الوردُ يُقطفُ في السوشيال ميديا !
تاريخ النشر: 20th, April 2025 GMT
عندما سقطت وردةٌ من سلّتي فـي لحظة القِطاف المُذهلة تلك، أخبرني رجلُ الجبل الأخضر بشيء من الاعتداد أنّ الوردة الساقطة لا يمكن هدرها على ذلك النحو، فالوردة ليست ما نلتقطه لها من صور عابرة، وإنّما ما تختزنه من قيمة لسكان الجبل الأخضر منذُ مئات السنين.
المفارقة أنّ هذه التجربة، أعني «قطاف الورد»، خرجت فـي السنوات الأخيرة من سياق عزلتها الصامتة، ليتشاركها الناس بصورة تدعو للتأمل حقًا.
وبقدر ما ينبئُ الأمر ظاهريًا عن عدوى استجابة مُفرطة لحُمى التصوير الشرسة التي تجعلنا جزءًا من صيحة «الترند» لا أكثر، إلا أننا لا نستطيع تجاوز الدلالة العميقة أيضًا التي تتعلق برغبتنا فـي الالتحام مع الطبيعة والتعالق مع البُنى الإنسانية المتجذرة فـي المكان، فحصاد الورد فـي ساعات الصباح الباكرة وفـي درجات حرارة معتدلة، ثمّ وضعه فـي أقمشة ملونة تُقلل من فرص ذبوله، يكشفُ عن طبيعتنا التي لا ترغب فـي الانفصال عن وحدة الكون، بقدر ما يكشفُ أيضا عن رغبتنا فـي توثيق القصّة كشيء يدعو للزهو!
كل هذا لا يمكنه أن يمحو أنّ الصورة البارعة التي يلتقطها المصور المحترف والإنسان العادي على حد سواء، تخلقُ أثرًا تسويقيًا مُذهلًا، فأكثر من 4000 شُجيرة ورد، تجلبُ الخطى الوثابة للمشي لمسافات طويلة وسط مزارع تضجُ بنشيد الرائحة الأخاذة، يعقبُ ذلك المرور على مصنع التقطير المحلي، والمباني القديمة التي بدأت تأخذ طابع النُزل أو المقاهي، وهذا ما لم يكن يحدث قبل السوشيال ميديا بهذه الكثافة الملحوظة!!
لا يُمكنني، فـي الحقيقة، أن أحصي عدد الصور ومقاطع الفـيديو العادية أو تلك التي التقطت بواسطة «الدرون»، وهي تُخاتلنا من حين لآخر، كاشفة عن جنة لا نهائية الحُسن.. وردٌ محمدي يانع فـي قفران محلية الصنع، جوار قصّة تقطير ماء الورد، و«اللواسي» المُلونة التي تتماهى مع لون الزرع بل تغدو امتدادًا طبيعيًا له.
اللافت أنّ أبناء الجبل كبار السن منهم وشبابهم وأطفالهم اللافتين، يمنحون المكان غوايته الناعمة، يُشكلون هالة سحرية جذابة، بثيابهم ولهجتهم ومنتجاتهم الزراعية والعطرية، عاكسين تناغمهم الخلاب مع بيئتهم، حيث لم تختفِ التقاليد المتعلقة بصناعات الورد المختلفة التي تدخل فـي تحضير العطور وإضافة النكهة على الأطعمة وبعض العلاجات أيضا، فالطرق التقليدية مهما تقادمت تجذب السياح أكثر مما قد تفعل المصانع التي تفقد إنسانيتها.
يمكن للكثير من الأفكار أن تجعل من الجبل الأخضر مزارًا سياحيًا حيويًا صيفًا وشتاءً، يُؤمن فرص عمل مثالية لأبنائه، ولذا لا بد من بحث السبل لإعداد الطرق والمواقف و«التلفريك«» لاستيعاب الكثافة المتزايدة عاما بعد آخر، وأن تُوفر الأكشاك ودورات المياه المتحركة، وهي مسائل خدمية آن أوان تجاوز الحديث عنها فـي سلطنة عُمان !
يُكابد الجبل الأخضر قلّة الخدمات إزاء الضغط البشري المحلي والخليجي والعربي وحتى الأجنبي المتزايد من عام إلى آخر، رغم الجهود المبذولة من قبل الأهالي، لكن هذا لا يعني من جهة أخرى استيراد أفكار التطوير من خارج نسيجه، بل أن تمتد استراتيجية نموه من رقعته ومن إيقاعه الخلاق، فلا يفقد حمولته الرمزية ولا ينحرف نحو التشويه المصنوع والباهت!
ينبغي الانتباه إلى أنّ المكان ليس مجرد ورد ورمان وتين وزيتون، المكان قصّة تروى بكل رهافتها، المكان أساطير وحكايات تمدُ جذورها عميقا.. ولكيلا تُصاب الصورة الرمزية بخلل، ينبغي أنسنة الأمكنة عبر شحنه بالمعاني، عبر جعل مجازه المُتخيل فعّالا، يتجاوز التنظير العابر لصالح ترسيخ تمثلاته الواقعية التي تُرى وتُحس.
فـي مقال لجورج سيمل، يشيرُ بوضوح إلى أنّ وسائل التواصل الحديثة، تُحفزُ حاسة البصر أكثر من حاسة السمع القائمة فـي الماضي على تبادل الأحاديث، الأمر الذي من شأنه أن يُغير أساس المشاعر الاجتماعية.. فرغم نعتنا لها -بالإلهاء العظيم- إلا أنّه لا يمكننا إنكار دورها البصري فـي تحريض فكرة الصعود إلى الجبل للكشف عن ذلك الغامض والمتوهج والمنسي، حتى باتت -التقنيات الحديثة- مصدر حماية لمِهَن وعادات وقُرى مُهددة بالاختفاء والسحق!
هدى حمد كاتبة عُمانية ومديرة تحرير مجلة نزوى
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الجبل الأخضر التی ت
إقرأ أيضاً:
شاب يفقد حياته غرقًا بعد ساعة من إنقاذه من نفس المكان
في حادثة مأساوية شهدتها ضفاف نهر الفرات بالعراق، توفي الشاب زيد بسيم غرقًا بعد أن أعاد السباحة في نفس الموقع الذي تم إنقاذه منه في وقت سابق من اليوم ذاته.
ووفقاً لمصادر محلية، فقد تعرض زيد للغرق في النهر قبل أن يتمكن عدد من المواطنين من إنقاذه وإخراجه بسلام. وعلى الرغم من النجاة الأولى والتحذيرات التي وجهت له، عاد الشاب إلى السباحة في ذات المكان بعد أقل من ساعة، لتتكرر المأساة، لكن دون إمكانية إنقاذه هذه المرة.
وهرعت فرق الإنقاذ إلى الموقع فور تلقي البلاغ، وتم انتشال جثمانه لاحقًا.
وأعرب ذوو الشاب وأهالي المنطقة عن حزنهم العميق، مطالبين بتشديد الرقابة وتوفير لافتات تحذيرية في المناطق الخطرة من النهر.
أخبار محليةإنقاذالعراقتحذير من الغرقحادث مأساويزيد بسيمسباحةغرق 0 شارك FacebookTwitterWhatsAppالبريد الإلكترونيLinkedinTelegramطباعةالسابق بوست
إيلون ماسك يخطط لإحياء Vine بلمسة ذكاء اصطناعي عبر منصة X.
قد يعجبك ايضا المزيد عن المؤلف اخر الاخبارإيلون ماسك يخطط لإحياء Vine بلمسة ذكاء اصطناعي عبر منصة X.
اخر الاخبارترامب يعلن التوصل إلى اتفاق تجاري “جيد للجميع” مع الاتحاد الأوروبي
اخر الاخبارالنقابة الوطنية للصحافة المغربية تطالب بالإفراج الفوري عن الصحفي البقالي وطاقم سفينة…
اخر الاخبارواتساب يطلق محادثات صوتية مع “ميتا AI”
السابق التالي اترك رد إلغاء الردلن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.
احفظ اسمي والبريد الإلكتروني وموقع الويب في هذا المتصفح للمرة الأولى التي أعلق فيها.
مملكة tv
بالفيديوا : اصحاب محالات سوق ربيع يستبشرون خير بعد الاجتماع مع السيد ولي جهة مراكش…
رسالة الى السيد الوالي فضيحة نادي المسنين بسيدي يوسف بن علي مراكش
رسالة الى السيد الوالي تبين حقائق و معطيات تخص المركب التجاري سوق…
حملة امنية شرسة للمنطقة الامنية الخامسة ضد الدراجات المخالفة للقانون
افتتاح معرض الصناعة التقليدية، المنظم من طرف غرفة الصناعة التقليدية…
السابق التالي 1 من 455حوادث
اخر الاخبارشاب يفقد حياته غرقًا بعد ساعة من إنقاذه من نفس المكان
مملكة بريس /س يوليو 27, 2025 0 في حادثة مأساوية شهدتها ضفاف نهر الفرات بالعراق، توفي الشاب زيد بسيم غرقًا بعد أن أعاد السباحة في نفس الموقع الذي…الأمن يوقف لصاً خطيراً بالمهدية بعد ظهوره في فيديو يوثق سرقة ملابس من…
يوليو 26, 2025سلا..شاحن هاتف يتسبب في اندلاع حريق مهول بمنزل بحي الانبعاث
يوليو 25, 2025الدار البيضاء.. توقيف افريقيين على خلفية الضرب والجرح المقرون بالسرقة
يوليو 25, 2025 السابق التالي 1 من 1٬319أخبار ملكية
اخر الاخبارالملك يعزي أفراد أسرة المرحوم أحمد فرس
مملكة بريس /س يوليو 16, 2025 0الملك محمد السادس يرسل برقية الى الرئيس الفرنسي
يوليو 14, 2025الملك محمد السادس يعزي الرئيس الأمريكي ترامب في ضحايا فيضانات تكساس
يوليو 8, 2025الملك محمد السادس يرسل برقية إلى الرئيس الأمريكي
يوليو 4, 2025 السابق التالي 1 من 460 Pollsهل أنت مع إلغاء معاشات البرلمانيين؟
نعم لاعرض النتائج
مملكة بريس من نحن هيئة التحرير سياسة الخصوصية اتفاقية الاستخدام أرسل مقال إتصل بنا تصنيفات سياسة مجتمع الدولية قضايا عامة حوادث ثقافة جميع الحقوق محفوظة لجريدة مملكة بريس 2025