الصين تواجه التعريفات الجمركية وتعمق شراكاتها الإقليمية
تاريخ النشر: 15th, April 2025 GMT
تشو شيوان **
في وقت تشتد فيه الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة، بدأت بفرص إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رسومًا جمركية على الواردات الصينية، نجد أن الصين اختارت طريقًا مغايرًا يتمثل بالتجاهل الاستراتيجي والتوجه شرقًا؛ فبدلًا من الانكفاء تعزز الصين تحالفاتها مع جيرانها في جنوب شرق آسيا، وهذا ما هو واضح من الزيارة الحالية للرئيس شي جين بينغ إلى فيتنام وماليزيا وكمبوديا؛ إذ إن هذه الزيارات الثلاثة ليست مجرد رد دبلوماسي؛ بل إعلان صريح بأن الصين لن تسمح للضغوط الأمريكية بتعطيل مسيرتها نحو تعزيز النفوذ الاقتصادي والسياسي في المنطقة.
يقول المثل الصيني: "الجار القريب خير من القريب البعيد"، وهذا التوجه أجده يعكس فلسفة المثل الصيني في التعامل مع التحديات الدولية؛ حيث ترى أن التعاون والشراكة هما السبيل لتحقيق الاستقرار والازدهار، وبينما تفرض الولايات المتحدة تعريفات جمركية جديدة، تركز الصين على تعزيز علاقاتها الاقتصادية والدبلوماسية مع دول المنطقة، مما يعزز من مكانتها كقوة عالمية مسؤولة تسعى لتحقيق التنمية المشتركة.
وبالعودة لزيارات الرئيس الصيني الثلاث يمكننا القول إنها تبعث برسائل واضحة مفادها أن الصين ستمضي قُدمًا بثقة في مسارها، متجاهلة السياسات الحمائية وتأكيدًا على أهمية التعاون الإقليمي كركيزة لتحقيق التنمية المستدامة والاستقرار في المنطقة، وهذه الفلسفة المغايرة للصين هي من جعلتها تنافس بقوة في الأسواق العالمية، فلا نجاح واستقرار بدون تعاون وتشارك؛ رؤية تؤمن بها الصين وتريد مشاركتها مع العالم.
التعريفات الجمركية الأمريكية ضغوط لا تُثني العزيمة؛ بل تقويها، وما صنعته الصين من معجزات اقتصادية وتنموية أبهرت العالم لا يمكن أن تثنيها تعريفات جمركية، فمنذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض، تصاعدت حدة المواجهة التجارية؛ حيث هددت الولايات المتحدة برفع الرسوم على الصين إلى 145%، بينما ردت بكين برسوم مضادة بلغت 125%، ومع ذلك تظهر الصين مرونة غير متوقعة من حيث تخفيض قيمة اليوان لتعزيز تنافسية الصادرات، ودعم الشركات المحلية عبر مشتريات حكومية للأسهم للحفاظ على استقرار السوق، وتحويل مسار الصادرات إلى أسواق بديلة، مثل دول آسيان، التي أصبحت الوجهة الأولى للصادرات الصينية بقيمة 586.5 مليار دولار في 2024.
ورغم أن الأرقام والحلول الاقتصادية لها أهمية بالغة والصين تسير في هذا الطريق، إلّا أنني أجد أن الأهم هو الرد غير المباشر: فبدلًا من الانخراط في حرب تجارية مكلفة، تعيد الصين هيكلة اقتصادها لتعزيز الاعتماد على الاستهلاك المحلي والتكنولوجيا المتقدمة، بينما تستخدم الدبلوماسية لتعويض الخسائر أو الصعوبات.
والشراكة الاقتصادية الصينية مع دول الجوار، شراكة استراتيجية حقيقة، ولها أبعادها على كافة المستويات، فمثلًا فيتنام أكبر شريك تجاري للصين في مجموعة "آسيان"، بحجم تبادل تجاري بلغ 260.65 مليار دولار في 2024. وخلال زيارة الرئيس شي، هذه الأيام، اتفق البلدان على تعزيز مشاريع البنية التحتية المشتركة، مثل خطوط السكك الحديدية العابرة للحدود، وزيادة الاستثمارات الصينية في فيتنام، التي تجاوزت 2.5 مليار دولار العام الماضي. وماليزيا تعد نموذج للتعاون المربح للطرفين، إذا ترتبط ماليزيا بالصين شراكة استراتيجية شاملة، شهدت ارتفاع التبادل التجاري إلى 212 مليار دولار، وهناك فرص لتعزيز فرص التعاون في الرقمنة والطاقة الخضراء، خاصة بعد نجاح مشروع "بلدين، حديقتان توأم"، والذي يشمل مجمع «كوانتان» الصناعي الماليزي- الصيني. وكمبوديا هي الحليف الأوثق والتي تعد أكبر مُتلقٍ للاستثمارات الصينية في "آسيان"؛ إذ شهدت نموًا تجاريًا بنسبة 23.8% في 2024، وزيارة الرئيس شي تأتي لدعم مشاريع مثل ممر التنمية الصناعية و"ممر الأسماك والأرز" وتعزيز اتفاقية التجارة الحرة الثنائية التي دخلت حيز التنفيذ في 2022.
الاستراتيجية الصينية قائمة منذ البداية على تعميق الشراكات والعمل مع دول العالم بمبدأ "رابح- رابح"، على عكس المعادلة الصِفرية للولايات المتحدة والتي انفجرت مع عودة ترامب للرئاسة ورفعه لشعار "أمريكا أولًا".
وكتب الرئيس الصيني شي في صحيفة "نان دان" الفيتنامية: "يجب على بلدينا أن يحافظا بحزم على النظام التجاري متعدد الأطراف... فالحمائية لا تؤدي إلى أي نتيجة"، وفعلًا الحمائية لا تؤدي إلى أي نتيجة.
لهذا يمكنني القول إنه في حين يرى ترامب أن الرسوم الجمركية "سلاحه الأقوى"، تُثبت الصين على العكس تمامًا أن القوة الحقيقية تكمُن في بناء التحالفات الاقتصادية الطويلة الأمد، وجولة شي جين بينغ ليست مجرد زيارة روتينية؛ بل هي إشارة إلى أن بكين لن تنتظر مفاوضات مع واشنطن، وإنما ستواصل التكيف مع المشهد الجديد عبر تعميق جذورها في آسيا.
** صحفي في مجموعة الصين للإعلام، متخصص بالشؤون الصينية وبقضايا الشرق الأوسط والعلاقات الصينية - العربية
رابط مختصر
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
كلمات دلالية: ملیار دولار
إقرأ أيضاً:
«تشانجتشو رامادا» الصينية تستثمر 22.6 مليون دولار لإنتاج الأقمشة المنزلية والملابس بقناة السويس
وقعت شركة «تشانجتشو رامادا» الصينية المحدودة لصناعة المنسوجات والأقمشة، اليوم الاثنين، مع الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، عقد إنشاء مشروع لصناعة منسوجات الأقمشة المنزلية والملابس، بمنطقة القنطرة غرب الصناعية التابعة للهيئة، بقيمة استثمارية تبلغ 22.6 مليون دولار.
وقالت الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس في بيان رسمي، إن مصنع شركة «تشانجتشو رامادا» الصينية لصناعة منسوجات الأقمشة المنزلية والملابس سيقام على مساحة 80 ألف م2، ويوفر نحو 1500 فرصة عمل مباشرة، وتبلغ الطاقة الإنتاجية السنوية للمصنع نحو 5 آلاف طن من الأقمشة، و4 ملايين طقم من أغطية الأسرة، ومليون طقم من موكيت السيارات.
ويستهدف مشروع شركة «تشانجتشو رامادا» الصينية في مصر لصناعة منسوجات الأقمشة المنزلية والملابس، تصدير 90% من الإنتاج للخارج.
أكد وليد جمال الدين، رئيس الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، أن المنطقة الاقتصادية لقناة السويس نجحت حتى الآن في توقيع عقود فعلية لعدد 32 مشروعًا حتى الآن بمنطقة القنطرة غرب الصناعية التي تعدها الهيئة كقاعدة صناعية متكاملة لقطاع المنسوجات والملابس الجاهزة وإكسسواراتها.
وتبلغ الاستثمارات الإجمالية لهذه المشروعات أكثر من 822.2 مليون دولار، على مساحة إجمالية تقدر بنحو 2.097.400 متر مربع، وتتيح 45.6 ألف فرصة عمل مباشرة، وتستهدف هذه المشروعات تصدير الجانب الأكبر من إنتاجها للأسواق العالمية، مستفيدين من الموقع الفريد للهيئة، حيث تعد حلقة الوصل بين مختلف قارات العالم، خاصةً في ظل التكامل بين المناطق الصناعية والموانئ، وهو ما يؤكد نجاح النهج الاستراتيجي الذي تتبعه الهيئة في تعزيز الصناعات التصديرية، وتعميق منظومة التصنيع المحلي، إلى جانب توطين سلاسل الإمداد في قطاع الغزل والنسيج، انطلاقًا من تصنيع المواد الخام، وصولًا لتصنيع مختلف أنواع الأقمشة والملابس الجاهزة لكبرى العلامات التجارية العالمية.
وأوضح، أن الهيئة تواصل تكثيف جهودها خلال المرحلة الراهنة لجذب المزيد من الاستثمارات في القطاعات المستهدف توطينها باستراتيجية الهيئة، بما يحقق أهداف الدولة في تعميق الصناعة وتعزيز الصادرات، مشيرًا إلى قرب افتتاح عدد من المشروعات بمنطقة القنطرة غرب سواءً على صعيد المصانع أو مشروعات البنية التحتية والمرافق التي تدعم جاهزية منطقة القنطرة غرب بالإضافة إلى توافر العمالة المدربة، والحوافز الجاذبة التي تقدمها الهيئة لدعم شركاء نجاحها من المستثمرين، كما أشار إلى أن استقرار الأوضاع السياسية والاقتصادية في مصر كان له أثر كبير في تعزيز ثقة المستثمرين، وجعل من المنطقة الاقتصادية وجهة استثمارية مفضلة.
تجدر الإشارة إلى أن شركة شركة «تشانجتشو رامادا» الصينية المحدودة لصناعة المنسوجات والأقمشة، قد تأسست في عام 2016 بمقاطعة جيانجسو، وهي شركة متخصصة ذات سلسلة صناعية متكاملة تجمع بين مواد خام مثل نسيج خيوط البوليستر، واللف، وحياكة اللف للأقمشة الرمادية، وحياكة النسيج، والتشطيب المسبق، والطباعة، والصباغة، وما بعد التشطيب، والبطانيات الجاهزة، والسجاد الجاهز، واللحاف الجاهز، وأردية الحمام، والأقمشة المصقولة، وتقوم بشكل مستقل بأبحاث وتطوير وتصميم وإنتاج وبيع منتجات المنسوجات المنزلية، وتقوم الشركة بإنتاج أكثر من 10 منتجات متنوعة من أقمشة المنسوجات المنزلية، وما يزيد عن 80 منتجًا من أقمشة الملابس.
اقرأ أيضاًاليوم.. البنك المركزي يطرح أذون خزانة بقيمة 550 مليون يورو لأجل عام
سعر الدولار اليوم الإثنين 11 أغسطس 2025 في بنك مصر والبنك الأهلي وCIB
بـ 124 مليون جنيه.. «بنك مصر» يدعم مستشفى القصر العيني الجامعي لتطوير مركز رعاية الحالات الحرجة