مفاوضات النووي الإيراني.. هل ينجح غروسي في منع تهميش الوكالة والأوروبيين؟
تاريخ النشر: 18th, April 2025 GMT
طهران – بعد أربعة أيام من مباحثات مسقط، بدأ المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي زيارة إلى طهران أول أمس الأربعاء لإثارة القضايا الخلافية حول ملفها النووي، مما يطرح تساؤلات عن توقيت الزيارة وعلاقتها بالجولة الثانية من المفاوضات النووية المقررة غدا السبت بين طهران وواشنطن في العاصمة الإيطالية روما.
وتزامنا مع زيارته طهران، حذّر غروسي من أن إيران "ليست بعيدة" عن تطوير قنبلة نووية، مؤكدا -في مقابلة مع صحيفة لوموند الفرنسية- أن أي اتفاق بشأن إيران من دون مشاركة الوكالة سيكون مجرد حبر على ورق.
أهمية الزيارةوفي ثاني زيارة له منذ تولي الرئيس مسعود بزشكيان مقاليد السلطة في طهران، يصل غروسي إلى إيران هذه المرة على وقع مفاوضات بين واشنطن وطهران، سبقتها تهديدات أميركية بشن هجوم عسكري على المنشآت الإيرانية النووية في حال عدم توصلها إلى اتفاق بشأن هذا الملف، مما يجعل من الزيارة محور اهتمام متزايد.
فعلى ضوء التباين في مواقف طرفي المفاوضات عشية اجتماع روما، حيث يدعو الجانب الأميركي إلى "وقف برنامج التخصيب النووي" في حين تعتبره إيران "غير قابل للتفاوض"، تزداد أهمية دور الوكالة الأممية المكلفة بالإشراف على الاتفاق النووي المبرم عام 2015، لاسيما بعد رفع إيران نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 60% ردا على انسحاب إدارة ترامب السابقة منه بشكل أحادي عام 2018.
إعلانورغم أن زيارة غروسي إلى طهران كان مخططا لها في مارس/آذار الماضي لإعداد تقرير شامل عن ملف طهران النووي وفقا للقرار الصادر عن مجلس محافظي الوكالة الذرية، فإن مراقبين إيرانيين يرون أن الجانب الأوروبي قرر تأجيل الزيارة إلى الشهر الجاري إثر عودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.
يقرأ مدير مركز آفاق للدراسات الإيرانية العربية جلال جراغي زيارة غروسي في سياق تحرك الترويكا الأوروبية (فرنسا وبريطانيا وألمانيا) لمواجهة سياسة ترامب الرامية إلى تهميش الجانب الأوروبي في ملف طهران النووي.
وفي تصريح للجزيرة نت، يعتبر جراغي أن الهدف من وراء موقف غروسي -الذي يعتبر أن أي اتفاق بين طهران وواشنطن من دون الطاقة الذرية سيكون بمثابة قطعة ورق لا قيمة لها- هو لفت الأنظار إلى المكانة المحورية للوكالة الذرية في حل الأزمات النووية.
ولدى إشارته إلى زيارات المسؤولين الإيرانيين والأميركيين إلى روسيا قبيل مفاوضات مسقط وبعدها، إلى جانب المشاورات المكثفة بين طهران وبكين، يعتبر الباحث الإيراني أن انفراد الإدارة الجمهورية بالتفاوض مع إيران حول ملفها النووي يثير قلق الأوروبيين.
وأوضح أن الأوروبيين سبق أن اتخذوا خطوات لتفعيل آلية الزناد في الاتفاق النووي من بوابة الوكالة الذرية، لأن واشنطن لم تعد طرفا فيها، والقوى الشرقية ليست في وارد إثارة الآلية.
وتابع أنه مع اقتراب موعد الاجتماع الفصلي لمجلس محافظي الوكالة، فإن زيارة غروسي تبعث رسالة إلى كل من طهران وواشنطن بأنه من غير المقبول حرمان الجانب الأوروبي من أي منافع قد تتمخض عن أي اتفاق محتمل بينهما، وأنه لا بد من العودة إلى الدور الفني للوكالة الذرية في المفاوضات النووية.
وبرأي المتحدث، فإن "إيران تتبنى سياسة وسطية لدفع الشر من أي جهة كانت"؛ إذ تتفاوض مع واشنطن من جهة، وتتعامل بإيجابية مع الوكالة الذرية من جهة أخرى، إلى جانب مشاوراتها الحثيثة وتنسيق الخطوات مع كل من الصين وروسيا بشأن ملفها النووي، لأنها لا تثق في واشنطن وترغب بتوقيع القوى الغربية والشرقية على أي اتفاق محتمل لضمان صموده.
ولا يستبعد جراغي اتساع الهوة بين الدول الأوروبية والولايات المتحدة بشأن الملف الإيراني خلال الفترة المقبلة، مضيفا أن بلاده تحرص على انتفاع حلفائها الشرقيين من أي اتفاق محتمل لرد الجميل على وقوف الصين وروسيا إلى جانبها في مواجهة العقوبات الأميركية.
إعلان مخرجات الزيارةمن ناحيته، يربط الأكاديمي نوذر شفيعي، وهو عضو سابق في لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بالبرلمان الإيراني، زيارة غروسي بخشية الوكالة الذرية تقويض دورها الرقابي بفعل سياسات ترامب الرامية إلى تهميش المؤسسات الدولية والأممية، وانفراده بالإمساك بمفاتيح حل الأزمات الدولية.
ويشير الأكاديمي الإيراني إلى توصل طهران والوكالة الذرية -قبل نحو عامين- إلى اتفاق تعاون لإزالة الغموض عن موقعين نووين، قالت الوكالة إنها عثرت علی جزيئات اليورانيوم العالي التخصيب فيهما، مضيفا -في تصريحه للجزيرة نت- أن مخرجات زيارة غروسي الأخيرة ونتيجة مباحثاته مع المسؤولين الإيرانيين والتقرير المزمع إعداده لمجلس محافظي الوكالة ستؤثر كلها سلبا أو إيجابا على الجولات اللاحقة للمفاوضات النووية.
ويوضح شفيعي أنه بإمكان الوكالة الذرية أن توثر على المسارات الدبلوماسية بشأن ملف طهران النووي من خلال تأكيدها التزام الجمهورية الإسلامية بالاتفاقات السابقة لوصول مفتشي الوكالة لمواقعها النووية أو اتهامها بالإحجام عن الوفاء بتعهداتها.
ويرى المتحدث نفسه أن ترحيب إيران بزيارة غروسي يأتي لترميم الثقة مع الوكالة الأممية، وحثّها على حضور المفاوضات المتواصلة مع الجانب الأميركي لسحب الذرائع المطروحة حول برنامجها النووي من قبل القوى الغربية سواء في أوروبا أو الولايات المتحدة.
وخلص إلى أن غروسي ومعه الجانب الأوروبي يرغبان بمبادرة إيران باتخاذ خطوات عملية لإزالة الغموض بشأن ملفها النووي، وطمأنة الأوساط الأممية والمجاميع الدولية على سلمية برنامجها النووي عبر قناة الوكالة الذرية وليس الولايات المتحدة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الجانب الأوروبی الوکالة الذریة ملفها النووی زیارة غروسی أی اتفاق
إقرأ أيضاً:
كيف علّق الإيرانيون على اتفاق السلام بين أذربيجان وأرمينيا؟
طهران- على وقع التطورات المتسارعة في محيط المصالح الإيرانية، انطلاقا من منطقة الشام مرورا ببلاد الرافدين ثم المياه الخليجية، يأتي توقيع أذربيجان وأرمينيا اتفاق سلام برعاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب في البيت الأبيض تدشينا لمرحلة جديدة لتعاطي طهران مع ملف ممر زنغزور الذي طالما عارضت إنشاءه على حدودها.
وفي توقيت حرج جدا تتقاطع فيه حسابات الأمن والسياسة جنوبي القوقاز، يتراوح تعليق إيران على هذا الحدث بين ترحيب ظاهري بالسلام وتحفظات جيو-إستراتيجية على تغيير موازين القوى.
وأصدرت الخارجية الإيرانية بيانا يجسد مفارقة جيوسياسية؛ إذ رحبت بالمبادرة كـ"خطوة مهمة لتحقيق السلام المستدام"، لكنها عبّرت في الوقت نفسه عن "قلقها من الآثار السلبية لأي تدخل خارجي بالقرب من حدودها المشتركة"، معتبرة أن طريق ترامب -دون تسميته- "يهدد استقرار المنطقة" إذا أفضى إلى قطع الاتصال البري المباشر بين طهران وأوروبا عبر أرمينيا.
طريق الاختناقوبعد سلسلة مناورات أجرتها القوات المسلحة الإيرانية شمال غربي البلاد للتدريب على عمليات تهدف لإحباط أي تغييرات جيوسياسية على حدودها المشتركة، ترى طهران فيها تهديدا لأمنها القومي وتمهيدا لجر أطراف خارجية إلى المنطقة، أثار بيان الخارجية علامة استفهام عن كيفية تعاملها مع إقامة ممر يتحدى أحد أهم روافد تأثيرها في القوقاز.
ورغم النبرة الدبلوماسية المستخدمة في البيان، لا يمكن للأوساط السياسية في طهران أن تغض البصر عن تداعيات ما يروج له الإعلام الغربي والإقليمي من حديث حول "شق طريق ترامب لربط باكو بإقليم نخجوان الأذربيجاني وباستثمار وإدارة أميركيين"، إذ ترى فيه شريحة من الإيرانيين تحديا قد يفتح الباب أمام تغييرات جيوسياسية تهدد مصالح بلاد فارس.
يرى مراقبون إيرانيون أن دخول الولايات المتحدة على خط الوساطة بين باكو ويريفان وإدارة المشاريع الاقتصادية المصاحبة للاتفاق لا يقتصر على شق طريق ترامب، وإنما سيؤدي إلى رفع العلم الأميركي على مرمى البصر وسيجعل إيران متاخمة لقوة عظمى لأول مرة منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، ناهيك أن الحضور الأميركي قد يسهّل حضور أطراف أوروبية ومن حلف شمال الأطلسي (الناتو) قرب الحدود الإيرانية.
إعلانمن جانبه، يقرأ الكاتب السياسي صابر كل عنبري طريق ترامب في سياق المحاولات لخنق إيران مما يدفعها إلى أعتاب تحول جيوسياسي جسيم، وقد تكون تبعاته على طهران أشدّ من توسيع اتفاقيات أبراهام جنوب المياه الخليجية.
وفي تحليل نشره على حسابه بمنصة تليغرام، يرى عنبري أن عماد الاتفاقية بين باكو ويريفان هو إنشاء ممرّ بطول 43 كيلومترا على طول الحدود الإيرانية الأرمينية، مع منح الولايات المتحدة حق تطويره والتحكم فيه لمدة 99 عاما.
واعتبر إقحام واشنطن للتحكم بالممر الرابط بين باكو ونخجوان "خطوة هادفة وذكية من أذربيجان وتركيا، تهدف لتجاوز العقبات والالتفاف على المعارضات -خاصة الإيرانية- حيث إن أي معارضة عملية مستقبلا لن تكون موجّهة ضد أذربيجان أو أنقرة، بل ضد أميركا مباشرة، ما يجعل مواجهة هذا التحدي الأمني والجيوسياسي الهائل في غاية الصعوبة والمخاطرة".
حرب الممراتوعلى وتر تنافس القوى الغربية والشرقية للسيطرة على شبكة الممرات العالمية، يتناول طيف من الإيرانيين ممر ترامب في سياق حرب الممرات، الممتدة من الهند والصين إلى المياه الخليجية ثم القوقاز وآسيا الوسطى، والتي يهدف أحد أبرز محاورها إلى تهميش طهران وبكين وروسيا عن هذه الطرق الدولية.
من جانبه، يدق الباحث الإيراني المختص في النزاعات الإقليمية مصطفى نجفي ناقوس الخطر إثر اتفاقية السلام بين أذربيجان وأرمينيا لأنها -وفقا له- تمنح واشنطن سيطرة استثنائية وحقوق تطوير حصرية تقوّض الرقابة الأرمينية.
وفي تحليل نشره على حساب "أفق إيران" على منصة إكس، يعتقد الباحث الإيراني أن الممر الجديد سوف يتحول إلى ممر عابر للحدود ويُعفى من الرقابة الجمركية والأمنية الأرمينية، على غرار نماذج تاريخية كممر برلين الحربي الذي ربط برلين الغربية بألمانيا الغربية أثناء الحرب الباردة، وممر سوالكي الحالي في بولندا الذي يربط ليتوانيا بالناتو.
وبرأيه، فإن الممر الجديد سيوفر من ناحية اتصالا ماديا متواصلا للعالم من تركيا إلى آسيا الوسطى دون المرور عبر الأراضي الإيرانية، ويخلق من ناحية أخرى -بدعم أميركي- ممرا إستراتيجيا في عمق القوقاز الجنوبي ليقلل نفوذ موسكو ويضع طهران في موقف أصعب، مما يكمل حلقة الضغط الجيوسياسي شمال إيران.
ويخلص نجفي إلى أن تطورات القوقاز تسير تزامنا مع مشاريع موازية في الشرق الأوسط؛ حيث تعيد أميركا وحلفاؤها -في المياه الخليجية وشرق المتوسط ومن آسيا الوسطى إلى أوروبا- تصميم مسارات الطاقة والنقل لتجاوز إيران واستبعادها من خريطة جيو-طاقة المنطقة.
في المقابل، تعتقد شريحة ثالثة من المراقبين بطهران أن بيان الخارجية الإيرانية يظهر ترحيبها بتوقيع الجانبين الأذربيجاني والأرميني اتفاق سلام يضع حدا لعقود من التوتر والصراع قرب حدودها، وإن ضمّنته نبرة تحذيرية من التدخلات الأجنبية التي جاءت بسبب اعتبارات داخلية وخارجية مراعاة لمصالح حلفائها في منطقة القوقاز ولتفادي انتقادات التيار المحافظ.
إعلانمن ناحيته، يعتقد السفير الإيراني السابق في النرويج وسريلانكا وهنغاريا عبد الرضا فرجي راد أنه ما جرى في القمة الثلاثية الأميركية والأرمينية والأذربيجانية هو توقيع مذكرة تفاهم -وليس اتفاقا ملزما- بهدف صناعة إنجاز لترامب بعد فشله في ملفات أوكرانيا وغزة والملف النووي الإيراني والصراع الهندي الباكستاني.
وفي تحليل نشره على قناة "خبرستان" بمنصة تليغرام، يقول فرجي راد إن طريق ترامب يخضع بالفعل للسيادة الأرمينية وإنه يعتقد أن اللوبي الأرميني في أميركا نجح في طرح هذه الخطة لتخفيف الضغوط التركية والأذربيجانية عن يريفان.
وبرأيه، فإن الخاسر الأكبر من توقيع اتفاق السلام في القوقاز كانت باكو التي طالما أصرت على ضرورة أن يكون الممر تحت سيادتها وأن يتمكن مواطنوها من السفر عبره دون رقابة أرمينية، في حين يضمن الاتفاق لأرمينيا سيادتها على الممر، ما يسجل ربحا لها، والذي يُعد بدوره ورقة رابحة للجانب الإيراني.