بقلم- موسى العنزي

 

في ركنٍ قصيّ من الطبيعة، في تلك الزوايا التي تمرّ بها أعيننا ولا تراها، تنسج العناكب شبكاتها بهدوءٍ ودقة، في مشهد لا يخلو من الشاعريةٍ لو تأملناه. وقد يكون في هذا الخلق الصغير ما يكشف سرًّا كبيرًا عن أنفسنا، نحن بني البشر، وعن طبيعة عقولنا التي نظنها حكرًا على جماجمنا، بينما هي، في حقيقة الأمر، تمتدّ وتتوزع، تتناثر وتتشبّك.

كشف باحثون من معهد ماساتشوستس للتقنية (MIT) أن عقل العنكبوت لا يُختزل في جسده، بل يمتد خارجًا، ليعيش داخل شبكته المصنوعة من الحرير والتوتر والاهتزاز. فإن مُسّت تلك الشبكة بسوء، اضطرب العنكبوت وارتبك، كما يضطرب الإنسان عند إصابته بجلطة؛ كأنما فُقد جزء من وعيه، لا لأن ضررًا أصاب دماغه، بل لأن موضعًا من ذاته قد تمزّق خارج جسده.

تلك الرؤية تقودنا إلى تأمل حالنا نحن. ألسنا نحن أيضًا كائنات منفتحة على العالم؟ ألسنا نعيش بما نلمسه ويَلمسنا؟ إن أفكارنا لا تتوقف عند حدود بشرتنا، بل تفيض إلى من حولنا، إلى اللغة التي نسمعها وننطقها، إلى الذكريات التي ورثناها، إلى إيماءات الأيدي، ونظرات العيون، وإحساس اللحظة العابرة التي لا تُقال. نحن لسنا جُزُرًا منعزلة، بل شبكات من خيوط لا تُرى، نعيش من خلالها وبها.

ومن هنا، يبدو لي أن النموذج القديم للعلاج النفسي- شخصان في غرفة بيضاء، يحاولان تفكيك النفس بالكلمات- يبدو قاصرًا أمام هذه الحقيقة. فكيف نُصلح جرحًا في الروح إن كانت الروح ذاتها مشتتة في غابة من العلاقات والروابط؟ كيف نردّ نهرًا إلى مجراه بشفاء قطرة مطر؟

العقل- إذًا- ليس آلة تعمل بمعزل، بل شبكة حيّة كشبكة الفطريات تحت التربة؛ لا صوتًا منفردًا بل جوقةً تعزف معًا، لا جدارًا صامتًا بل أرضًا خصبة ترتجف تحت وقع الخطى، تتفاعل مع ما حولها، وتتشكل منه.

لهذا، إن أردنا الفهم والشفاء، فلننظر لا إلى داخل النفس وحدها، بل إلى ما يحيطها: إلى حكايات الأسلاف، إلى حزن الطيور التي هاجرت ولن تعود، إلى الاسم الذي لم يُنطق فغاب، وإلى اليد التي امتدّت يومًا ثم انسحبت.

لعلّ الشفاء ليس في إصلاح ما انكسر، بل في إعادة نسج ما تمزّق. في الإنصات لا للكلمات وحدها، بل لكل ما يرتجف عند حافة الإدراك. لكل من مرّوا فينا وتركوا فينا أثرًا. لكل الأرواح التي تسكننا، ولكل العوالم التي تتذكّرها نيابةً عنّا.

المصدر: صحيفة البلاد

كلمات دلالية: مقالات الكتاب

إقرأ أيضاً:

 خبيرة اقتصادية: 70% من قراراتنا الشرائية تعتمد على العاطفة وليس العقل

قالت خبيرة الاقتصاد الدكتورة ميعاد القرشي، إن 70% من قراراتنا الشرائية تعتمد على العاطفة وليس على العقل.

وأضافت القرشي، في تصريحات ببرنامج "يا هلا"، عبر قناة "روتانا خليجية"، أن الحالات النفسية تؤثر على القرارات اليومية.

وتابعت: "في أوقات العزلة والوحدة نتخذ قرارات شرائية دون وعي، وكلما قلت العلاقات الاجتماعية زادت الفواتير".

وأشارت خبيرة الاقتصاد من يتخذ القرار الشرائي داخل الأسرة هو صاحب التأثير العاطفي الأقوى

70% من قراراتنا الشرائية تعتمد على العاطفة وليس على العقل

خبيرة الاقتصاد د. ميعاد القرشي @jalmuayqil@drmiaad#برنامج_ياهلا #روتانا_خليجية pic.twitter.com/6jaQo8uKFC

— برنامج ياهلا (@YaHalaShow) December 13, 2025 العقلالعاطفةخبيرة الاقتصاد الدكتورة ميعاد القرشيالشراءقد يعجبك أيضاًNo stories found.

مقالات مشابهة

  •  خبيرة اقتصادية: 70% من قراراتنا الشرائية تعتمد على العاطفة وليس العقل
  • بيراميدز يخسر كأس التحدي إنتركونتيننتال بهزيمته أمام فلامنجو البرازيلي 2ـ0
  • كوثر بن هنية: أصنع الأفلام لإعادة الإنسان إلى مركز الحكاية لا لتقديم خطاب سياسي
  • نهم السؤال وظمأ الذات
  • دعاء الشفاء .. 10 كلمات لمن أصابه تعب أو ألم في جسده
  • النمو الاقتصادي ارتبط بارتفاع الانبعاثات لعقود الآن يحدث العكس
  • “قداسة البابا “: من الأسرة يخرج القديسون وهي التي تحفظ المجتمع بترسيخ القيم الإنسانية لدى أعضائها
  • طريقة تعتمد على الذكاء الاصطناعي لكشف المحفزات الخفية للسرطان
  • رافضة الإفصاح عن زواجها.. ياسمين عبدالعزيز توضح موقفها من الارتباط
  • رحلة العمر