طهران – بعد أربعة أيام من مباحثات مسقط، بدأ المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي زيارة إلى طهران أول أمس الأربعاء لإثارة القضايا الخلافية حول ملفها النووي، مما يطرح تساؤلات عن توقيت الزيارة وعلاقتها بالجولة الثانية من المفاوضات النووية المقررة غدا السبت بين طهران وواشنطن في العاصمة الإيطالية روما.

وتزامنا مع زيارته طهران، حذّر غروسي من أن إيران "ليست بعيدة" عن تطوير قنبلة نووية، مؤكدا -في مقابلة مع صحيفة لوموند الفرنسية- أن أي اتفاق بشأن إيران من دون مشاركة الوكالة سيكون مجرد حبر على ورق.

أهمية الزيارة

وفي ثاني زيارة له منذ تولي الرئيس مسعود بزشكيان مقاليد السلطة في طهران، يصل غروسي إلى إيران هذه المرة على وقع مفاوضات بين واشنطن وطهران، سبقتها تهديدات أميركية بشن هجوم عسكري على المنشآت الإيرانية النووية في حال عدم توصلها إلى اتفاق بشأن هذا الملف، مما يجعل من الزيارة محور اهتمام متزايد.

فعلى ضوء التباين في مواقف طرفي المفاوضات عشية اجتماع روما، حيث يدعو الجانب الأميركي إلى "وقف برنامج التخصيب النووي" في حين تعتبره إيران "غير قابل للتفاوض"، تزداد أهمية دور الوكالة الأممية المكلفة بالإشراف على الاتفاق النووي المبرم عام 2015، لاسيما بعد رفع إيران نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 60% ردا على انسحاب إدارة ترامب السابقة منه بشكل أحادي عام 2018.

إعلان

ورغم أن زيارة غروسي إلى طهران كان مخططا لها في مارس/آذار الماضي لإعداد تقرير شامل عن ملف طهران النووي وفقا للقرار الصادر عن مجلس محافظي الوكالة الذرية، فإن مراقبين إيرانيين يرون أن الجانب الأوروبي قرر تأجيل الزيارة إلى الشهر الجاري إثر عودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.

غروسي صرح قبل زيارته إيران بأنها ليست بعيدة عن تطوير قنبلة نووية (رويترز) مواجهة أحادية

يقرأ مدير مركز آفاق للدراسات الإيرانية العربية جلال جراغي زيارة غروسي في سياق تحرك الترويكا الأوروبية (فرنسا وبريطانيا وألمانيا) لمواجهة سياسة ترامب الرامية إلى تهميش الجانب الأوروبي في ملف طهران النووي.

وفي تصريح للجزيرة نت، يعتبر جراغي أن الهدف من وراء موقف غروسي -الذي يعتبر أن أي اتفاق بين طهران وواشنطن من دون الطاقة الذرية سيكون بمثابة قطعة ورق لا قيمة لها- هو لفت الأنظار إلى المكانة المحورية للوكالة الذرية في حل الأزمات النووية.

ولدى إشارته إلى زيارات المسؤولين الإيرانيين والأميركيين إلى روسيا قبيل مفاوضات مسقط وبعدها، إلى جانب المشاورات المكثفة بين طهران وبكين، يعتبر الباحث الإيراني أن انفراد الإدارة الجمهورية بالتفاوض مع إيران حول ملفها النووي يثير قلق الأوروبيين.

وأوضح أن الأوروبيين سبق أن اتخذوا خطوات لتفعيل آلية الزناد في الاتفاق النووي من بوابة الوكالة الذرية، لأن واشنطن لم تعد طرفا فيها، والقوى الشرقية ليست في وارد إثارة الآلية.

وتابع أنه مع اقتراب موعد الاجتماع الفصلي لمجلس محافظي الوكالة، فإن زيارة غروسي تبعث رسالة إلى كل من طهران وواشنطن بأنه من غير المقبول حرمان الجانب الأوروبي من أي منافع قد تتمخض عن أي اتفاق محتمل بينهما، وأنه لا بد من العودة إلى الدور الفني للوكالة الذرية في المفاوضات النووية.

وبرأي المتحدث، فإن "إيران تتبنى سياسة وسطية لدفع الشر من أي جهة كانت"؛ إذ تتفاوض مع واشنطن من جهة، وتتعامل بإيجابية مع الوكالة الذرية من جهة أخرى، إلى جانب مشاوراتها الحثيثة وتنسيق الخطوات مع كل من الصين وروسيا بشأن ملفها النووي، لأنها لا تثق في واشنطن وترغب بتوقيع القوى الغربية والشرقية على أي اتفاق محتمل لضمان صموده.

ولا يستبعد جراغي اتساع الهوة بين الدول الأوروبية والولايات المتحدة بشأن الملف الإيراني خلال الفترة المقبلة، مضيفا أن بلاده تحرص على انتفاع حلفائها الشرقيين من أي اتفاق محتمل لرد الجميل على وقوف الصين وروسيا إلى جانبها في مواجهة العقوبات الأميركية.

إعلان مخرجات الزيارة

من ناحيته، يربط الأكاديمي نوذر شفيعي، وهو عضو سابق في لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بالبرلمان الإيراني، زيارة غروسي بخشية الوكالة الذرية تقويض دورها الرقابي بفعل سياسات ترامب الرامية إلى تهميش المؤسسات الدولية والأممية، وانفراده بالإمساك بمفاتيح حل الأزمات الدولية.

ويشير الأكاديمي الإيراني إلى توصل طهران والوكالة الذرية -قبل نحو عامين- إلى اتفاق تعاون لإزالة الغموض عن موقعين نووين، قالت الوكالة إنها عثرت علی جزيئات اليورانيوم العالي التخصيب فيهما، مضيفا -في تصريحه للجزيرة نت- أن مخرجات زيارة غروسي الأخيرة ونتيجة مباحثاته مع المسؤولين الإيرانيين والتقرير المزمع إعداده لمجلس محافظي الوكالة ستؤثر كلها سلبا أو إيجابا على الجولات اللاحقة للمفاوضات النووية.

ويوضح شفيعي أنه بإمكان الوكالة الذرية أن توثر على المسارات الدبلوماسية بشأن ملف طهران النووي من خلال تأكيدها التزام الجمهورية الإسلامية بالاتفاقات السابقة لوصول مفتشي الوكالة لمواقعها النووية أو اتهامها بالإحجام عن الوفاء بتعهداتها.

ويرى المتحدث نفسه أن ترحيب إيران بزيارة غروسي يأتي لترميم الثقة مع الوكالة الأممية، وحثّها على حضور المفاوضات المتواصلة مع الجانب الأميركي لسحب الذرائع المطروحة حول برنامجها النووي من قبل القوى الغربية سواء في أوروبا أو الولايات المتحدة.

وخلص إلى أن غروسي ومعه الجانب الأوروبي يرغبان بمبادرة إيران باتخاذ خطوات عملية لإزالة الغموض بشأن ملفها النووي، وطمأنة الأوساط الأممية والمجاميع الدولية على سلمية برنامجها النووي عبر قناة الوكالة الذرية وليس الولايات المتحدة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الجانب الأوروبی الوکالة الذریة ملفها النووی زیارة غروسی أی اتفاق

إقرأ أيضاً:

طهران تعلق التعاون مع الوكالة الذرية.. لا رقابة أو تفتيش

صعد البرلمان الإيراني لهجته الأربعاء من خلال التصويت العلني بأغلبية ساحقة على مشروع قانون يلزم الحكومة بتعليق التعاون الكامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA)، في خطوة اعتبرها مراقبون توتيرًا جديدًا للعلاقات مع الغرب، وسط اتهامات مباشرة لرئيس الوكالة رافائيل غروسي بـ"التجسس" و"الخيانة للأمانة الدبلوماسية".

وبحسب ما أوردته وكالة تسنيم الإيرانية، فقد صوت 221 نائباً من أصل 223 حاضرين بالموافقة على المشروع، مع امتناع نائب واحد فقط، ودون تسجيل أي أصوات معارضة.

وجاء القرار جاء استناداً إلى المادة 60 من معاهدة فيينا لعام 1969، بعد ما وصفه البرلمان بـ"الاعتداءات المتكررة على السيادة الإيرانية" من قبل الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، واستهداف المنشآت النووية الإيرانية.

ولا ينص القرار على انسحاب إيران من معاهدة حظر الانتشار النووي (NPT)، لكنه يحظر بشكل صارم تركيب كاميرات رقابية جديدة أو السماح بدخول مفتشي الوكالة، بل ويتضمن مادة صريحة تمنع تقديم أي تقارير مستقبلية عن الأنشطة النووية الإيرانية.

#BREAKING
FM spokesman: Cutting off cooperation with the IAEA is the nation's response to illegal attacks pic.twitter.com/Xr8K9EyxIl — Tehran Times (@TehranTimes79) June 25, 2025


وفي تصريحات نارية، قال نائب رئيس لجنة الأمن القومي، النائب سيد محمود نبويان، إن الوكالة "تسرب معلوماتنا للكيان الصهيوني"، مضيفًا: "رئيسها جاسوس، ولن نسمح بدخوله أو دخول أي من موظفيه للبلاد ما لم يتم ضمان أمن منشآتنا وحقوقنا النووية كما نصّت عليها المادة الرابعة من معاهدة NPT."

من جانبه، صرح المتحدث باسم لجنة الأمن القومي، إبراهيم رضائي، أن المشروع تم تعديله واعتماده داخل اللجنة يوم 24 حزيران / يونيو، مؤكداً أن إيران لن تتعاون مع الوكالة إلا بشروط واضحة: احترام سيادة البلاد، تأمين العلماء والمنشآت، والاعتراف الكامل بحق إيران في التخصيب المحلي.

وشهدت الجلسة أيضًا تصعيدًا لفظيًا ضد مدير الوكالة غروسي، حيث قال نائب رئيس البرلمان علي نيكزاد،: "غروسي يجب أن يخجل. ما يقوله في طهران يختلف تمامًا عما يقوله في فيينا، وهذه خيانة للثقة."

وفي بند إضافي اقترحه النائب محمد صالح جوكار، أُدرجت عقوبات جنائية بحق أي مسؤول يتقاعس عن تنفيذ هذا القانون، وتشمل عقوبات تعزيرية من الدرجة السادسة وفقًا لقانون العقوبات الإيراني. وصوّت على هذا التعديل 190 نائبًا من أصل 221.


واختتمت الجلسة بتصريح رمزي من النائب محمد قسيم عثماني، قال فيه: "سلاحنا النووي الحقيقي هو شعبنا، الذي بثقته في قيادته أحبط كل المؤامرات وأجبر الأعداء على التراجع."

هذه الخطوة من شأنها أن تعقّد مسار المفاوضات النووية، وتُدخل العلاقة بين إيران والوكالة في نفق مظلم جديد، وسط قلق متزايد من احتمالات التصعيد الإقليمي والدولي.

مقالات مشابهة

  • عراقجي يرفض زيارة جروسي ويوقف التعاون مع الوكالة الذرية: انعدام الثقة وتواطؤ في الهجوم
  • الوكالة الدولية للطاقة الذرية: أضرار هائلة بالبرنامج النووي الإيراني.. و"فوردو" خارج الخدمة
  • الوكالة الدولية للطاقة الذرية تكشف : إيران لا تمتلك السلاح النووي حتى الآن وهذا هو السبب (تفاصيل)
  • إيران تقر قانونًا لتعليق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية
  • ايران تتهم الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالعمل وفقا لأجندة سياسية
  • النووي الإيراني بعد وقف النار..جرد حساب مع الوكالة الدولية وتعرية ازدواجية المعايير الدولية
  • طهران تعلق التعاون مع الوكالة الذرية.. لا رقابة أو تفتيش
  • البرلمان الإيراني يقر تعليق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.. ماذا بقي من البرنامج النووي الإيراني؟
  • ما بعد الهدنة: خطوات تصعيدية إيرانية تجاه الوكالة الذرية وجدل حول مصير البرنامج النووي
  • طهران تعتزم استئناف البرنامج النووي.. وطلب فوري من غروسي