تشو شيوان **

 

في وقت تشتد فيه الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة، بدأت بفرص إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رسومًا جمركية على الواردات الصينية، نجد أن الصين اختارت طريقًا مغايرًا يتمثل بالتجاهل الاستراتيجي والتوجه شرقًا؛ فبدلًا من الانكفاء تعزز الصين تحالفاتها مع جيرانها في جنوب شرق آسيا، وهذا ما هو واضح من الزيارة الحالية للرئيس شي جين بينغ إلى فيتنام وماليزيا وكمبوديا؛ إذ إن هذه الزيارات الثلاثة ليست مجرد رد دبلوماسي؛ بل إعلان صريح بأن الصين لن تسمح للضغوط الأمريكية بتعطيل مسيرتها نحو تعزيز النفوذ الاقتصادي والسياسي في المنطقة.

يقول المثل الصيني: "الجار القريب خير من القريب البعيد"، وهذا التوجه أجده يعكس فلسفة المثل الصيني في التعامل مع التحديات الدولية؛ حيث ترى أن التعاون والشراكة هما السبيل لتحقيق الاستقرار والازدهار، وبينما تفرض الولايات المتحدة تعريفات جمركية جديدة، تركز الصين على تعزيز علاقاتها الاقتصادية والدبلوماسية مع دول المنطقة، مما يعزز من مكانتها كقوة عالمية مسؤولة تسعى لتحقيق التنمية المشتركة.

وبالعودة لزيارات الرئيس الصيني الثلاث يمكننا القول إنها تبعث برسائل واضحة مفادها أن الصين ستمضي قُدمًا بثقة في مسارها، متجاهلة السياسات الحمائية وتأكيدًا على أهمية التعاون الإقليمي كركيزة لتحقيق التنمية المستدامة والاستقرار في المنطقة، وهذه الفلسفة المغايرة للصين هي من جعلتها تنافس بقوة في الأسواق العالمية، فلا نجاح واستقرار بدون تعاون وتشارك؛ رؤية تؤمن بها الصين وتريد مشاركتها مع العالم.

التعريفات الجمركية الأمريكية ضغوط لا تُثني العزيمة؛ بل تقويها، وما صنعته الصين من معجزات اقتصادية وتنموية أبهرت العالم لا يمكن أن تثنيها تعريفات جمركية، فمنذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض، تصاعدت حدة المواجهة التجارية؛ حيث هددت الولايات المتحدة برفع الرسوم على الصين إلى 145%، بينما ردت بكين برسوم مضادة بلغت 125%، ومع ذلك تظهر الصين مرونة غير متوقعة من حيث تخفيض قيمة اليوان لتعزيز تنافسية الصادرات، ودعم الشركات المحلية عبر مشتريات حكومية للأسهم للحفاظ على استقرار السوق، وتحويل مسار الصادرات إلى أسواق بديلة، مثل دول آسيان، التي أصبحت الوجهة الأولى للصادرات الصينية بقيمة 586.5 مليار دولار في 2024.

ورغم أن الأرقام والحلول الاقتصادية لها أهمية بالغة والصين تسير في هذا الطريق، إلّا أنني أجد أن الأهم هو الرد غير المباشر: فبدلًا من الانخراط في حرب تجارية مكلفة، تعيد الصين هيكلة اقتصادها لتعزيز الاعتماد على الاستهلاك المحلي والتكنولوجيا المتقدمة، بينما تستخدم الدبلوماسية لتعويض الخسائر أو الصعوبات.

والشراكة الاقتصادية الصينية مع دول الجوار، شراكة استراتيجية حقيقة، ولها أبعادها على كافة المستويات، فمثلًا فيتنام أكبر شريك تجاري للصين في مجموعة "آسيان"، بحجم تبادل تجاري بلغ 260.65 مليار دولار في 2024. وخلال زيارة الرئيس شي، هذه الأيام، اتفق البلدان على تعزيز مشاريع البنية التحتية المشتركة، مثل خطوط السكك الحديدية العابرة للحدود، وزيادة الاستثمارات الصينية في فيتنام، التي تجاوزت 2.5 مليار دولار العام الماضي. وماليزيا تعد نموذج للتعاون المربح للطرفين، إذا ترتبط ماليزيا بالصين شراكة استراتيجية شاملة، شهدت ارتفاع التبادل التجاري إلى 212 مليار دولار، وهناك فرص لتعزيز فرص التعاون في الرقمنة والطاقة الخضراء، خاصة بعد نجاح مشروع "بلدين، حديقتان توأم"، والذي يشمل مجمع «كوانتان» الصناعي الماليزي- الصيني. وكمبوديا هي الحليف الأوثق والتي تعد أكبر مُتلقٍ للاستثمارات الصينية في "آسيان"؛ إذ شهدت نموًا تجاريًا بنسبة 23.8% في 2024، وزيارة الرئيس شي تأتي لدعم مشاريع مثل ممر التنمية الصناعية و"ممر الأسماك والأرز" وتعزيز اتفاقية التجارة الحرة الثنائية التي دخلت حيز التنفيذ في 2022.

الاستراتيجية الصينية قائمة منذ البداية على تعميق الشراكات والعمل مع دول العالم بمبدأ "رابح- رابح"، على عكس المعادلة الصِفرية للولايات المتحدة والتي انفجرت مع عودة ترامب للرئاسة ورفعه لشعار "أمريكا أولًا".

وكتب الرئيس الصيني شي في صحيفة "نان دان" الفيتنامية: "يجب على بلدينا أن يحافظا بحزم على النظام التجاري متعدد الأطراف... فالحمائية لا تؤدي إلى أي نتيجة"، وفعلًا الحمائية لا تؤدي إلى أي نتيجة.

لهذا يمكنني القول إنه في حين يرى ترامب أن الرسوم الجمركية "سلاحه الأقوى"، تُثبت الصين على العكس تمامًا أن القوة الحقيقية تكمُن في بناء التحالفات الاقتصادية الطويلة الأمد، وجولة شي جين بينغ ليست مجرد زيارة روتينية؛ بل هي إشارة إلى أن بكين لن تنتظر مفاوضات مع واشنطن، وإنما ستواصل التكيف مع المشهد الجديد عبر تعميق جذورها في آسيا.

** صحفي في مجموعة الصين للإعلام، متخصص بالشؤون الصينية وبقضايا الشرق الأوسط والعلاقات الصينية - العربية

 

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

كلمات دلالية: ملیار دولار

إقرأ أيضاً:

محمد نجاتي عن اتفاق غزة: الرئيس السيسي أعاد لمصر ريادتها الإقليمية

أعرب الفنان محمد نجاتي عن سعادته البالغة بنجاح الجهود المصرية في وقف الحرب على غزة، عقب إبرام اتفاق شرم الشيخ الذي أعلنه الرئيس عبد الفتاح السيسي، معتبرًا أن ما تحقق يمثل حدثًا تاريخيًا عظيمًا ليس لمصر وحدها بل للوطن العربي بأسره.
وقال نجاتي، في مداخلة هاتفية لبرنامج "خط أحمر" الذي يقدمه الإعلامي محمد موسى على قناة الحدث اليوم، إن مصر بذلت جهدًا استثنائيًا على مدار الفترة الماضية لإيقاف نزيف الدم الفلسطيني، مؤكدًا أن هذا الإنجاز يليق بمكانة مصر ودورها الرائد في المنطقة. 
وأضاف: “هذا الحدث يجب أن يُوثق في تاريخ مصر الحديث، لأنه يجسد المعنى الحقيقي للقيادة المسؤولة والإيمان بعدالة القضية الفلسطينية.”
وتابع الفنان محمد نجاتي قائلاً: إن مصر كانت وستظل دائمًا السند الحقيقي والداعم الأول لأشقائها العرب، مشيرًا إلى أن التاريخ المصري زاخر بالمواقف المشرفة التي أكدت أنّ مصر كانت دائمًا درعًا يحمي الأمة العربية من أي عدوان.
وأوضح نجاتي أن ما فعله الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال هذه الأزمة تجاوز كل التوقعات، بعد أن تصدى بحكمة وشجاعة لمحاولات التهجير والمجازر التي كانت تُرتكب بحق الفلسطينيين، لافتا إلى أن “الرئيس عبد الفتاح السيسي قال كلمته للعالم كله بكل قوة، رغم التهديدات والضغوط، لأنه مؤمن بالله، وواثق في قدرته على حماية مصر والمنطقة.”

وأكد أن ما تحقق ليس مجرد شعارات، بل أفعال وقرارات حاسمة أثبتت أن القيادة المصرية قادرة على صنع التوازن وحماية الأمن العربي، مشددًا على أن ما أقدمت عليه الدولة المصرية أعاد لمصر مكانتها القيادية والتاريخية في العالم العربي والدولي.
وختم نجاتي حديثه قائلًا: “ما رأيناه هو دليل جديد على أن مصر، بقيادة الرئيس السيسي، هي صمام أمان الأمة العربية، وأنها ستبقى الحائط الذي تستند إليه الشعوب في أوقات المحن والشدائد".

اقرأ المزيد..

ترامب يعتزم عقد قمة بشأن غزة مع دول عربية وأوروبية خلال زيارته لمصر "كونداليزا رايس توسلت عمر سليمان للتحرك".. "الدويري" يحكي واقعة حاسمة للمخابرات في غزة "نطقنا الشهادتين".. "الدويري" يروي أصعب موقف تعرض له رجال المخابرات المصرية بغزة وكيل المخابرات السابق: مصر تعمل في القضية الفلسطينية باعتبارها شريكًا وليس وسيطا وكيل المخابرات السابق: علمنا بخطف جلعاد شاليط قبل إعلان حماس الرسمي "أين ملفه وماذا قال عمر سليمان عنه ومن اغتاله".. الأسرار تتكشف عن أشرف مروان اتفاق غزة.. واقعة غير مسبوقة تحدث 2 فجرا بقاعة المفاوضات تنهي حرب السنتين شوارع قطاع غزة تتزين بالعلم المصري وصور الرئيس السيسي.. شاهد إعلام عبري: جيش الاحتلال يفكك موقعين عسكريين داخل غزة كان ينوي البقاء فيهما ترامب يتوعد الصين برسوم جمركية هائلة: لن نسمح لها باحتجاز العالم رهينة

مقالات مشابهة

  • الحرب الاقتصادية الأميركية الصينية: من التعرفة الجمركية إلى معركة المعادن النادرة وانعكاساتها على الإقليم واليمن
  • تصريحات ترامب ضد الصين تضرب العملات المشفرة.. خسائر تتجاوز 300 مليار دولار
  • سوزي الأردنية تواجه حكما بالحبس سنتين أمام الاقتصادية.. تفاصيل
  • 3 اتهامات تواجه ميدو قبل الحكم عليه أمام المحكمة الاقتصادية
  • اتهامات تواجه التيك توكر أوتاكا أمام المحكمة الاقتصادية.. اعرف التفاصيل
  • علاء نصر الدين: فجوة تمويلية بقيمة2 مليار دولار تواجه الشركات الناشئة بمصر
  • شركات التكنولوجيا الأمريكية تخسر 770 مليار دولار بعد تهديد ترامب بفرض رسوم جمركية على الصين
  • محمد نجاتي عن اتفاق غزة: الرئيس السيسي أعاد لمصر ريادتها الإقليمية
  • ترامب يهدد بزيادة الرسوم الجمركية: لا مبرر لمقابلة الرئيس الصيني
  • الصين تكثف إجراءاتها الجمركية على رقائق الذكاء الاصطناعي من إنفيديا