محمد محسن الجوهري
إن استخدام السلاح النووي جريمة كبرى لا يضاهيها جرمية، وما ارتكبه الأمريكيون في هيروسيما وناغازاكي عام 1945، لهو الإرهاب بذاته، وحتى اليوم لم يتفوق طرف آخر في إجرامه على الأمريكي وحلفائه، خاصة “إسرائيل”، ومادام هؤلاء يملكون السلاح النووي، ولا يبالون بأرواح الآلاف المؤلفة من المدنيين العزل، كما نرى في غزة منذ عام ونصف، فإن أي طرف آخر معادٍ لواشنطن مُطالب بأن يمتلك كل أنواع الأسلحة الفتاكة، وأوله القنبلة النووية، لأنها السبيل الوحيد لردع الإرهاب الصهيو-أمريكي الذي لا يحتكم لأي معايير دينية أو أخلاقية، كما لا يخضع لأي مواثيق دولية تجبره على احترام حقوق الإنسان، بما في ذلك الأمم المتحدة ومجلس الأمن وغير ذلك من الأطراف الدولية التي أثبتت أنها لا تتحرك لحماية أحد إلا إذا كان تحركها يخدم الغرب الأبيض.
لقد أصبح واضحًا أن ما من مأساة إنسانية كبرى وقعت في هذا العصر إلا وكانت ثمرة لاختلال في موازين القوة. من هيروشيما التي تحولت إلى رماد في لحظة، إلى غزة التي تُقصف وتُحاصر أمام مرأى العالم دون رادع، يتأكد لنا أن الضعف هو الخطيئة التي لا تُغتفر، وأن الغرب الكافر لا يحترم إلا القوة، وعليه، فإن امتلاك وسائل الردع – مهما كانت طبيعتها – لم يعد خيارًا ترفيًّا، بل ضرورة وجودية، تفرضها طبيعة التهديدات، والوقائع على الأرض، وانكشاف حقيقة أن لا عدالة دولية دون قوة تحميها، ولا قانون يحترمه المعتدون إن لم يخشوا عواقبه.
فالدولة التي تُحرم من حق الردع تُترك مكشوفة أمام أطماع الخارج، كما حدث في فلسطين المحتلة منذ 1917، فسلاح القانون وحده لا يرد الصواريخ، ولا يعيد من قضوا تحت الأنقاض. أما الدولة التي تمتلك قوة تمنع العدوان، فإنها لا تحمي نفسها فحسب، بل تكرّس معادلة جديدة تفرض على الآخر التفكير مليًّا قبل أن يكرر مشاهد الدم والنار.
إن من حق كل أمة أن تقرر بنفسها أدوات حمايتها، وألا تُترك أسيرة لرحمة من لا يعرف الرحمة. فإذا كان السلاح النووي هو ما يردع الغطرسة، فلماذا يُسمح به لطرف ويُحرم على آخر؟ أما آن للمعايير أن تتوازن؟ أما آن للحق أن يُصان بالقوة، لا بالمناشدات؟
…فإذا كان السلاح النووي هو ما يردع الغطرسة، فلماذا يُسمح به لطرف ويُحرم على آخر؟ أما آن للمعايير أن تتوازن؟ أما آن للحق أن يُصان بالقوة، لا بالمناشدات؟
إن دولًا مثل إيران، وكوريا الشمالية، واليمن، وفنزويلا، بل وكل دولة ترفض الانصياع لمشروع الهيمنة الأمريكية – الصهيونية، من حقها أن تُعيد النظر في خياراتها الدفاعية، وأن تمتلك ما يكفي لردع أي عدوان، سواء كان تقليديًا أو غير تقليدي.
إيران، على وجه الخصوص، التي طوّرت قدراتها الذاتية في مواجهة العقوبات والحصار والحرب السيبرانية، تملك كل المشروعية في سعيها لحيازة قوة ردع حقيقية، بدايةً بالسلاح النووي، لأن أمنها لا يمكن أن يُرهن لحسابات خصوم لا يتوانون عن استخدام كل أدوات الدمار حين تتقاطع مصالحهم مع وجودك.
وإذا كان ما يجري في غزة اليوم، أو ما جرى في هيروشيما بالأمس، لا يكفي لإقناع شعوب المنطقة بأهمية القوة الرادعة، فمتى إذًا؟ حين يُباد الملايين؟ حين تُسلب العواصم ويُكتب التاريخ بحبر من نار؟
إن رسالة الردع ليست دعوة للدمار، بل صرخة أخيرة في وجه آلة الموت التي لا تفهم إلا منطق القوة والإرهاب المضاد. وأول شرط لهذا التوازن أن لا يبقى أحد أعزلاً بلا سلاح، وأن لا تُترك شعوب بأكملها ضحية حسابات القوى الكبرى ومجازرها المتكررة.
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: السلاح النووی التی ت أما آن
إقرأ أيضاً:
المصريين: موقف الرئيس السيسي من نزع السلاح النووي يعكس التزامًا مصريًا ثابتًا بالأمن الإقليمي
أشاد الدكتور محمد هارون، أمين لجنة العلاقات الخارجية بحزب ”المصريين“، باللقاء الذي جمع الرئيس عبد الفتاح السيسي مع رافاييل جروسي، مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مؤكدًا أن هذه الخطوة تعكس حرص القيادة السياسية المصرية على دعم الأطر الدولية الرامية إلى تعزيز منظومة عدم الانتشار النووي، وتحقيق الأمن والسلم على المستويين الإقليمي والدولي.
وقال ”هارون“ في بيان اليوم الثلاثاء، إن تأكيد الرئيس السيسي خلال اللقاء على تقدير مصر للدور الحيوي الذي تقوم به الوكالة الدولية للطاقة الذرية، يُبرز النظرة المصرية المستقرة تجاه أهمية المؤسسات الدولية في ضبط استخدام التكنولوجيا النووية لأغراض سلمية، وتحقيق التوازن بين التنمية والاستقرار الأمني، فضلًا أن هذا الموقف يأتي امتدادًا لدور مصر التاريخي كأحد الأصوات الداعية بقوة إلى إخلاء الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل، وفي مقدمتها الأسلحة النووية.
وأوضح أمين لجنة العلاقات الخارجية بحزب ”المصريين“ أن دعوة الرئيس السيسي إلى ضرورة إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط تعكس موقفًا ثابتًا وواضحًا من مصر منذ عقود، وهو موقف يستند إلى قناعة عميقة بأن الاستقرار الحقيقي لن يتحقق إلا من خلال العدالة في تطبيق مبادئ نزع السلاح على جميع دول المنطقة دون استثناء، وخاصة في ظل المخاوف المتزايدة من الاحتفاظ بأسلحة نووية لدى بعض الأطراف الإقليمية.
وأضاف الدكتور ”هارون“ أن مصر بقيادة الرئيس السيسي تتبنى نهجًا متوازنًا يجمع بين دعم الاستخدام السلمي للطاقة النووية وفقًا للمعايير الدولية، ومطالبة المجتمع الدولي بضرورة التصدي لمحاولات عسكرة التكنولوجيا النووية أو استخدامها كأداة للهيمنة والتهديد، مشيرًا إلى أن هذه الرؤية تؤكد ريادة مصر الدبلوماسية ومكانتها كركيزة للأمن والاستقرار في المنطقة.
وشدد القيادي بحزب ”المصريين“ على أهمية استمرار التعاون بين مصر والوكالة الدولية للطاقة الذرية، خاصة فيما يتعلق ببرامج الاستخدام السلمي للطاقة النووية في مجالات التنمية، مثل الزراعة والصحة وتحلية المياه، مشيرًا إلى أن هذا التعاون يمثل نموذجًا يحتذى به في كيفية الاستفادة من التكنولوجيا النووية دون الانزلاق إلى التسلح أو التصعيد.
واختتم الدكتور محمد هارون بالتأكيد على أن حزب ”المصريين“ يدعم بقوة الموقف المصري الرسمي الرامي إلى نزع السلاح النووي، وترسيخ العدالة النووية في العالم، من خلال التعامل الشفاف والمتكافئ مع كافة الدول، بعيدًا عن ازدواجية المعايير، وبما يضمن مستقبلًا آمنًا وخاليًا من التهديدات النووية في الشرق الأوسط والعالم.