وإدماجها في الفضاء الحضري لتلك المشروعات.
وفيما يتعلق بتمكين المشاركة الاجتماعية الحضرية الفعالة فتلك تتعلق بأسئلة من قبيل: هل هناك مساحات في هذه المدن تتيح للأفراد أن يتبنوا مبادرات نوعية - كما أسلفنا الذكر- للاستدامة البيئية؟ أو مبادرات تجميل الفضاء الحضري؟ أو مبادرات لإدماج الفنون في حياة المدينة؟ أو مبادرات لتعزيز السلوك الصحي الملتزم؟ أو مبادرات للإنتاج الاقتصادي المحلي الهادف للاكتفاء مثل المساحات الزراعية؟ أو مبادرات لتعزيز التواصل الاجتماعي الحي؟ أو مبادرات لإحياء حالة الثقافة والحوار الثقافي المستدام؟ هذه أمثلة على عناصر للمشاركة الاجتماعية الحضرية يمكن أن تأخذها هذه المدن بعين الاعتبار لإيجاد ممكنات للأفراد والساكنة في تفعيلها والانخراط فيها، وجني أثرها على مشهد الحياة الحضرية.
وفي كل الأحوال يبقى عنصر إيجاد التسهيلات والدعم والحوافز الكافية لمختلف شرائح المجتمع للقدرة على الوصول والاندماج في المدن المستقبلية أمرًا بالغ الأهمية؛ فكلما كانت هناك شرائح اجتماعية واسعة ممكنة من هذا الوصول استطاعت المدينة أن تبني نموذجها الثقافي على قاعدة اجتماعية وثقافية متينة، مع الأخذ بعين الاعتبار أهمية التنوع، والاتصال بين فئات المجتمع ، ومراعاة التفاوتات الاقتصادية بين تلك الفئات في تصميم المدن نفسها. إن مشروعات التجديد الحضري والتطوير العقاري القائمة تشكل إحدى البوصلات الجادة لمستقبل سلطنة عُمان، ليس فقط في البنيان، وإنما في الاقتصاد وإعادة تصور الحياة الاجتماعية والثقافية، عوضًا عن جودة الحياة، والسلوكيات والعادات المتصلة بالممارسات الاجتماعية.
مبارك الحمداني مهتم بقضايا علم الاجتماع والتحولات المجتمعية فـي سلطنة عُمان
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: التجدید الحضری المجتمع فی هذه المدن یمکن أن
إقرأ أيضاً:
بعد 15 عامًا من الإغلاق.. جامعة القاهرة تفتتح مباني المدن بعد تطويرها
افتتح الدكتور محمد سامي عبدالصادق، رئيس جامعة القاهرة، عددًا من المباني التي تم تطويرها وتجديدها بالمدن الجامعية التابعة للجامعة، شملت المبنيين السابع والتاسع بمدينة الطلبة بمنطقة بين السرايات بعد ان ظلت مغلقة لمدة 15 عاما، والمبني الرابع بمدينة رعاية الطالبات ببولاق الدكرور، وذلك في إطار خطة الجامعة الشاملة لتحديث البنية التحتية وتحسين بيئة الإقامة والخدمات المقدمة لأبنائها الطلاب، وتأكيدًا على دورها في توفير بنية تحتية متطورة تتناسب مع مكانتها كأعرق الجامعات المصرية والعربية.
رافق رئيس جامعة القاهرة، خلال الافتتاحات، د.أحمد رجب نائب رئيس الجامعة لشئون التعليم والطلاب، ود.عبد الهادي العوضي مستشار رئيس الجامعة لشئون المدن الجامعية والأنشطة الطلابية، وا.هاني رضوان أمين عام الجامعة، وا. محمود عياد مدير عام المدن الجامعية، وا.حسين حلمي مدير مدينة الطلبة، ومسؤلي المدن والإدارة الهندسية.
وتضمنت أعمال الصيانة بالمباني، طلاء الواجهات والمداخل والممرات، ودهانات الغرف، وتجديد كامل للأرضيات، وتجديد دورات المياه، وأنظمة الإضاءة، وتجديد صالات المذاكرة، وتركيب النوافذ، وتزويد المباني بأنظمة أمان حديثة وكاميرات مراقبة لضمان سلامة الطلاب، إلي جانب تحسين المظهر العام للحدائق المحيطة.
وأوضح د. محمد سامي عبد الصادق، أن إعادة افتتاح هذه المباني ضمن جهود الجامعة المستمرة لتوفير أماكن إقامة متميزة للطلاب، وتحسين الخدمات المقدمة لهم، مؤكدًا أن إدارة الجامعة تسعى من خلال خطة التطوير إلى تعظيم الاستفادة من جميع مباني المدن الجامعية، وضمان توفير سبل الراحة والأمان للطلاب، بما ينعكس إيجابيًا على العملية التعليمية والأنشطة الطلابية داخل الجامعة.
وأكد د. محمد سامي عبد الصادق، أن جامعة القاهرة تولي اهتمامًا كبيرًا بملف المدن الجامعية باعتباره أحد أهم محاور دعم الطلاب وتوفير بيئة جامعية متكاملة لهم، مشيرًا إلى أن خطة التطوير تم تنفيذها وفق أعلى معايير الجودة والأمان، بما يتماشى مع توجهات الدولة نحو تحسين جودة الحياة في المؤسسات التعليمية، وتوفير أفضل سبل الرعاية للطلاب وتسكينهم في أماكن تليق بهم، مع توفير كافة وسائل الأمان والراحة أثناء إقامتهم مما يقلل من شعورهم بالاغتراب، ويضمن للأسر الاطمئنان على أبنائهم، باعتبار أن المدن الجامعة ليست مجرد مكان للسكن وإنما هي بمثابة البيت الكبير للمقيمين فيها.
ومن جانبه، أشار د. أحمد رجب نائب رئيس الجامعة لشئون التعليم والطلاب، إلى أن إدارة الجامعة تتابع بشكل مستمر أعمال التطوير وتقديم الخدمات داخل المدن الجامعية، لضمان راحة الطلاب وتوفير مناخ ملائم للدراسة، مؤكدًا أن المدن الجامعية تحرص على تقديم كل ما يخدم الطلاب في كافة الجوانب التعليمية والاجتماعية، وتوفر حياة متكاملة لطلابها المغتربين عن أسرهم، كما توفر لهم المناخ الملائم لممارسة الأنشطة حتى يتمكنوا من مواصلة الدراسة في بيئة مناسبة تحفزهم على النجاح والتفوق الدراسي.