ود مدني في 24 مايو 2025 (عاين) - في ظل دمار الحرب وتوقف عجلة الحياة، يستعد المزارع عمر قوز في مشروع السوكي الزراعي بولاية سنار، وسط السودان، لاستقبال أول موسم زراعي له منذ اندلاع القتال. مثقلاً بمخاوف من فشل محتمل يلوح في الأفق، يواجه قوز، وآلاف المزارعين أمثاله في ولايتي سنار والجزيرة، تحديات جسيمة تتمثل في انهيار قنوات الري، وتوقف التمويل، ونقص حاد في الآليات والتقنيات الزراعية.

ورغم صعوبة المهمة في ظل غياب


منتدى الاعلام السوداني


ود مدني في 24 مايو 2025 (عاين) - في ظل دمار الحرب وتوقف عجلة الحياة، يستعد المزارع عمر قوز في مشروع السوكي الزراعي بولاية سنار، وسط السودان، لاستقبال أول موسم زراعي له منذ اندلاع القتال. مثقلاً بمخاوف من فشل محتمل يلوح في الأفق، يواجه قوز، وآلاف المزارعين أمثاله في ولايتي سنار والجزيرة، تحديات جسيمة تتمثل في انهيار قنوات الري، وتوقف التمويل، ونقص حاد في الآليات والتقنيات الزراعية. ورغم صعوبة المهمة في ظل غياب أبسط مقومات الزراعة، يبدو قوز مصمماً على العودة إلى أرضه التي اكتست على مدار عامين بسواد الحرب، فهي مصدر رزقه الوحيد، كما يروي لـ(عاين).
تحديات متراكمة تهدد الموسم الزراعي: مع اقتراب الموسم الزراعي الصيفي، تبدو عمليات تحضير الأرض في ولايتي الجزيرة وسنار، اللتين تضمّان أكبر المشاريع الزراعية في البلاد، ضعيفة بشكل ينذر بتقلص المساحات المزروعة. هذا الواقع المرير يتناقض مع الخطط المبكرة التي أعلنتها الحكومات المحلية لإنجاح الموسم.
أكثر ما يؤرق المزارعين هو غياب خطط التمويل المصرفي. وتتزايد المخاوف من حرمان المزارعين المثقلين بديون سابقة لما قبل الحرب من الحصول على تمويل جديد. وقد زاد الطين بلة إصدار البنك الزراعي مطالبات بسداد المديونيات، بل وسجن بعض المزارعين في ولاية الجزيرة، وفقاً لمتابعات (عاين).
إرث الحرب الثقيل: عانت ولايتا الجزيرة وسنار بشدة منذ اجتياح قوات الدعم السريع لهما في ديسمبر 2023. صاحب هذا الاجتياح توقف شبه كامل للنشاط الزراعي، ووقعت أعمال نهب واسعة طالت الآليات الزراعية، الأسمدة، المبيدات، وحتى المحاصيل الجاهزة. هذا الفقدان للمقدرات، بالإضافة إلى تراكم ديون البنك الزراعي، يجعل عودة المزارعين إلى أراضيهم، حتى بعد استعادة الجيش السوداني السيطرة على بعض المناطق، محفوفة بالمخاطر.
خطط حكومية وآمال معلقة: في محاولة لمواجهة الأزمة، طرحت حكومة ولاية سنار خطة وصفتها بالمكثفة لموسم الزراعة للعام الجاري، معتبرةً الزراعة بوابة للخروج من الأزمة الاقتصادية الطاحنة. وأعلن وزير الإنتاج والموارد الاقتصادية في ولاية سنار، المهندس الهادي الصادق، عن استعدادات مبكرة لإنجاح الموسم الزراعي 2025 "على الرغم من التحديات".
معاناة مشروع السوكي الزراعي: إلا أن هذه التصريحات لا تجد صدى كافياً على أرض الواقع في المشاريع الكبرى. يكشف المزارع عمر قوز عن مشكلات هيكلية في مشروع السوكي، أبرزها تهالك نظام الري. يقول لـ(عاين): "تبلغ مساحة المشروع 124 ألف فدان تعتمد في ريها على أربع طلمبات متهالكة تعود إلى تأسيس المشروع عام 1970. جرت محاولات لصيانتها، لكن الطلمبات الجديدة غير مطابقة للمواصفات." ويضيف: "قنوات الري الرئيسية انهارت، والترع تحتاج إلى تطهير، ونظام الري بأكمله بحاجة لإعادة بناء. إذا أرادت الحكومة تلافي فشل الموسم، فعليها إسعاف منظومة الري بشكل عاجل".
ويشير قوز إلى عقبة التمويل قائلاً: "في عام 2022، حصلت مبادرة للمزارعين على تمويل من البنك الزراعي بنحو تريليون جنيه سوداني للأسمدة والجازولين. أعضاء هذه المبادرة، وكثير منهم ليسوا مزارعين حقيقيين، لم يسددوا القرض، مما حرم المزارعين الجادين من التمويل حتى الآن". كما يوجه قوز انتقادات لاذعة للاتحادات الزراعية، متهماً منسوبي حزب المؤتمر الوطني بالهيمنة عليها منذ التسعينيات، والاهتمام بتعزيز نفوذهم بدلاً من معالجة مشكلات المزارعين.
مشروع كساب: وعود لم تُنفذ: الوضع ليس أفضل حالاً في مشروع كساب الزراعي بولاية سنار. يتحدث المزارع عبد الإله النور بمرارة عن غياب أي تحضيرات حكومية، خاصة فيما يتعلق بتطهير قنوات الري. يقول لـ(عاين): "للأسف، لم تقم إدارة مشاريع النيل الأزرق المروية ولا الولاية بأي تحضيرات. طلمبة ري 'روينا' جاهزة، لكن البنية التحتية للمشروع، خاصة قنوات الري، منهارة تماماً". ويكشف النور عن وعود من مستثمر بتمويل العمليات تبخرت بسبب ارتفاع التكلفة. ويؤكد أن المزارعين مستعدون وقاموا بعمليات النظافة الأولية، لكنهم "ينتظرون جهة تمولهم، فلا مصدر رزق آخر لهم سوى الزراعة". وتُضاف فاتورة الكهرباء التي تتطلب دفعاً مقدماً كعبء آخر.
ولاية الجزيرة: سجن المزارعين يفاقم الأزمة: في ولاية الجزيرة، يواجه المزارعون تحديات مماثلة، أبرزها التمويل، كما يفيد المزارع سلمان الهادي من مشروع الجزيرة. يقول لـ(عاين): "يعيش المزارعون حالة خوف شديد بسبب مطالبة البنك الزراعي بديون ما قبل الحرب، والتي لم يتمكنوا من سدادها لفشل موسم الحصاد ونهب قوات الدعم السريع للمحاصيل". ويضيف بقلق: "أُدخِل مزارعون في محلية القرشي السجن مؤخراً بسبب بلاغات من البنك الزراعي، ومن المتوقع أن تطال هذه الإجراءات آلاف المتعثرين، مما يهدد بإفشال الموسم الزراعي ما لم تتم معالجة عاجلة".
يُذكر أن مشروع الجزيرة والمناقل، الذي تأسس عام 1925 ويمتد على مساحة 2.2 مليون فدان، يُعد من أكبر المشاريع المروية في أفريقيا، ويعيش فيه ويعتمد عليه ملايين السودانيين.
آراء الخبراء: تكاليف باهظة وغياب للدعم: يرى المهندس الزراعي محمد عثمان أن نقص التمويل وارتفاع تكاليف المدخلات يهددان تحقيق الاكتفاء الذاتي. ويشير إلى عدم توفر الجرارات لتحضير الأراضي، والارتفاع المطرد في أسعار الجازولين. ويقول لـ(عاين): "التمويل المتاح بشروط الشركات أو البنوك له تأثير سلبي بسبب ارتفاع تكلفة المدخلات، مما يدفع المزارعين لتقليص المساحات والتركيز على محاصيل أقل تكلفة كالذرة، وهو ما يؤثر على التنوع والإنتاجية".
من جهته، يؤكد المهندس الطيب عبد الله، مدير إحدى شركات المدخلات الزراعية بولاية سنار، أن التغير السريع في قيمة العملة أدى لارتفاع كبير في أسعار المدخلات، مما كبّد الشركات خسائر فادحة. وفيما يتعلق بالوقود، يقول لـ(عاين): "المشكلة ليست في توفره بقدر ما هي في تصديقات الحصول عليه، فضلاً عن أن تكلفة الجازولين والأسمدة عالية جداً، والوقود في حد ذاته شحيح".
نهب ممنهج وتدهور أمني: يشدد عبد الله على أن المحليات الغنية بالزراعة المطرية مثل الدالي، المزموم، الدندر، والسوكي، شهدت عمليات نهب واسعة للمحاصيل والآليات من قبل قوات الدعم السريع، مما أدى لخسائر فادحة وعجز مالي للمزارعين. كما تعرضت مشاريع الري لتخريب كبير في الطلمبات والترع. وما زالت مناطق كالدالي والمزموم تعاني من تدهور أمني بسبب قربها من مناطق سيطرة قوات الدعم السريع، مما يلقي بظلال قاتمة على الموسم الصيفي المقبل.
بصيص أمل وسط التحديات: على الرغم من الصورة القاتمة، يتوقع المهندس الطيب عبد الله أن يُزرع القطن على مساحة 400 ألف فدان، والذرة والسمسم بمساحات أكبر في محليات الدندر، شرق سنار، والسوكي. ويختم قائلاً: "هناك تفاؤل لدى بعض المواطنين الذين قاموا ببيع ممتلكات شخصية لتمويل زراعتهم، لكن الانقطاع في عملية الإنتاج الزراعي بشكل عام يظل هو السمة الغالبة".
بينما يكافح المزارعون في وسط السودان بشجاعة لإعادة الحياة إلى أراضيهم، فإن غياب الدعم المالي، وتهالك البنية التحتية، والتهديدات الأمنية، والممارسات المصرفية القاسية، كلها عوامل قد تحول آمالهم إلى سراب. يبقى الموسم الزراعي القادم رهناً بتدخلات عاجلة وجذرية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وضمان قوت الملايين الذين تعتمد حياتهم على هذه الأرض.


ينشر منتدى الإعلام السوداني والمنظمات الأعضاء فيه، هذا التقرير من اعداد "شبكة عاين" بهدف تسليط الضوء على التحديات التي تواجه المدنيين في ولاية الجزيرة في سعيهم لإنجاح الموسم الزراعي



 

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: قوات الدعم السریع الموسم الزراعی البنک الزراعی ولایة الجزیرة مشروع السوکی بولایة سنار وسط السودان ولایة سنار قنوات الری فی مشروع فی ولایة

إقرأ أيضاً:

العقوبات الأمريكية على السودان- لحظة محورية أم تعميق للمأزق؟

zuhair.osman@aol.com


في 22 مايو 2025، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية فرض عقوبات جديدة على الحكومة السودانية، في خطوة وصفتها دوائر دبلوماسية بأنها تمثل "أعلى مستويات التصعيد" منذ اندلاع الحرب الأهلية في البلاد في أبريل 2023.
وجاءت هذه الإجراءات عقب اتهامات باستخدام أسلحة كيميائية في دارفور، في انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني، كما وصفها المتحدث باسم الخارجية الأمريكية بقوله:


"العدالة تقتضي أن تتحمل الجهات المسؤولة تبعات أفعالها، ولا يمكن للولايات المتحدة أن تقف مكتوفة الأيدي أمام خروقات فظيعة لحقوق الإنسان".
هذه العقوبات لا تأتي في فراغ، بل تُشكّل تطورًا نوعيًا في سياق دولي ظلّ حذرًا ومتردّدًا في تجاوز الإدانة الخطابية إلى الفعل التنفيذي. ومع تفاقم الكارثة الإنسانية وانهيار مؤسسات الدولة، تُطرح تساؤلات جدّية حول ما إذا كانت هذه العقوبات ستغير شيئًا في المعادلة، أم ستزيدها تعقيدًا.
أثر العقوبات: بين الرمزية والفعالية
رغم أن أثر العقوبات على توازن القوى العسكرية في المدى القريب قد يكون محدودًا، بالنظر إلى وجود مصادر دعم وتسليح متنوعة لطرفي النزاع، فإن الأثر الأهم يتجلى في المجال السياسي والدبلوماسي، حيث تهدف واشنطن إلى عزل الحكومة السودانية
وحرمانها من الشرعية الدولية، في تمهيد واضح لمحاسبة قانونية لاحقة، أو إعادة ترتيب شروط أي تسوية مستقبلية.


وبينما يذكّرنا تاريخ العقوبات على السودان، خاصة خلال التسعينيات، بآثارها المؤلمة على المدنيين أكثر من النخب، فإن الصيغة المستهدفة لهذه العقوبات الجديدة – التي تطال قطاعات محددة وأفرادًا نافذين – تمثّل تطورًا يعكس تعلمًا من التجارب السابقة.


لكن يبقى هناك سؤال مفتوح حول ما إذا كانت العقوبات تستثني المساعدات الإنسانية، إذ أن غياب هذه التفاصيل قد ينذر بتضييق جديد على المدنيين، في بلد يواجه واحدة من أسوأ الأزمات الغذائية والصحية في العالم.


التحالف الإقليمي في مأزق الخيارات
أبرز ما تكشف عنه هذه العقوبات هو الإحراج المتزايد الذي تواجهه الدول العربية الداعمة للجيش السوداني، والتي استند دعمها في السابق إلى دوافع استراتيجية تشمل كبح النفوذ الإسلامي، وحماية مصالح أمنية وتجارية على البحر الأحمر
واستثمار الفراغ الجيوسياسي في شرق إفريقيا.


لكن مع تلويح واشنطن – عبر تصريحات مسؤولين في وزارة الخزانة – بأن العقوبات قد تشمل شركاء يدعمون "المنتهكين للقانون الدولي"، بدا وكأن باب العقوبات الثانوية قد فُتح. وهكذا، يجد التحالف الإقليمي نفسه مضطرًا إلى مراجعة خياراته
في توازن دقيق بين الإبقاء على نفوذه في السودان وعدم خسارة العلاقة الحيوية مع واشنطن.


حتى الآن، اختار التحالف الصمت، وربما المراقبة، بانتظار ما إذا كانت هذه العقوبات خطوة مؤقتة أم بداية لسلسلة أشمل من الإجراءات.


الصوت المدني... الغائب الحاضر
في كل هذا، يظل الصوت المدني السوداني الأكثر تغييبًا والأكثر حاجة للدعم.
الحركات المدنية التي حملت راية الثورة السودانية في 2019 لا تزال في حالة تشرذم، إذ أن التنافس بين مكوناتها، وغياب مشروع سياسي موحّد، قد أفقدها فاعليتها. ومع ذلك، تواصل لجان المقاومة والمنظمات المحلية نضالها على الأرض،
في ظروف قاسية، دون غطاء دولي كافٍ.


إن الرهان الحقيقي لإنهاء الحرب لا يكمن في العقوبات وحدها، بل في بناء بديل سياسي مدني قادر على ملء الفراغ، وتقديم مشروع جامع للسلام والمواطنة والعدالة الانتقالية.


احتمالات المستقبل: بين التدويل والانهيار
تمثّل العقوبات الأمريكية اليوم عتبة محتملة لتدويل أوسع للصراع، قد يشمل لجان تقصّي حقائق دولية، أو طرح الملف أمام مجلس الأمن. لكن الانقسامات الدولية – خاصة بين الولايات المتحدة من جهة، وروسيا والصين من جهة أخرى – تجعل هذا المسار
محفوفًا بالعراقيل.


في المقابل، الاقتصاد السوداني المنهار هو الطرف الأضعف في هذه المعادلة. فالعملة المحلية تفقد قيمتها يوميًا، والتضخم بلغ مستويات قياسية، والمجتمع يرزح تحت الفقر وانعدام الأمن. وقد يؤدي هذا الانهيار إلى فرض تنازلات من الأطراف المتقاتلة
لكنه يحمل أيضًا خطر تحلل الدولة بالكامل، بما لا يبقي شيئًا للتفاوض عليه.


نظرة نقدية: بين الادعاءات والمساءلة
يجب على المجتمع الدولي أن يتعامل بحذر مع الاتهامات بخصوص استخدام الأسلحة الكيميائية، عبر تحقيقات مهنية وشفافة. إذ أن عدم إثباتها بشكل قاطع قد يُحوّل العقوبات إلى أداة سياسية مثيرة للجدل، ويُضعف موقف الولايات المتحدة أخلاقيًا في عيون البعض.


كذلك، فإن أية عقوبات لا تترافق مع ممرات آمنة للمساعدات، ودعم واضح للجهود الإنسانية والديمقراطية، قد تُنظر لها كعقاب جماعي، لا كوسيلة ضغط سياسية عادلة.


الحل سوداني أولًا - تمثل العقوبات الأمريكية لحظة فارقة في تاريخ الصراع السوداني، وتضغط على اللاعبين الإقليميين والدوليين لإعادة التفكير في تموقعاتهم.
لكنها ليست عصا سحرية، ولن تنهي الحرب وحدها. بل هي فرصة – إن أحسن السودانيون قراءتها – للانتقال من معادلة الحرب إلى معادلة الحل السياسي.


وفي نهاية المطاف، السلام الدائم لا يُفرض من الخارج، بل يُبنى من الداخل، عبر مشروع وطني جامع يُنهي عهد الانقلابات والميليشيات، ويؤسس لدولة عادلة، مدنية، ومزدهرة.

 

مقالات مشابهة

  • ولاية سنار: المساحة المستهدفة للموسم الزراعي الصيفي (4.5) مليون فدان
  • مستودعات الموت … من علي الكيماوي إلي البرهان الكيماوي !!
  • محاولة فهم ما يجري عندنا !
  • نهاية القتال في السودان… تجميد الحرب
  • السودان مهدد للسلم الإقليمي والعالمي
  • العقوبات الاقتصادية الأميركية على السودان: شلّ الاقتصاد أم كبح آلة الحرب؟
  • قوافل حجاج السودان تشق طريقها إلى مكة رغم الحرب
  • العقوبات الأمريكية على السودان- لحظة محورية أم تعميق للمأزق؟
  • "كود ممارسات الري".. منظومة مبتكرة تحسن كفاءة المياه والإنتاج الزراعي