الخرطوم- بعد 130 يومًا من اندلاع الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في العاصمة الخرطوم، غادر رئيس مجلس السيادة قائد الجيش عبد الفتاح البرهان مقر القيادة العامة لقواته متجاوزًا الحدود الإدارية للخرطوم إلى عطبرة بولاية نهر النيل قبل أن يصل إلى بورتسودان مركز ولاية البحر الأحمر؛ في خطوة عدّها مراقبون مؤشرًا على قرب نهاية الحرب في السودان، وستعطي دفعة لحل الأزمة عبر طاولة التفاوض.

ووصل البرهان ظهر أمس الخميس إلى مدينة عطبرة (شمال الخرطوم)، وتفقد مقر رئاسة سلاح المدفعية حيث تم استقباله بالهتافات، وزار جرحى العمليات في مستشفى الشرطة، ثم أدى العزاء إلى أسرة اللواء ياسر فضل الله قائد الفرقة 16 في مدينة نيالا (عاصمة ولاية جنوب دارفور) الذي اغتيل على يد أحد حراسه قبل أيام.

وكان البرهان تفقد مواقع الجيش في مدينة أم درمان (غربي العاصمة الخرطوم)، وتجول بين جنود الجيش المتمركزين في مناطق عدة بمحلية كرري، وتناول القهوة مع إحدى بائعات الشاي على أطراف طريق عام.

ونشر الجيش فيديوهات للبرهان وهو يحمل سلاحا خلال تفقده الجنود في عدد من المناطق العسكرية بشمال المدينة، أبرزها قاعدة وادي سيدنا الجوية، ولقائه مع مواطنين، وهي المرة الأولى التي يظهر فيها بعيدًا عن مقر قيادة الجيش منذ اندلاع الاشتباكات بين القوات السودانية والدعم السريع.

ويرجع آخر ظهور للبرهان إلى 18 يوليو/تموز الماضي، حين ظهر حاملا سلاحا رشاشا ومسدسا وقنبلة يدوية وهو يترأس اجتماعا عسكريا بمركز قيادة الجيش وسط الخرطوم.


انتقال معقد

وكشفت مصادر في وزارة الدفاع عن أن مغادرة البرهان مقر قيادة الجيش بوسط الخرطوم الذي شهد محيطه اشتباكات دامية بين الجيش وقوات الدعم السريع خلال الشهور الماضية؛ كانت عملية أمنية وعسكرية معقدة.

وحسب المصادر التي تحدثت للجزيرة نت -وطلبت عدم الإفصاح عن هويتها- فإن البرهان انتقل من الخرطوم إلى الخرطوم بحري ثم إلى أم درمان في قافلة عسكرية عبرت اثنين من الجسور التي تربط مدن العاصمة، ورفضت المصادر تأكيد أو نفي معلومات عن مقتل ضابط وجندي وإصابة 9 عسكريين ضمن القافلة التي كانت ترافق قائد الجيش.

وتوضح المصادر ذاتها أن رئاسة غرفة العمليات التي تقود العملية العسكرية من مقر قيادة الجيش منذ منتصف أبريل/نيسان الماضي انتقلت من البرهان إلى نائبه في قيادة الجيش شمس الدين كباشي، واعتبرت ذلك مؤشرًا على أن العملية العسكرية تمضي وفق الخطة والأوضاع تحت السيطرة، ودليلا على الثقة المتوفرة بين القيادات العسكرية.

وتضيف أن رئيس مجلس السيادة سيباشر مهامه السيادية والسياسية من مدينة بورتسودان الساحلية على البحر الأحمر، لمتابعة شؤون الدولة ومعالجة بعض القضايا الأمنية والسياسية التي تأثرت بانشغاله في قيادة غرفة العمليات العسكرية خلال الفترة السابقة.

وسيشرف البرهان بصورة مباشرة على الوفد العسكري المكلف بالتفاوض مع قوات الدعم السريع عبر منبر جدة الذي ترعاه الولايات المتحدة والسعودية، ويقود الاتصالات مع بعض العواصم المؤثرة في الأوضاع السودانية وسيزور بعضها، كما يرتب لفترة ما بعد إنهاء الحرب حسب المصادر نفسها.


تفاهمات غامضة

وفي الشأن ذاته، يرى الكاتب والمحلل السياسي حافظ كبير أن هناك 3 احتمالات بشأن مغادرة البرهان مقر قيادة الجيش: الأول برًا، أو عبر النيل من سلاح الإشارة في الخرطوم بحري إلى أم درمان، لكنه يرجح الاحتمال الثالث وهو الانتقال عبر مروحية.

ويعتقد حافظ كبير في حديث للجزيرة نت وجود عناصر من الدعم السريع ينتشرون بمدافع وبنادق قنص على أسطح بنايات عالية حول مقر القيادة مما يرجح أن قائد الجيش خرج بتفاهم غامض، كما أنه لم يتحدث بلهجة حادة تجاه الدعم السريع خلال لقاءاته في المناطق العسكرية، لافتا إلى عدم صدور تعليق رسمي من الدعم السريع حول تحركاته.

ويقول المحلل السياسي أن البرهان كان محاصرا داخل مقر قيادة الجيش طوال الفترة الماضية وكل تفكيره وجهده في الشأن العسكري المرتبط بتطورات الحرب وخروجه من القيادة سيتيح له فرصة التفكير المستقل بلا ضغوط بشأن إنهاء الحرب عبر التفاوض وابتدار عملية سياسية لإنهاء الأزمة.

كما يرى كبير أن البرهان أكثر ميلا نحو وقف الحرب من غيره، ولا يرغب في توسعها وعسكرة المجتمع، ويدرك خطورة استمرارها على البلاد، وبات متحررا من الداعين لاستمرار القتال، والأفضل له أن يصل إلى تفاهمات مع الدعم السريع والمجتمع الدولي والإقليمي لإيجاد "حل معقول" لجميع الأطراف.

بوابة الخروج

وفي المقابل، يقول المحلل السياسي ورئيس تحرير صحيفة "التيار" عثمان ميرغني أن جولة البرهان من الخرطوم إلى أم درمان وعطبرة ثم بورتسودان كانت مفاجئة وتشير إلى أن الحرب تمضي نحو بوابة الخروج.

ويرى ميرغني في حديث للجزيرة نت أن دلالات تحركات قائد الجيش بددت آمال قوات الدعم السريع في تعديل الكفة لصالح أوراق تفاوضه عبر منبر جدة، وبات واضحا أن الخسارة السياسية والشعبية التي أصابت قوات الدعم السريع جعلتها تمضي بلا أهداف محددة في عملياتها العسكرية.

ويعتقد المحلل السياسي أن قيادة قوات الدعم السريع تأمل إنقاذ ما يمكن إنقاذه في المسارين السياسي والاقتصادي بعد الخسارة العسكرية، وستخضع قواتها إلى برنامج الدمج والتسريع عبر مفاوضات جدة.

وتوقع أن تمضي ترتيبات عالمية في اتجاهين: الأول عقوبات أميركية وفق القرار التنفيذي الذي أصدره الرئيس الأميركي جو بايدن بالتشاور مع وزارة الخارجية لتحديد شخصيات اعتبارية وطبيعية لعقوبات تجمد الأصول والأموال وحظر السفر.

ويضيف أن الاتجاه الآخر عبارة عن إجراءات ينتظر أن تتخذها المحكمة الجنائية الدولية على خلفية جرائم الحرب التي ارتكبتها قوات الدعم السريع في الجنينة (عاصمة ولاية غرب دارفور) والخرطوم مند بداية الأزمة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: قوات الدعم السریع مقر قیادة الجیش قائد الجیش أم درمان

إقرأ أيضاً:

جنوب السودان يتولى أمن حقل هجليج النفطي بعد سيطرة الدعم السريع

ويعد هجليج الحقل الأكبر في السودان ومنشأة رئيسية لمعالجة صادرات جنوب السودان النفطية.

وكشفت مصادر عن اتفاق تعاون نفطي أمني سابق بين الخرطوم وجوبا، في حين انسحبت الصين من الحقل بسبب تدهور الأوضاع الأمنية، بينما يستمر تبادل الاتهامات بين طرفي النزاع السوداني.

تقرير: فتحي موسى

Published On 12/12/202512/12/2025|آخر تحديث: 02:00 (توقيت مكة)آخر تحديث: 02:00 (توقيت مكة)انقر هنا للمشاركة على وسائل التواصل الاجتماعيshare2

شارِكْ

facebooktwitterwhatsappcopylink

حفظ

مقالات مشابهة

  • بعد مسيرات داعمة للجيش.. البرهان «يشكر» السودانيين ويطلق تعهدات
  • الجيش السوداني يتهم «الدعم السريع» بقتل جنود أمميين في كادقلي
  • الخرطوم: دفن مرتين وبدء حملة رسمية لنقل رفات الحرب
  • الجيش الروسي يستهدف مواقع للصناعة العسكرية والطاقة في أوكرانيا
  • الجيش السوداني يُدمر ارتكازات ومعدات عسكرية للدعم السريع
  • البرهان يناور بذكاء ويتوعد الدعم السريع
  • صدام علني بين الحلفاء.. الإخوان يكشفون دورهم في حرب السودان
  • جنوب السودان يتولى أمن حقل هجليج النفطي بعد سيطرة الدعم السريع
  • جوتيريش: سنلتقي ممثلين عن الجيش السوداني والدعم السريع في جنيف
  • صورة من بورتسودان..!